آخر الأخبار

احاطة واسعة بالاعحاز القرآني نقلها الشاعر د. زعرور

راصد الإخباري :  


لبنان - راصد
كتب عبدالله الحميدي

أنواع الإعجاز في القرآن الكريم، ورقة
عمل من إعداد الدكتور فواز أحمد زعرور، لندوة ملتقى السلع

وتتواصل على منصة السلع نقاشات لهذه الاوراق، في الندوة  (١٢) التي رعاها الوزير د. معن القطامين، وتاليا النص، الذي تناوله من مصادر متعددة


تعريف الإعجاز 
الإعجاز في اللغة هو التحدي وإثبات العجز والضعف وعدم القدرة على فعل شيء خارق، وهو عكس القدرة والاستطاعة، ومنه اشتُقت كلمة المعجزة لعجز الناس عن الإتيان بمثلها. والإعجاز في الاصطلاح هو الشيء الخارق للعادة المقترن بالتحدي وغير القابل للنقد والنقض والمعارضة. فبالإعجاز تنكشف قدرات الإنسان الضعيفة والمحدودة، وبه تثبت عدم استطاعتهم على الإتيان بالمعجزة أو مثلِها مهما تطورت الوسائل ومهما تقدم الزمن. وبناءً على هذا التعريف يرى أهل العلم أن إعجاز القرآن وكماله هو إعجاز وكمال قائم محقق في الشكل والمضمون، ومن جهة أخرى، عجز العرب والأجيال من بعدهم عن نقد القرآن الكريم و تفنيده والإتيان بمثله. 
 
دليل الإعجاز في القرآن
لما دعا النبي الكريم قريشا إلى الإسلام كذبوه وطالبوه بمعجزة تثبت صدق دعوته ورسالته، فأجابهم أن القرآن الكريم هو معجزته، وتجلّى ذلك على عدة مستويات، حيث تدرج الله تعالى في تحدي الكفار بإعجاز القرآن بقوله: {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين}، ثم خفف هذا التحدي فقال سبحانه: {أَمْ يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سُوَرٍ مثله مُفْتَريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}، ثم زاد من التخفيف فقال: {أَمْ يقولون افتراه قُلْ فأتوا بسورة مثله}، وتصاعد التحدي الإلهي في قوله تعالى: {قُلْ لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرا}، بعدها أكد الله تعالى على إعجاز القرآن واستحالة الإتيان بمثله فقال: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أُعِدَّتْ للكافرينَ.
الحكمة من الإعجاز في القرآن
يمكن تلخيص الحكمة من وجود الإعجاز في القرآن الكريم بقوله تعالى في{سورة فصلت: { {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}. فأنواع الإعجاز التي يتضمنها القرآن الكريم وما تحمله من فصاحة لغوية وحكم تشريعية وحقائق علمية وأخبار غيبية كلها إشارات ودلالات تؤكد لمن هو بحاجة لتأكيد أن القرآن الكريم حق وأنه كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وبالإضافة إلى ذلك تتمثل حكمة الإعجاز القرآني في تثبيت وطمأنة قلوب المؤمنين بهذا الدين، وفي مساعدتهم على محاججة غيرهم وإقناعهم بصحة الإسلام وصِدق رسالته خاصة أولئك الذين يحتاجون إلى دلائل مادية وبراهين علمية. ومن حكمة الإعجاز أيضا أنه يفتح الباب أمام المسلمين للبحث والاستكشاف في مختلف الظواهر والعلوم ويمدهم بالإشارات اللازمة للانطلاق في هذا المجال.
 
 
هنالك أنواع عديدة من الإعجاز في القرآن الكريم، ومنها:

الإعجاز العددي:
من أجمل الأمثلة على هذا النوع من الإعجاز معلومة إعجازية عن عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطروحة الإشارة إلى وفاة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ ( نتوفينك ) في القرآن الكريم. لقد وردت كلمة (نتوفينك) في ثلاث آيات والمخاطب بها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما علاقة ذلك بعمر النبي وتاريخ وفاته، وكلنا يعلم أنه توفي وعمره 63 سنة؟؟
ونعلم أن عمر النبي الكريم مقسم إلى 3 مراحل رئيسة: الأخيرة منها:
- أنه مكث في المدينة 10 سنوات
- وقبلها مكث في مكة 13 سنة..
- وقبلها مكث 40 سنة قبل النبوة..
فهل يمكن أن نجد هذه الأعداد بالضبط (10-13-40) تتجلى مع الكلمة التي تتحدث عن وفاة النبي (نتوفينك)؟؟
دعونا نكتب الآيات الثلاث:

قال تعالى:
١- ﴿وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾
{يونس 10 }
٢- ﴿وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾
{الرعد 13 }
٣- ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾
{غافر 40}
انظر إلى أرقام الآيات ( 10+13 +40 ) المجموع 63
لقد وضع الله هذه الآيات الثلاث في ثلاث سور نظنها عشوائية !!! ولكن عندما ندقق النظر بأرقام السور والآيات التي وردت فيها مفردة نَتَوَفَّيَنَّكَ نجدها محكمة إحكاماً دقيقاً يظهر ذلك فيما يأتي
 1- {سورة يونس} ترتيبها في المصحف رقم 10 وترتيب الآية في السورة10
وهو عدد سنوات الدعوة بالمدينة
2- {سورة الرعد} ترتيبها في المصحف 13 وترتيب الآية في السورة13
وهو عدد سنوات الدعوة في مكة
3- {سورة غافر} ترتيبها في المصحف 40 وترتيب الآية  في السورة 40
وهي المدة التي عاشها النبي قبل البعثة..
والمجموع هو:
10 + 13 + 40 = 63 وهو عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم..
فهل يمكن لإنسان أن يخاطب نفسه بكلمة (نتوفينك) ثم يضع هذه الكلمة في ثلاث سور بحيث يأتي ترتيب السور الثلاث مطابقاً لمراحل حياته ومطابق لمراحل  النبوة ...
هل يمكن لبشر أن يحدد تاريخ وفاته؟ أم أنه رسول صادق في دعوته إلى الله؟
ويبقى السؤال الإلهي لمن يشك بهذا القرآن: ﴿أَفَسِحْرٌ هَٰذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تبصرون﴾*الطور :15
سبحان الله الحكيم العليم.

الإعجاز الغيبي:
من دلائل إعجاز القرآن الباهرة [الإعجاز الغيبي]؛ فقد أخبر بأمور تقع في المستقبل، فجاءت كما أخبر، لم تتخلف أو تتغير، وهذا ما لا سبيل للبشر إليه بحال، وذلك في القرآن كثير، لكننا سنضرب أمثلة منه تكون دليلاً على ما سواها.
انتصار الروم على الفرس
ومن أمثلة الإعجاز الغيبي في القرآن إخبار الله تعالى عن انتصار الروم على الفرس، في قوله: {الم  غُلِبَتِ الرُّومُ  فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ  بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 1-5]. وأصل الحادثة أن فارس -وهم أهل أوثان- غلبت الرومَ - وهم أهل كتاب- فشَمَتَ كُفَّار مكَّة في النبي وصحبه، فأنزل الله الآيات السابقة تحدِّيًا للعرب وبُشْرَى للمؤمنين؛ لأن طائفة الإيمان ستنتصر؛ لكن الذي يعنينا أنَّ القرآن الكريم أخبر عن حدث غيبي مهمٍّ، لم يستطع أَحَدٌ -في ذلك العصر- أن يُغَيِّر منه في شيء، أو يُكَذِّبه، وهو لون من ألوان الإعجاز الغيبي الذي جاء به القرآن الكريم متحدِّيًا به كل معاند له، أو جاحد لحقيقته، وقد حدث ما أخبر به الله من انتصار الروم على الفرس، وكان ذلك وقت غزوة بدر.
 
انتصار المسلمين المستضعفين
ومن الآيات القرآنية التي بشَّرت المسلمين المستضعفين في مكة أنهم سينتصرون على عدوِّهم، وستقوم دولتهم، قوله I: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45]. فقد ذكر ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره أنه لما نزلت هذه الآية الكريمة "قال عمر: أيّ جمَع يُهزم؟ أيّ جَمْع يُغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيتُ رسولَ الله r يثب في الدرع، وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}. فعرفتُ تأويلها يومئذ.
انتصار المسلمين المستضعفين
ومن الآيات القرآنية التي بشَّرت المسلمين المستضعفين في مكة أنهم سينتصرون على عدوِّهم، وستقوم دولتهم، قوله I: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45]. فقد ذكر ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره أنه لما نزلت هذه الآية الكريمة "قال عمر: أيّ جمَع يُهزم؟ أيّ جَمْع يُغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيتُ رسولَ الله يثب في الدرع، وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}. فعرفتُ تأويلها يومئذ.
 
بشرى دخول المسجد الحرام
ومن ألوان الإعجاز الغيبي ما بشَّر به الله I رسولَه والمؤمنين مِنْ دخول المسجد الحرام، والطواف بالكعبة المشرَّفة؛ فقد قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]. فهذه الآية نزلت عند الانصراف من الحُديبية.
وقد قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآيات: "وكان رسول الله قد أُرِيَ في المنام أنه دخل مكة، وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فلما ساروا عام الحديبية لم يشكّ جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسَّر هذا العام، فلمَّا وقع ما وقع من قضية الصُّلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابِلٍ؛ وقع في نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأله عمر بن الخطاب في ذلك، فقال له فيما قال: أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: " بَلَى فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ ؟" قَالَ: قُلْتُ: لا. قَالَ: "فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ".
وقد تحقق هذا الوعد بتمامه من العام التالي؛ فقد اعتمر النبي وأصحابه، على الهيئة التي ذكرهم القرآن الكريم بها؛ من تحليق الرؤوس والأمن في المسجد الحرام، وكان هذا في ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة.
ولا ريب أن تَحَقُّق ما بشَّر به القرآن الكريم دون خلل في شرح تفاصيل هيئة المسلمين، أو تغيُّر في ميعاد العمرة، لَيُدلل بوضوح تامٍّ على صدق الله ورسوله.
بشرى تمكين الدين في الأرض
كما أن القرآن الكريم قد بشَّر المسلمين بالتمكين والاستخلاف في الأرض، فقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. وقد تحقق للمسلمين ذلك في أقل من خمسة وعشرين عامًا فملئوا السمع والبصر بقيمهم وحضارتهم، فامتدَّتْ خلافتهم من الصين شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، بل ووصلت إلى أوربا شمالاً.

