الورقة الاخيرة، هذه، للباحثة وكاتبة التاريخ د. فيفيان الشويري.
أحبت الكتابة عن عشتار والاساطير، في انعكاس للمراة في ظلال القوافي. فكان النص التالي
"المرأة في ظلال القوافي والقوافي تظللها "
في البدء كانت عشتار! منذ سكنت الملحمة الكبرى، ملحمة الحضارة وسحر المشرق والشمس الساطعة أملاً وتجدّداً، عشتار الأرض الدافقة حياة:
"قومي يا حبيبتي، يا جميلتي، وتعالي
لأنّ الشتاء قد مضى، والمطر مرَّ وزال
الزهور ظهرت في الأرض، وافى أوان القطف،
وصوت اليمامة سُمع في أرضنا
التينة أخرجت فِجَّها،
والكروم أزهرت وأفاحت عَرْفها" (نصوص مشرقية قديمة)
وعشتار هي الرمز وبما أن النص الشعري يستعين بالرمز من البداية والى النهاية، فقد أضحت عشتار هي النص الشعري المحمّل بالأسطورة والخيال وغدتْ الصورة التي ينسجها كلّ شاعر عن المرأة الحلم ويجعلها تركن في ظل قوافي قصائده، متربّعة على عرش البوح الابداعي؛ فما برح الشعراء ومنذ البوح الأول الى اليوم ينشدونها:
آهٍ عَشْتَارّْ
كيف أُنَاجِيكِ ... بِأَيَّةِ لُغَةٍ
أَرْوِي تَغْرِيبَةَ شِعْرِي
مَنْ غَيْرُكِ أَتْلُو الشِّعْرَ لَهَا
كَيْ تُشْعِلَ فِي شِعْرِي النَّارَا
لا تَرْتَحِلِي... أَلَّلَيْلَةَ شِعْرٌ
وَغَدَاً شِعْرٌ يَا عَشْتَارْ
أُجَدِّفُ شَطْرَكِ لَيْلَ نَهَارْ
فِي كُلِّ مَسَارْ
يَحْمِلُنِي فَوْقَ جَنَاحَيْهِ نَبْضُ حُرُوفِي
رْمِينِي بَيْنَ يَدَيْكِ
(لطفي زعلول، "عشتار والمطر الأخضر")
وعشتار رغم أنها تلبس المخيّلة والوجدان فهي تغيب وتعود، ففي الأسطورة تعود إلى الأرض بعد السفر إلى العالم السفلي، وبالتالي فهي تعود في القصيدة، وبعودتها تتمثل كلّ رموز العودة: عودة الخصب، عودة الشهيد، عودة الأرض، عودة الهوية، عودة الأمل وعودة الشباب والحيوية، ولكن أيضاً عودة الوعي لدى الشاعر الملتزم واقع وطنه وقضيته والعودة الى الأرض والوعد بالحرية الخضراء المنشودة، والروضة الغنّاء الكثيفة العبق الزهري والأريج العليل والرقراقة المياة والنسيم:
"يا كرومي
جذر عشتار علاماتٌ ورايات...
غابةٌ من زنبق يرعاك في الحوض العتيقْ
غابة الماء الذي ينساب فجرًا
كم تمنى عاشقٌ في غوركِ الصافي العتيقْ
أنْ يُغني لحمامات الرموزْ. (عزّ الدين الناصرة، الأعمال الشعرية 2)
وغدتْ عشتار الجمال والبعث والأسطورة نموذجاً سرمدياً عبّر به الشعراء عن مكنونات أنفسهم وأحلامهم ورغباتهم وتطلعاتهم وما يعتريهم من خوالج روحية ومشاعر وأحاسيس، ولبستْ صورتها مخيلة الشاعر فصار مستلهماً من هذا الرمز الكلي المضمون والمفعم بالمتناقضات والأضداد والذي اختصر في صورة "المرأة". ولعل البياتي أكثر الشعراء استخداماً لرمز عشتار وقد وظّفه في تسع قصائد تضمنّت رموزها ومعانيها المتضاربة والمتداخلة شأنها شأن الحياة (الخصب، البعث، الجدب، الموت، العجز، الخيبة...):
"لكنما عشتار
ظلت على الجدار
مقطوعة اليدين، يعلو وجهها التراب
والصمت والأعشاب
وحجراً أخرس في الخرائب الكئيبة
أيتها الحبيبة
عودي الى الأسطورة"
وهل عشتار الشاعر غيرها عشتار الأسطورة؟ وهل لعشتار القدرة على نجدة الشاعر كما أرجعتْ حبيبها من الفناء؟ وهل لها القدرة على النهوض بالخيبات الوطنية المتلاحقة؟
"صحتُ على أطلالها: عشتار!
