الدغمي لــ المجالي: لن أكون شاهد زور

{title}
راصد الإخباري -



عمان - 14 يوليو 2025 (خاص)
شهدت الساحة السياسية والأدبية حواراً مكثفاً عبر الرسائل بين النائب السابق عبد الكريم الدغمي والصحفي عبد الهادي المجالي، بدأه الأخير برسالة استفزازية على منصات التواصل الاجتماعي، وردّ عليها الدغمي بإعلانٍ مفصلٍ لاستقالته من البرلمان بعد 35 عاماً.  

و نَشر المجالي رسالةً شعريةً حملت تهكمًا لاذعاً تجاه من وصفهم بـ"بائعي المبادئ"، وحثّ فيها الدغمي على كسر صمته قائلاً: "لا يحق لك أن تصمت.. فالصمت خطيئة"، مستشهداً بمظفر النواب وأبي ذر الغفاري، ومتسائلاً عن مصير "من أطرب صوته دالية العنب وجدران الوطن المغيب".  

ورد الدغمي برسالة خطية ، اكد فيها أن الشعب وحده من أوصله للبرلمان طوال ثلاثة عقود ونصف، وهاجم فكرة وضعه "على الرف" بسخرية: "أي رف يتسع لنا يا رفيق العمر المتعب؟"، مشيراً إلى أن الحر "ليس دمية يُفصل لها منصب بقدر ما تملك من انبطاح".  

و كشف الدغمي عن دوافع بعدم ترشحه لمجلس النواب بقوله: "قررت ترك المؤسسة بعد أن أصبحت ديكوراً مشوهاً.. ولأنقذ نفسي من أن أكون شاهد زور"، معتبراً الحرية أغلى من أي منصب أو مال، ومختتماً برسالته الأثيرة: "عاشت فلسطين حرة عربية من البحر إلى النهر".  

و يُذكر أن هذه المراسلات أثارت تفاعلاً واسعاً، حيث تجسّدت فيها إشكاليات الاتهامات وانهيار المبادئ في المشهد السياسي، بينما ظلّ الأمل بمستقبل الأمة حاضراً في خلفية الحوار.  





كتب الصحفي عبد الهادي راجي المجالي رساله عبر صفحته على التواصل الاجتماعي الى معالي عبد الكريم الدغمي تاليا نص الرساله:

صباح الخير يا عبدالكريم ..