الإعجاز البلاغيّ:
ويسمى أيضا بالإعجاز البلاغي، ويعتبر أهم أنواع الإعجاز لأنه يتعلق باستخدام كلمات وعبارات القرآن الكريم وتركيب الجمل بحيث تكون واضحة ومفهومة ومختصرة حيث تظهر الفصاحة والبلاغة والبيان بصورة يفهمها القارئ ويظهر تأثيرها على السامعين.
 كما يُعرف أيضًا بالإعجاز البيانيّ، وهذا النّوع من أهمّ أنواع الإعجاز؛ فالعرب أهل البلاغة والفصاحة والأدب، فكانت لهم الأسواق للتّباري في الفصاحة والبيان والشِّعر، ومع كُلِّ بلاغتهم عجزوا عن الإتيان بمثل سورةٍ من سور القرآن أو آيةٍ من آياته، كما أنّ التركيبات اللُّغوية واللَّفظيّة في القرآن تختلف عمّا سواه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: قال تعالى: "والذي يُميتني ثُمّ يُحيين" لم يقل في الآية هو؛ لأنّ الكفار والمشركين موقنون بأنّ الله هو من بيده الموت والحياة، لكن الآيات قبلها "هو يطعمني" و" هو يشفين"؛ لأنّ بعض ضعاف النُّفوس قد يراودهم الشّك بأنّ الله هو الشّافي والرازق؛ لذلك جاء بلفظ "هو" لتوكيد المعنى.
وقد شكل الشكل الأدبي الفريد خلفية لعقيدة إعجاز القرآن، الذي يكمن في صميم ادعاء القرآن بأنه من أصل إلهي. يقول القرآن: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). وقوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ، أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ}.
وفقًا للمفسرين القرآنيين، فإن هذه الآيات تشكل تحديًا لإنتاج سورة تحاكي الشكل الأدبي الفريد للقرآن. الأدوات اللازمة لمواجهة هذا التحدي هي القواعد النحوية المحدودة والثمانية وعشرون حرفًا التي تشكل اللغة العربية. هذه تدابير مستقلة وموضوعية متاحة للجميع. وحقيقة أن الآيات لم تتم مطابقتها منذ ظهورها حتى يومنا هذا لا تفاجئ معظم العلماء المطلعين على اللغة العربية ولغة القرآن.


