بصيرا الزمن البهي، والنفحة الموغلة في القلب لكِ الوجدُ كله وأنت تمتشقين عباءة آدوم منذ ثلاثة آلاف كرب وبلاء وبأس وحياة، وقد ألقت عليك الشمس رداءها والسنابل أثقالها، وما زالت تلمع في عينيك عمامة الحارث بن عمير الأزدي الذي خط بدمه الزكي في نجومك الزُّهر ودروبك الخضر فتحَ الشام وما وراء ذلكم من بلاد بل الدنيا كلها.
سيدةَ القلب والكلمات لي فيك صهيل طفولة ورجع صبا وإطلالة شفق قد تجلى قرمزيا كالصبح إذ لاح وتنفس واتسق .
ولي فيك كل الأحبة الذين يصعدون في زرقة السماء وأقدامهم في الأرض حتى تغشاهم الصبر رخاءً وأمنةً.
وما فيهم هندواني قد نبا ولا صُواع قد فقده إخوة السلع وفرسان حدّ الدقيق عندما تشرّب النقعُ أرجوانهم خالصًا ، وما أسترقوا من حمل البعير قمطيرا أو فتيلا بل كانت صدورهم ملتقى لتكسر القنا.
وعلى حد قلعتك الحمراء تكسرت نصال من أرادوك غروبا ليلكيًا قاتما فكنت الفجرَ كله ممتشقةً زهرَ لوزك وتينك وزيتونك في الجنّين وقَرقور والعِبر ولحظة، وقد غفوت ذات ألقٍ على صدر دالية مدت عروقها في الغمام فاستهلت قطْرا وطَلًّا ووبلا فكنت أجمل زنبقة في صباحات الحصاد وقد دثّرك فتية الضحى برموش مناجلهم وأصيل مواويلهم وما في خوابيهم من بقايا حنطة قد زادها الله بركة وزكاة.
بصيرا تنشد صبوتها على كتف الطفيلة ذات السلاسل والوقعات الخالدة، والتي لم تغادر عروبتها ولم تهاجر إلا إلى الشامخات من جبالها؛ ففيها فيض من الشهادة صبابةً، وفي السحاب كان معارج بنيها فكانوا أول دم في دفتر هذا الوطن،
ومن العين البيضاء والقادسية تتلى آيات النار والوجع المعتق بالسبع العجاف وهم ورثة البأس والعناد والحفاظ المر والخلق الوعر والليل الطويل، وليس في الجُب إلا أكفٌ شِداد وحُمر حِداد وشيء من صبر لم ينفد منذ دعوة جدهم أيوب عليه السلام حينما تناوشته أسقام عِجاف فتركْنه خالدا في الألم والصبر الجميل.
بصيرا قريتي التي وشمتُها على جداريات القلب كي تظلل نخيل الأقحوان في الحشى فأنبتت الندى واللظى في حقول الروح حتى آخر بوح من الكلمات.
لك هذا الوجد المجلِّى والسلام الشهي. فامتدي بردا وسلاما فقد بلغ الخب مداه.