بقلم : معاذ مهيدات
إن تبعات كورونا الحقيقية لم تظهر بعد وهي ليست عدد من سيصابون بها أو ضحاياها فقط بل تأثيرها على التوازنات الدولية عموما، ففيروس كورونا رغم انتشاره عالميا الا أن العقل البشري سيتمكن في نهاية المطاف من احتوائه والسيطرة عليه من خلال ابتكار لقاح له وبالتالي سيتحول إلى مجرد فيروس عادي مثله مثل بقية فيروسات الانفلونزا، وسينتهي كما انتهت داعش.
المرحلة الاولى التي تخطاها العالم كانت ولادة الفيروس وبدايات اكتشافه الأولى منذ قرابة الثلاثة أشهر في مدينة ووهان الصينية، والآن تم الانتقال الى المرحلة الثانية وهي الانتشار، لكن في خضم هذا فان الصين وحدها انتقلت الى المرحلة الثالثة وهي الاحتواء فيما لا تزال دول العالم الاخرى في مرحلة الانتشار، ما يفرض على صناع القرار اتخاذ تدابير لمواجهة فيروس لم تتوفر بعد معلومات أساسية عن طريقة انتشاره، وقدرته على التحور، والمدى الزمني المتوقع لانتشاره، كما لم يكن معروفًا في الأسابيع الأولى فترة حضانة الفيروس، أي المدة التي تمر منذ أن يصاب الإنسان بالفيروس وحتى ظهور الأعراض عليه، وكل هذه المعلومات ضرورية من أجل تحديد آليات منع انتشاره.
هناك صراع قوي وحاد اليوم وقد يتطور بين الصين وأمريكا. العلماء في الصين على بعد خطوات بسيطة من انتاج لقاح لفيروس كورونا المستجد كوفيد-19، وعلمت أمريكا بذلك فتحاول الضغط بشدة لكي يصنع في امريكا، ويكون للأمريكيين اولا، فالكورونا أزمة عالمية تدار بواسطة النظام العالمي الجديد.
وهذه المؤشرات في مجملها تدل على أن فيروس "كورونا" ربما يكون قد دخل في طريقه إلى الانحسار الآن، وأن الأسابيع القليلة المقبلة قد تشهد بوادر حقيقية لانحساره وانتهائه بشكل تدريجي، ومن ثم تراجع مخاطره على الاقتصاد العالمي، مما يشير لإمكانية دخول العالم لحلقة جديدة من حلقات العولمة ستكون تحت غطاء ما بعد العولمة أو العولمة العالمية الجديدة أو غيرها، ورغم أنه من المبكر إعلان "وفاة" العولمة، فلا شك أن تفاعلات أزمة فيروس كورونا ستعزز من التناقضات والتوترات التي تضغط عليها أصلًا، وتتسبب في المزيد من الأزمات الإنسانية والسياسية والاقتصادية في المستقبل المنظور.
سلط الانتشار الواسع للفيروس الضوءَ على المخاطر التي تُواكب ارتفاع وتيرة الحركة بين مختلف أركان الكرة الأرضية بسرعة وسهولة، والتي ارتبطت بتنامي حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بين مختلف مناطق ودول العالم. لكنّ الإجراءات التي اتُّخذت لمواجهة الأزمة أظهرت أيضًا التداعيات السلبية لتوقف عجلة العولمة عن الدوران، وإغلاق الحدود، ووضع القيود على حركة الأشخاص. فيما اعتبره بعض المحللين عرضًا أوّليًّا أو "بروفة" لما قد يواجه العالم مستقبلًا إذا ما ساد التيار المناهض للعولمة، الصاعد بقوة في عدد من الدول، ولا سيما على الساحة الأمريكية بشكل خاص.
ويعود ذلك لأسباب متعددة، منها: أن بعض الدول ترى في أنشطة المنظمات الدولية تدخلًا في أمور تعتبرها سيادية. في حين ترى أخرى أنها تُحمّلها أعباء اقتصادية ليست مستعدة لها. بينما لا يقتنع عددٌ من الدول أصلًا بالعمل الدولي متعدد الأطراف، كما هو موقف الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس "دونالد ترامب".
مع كل هذا فان العالم مرتبك حاليا فالجامعات والمدارس وكل التظاهرات يتم الغاؤها وصناع القرار عاجزين عن التحرك أو السيطرة على الوضع، في خضم كل هذا فإن العالم مقبل على تغييرات كبيرة فبعد مرحلة الحرب الباردة وسيطرة أمريكا والاتحاد السوفياتي تم الانتقال الى مرحلة القطب الواحد فالنظام العالمي الجديد المتسم بالفوضى، فإننا بعد كورونا بصدد الدخول في مرحلة جديدة لكنها هذه المرة لن تكون بالحروب والدمار لكن بطريقة جديدة وعنوانها الاساسي العملاق الصيني وصوننة السياسة العالمية.