 الإعجاز التّصويريّ:
 كما يُعرف بالإعجاز البياني أو التّعبيريّ؛ فعند قراءة القرآن الكريم تتمثّل أمام العينيّن وفي المُخيلة مشاهد حيّة ومتحركة للأحداث التي تسردها الآيات من قِصص الأنبياء، والصّالحين، وهلاك الأُمم الكافرة، والجنّة والنَّار، وغيرها. كقوله تعالى: "يوم ترجف الأرض والجبال...."؛ فعند قراءة هذه الآية تتمثل أمام العين الأرض وهي ترجف والجبال وهي تهتز، وكذلك الزلازل وانشقاق الأرض وإلقائها ما بداخلها من خلائق في سورة الزلزلة، وعشرات الصور البيانية المذهلة عن السماء والجبال والنجوم والمجرات والجن والإنس في العديد من السور الكريمة التي لا يتسع المجال لتناولها جميعاً في هذه العجالة. 
ومن نماذج الإعجاز البياني في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة الأنعام: {{ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم}، وقوله تعالى في سورة الإسراء: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم}، فالآية الأولى تخاطب الفقراء وتنهاهم عن قتل أولادهم بسبب الفقر الواقع، لذلك قَدَّم تعالى رزق الوالدين على الأولاد فقال {نرزقكم وإياهم}، والآية الثانية تخاطب الأغنياء وتنهاهم عن قتل أولادهم خوفا من حدوث الفقر، لذلك قَدَّم تعالى رزق الأولاد على الوالدين فقال تعالى {نرزقهم وإياكم}. وفي الإعجاز العلمي قوله تعالى في سورة الحِجر {وأرسلنا الرياح لواقح}، وهي معلومة أكدها العلم الحديث بفضل الوسائل المتطورة وأثبت أن الرياح تحمل حبات الطلع لتلقيح الأزهار لتصبح فيما بعد ثمارا.ً ومن أمثلة الإعجاز الغيبي قوله تعالى في سورة الروم: {الم غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيغلبون في بضع سنين}، ففي هذه الآية أخبر القرآن بانتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم في بضع سنين وهو ما تحقق لاحقا وأثبتته الوثائق التاريخية.
 الإعجاز العلميّ: 
حدث ولا حرج عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، حيث تحدّثت آيات القرآن الكريم عن الكثير من الآيات الكونيّة والاختراعات والاكتشافات التي أثبتها العلم، فعلى سبيل المثال قوله تعالى: "فإذا انشقت السّماء فكانت وردةً كالدِّهان"؛ فقد أثبت العلم الحديث في رصد الكواكب والأجرام السّماويّة لحظة انفجار نجمٍ في السَّماء فكان يتحوّل إلى اللَّون الأحمر ثُمّ يتشكل بشكل الوردة. الإعجاز الرَّقميّ ورد الرَّقم في القرآن للدَّلالة على العدد الفعليّ أو للدَّلالة العلميّة أو لإثبات الحقائق التي أكدها العِلم الحديث؛ فقد وردت كلمة شهرٍ ومشتقاتها 12 مرّة وهو عدد شُهور السَّنة، كما وردت كلمة يومٍ 365 مرةً وهي عدد أيام السّنة، وغيرها الكثير.
من أمثلة على الإعجاز العلمي الجبال كالأوتاد قال -تعالى-: (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)،[١] والوتد هو ما يُغرس في الرّمال لتثبيت الخيام، والجبال يصل امتدادها إلى الطّبقة الموجودة أسفل الطّبقة الصّخرية التي تُكوّن القارّات، فأصبحت الجبال تُثبِّت القارّات كما هو الوتد بالنّسبة للخيمة، حيث تقوم الجبال بِحمل الطّبقة الصّخرية المُكوِّنة للقارّات، وعليه فإنَّ الجبال هي التي تحمل الأرض، ولولاها لكانت الأرض في حالة اضطراب دائم، ويعدّ هذا من أبرز صور الإعجاز العلميّ في القرآن الكريم والذي اكتشفه العلم مؤخراً، وفيه دلالة على صدق النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وما جاء به من كلام الله -تعالى- في القرآن الكريم. ‏ 
معجزة الرياح والتلقيح:
وهنالك أيضاً معجزة الرياح والتلقيح، حيث أقرّ العلم الحديث أنّ من أهمّ وسائل تلقيح النباتات من العضو الذكريّ إلى الأنثوي في النبات هي الرِّياح، حيث تقوم بحمل المُلقّحات ونقلها إليها، وهذا ما ذُكر في القرآن الكريم في قول الله -تبارك وتعالى-: (وَأَرسَلنَا الرِّياحَ لَواقِحَ).
معجزة الفرث والدم:
 أثبت العلم بعد تطوّر الأجهزة العلميّة أنّ اللّبن في ضرع الأنثى يتكوّن بعد عمليّة هضم الطعام، حيث تجري مكوّناته في الجسم مع مجرى الدّم حتّى تصل إلى الغدد اللّبنية، فتقوم الغدد بأخذ هذه المكونات صافيةً دون أن تختلط بالدّم، ثمّ تضيف الحويصلات مادّة السُّكر ليصبح طعمه سائغاً مقبولاً، قال الله -تعالى: {وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً نُسقيكُم مِمّا في بُطونِهِ مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشّارِبينَ}.
معجزة كروية الأرض:
 قال الله  تعالى في القرآن الكريم: (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا)،[٨] والطّحو هو بسط الشيء ودحوه، وقد وصف العلم شكل الأرض بالدّحو، والدّحو له حركتين؛ إحداهما في مسارٍ ما، والأخرى حركة دوران حول النفس، وحين يُقاس هذا الشيء على الأرض؛ فإنّ الأرض تدور في حركةٍ دائريّةٍ حول الشّمس، فينتج عنها الفصول الأربعة، ممّا يؤدي إلى نزول الماء من السّماء، وإنبات النبات من الأرض، وحركة أخرى للأرض حول نفسها ينتج عنها اللّيل والنّهار، فكانت الحياة على الأرض بناءً على ذلك.
معجزة النجم الطارق:
 فسّر العلماء النّجم الثاقب في سورة الطارق في قول الله -تعالى-: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ)، بأنّه نجمٌ شديد الضوء، يخترق طبقات الجوّ من شدّته، وقال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)، وهذا نجمٌ آخر يختلف عن الشّهب التي تتساقط، فالشّهب قد وردت في مواضع أخرى من القرآن الكريم.

