بقلم د. عبدالمهدي القطامين
امسك برسن فرسه ومضى ...دمعتان ترقرقتا في عينيه تذكر حكايته مع الهبوب التي لم تخذله يوما ...كان اذا ترك ديرته في سفر مستقلا القطار تطلق صهيلها مودعة بينما كانت بيديها تضرب الارض ...تذكر ذات مساء بينما مضارب اهله تستقبل المساء وقد فاحت روائح القهوة المحمصة بالمحماس النحاسي المتكىء على اطراف النيران المشتعلة ...جاء صوت المنادي
: يا قوم ... لقد غزينا .... "ظهورها يا النشامى "
كان فنجان القهوة لم يزل في يده القاه على النار المشتعلة واعتلى ظهر " الهبوب " تعالت اصوات الرجال وهم يتقافزون على خيولهم المسرجة
: " وين راحوا النشامى "
اطلق النداء الاخير وراحت "الهبوب" وقد سمعت النداء ترفع اذنيها مستنفرة وصهيلها يشق سماء المكان مدويا عاليا لم يكن سوى هنيهة حتى كانت في المقدمة ... وكان "عارف " يهمز ركابها
: " المنية ولا الدنية ايها الربع " ... ارتفع نداؤه فدبت النخوة في نفوس فرسان القبيلة وحين احست الهبوب بهمز الركاب اندفعت تشق صفوف الغزاة القادمين ... السيوف تاهت بين الصهيل والصليل .... احس " عارف " بوجع ينغرز في صدره وبما يشبه الماء الساخن يندلق نحو ركبتيه حاول ان يقاوم بلا جدوى ...سقط على الارض بين قدميها ..رفعت "الهبوب " قوائمها الامامية واستقرت على القوائم الخلفية وراح صهيلها يرتفع حادا حزينا ... ادرك فرسان القبيلة ان فارسهم سقط فعطفوا خيولهم نحوه ، كانت لم تزل تحمحم وتصهل وتحت قوائمها كان فارسها .... وكأنها كانت تقول للغزاة ...لن تصلوا فارسي ابدا .
بدت المسافة بعيدة " والهبوب " ما بين خطوة واخرى تتوقف قليلا وتعاود مسيرها البطيء وهي تئن .... وامامها كان "عارف " يجر اقدامه جرا .... وهو يمسك بالرسن وبين فينة واخرى كان يلف رأسه نحوها ، حزينة ، شاحبة ، متعبة ، كأنها لم تكن يوما تطوي الصحراء طيا ...قبل ان يصلا الى الوادي الذي قصده ليكون فيه وداعهما الاخير "احرنت الهبوب " واعلنت استسلامها مفترشة الارض التي راحت رياح "ام البسوس " تقلب رملها وتثير غبارها ... اقترب عارف منها, طوى الرسن, مد يده الى جيبه , اخرج حبة حلوى قشرها ودفعها نحو فمها ...هزت رأسها هزة خفيفة رنت نحو وجه فارسها .... واصدرت صوتا هو اقرب للحشرجة ثم القت برأسها على الارض واسلمت الروح.