فصاحت الأحجار
عشتار يا عشتار يا عشتار
تصدّع الجدار"
ولكنها ما فتئتْ في ظل قوافي الشاعر العاشق عشتار الغرام والوله والعشق وملهمة الحب المطلق :
"إنها الجمال
والحب
توأم العذراء
إنها عشتار
إنها أنتِ
إنها عشتار
كلّ رجلٍ وعلى قدره
يخلق عشتاراً ويحبها
أتعرفين عمل المرأة العظيم؟
لقد خلقتْ الرجل
ولماذا؟
ليحبها
ليعشقها" (عاطف الحكيم، ديوان "عشتار"1)
والدفق الشعري الوجداني في حب المرأة يصل الى ذروته في تملكها القوافي وكلّ البوح والقول الشعري والنثري عند الشاعر، ومنهم من ضمّن عمله كاملاً صورتَها "عشتار وفلسفة الغزل" ليختصر مسيرة أدبية بكليتها، عمادتها المرأة الملهمة فتقلب الأدوار وتصير هي فعلياً من يقول الشعر وللشاعر فقط النطق به:
"نظرتْ إليّ كأنها ظمأى لحثّ هالها
وتوقفتْ محتارة، فهل الوقوف منالها؟
لعب الهوى بفؤادها فعلمتُ ما في قرارها
وضحكتُ، ولكن هل ضحوكي سرّها فأجابها...؟ (خالد موسى، "هي عشتروت")
وأيضاً وأيضاً، لا ينضبْ دفق القوافي... ولكم ناجيتَ أيها الشاعر عشتارَك، فهل من عشتار ناجتك يا دموزي السيد؟ أستغربُ أن يبوح الرجلُ سرّه العشتاري الهوى منذ زمن البوح الأول وأن يرضى ألا تظلله القوافي شعراً وقولاً وبوحاً؟ كيف لا والشعر امرأة؟
تحياتي لسادن ملتقى السلع الثقافي، الأستاذ غازي العمريين المحترم، لإتاحته الفرصة لنا للتعبير الأدبي والجمالي وهذا عنوان اهتمام ثقافي ندر في زمننا؛ والتحية العطرة موصولة لراعي الندوة والزملاء الأفاضل.
وفي التعقيبات. والحوارات حيال الورقة. قال الشاعر ايمن الرواشده. انها ورقة بحثية ترقى إلى مصاف الدراسات المختصة .. وقد أطالت الباحثة الدكتورة فيفيان التنقيب في مفردة عشتار وورودها في الشعر العربي.. والشعراء الذين تناولوها ومقاصدهم في استخدامها .. ورمزيتها العميقة ..
ولا تزال عشتار تشغل الشعراء وتسرق الراحة من أفئدتهم وتستهلك مفرداتهم وصورهم الجميلة ..