صباح الخير يا عبدالكريم الدغمي ، صباح الورد والسكر ...لا أريد أن أهاتفك لأن المكالمة بيننا ، تشبه زغب الطائر الذي غفى في العش ، مع أول هبة ريح يختفي الزغب في المدى ، أريد أن أكتب لك ...فالكتابة توثق الجرح والدمع .
يقولون: عبدالكريم توارى عن الأنظار ، وبعضهم يقول لاذ بالصمت ...وبعضهم يلمح لي حين يأتي (طاريك الحلو) ، بأنك تمضي الليل مع الندامى والشعر والفرح ...ليكن ليلك مع الندامى  ..ليكن ، على الأقل نحن أوفياء لليل والقصيدة ..بعكس من احترفوا اليسار وباعوا اليسار كله على طاولة (صاحب العطوفة) ، بعكس من أطلقوا اللحى واحترفوا الرايات الخضراء ، وباعوا الرايات وحلقوا اللحى عند أول موقع وأول دفعة تحت الحساب ...نحن الذين طوينا ليالي المفرق والكرك ولم تطوينا الليالي ...
صباح الخير يا عبدالكريم ، واسمح لي أن أقول لك أمرا اخر قد يزعجك وهو : أن أحدا من غلاة الإسفاف والتقارير ، همس في أذني أول أمس وقال : ( عبدالكريم حطوه ع الرف ) ...ضحكت وتذكرت مظفر النواب ، فهو مثلك مظفر مثلك ، على حليب الجنون تربى ، ولاك الشوك مع كل قضمة خبز ، هو مثلك حين قال عنهم : (تهر خلفي كلاب الليل ناهشة أطراف ثوبي على عظم من المنح  .....ضحكت منها ومني فهي يقتلها سعارها وأنا يغتالني فرحي) .
أنت يا عبدالكريم مثله تماما حتى الفرح تامر عليك واغتالك ، والجنون الذي ورثته من رمل المفرق ، والتمرد ..وذاك الرفض ، والوطن الذي بنيناه في محاجر العيون ، والحلم الذي أفقنا عليه ..والمساحات التي صنعناها للشعر والسياسة والعشيرة والرفض ، ومباديء القانون التي درسناها ، والمحاكم ...وكراسي مجلس النواب ، وفناجين القهوة والمكتب ، ومسدس الوالد ، ...كل ذلك كان يغتالك ، وها أنت على حواف الشيب الان مثخن بالجراح ، ولكنك الوحيد في الأردن الذي مضى في هذا العمر ..وهو فرح بالنزف..فانزف ، نحن أصلا مع كل قطرة دم ننزفها نغسل وجه البلد ، ونغسل خطاياها ، ونؤسس منهج التمرد الجديد القادم .
وضعوك على الرف !!!..هكذا قالوا لي يا عبدالكريم ، واسمح لي أن أعاتبك قليلا ، فاسمع عتب اللغة والقلب ، واسمع صهيل الريح الكركية إن مرت فوق مقام جعفرالطيار ، واستفزت رمحا ، أو علقت تميمة على صدر الجنوب ..
لايحق لك أن تصمت ، هذي العيون لاتصمت حتى وإن غسل دمعها وجهك كل صباح ....وهذا القلب الذي ضخ الدم الخضيب ، لم يكن قلبا كان مثل طبول الحرب تقرع في صولات الحب والعشيرة ...إياك أن تصمت ، وتحدث بما يجب وكما يجب واطلق صرختك ، إن دمشق التي غسل نزار قباني وجهها بالياسمن والهوى ...ستظل هي دمشق ، فقاسيون لن يرحل ...والمسجد الأموي سيبقى ينشد مع كل صباح عند الأذان :
قادم من مدائن الريح وحدي     فاحتضني كالطفل ياقاسيون
أهي مجنونة بشوقي إليها       هذه الشام أم أنا المجنون ؟

لا تصمت ، إن راية العباس في كربلاء ومنذ (1400) عام ، ما زالت تخطب في الطف كل يوم ، ويأتي ماء دجلة طالبا التوبة ...تخيل حتى الماء رفضت توبته ، وهاهي مازالت تطوف فوق العمائم والريح ...
أيصمت من أطرب صوته ، دالية العنب ، وجدران الوطن المغيب في المنفى ..لا تصمت إن الصمت خطيئة ، وإن أكبر خطيئة سجلت في تاريخ السيف والنخل العربي كانت : يوم صمت على ظلم (ابي ذر الغفاري) ...فنام هذا الثائر والصحابي على وسادته ، وما معه إلا الصبر ورحمة ربه ، وارتضى الظلم ..وحيدا في الموت والمسار والبعث ، ولكنه ترك في الدنيا ، كل المباديء وكل القوانين ، وترك العشق ...أبو ذر لم يكن متمردا كان عاشقا ، وترك لنا دربه والمسار منهجا ودليلا .
لا تصمت وتذكر ... ذاك العربي العتيق ، مظفر صديقك ...الذي أتعب الفنادق والمطارات ، ونام على الأرصفة ....وظل يحن للعراق مع كل  همسة تأتي من المدى ، مات مظفر ..وحين مات ، نكست الريات الحمراء في قلب كل شيوعي ..ويقال أن نخلة في دجلة انحنت ، فقد خلدها بشعره ..أي رجل هذا الذي جعل النخلات تهيم بعشقه ، لكنه ترك القصائد ..وكل قصيدة كانت قنبلة ، ومفخخة وألف صرخة رفض ..وألف كوكب يسير مع الراحلين في تخوم الصحراء العربية ، ويجعلهم يشدون قبضاتهم على السيف خوفا من ذئاب الليل ، ألم يحذرنا مظفر من الذئاب حين قال : ( لا تامنوا جنس الذئاب 
          إن الذئاب وإن جاورت كعبة الله 
     تترك بحرا من الدمع لا تؤتمن
لا تأمنوا جنس الذئاب ..إن الذئاب بدون ذنوب ...ذنوب )
صباح الخير يا عبدالكريم ...
لقد تعلمنا منك الجنون ، وتركتنا على الطريقة نسير ..فهل يتخلى راهب عن محرابه ، هل يتبرأ شيخ من مذهب أسسه ، وهل يتوب اللحن من وتر العود ...هذا وقتك كي تصرخ ، فاصرخ يا صديق ماعاد شيء يحتمل ..ومن يقول أن الصمت فضيلة هو كاذب ، لقد سرقوا منا الطريق والمدى ...سرقوا المنعطف والجرف والمنحدر ..سرقوا الأمنيات والقصائد ، سرقوا الجديلة والمنى ...فاسترد يا رفيق الخطى المتعبة بعضا من صخبنا ، هذا وطن لايليق إلا علينا، ونحن نليق به ..
وأسلم لصاحبك .
عبدالهادي راجي المجالي

