بقلم د. عبدالمهدي القطامين
امر محير ومدهش ان تقوم الحكومة الاردنية الحالية بخلوة لدراسة اولوياتها وبرامجها بقية هذا العام والعام القادم فيما وكما تقول الانباء ان رحيلها اصبح وشيكا لن يتجاوز ايلول القادم في اسوأ الاحتمالات.
بغض النظر عن وجهة نظرنا في الحكومة الحالية التي لاقت استحسانا عند تشكيلها قبل عامين قل ان تلاقيه او لاقته حكومة اردنية بل ولعلني شخصيا كنت احد المتفائلين برئيسها الذي لم يعرف عنه خلطه بين السياسة والبزنس فهو قادم من عالم والاستشارات والتنظير مع خبرات عامة بدأت في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ثم وزارة التربية والتعليم وخبرة اخرى في مؤسسات التمويل الدولية فاين اخطأت هذه الحكومة واين اصابت .
لعل اولى المواجهات التي خاضتها كانت مع قانون ضريبة الدخل الجديد الذي كان سببا في رحيل الحكومة التي سبقتها وما كان للقانون ان يمر لولا ان حقق بعض مطالب الفئات التي كانت تحتج على القانون المقترح ليخرج بثوب جديد فيه ميل على موظفي القطاع العام والمؤسسات العسكرية المختلفة وفيه انحياز لقطاعات المال والبنوك والاعمال الحرة الاخرى التي يمارسها مختلف المنتسبين الى قطاعات نقابية مختلفة فهدأ الضجيج ومر القانون الاشكالي ولكن بثوب جديد .
المواجهة الاخرى التي خاضتها الحكومة الحالية كانت مع نقابة المعلمين اضخم النقابات واكبرها عددا وتاثيرا يشمل كل بيت اردني كان اداء الحكومة متواضعا في هذه المواجهة ولولا ان تم الاستعانة بصديق لانتهت المواجهة الى غير صالح الحكومة بل ربما رحيلها ايضا انتصر المعلمون وحققوا مطالبهم لكن الحكومة ذاتها استغلت جائحة كورونا لتجرد المعلمين من العلاوات التي تحصلوا عليها في تلك المواجهة وهي قصة سنوردها تفصيلا لاحقا .
المواجهة الاشد كانت مع كورونا وعلى الرغم من ان تعليمات المواجهة كانت شبه موحدة عالميا استجابة لمن يدير المواجهة عالميا ...منظمة الصحة العالمية الا ان الحكومة حققت نجاحات مرضية في مواجهة المرض والفايروس غريب الاطوار والتشكل وكان لوحدة القرار المتخذ من لجنة مركزية تشمل كل مؤسسات الدولة المعنية وعلى رأسها القوات المسلحة الاردنية واجهزة الامن والداخلية بمختلف تصنيفاتها والقطاع الطبي الذي خاض المواجهة بشرف وانتماء كل ذلك حقق انتصارا حقيقيا على المرض المجهول الحركة والنمو والتطور لكن الحكومة ذاتها اخفقت اخفاقا بينا ومروعا في الجانب الاقتصادي فكان اغلاق القطاعات الاقتصادية كافة ما يقارب ثلاثة اشهر ضربة قاصمة لتلك القطاعات التي كانت تعاني قبل الجائحة لكنها دخلت مرحلة الموت السريري اثناء الجائحة وستظل تدفع الثمن لاحقا ليس لاشهر فقط بل ربما لسنوات وربما يقول قائل ان ذلك كان من موجبات المواجهة وقد يصح مثل هذا القول لكن ليس على الاطلاق وفي بعض القرارات كان الامر خطيئة كبرى ان تمتد يد الحكومة الى علاوات موظفي القطاع العام ومنتسبي الاجهزة العسكرية المختلفة وعلاوات المعلمين المستحقة وكان من المفترض بل من الواجب دعم صمود هذه الفئات ليظل بعضا من السيولة في الاسواق التي جفت او كادت قبل ان يجف فايروس كورونا على رأي وزير الصحة وكان يفترض في الحكومة ان توجه قطاع البنوك الذي دعم بمبلغ ٥٠٠مليون دينار منها الى تأجيل اقساطهم المستحقة على المواطنين الى نهاية عام الجائحة لتوفير مزيد من سيولة النقد في اسواق ضيق الحظر عليها الخناق وباتت مفلسة.
المسألة الاخيرة وهي مهمة ايضا ان الاوضاع لا تحتمل ابدا اي مواجهة جديدة بين المعلمين والحكومة وحين يلمح رئيس الحكومة الى انه ربما تم تقديم موعد العودة الى المدارس وتلمح بل وتصرح نقابة المعلمين الى انها ستمضي حتى النهاية في الدفاع عن حقوق منتسبيها المكتسبة هنا يجب ان تدرس الحكومة جيدا خياراتها ولعل اقربها للمعقول والمنطق هو اعادة علاوات المعلمين وعلاوات كل الموظفين العموميين التي اوقفت وبغير ذلك فأن تجربة العودة الى التعليم الالكتروني كانت سلبية للغاية وفاشلة ومن شأنها ان استمرت ان تطيح بسمعة تعليم تم بناؤها منذ بدأت الدولة الاردنية الحديثة وحتى اليوم .
اذا رغبت هذه الحكومة مرة اخرى بالمواجهة فان ذلك يعني انها ترغب فقط في اطالة عمرها على الرغم من ارتفاع مؤشرات الرحيل الذي بات اقرب اليها من خطتها للعام القادم الذي اختلت من اجلها يوم امس .