معجزة عالم البحار والمحيطات:
 إنّ من أعظم مظاهر الإعجاز في المياه أنّ الله -تعالى- جعل الأجسام تطفو على سطحها، قال -تعالى-: (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)، فلو لم تكن الأجسام تطفو على السّطح لغرقت السفن، ولكنّها تدخل في الماء بالقدر الذي يُساعدها على أن تشقّ طريقها وتسير باتّجاهه، وقد شبهّت الآيات السّفن بالجبال، كقول الله تعالى: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ)، وهي دلالة على ما سيحدث من التطوّر في عالم صناعة السّفن وهندستها. كما سخّر الله تعالى البحر لعباده ليستخرجوا منه لحماً طريّاً للأكل، ويستخرجوا منه الحليّ للزّينة، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلوا مِنهُ لَحمًا طَرِيًّا وَتَستَخرِجوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسونَها وَتَرَى الفُلكَ مَواخِرَ فيهِ وَلِتَبتَغوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ)، وممّا يُساعد على تحقّق كلّ ذلك أنّ الله -تعالى- منع مياه البحار والمحيطات من الانجماد إلّا سطحها، فلو تجمّدت كاملة لماتت الكائنات بداخلها ولم ينتفع الإنسان منها، وهذا يُساعد الكائنات في داخله على الاستمرار في الحياة، والسّفن على الجريان فيه.
معجزة تكوّن النبات:
 توجد في النّباتات مادةٌ خضراء تقوم بإفراز الكربوهيدرات التي هي أساس تكوين النباتات بأنواعها، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قول الله -تعالى-: (انظُروا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثمَرَ وَيَنعِهِ)، فإنَّ نمو الثّمار يتوقّف بسبب اصفرار اللّون، والإيناع هو ما يساعد على إكمال نموّها.
معجزة نزول الحديد:
 أنزل الله -تعالى- الحديد من السّماء بدليل قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، ولمّا بدأ العلماء بالبحث عن كيفيّة وجود الحديد توصّلوا إلى أنّ الكون يتكوّن بما نسبته ثمانٍ وتسعين بالمئة من الهيدروجين والهيليوم وهما أخفّ العناصر، أمّا الاثنين بالمئة المتبقّية فتُشكّل مئة وخمسة من العناصر، وهي العناصر الثقيلة، ممّا دفعهم للوصول إلى أنّ العناصر الثّقيلة تتكوّن عن طريق حدوث الاندماج النّووي والذي يُصاحبه طاقة هائلة، فالنّجوم مثلاً تصل حرارتها إلى ثلاثمئة ألف مليون درجة، وهذه الحرارة تُعدّ بيئةً مناسبة لتكَوّن الحديد، فإذا وصل الحديد ما نسبته خمسين بالمئة من كتلة النّجم، وأصبح قلب النّجم كلّه حديد أدّى ذلك إلى انفجار النّجم وتناثُر أشلائه في الكون، فتدخل في مجال جاذبيّة الأجرام السماويّة الأخرى التي تحتاج إلى هذا الحديد.
معجزة الجبال الركامية:
 قال الله تعالى: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ)، والمراد بالسّماء في الآية إمّا السّحاب أو الفضاء، فعندما تتكاثف السُّحب تصل بضخامتها لحجم الجبال والتي ينزل منها البَرَد، وقد شُبهت السّحب الرّكامية بالجبال لضخامتها وكبر حجمها، وقد أكّد العلماء أنّ شكل السّحب الرّكامية يُشبه الجبال، حيث إنّ شكلها هرميّ قاعدته إلى الأسفل ورأسه نحو الأعلى، وهذا ما ذُكر في الآية الكريمة بأنّ شكلها كالجبال، وأنّ المطر ينزل منها. 
معجزة النظام الكوني المتوازن:
 يدلّ قول الله -تعالى- في القرآن الكريم: (إِنَّ اللَّـهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، إلى أنّ توازن الكون ناتجٌ عمّا جعله الله -تعالى- من الجاذبيّة التي تمنعه من السّقوط، ويوم القيامة يُزيل الله تعالى هذه الجاذبيّة فتتناثر الكواكب، ويكون الانفطار -أي الانشقاق-، والتّكوير - لفّ الشمس ورميها فيذهب ضوؤها، والانكدار وتساقط النجوم وانطفاؤها، وغيرها ممّا عبّر عنه القرآن الكريم من مشاهد يوم القيامة. ظلمة المحيطات والأمواج الداخلية في بطن مياهها يقول الله تعالى في سياق الحديث عن عاقبة الكافرين في الدّنيا: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّـهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}، وقد وافق ذلك ما تمّ اكتشافه من قِبَل العلماء الذين غاصوا في البحر وعلموا مكنوناته، ومع ذلك فإنَّ الغوص الذي يستطيع الإنسان الوصول إليه لا يتجاوز الثلاثين متراً، فإن زاد فلا يُمكنه أن يعود حيّاً، وهو ما وصفه الله -تعالى- فقال: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ)، فكلّما زاد العمق إلى الدّاخل تزداد الظّلمات ظلمةً بعد ظلمة، وتنعدم الرؤية.
معجزة انفجار الكون في بداية الخلق - خلق السموات والأرض:
 حاول مَن لا يؤمنون بوجود الله إثبات أنّ الكون لا بداية له ولا نهاية، وقد حاولوا كثيراً نفي الخلق والخالق، فنزل القرآن الكريم يردّ على هذه الافتراءات الباطلة، فقال تعالى: {أَوَلَم يَرَ الَّذينَ كَفَروا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَرضَ كانَتا رَتقًا فَفَتَقناهُما}؛ وذلك لِيُثبت لهم أنّ بداية الكون هي الرّتق؛ فلمّا انفتق وتحوّل إلى سحابةٍ من الدّخان خلق الله -تعالى- منها السّماوات والأرض وما بينهما. وقد وصف الله -تعالى- هذه المراحل وربطها بعقيدة التّوحيد التي تقوم على الحقّ الذي قامت عليه السّماوات والأرض، قال -تعالى-: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. وقد أوضحها الله -تعالى- في آياتٍ ليدلّ على قدرته وإبداعه في كونه، وخلقه للكون بصورةٍ متكاملةٍ في كلّ مكانٍ وزمانٍ، فجعل من كلّ شيءٍ زوجين ليبقى وحده المتفرّد لا زوج له، وهو سبحانه الذي خلق الكون وهو القادر وحده على إفنائه وإعادته من جديد.