_______________________________________________

ليرد معالي عبد الكريم الدغمي برساله خطها كتابيا وارسلها الى الصحفي عبد الهادي راجي المجالي تاليا نصها :



أخى الحبيب عبد الهادي
يسعد صباحك ، انت لا تكتب لي ، وكأنك كما ذكرت سابقاً تحاول أن تستفز الحزن الساكن في قلبي على وطن بنيناه في الصدور
ولم يبقى لنا غير القبور !
غير أنني ملزم بأن أرد على الذين قالوا لك:
إن عبد الكريم وضعوه على الرف

وعلى رأي صديقنا أبو ذر الغفاري"، أي
رف يتسع لنا يا رفيق العمر المتعب ؟

هل تذكر عندما قال أبو ذر لزوجته : عندما أموت ردي علي ردائي ، فاجابته : وأي رداء
يتسع  لك كفنا يا أبا ذر ؟

ومن هم الذين وضعوني ؟ وهل يجرؤ أي شخصى على أن يضعني ؟ 
لقد وضعني عامة الناس في البرلمان
35 سنة متواصلة ... ولم يضعني أي شخص غيرهم

ف الحر يا صديقي ، ليس دمية يفصل لها منصباً بقدر ما تملك من إنبطاح !!

أخي وصديقي،
أنت تتعمد أن تثير شجوني ، فانا عشت الخمسة وثلاثون سنة مع الشعب الذي أرسلني نائباً عنه في البرلمان، ومع حكومات لا اذكر عددها
وقد حاولت الاصلاح ما استطعت ، الا انني أمضيت هذه السنون وانا أدفع وجع المواقف حنظلأ يسري في دمي، ويبدو أن قوى الفساد كانت واعترف- اقوي مني ومن بعض الذين كانوا
يقفون إلى جانبي واقف الى جانبهم


وانت شاهد على ذلك منذ بداية المسيرة !!
وعليه فقد قررت ترك هذه المؤسسة بعد أن أصبحت ديكوراً شوهاً، وليته جميلاً، رغم أن الذين مثلتهم طيلة هذة المدة كانوا يصرون على بقائي فيها .. غير أنني قررت، وأنقذت قراري حتى لا أكون شاهد زور على ما يجري !!
الحرية يا عبد الهادي أغلى ما يملك المخلوق من نعمة في هذا الكون ، فأن تكون حريتك معطلة، فلا نعمة
منصب او جاه أو مال يغنيك عنها !
وأنا اخترت حريتي ، اما طريقي فأنا كنت قد اخترتها منذ زمان  بعيد
ولا استطيع أن أبدلها وانا في خريف العمر، وانت تعرفها ،
عاش الوطن، عاشت فلسطين حرة عربية من البحر الى النهر، والأمل بهذه الامة باقي بما بقيت الدنيا ، وأعيد واكرر قول صديقنا مظفر :
إننا أمة لو جهنم صبت على رأسها واقفة ما حنى الدهر قامتها ابداً ... إنما نتمنى لتعين المقادير إن سقطت أن تقوم ، وتتم مهماتها الهادفة.

واسلم لاخيك عبدالكريم الدغمي 
٢٠٢٥/٧/١٣