كل التحية للدكتورة الفاضلة فيفيان على الغوص في الأبعاد العاطفية الذي تضمنته مفردة " عشتار "
وتعدها الشاعرة ريما البرغوثي ورقة بحثية رائعة ثلاثية الأبعاد بين الشاعر والشعر وعشتار لملمتِ أطرافها امرأة أسطورة لكنها تعيش بقلب كل شاعر فكل شاعر يصنع في مخيلته عشتارا خاصة به يسكب فيها مصهور عواطفه وإحساساته
وكأنكِ تساءلتِ ألا يحق للرجل أن تظلله عشتاره بشعر منساب ليرى صورته بين أناملها وفي ثنايا حروفها وكأني ألمح البديل فعشتار أحيانا تصنع من نفسها شهرزاد وترسم في مخيلتها شهريارها تخاطبه وتسكب بوحها في أرجائه عذوبة وحبا وأحيانا عتابا قاسيا
هكذا تظل الحياة تسير أخذا وعطاء بين شاعر يبحث عن عشتار وشاعرة تبحث عن شهريار
كم أبدعت في تنظيمك الرائع لهذه الورقة البحثية المفيدة
وفي تعليقه قال د. احمد الحليسي، ازها ورقة متميزة، لغتها جميلة وهادئة، تناول متسلسل، تتفاعل مع الورقة بالاهتمام بالاسطورة والتي هي من مميزات الشعر الحر عند بدر شاكر السياب وغيره من فطاحل الشعر الحر، الذي لايتنازل عن الموسيقى الشعرية ويعتمد على وحدة التفعيلة، أحسنت دكتورة فيفيان، حفظك الله ورعاك.
يقول د. محمد المعايعه ما أجمل الحديث الذي ينطق بالحكمة والرشد عندما يصدر من العلماء الكبار عمالقة الفكر والأدب... فكيف لا ونحن نقرأ لعالمه عظيمة تتكلم عن الأفكار والأحداث والعبّر،، جمعت العلم والمعرفة والأدب من جميع أطرافها... لقد استمتعت بقرأت مقالكم الرائع ذو كلمات المعبرة عن مكانة المرأة في ظلال القوافي وشعرت بأنني في محفل ثقافي ينقلني من زاوية إلى أخرى وانتي تصفين مكانة المرأة على لسان الشعراء كلاً من على منبره الثقافي والأيديولوجي.....
سلم قلمك وفكرك وحرفك على هذه الكلمات الماطرة فكراً وثقافة وادباً وأنتي تحيكين ثوباً جميلاً بحق المرأة في ظلال القوافي... إبداع وتصوير غاية في جمال الحديث والبيان لا نستطيع الإحاطة بوصفه وتصويره خوفاً من إنقاص حقك وقدرك لأنك فعلاً مدرسة متنقلة في نشر ثقافة الأدب والمعرفة والإبداع.....
أختنا الجليلة بالقدر والمكانة الرفيعة.
وللاديب أ. محمد التميمي ما يقوله، فهو يعد ورقة الأديبة والكاتبة العربية الدكتورة فيفيان شويري عن عنوان الندوة ١٣ المرأة في ظلال القوافي
جاءت ورقتها ترسم موسيقى تنساب في سحر الليالي *عشتار* منذ سكنت في ملحمة الحضارة وسحر المشرق وذكرت ان عشتار هي الأرض الدافقة بالحياة
وبعد ان أفردت مقاطع شعرية تعبر عن هذه المفاهيم
عادت وبينت بطريقة سلسة ان عشتار هي الرمز التي ينسجها كل شاعر عن المرأة الحلم ويجعلها متربعة على عرش البوح الإبداعي...
ثم اكرمتنا بمقاطع شعرية جميلة *من غيرك أتلو الشعر لها... كي تشعل في شعري النارا*
وذكرت أن الشاعر البياتي اكثر الشعراء استخداما لرمز عشتار وقد وظفه في تسع قصائد تضمنت رموزها ومعانيها المتضاربة ... كما أوردت مقاطع من ديوان عشتار1لعاطف الحكيم... واخرى لخالد موسى... هي عشتروت ...
انها ورقة محملة بكل معاني الجمال لعشتار المرأة في ضمير الشاعر... تستحق الورقة ان تكون رسالة تنال فيها درجة علمية..