معجزة الغلاف الجوي حول الأرض:
 تُطلق السّماء على كلّ ما يعلو رؤوسنا إلى ما يمكن لنا إدراكه؛ سواء بالحواسّ أم بالأجهزة، ومنها السّماء الدّنيا التي تشمل الغلاف الجوّي حول الأرض، والذي يتكوّن من عدّة أقسام، وله عدّة خصائص، وكلّما زاد الارتفاع تناقضت هذه الخصائص، وكلّما زاد الارتفاع ضاق النّفس إلى أن ينقطع نَفَس الإنسان، وقد ذُكر ذلك في قوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجعَلُ اللَّـهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذينَ لا يُؤمِنونَ}.
معجزة الشمس والقمر:
 الشّمس والقمر من آيات الله في كونه، والتي ستفنى في يوم القيامة، قال تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}، فإنّ الله -عزّ وجل- يُذهب ضوءهما ويجمعهما معاً ويرمي بهما، قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، فالتّكوير هو لفّ بعضها إلى بعض ورميها الذي يؤدّي إلى ذهاب ضوئها، فقد روى أبو هريرة -رضيَ الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: {الشَّمْسُ والقَمَرُ مُكَوَّرانِ يَومَ القِيامَةِ}. وفي ذلك يقول الدّكتور زغلول النّجار: أثبت العلم زوال الشّمس والقمر يوم القيامة، وذلك أنّ القمر يبتعد عن الأرض بما مقداره ثلاثة سنتيمترات في كلّ عام حتّى يصل إلى مكانٍ يفقد فيه الجاذبيّة الأرضيّة، فتقوم الشّمس بابتلاعه. فتتعادل قوّة التّنافر الكهربائيّ مع قوّة الجذب ممّا يؤدّي إلى التّكوير، وتكون الشّمس آنذاك قد وصلت إلى مستقرّها، وتسمّى هذه العمليّة بالتّكوير، والمُراد بمستقرّ الشّمس هو انطفاؤها، وهذا ما وصل إليه العلم في القرن العشرين. كان النّاس في القدم يعتقدون أنّ الشّمس تدور حول الأرض، ثمّ أثبت العلماء خلاف ذلك؛ فالأرض هي التي تدور حول الشّمس، كما ثبت حديثاً في العلم أنَّ الشّمس في حركةٍ مستمرّةٍ وَصَفها القرآن الكريم بالجَرَيان، فقال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
معجزة الليل والنهار: 
ومن آياته منامكم بالليل أنعم الله تعالى على خلقه بنعمة النّوم، وهي نعمةٌ عظيمةٌ تُساعد الجسم على أن يكون نشيطاً، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}، فبمجرد استيقاظ الإنسان ومباشرته بالعمل وبذل الجهد بشكلٍ مستمرٍّ على مدى ساعات اليوم؛ فيحتاج الجسم بعدها تلقائياً إلى النوم؛ والذي ينقسم إلى نومٍ خفيفٍ يعلم فيه النّائم ما يجري حوله، ونومٍ عميقٍ لا يَعي الإنسان فيه شيئاً، كما نظّم الله تعالى في الإنسان عدداً مناسب من ساعات النّوم يتناسب مع عمره ونموّه وحاجته.
معجزة عالم الطيور:
 قال تعالى: {أَلَم يَرَوا إِلَى الطَّيرِ مُسَخَّراتٍ في جَوِّ السَّماءِ ما يُمسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّـهُ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنونَ}، فالله -تعالى- الذي خلق الكون بما فيه، وخلق الجاذبيّة ليُساعد هذه المخلوقات على البقاء على الأرض، هو ذاته الذي خلق الطّيور وأودع فيها الخصائص التي تتغلّب فيها على هذه الجاذبيّة، مثل خفّة وزنها، ومتانة جسدها ومرونته، واتّزانها، ممّا يساعدها على الطّيران، وجعلها الله تعالى خفيفة الوزن؛ ويتبيّن ذلك بالنّظر إلى رقّة عظمها، وخفّة ريشها، وصغر رأسها وخلوّه من الأسنان التي تُسبّب الوزن الزائد، وكلّ ذلك بما يتناسب مع حجمها وكثافة الهواء الذي تطير به. قال تعالى: {وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا طائِرٍ يَطيرُ بِجَناحَيهِ إِلّا أُمَمٌ أَمثالُكُم}، وكذلك ذَيْلها الذي يساعدها على التّوجه والارتفاع والتهيّؤ من أجل الهبوط
 الإعجاز التَّشريعيّ والإصلاحيّ:
الإعجاز التشريعي هو سمو ودقة التشريعات والمبادئ التي جاء بها القرآن الكريم وتميزها عن ما دونها من التشريعات بطريقة يستحيل على البشر الإتيان بها. الإعجاز الغيبي ويُقصد به إشارة القرآن الكريم لأمور غيبية لها علاقة بالماضي أو الحاضر أو المستقبل يستحيل على البشر التنبؤ بها.
وهذا النوع من الإعجاز يربك العقل ويذهل التفكير لمستوى الدقة والشمولية والإحاطة المشرعين الإعجازية بكل أمور البشر وحياتهم وشؤونهم الدنيوية القانونية والحياتية والإرثية ومسائلها المختلفة وغيرها، التي أذهلت المشرعين ورجال القانون والشريعة من عرب وعجم، حيث يعدّ هذا الإعجاز من أعظم أنواع الإعجاز التي لمسها العرب منذ بعثة النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ فبعد الإسلام وانتشاره في معظم الجزيرة العربيّة ثُمّ العالم أجمع انتقل العرب بفضل تعاليم الإسلام وتشريعاته وتطبيقاته الإصلاحيّة للفرد والمجتمع من قبائل بدويّةٍ متناحرةٍ تشكو الفقر والجوع وضيق الحال إلى سادة الدُّنيا وملوكها؛ ففتحوا بلاد الفرس ووصلوا إلى حدود بعيدةٍ شرقًا وغربًا، ونشروا العدل والمساواة، وملؤوا الكون علمًا ونورًا..

