على رموشنا تكسرت أجنحة الفراشات فلم نعد نرى أصحاب الأخدود.
أخذنا طوفانُ نوح إلى حدود اليابسة فغرقنا في أخاديد الملح ومستنقعات النفط.
نكتب أسماءنا على ألواح السراب فتمحوها السوافي بالريح العقيم.
تتهجانا العروبة بأحرف عبرية فتخنقها عبرة قد عبرت حنجرتها إلى قلبها المتعب بنا.
هي ذاتها تلم بقايانا وتدفننا في العتمة كي نصير خيوطا سودا لا يراها العابرون في طريقهم إلى الهيكل ذات زمان حنظلي على مزامير يَهْوَه.
وليمة أجسادنا تنهشها نيوب الثعالب في صحرائنا الظامئة.
الجراح من الجراح تتناسل من أشلاء مزقتها أسنة الرفاق، لم تكن دماء بل تخثُّرات طينية عكرها ماء سال من وجوه شققها الاستجداء.
هل نحن موتى أم الموتى نحن في جُنّاز أعدَّ ليكون الشاهد على قبح العزاء والمعزين.
كراهية الصهيل والأزيز والصليل تُوجّهنا بعيدا بعيدا عن رايات بني أمية فتتكرش في بطوننا تخمة الاستعباد الطارئ منذ بكائية ذاك المفتون بميراث آبائه الصقور القرشيين على شُرفات غرناطة وشواطئ سَبْتة ومَليلية.
بكاء النائحات استعير منذ عمورية ليكون للنائحين بردا وسلاما وطأطأة رؤوس لم يقطفها الحجاج الثقفي في دير الجماجم ذات غضبة مضرية.
لم يعد لدار الندوة سقيفة بعد أن خلت واستبدلت بمقاهي الأعراب في التيه، حتى أسواق عكاظ والمربد وكُناسة ملئت بالزعانف من كل الألسنة العجماء ونريد بعد هذا كله أوسمة النصر المقدس والحكمة الراشدة وعمائم بني العباس وعباءات ربيعة وثارات الغافقي.
لم يعد في شقوق الأرض إلا رائحة الشهداء وما على وجهها إلا تجاعيدُ منسية في كهوف تشبه الصدى المتكسر لحظة الغروب.ثم يصرخون نحن صخرة الوادي وظل الله في الأرض والصافنات الجياد والقيامة الطالعة بالمنون .
أما قبلُ،
من المؤلفة قلوبُهم إلى المؤلفة أمعاؤهم وجيوبهم تحيةً لأوجاعكم المطرزة بعبوديتنا منذ صفوية ابن العلقمي ذاك المتسول على أبواب المدائن من عهد جده أبي رغال حتى آخر حفيد بكّاء مشّاء بنميم.
أخماسكم لنا، وما زاد من فضل فهو لنا أيضا ولكم الكلام والدعاء والبكاء على كل وتر حزين أو غد منتظر . طابت أموالنا بكم وطابت أحلامكم بنا .
وأما بعدُ ،
مع ذلك النشيد الساحلي الممتد شَجَنًا من أقصى القلب إلى أقصاه :
سيبقى الوطن والأمة وترَ الفؤاد الذي نعزف عليه أوجاعنا ليكونا دندنةً للروح ومِشْكاة في معارج الشهادة ومدارج السماء.