معنى الإعجاز التشريعي في القرآن:
هو إثباتُ عَجْز البشر جميعًا عن الإتيان بِمثل ما جاء به القُرآن من تشريعاتٍ وأحكام، تَتَعلَّق بالفرد والأُسْرة والمجتمع في كافَّة المجالات.

المُرادُ من الإعجاز التَّشريعي في القرآن:
وليس المُرادُ من الإعجاز التَّشريعي هو مُجرد إثبات الإعجاز، وإنَّما المُراد منه لازمه، وهو إثْبات صِدْق النَّبي صلَّى الله عليه وسلم وبيان كون القُرآن من عند الله عَزَّ وجل:  {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} .

الشمول:
إنَّه من الأدلَّة الدَّامغة، والبراهين القاطعة على الإعجاز التَّشريعي في القرآن - اشتمالُ القُرآن المجيد نفسه على المَقاصد الأساسيَّة، والقواعد الكُلِّية للشريعة الإلهيَّة، التي تُنظِّم كلَّ شؤون الحياة، وفي الوقت نفسه تُحقِّقُ العَدْل التَّام بين الجميع، بقطع النظر عن الانتماءات الدينية أو العرقية أو غيرها، وهذا بالقطع لا يدخلُ تَحت استطاعة أحد من البشر كائنًا من كان.

ومِمَّا يدُلُّ دلالة دامغة أيضًا على الإعجاز التشريعي في القرآن: أنَّ العرب كانوا أمَّة أمِّية لم تكن لهم ثقافة، ولم يكونوا يعرفون إلاَّ التَّحاكم إلى العِرْق القبليِّ وقتَ نُزُول القرآن المجيد على النَّبي - صلَّى الله عليه وسلم - فهذا ولا رَيب هو الإعجاز ذاته.

ذلك أنَّه من الأُمُور البدهيَّة عند عُلماء القانون والاجتماع، أنَّ آخر ما يُتوَّج به تقدُّم أي أمة من الأمم هو تكامُل البيئة القانونيَّة والتشريعيَّة في حياتها.

إذًا فظُهُور قانون مُتكامل في أمَّة من الأمم، هو الذِّروةُ العُليا لتقدمها الحضاري، وليس العكس؛ إذ إنَّ الأمَّة التي لم تتقدم حضاريًّا، أو التي ما تزال تعيش في طَوْر البداوة، ليس في حياتها من التعقيد الاجتماعي ما يُشعر بالحاجة إلى وَضْع قانون عام، ولكنَّها تشعرُ بذلك كلَّما تقدمت حضاريًّا، وازداد تركيبُها الاجتماعي تعقيدًا.

إلاَّ أن الذي ظهر في الجزيرة العربيَّة قبل أربعةَ عَشَرَ قرنًا من الزمان، كان عكس هذا القانون البَدَهي تمامًا، فقد ظهر فجأة بين تلك الجماعات البدائيَّة قانون متكامل، يتناول الحقوق المدنية، والأحوال الشخصية، ويرسم صُورة للعلاقات الدَّوليَّة، ويضع نظامَ الحرب والسلم، ويضع نظامًا للعلاقات الماليَّة والسياسيَّة وهكذا، تشريعٌ مُتكامل لا يَترك من أُمُور الحياة صغيرة ولا كبيرة إلاَّ عالَجها وقنَّن لها، هذا في الوقت الذي كان فيه عَرَب الجزيرة لا يعرفون شيئًا عن معنى المجتمع الذي يحتاج إلى قانون، فلم يأْخُذُوا بنصيبٍ وافر من العلم أو الحضارة، مِمَّا يعد خُطُوات أساسية لا بُدَّ من اجتيازها قَبْل وضع القانون العام[12]؛ فهذا التشريع الذي اشتمل عليه القرآن المَجيد وَجْه من وُجُوه إعجازه التي لا تُحدُّ، وهو الذي جعل من المسلمين الأوائل أُمَّة لا نظيرَ لها في التاريخ، فقام المجتمع المِثالي، وأقيمت المدينة الفاضلة التي طالما خامَرَت عُقُول كثير من المُفكِّرين والمُصلحين على مَدَى تاريخ البشريَّة الطويل.

إنَّ القُرآن الكريم يبدأ بتربية الفرد؛ لأنَّه لَبِنة المجتمع، ويقيمُ تربِيته على تَحرير وُجدانه، وتحمله للتبعة؛ يُحرِّر القُرآن الكريم وُجدانَ المسلم، بعقيدة التَّوحيد الذي يُخلصه من سُلطان الخرافة والوهم، ويفكُّ أسْرَه من عُبُودية الأهواء والشَّهوات، حتى يكون عبدًا خالصًا لله.

وإذا صحت عقيدة المسلم كان عليه أن يأخذ شرائع القرآن في الفرائض والعبادات، وكل عبادة مَفروضة يُرادُ بها صلاحُ الفرد، ولكنَّها مع ذلك ذات عَلاقة بصلاح الجماعة، ومن تربية الفرد ينتقل الإسلام إلى بناء الأُسْرة؛ لأنَّها نواة المجتمع، فشَرَع القُرآن الزَّواج؛ استجابة للغريزة الفطريَّة، وإبقاءً على النَّوع الإنساني في تناسُل نظيف.

ويقوم رباط الأسرة في الزَّواج على المودَّة والرحمة؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] ؛ قال ابن كثير: ﴿ مَوَدَّةً ﴾ وهي المحبة، ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ وهي الرَّأفة، فإنَّ الرَّجُل يُمسك المرأة، إمَّا لمحبة لها، أو لرحمة بها، بأنْ يكون لها منه ولد، أو لحاجة إليه في الإنفاق، أو للأُلْفة بينهما، وغير ذلك.

وأوجب أنْ تكونَ عِشرة الرجال لهن بالمعروف؛ فقال: [وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف]، وهو النصفة في المبيت، والنَّفقة، والإجمال في القول.

وللرِّجال حُقُوق، وللنِّساء حقوق قرَّرها القرآن المجيد؛ فقال سُبحانه: [وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.

وعن قضيَّة تعدُّد الزوجات، التي يُحاول أن يستغلَّها بعض المُشككين والمغرضين، فإنَّ الإسلام لم يُنشئ قضية التَّعَدد، التي كانت معروفة وسائدة في المجتمعات السابقة قبل نُزُول القرآن، الذي رخَّص فيه وقيَّده بشرط العدل، وحذَّر أشد التحذير من الظُّلم أو الجور، بل أَمَرَ بالاكتفاء بواحدة عند الخوف من عدم العدل. وفي القرآن الكريم يقومُ الحكم على أُسُس العدل التام، والمساواة، والشورى، وكلِّ ما من شأنه أن يحفظَ سلامة المجتمع، ويُحافظ على أمنه واستقراره؛ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [21]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر}، { وَأَمْرُهُمْ شُورَى}، { وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}. 

ومن أجل صيانة المُجتمع وسلامته، يُقرِّر التشريع القرآني الحفاظَ على الكليَّات الخمس وهي:

1- النفس.
2- العقل.
3- العرض.
4- الملكية.
5- النظام العام.

ومن أجل الحفاظ على هذه الكلِّيَّات الخمس، التي تتَّفق كلُّ المجتمعات على صيانتها والحفاظ عليها، حذَّر القرآن الكريم من الاعتداء عليها، وَوَضَع ما يُعرف في الفقه الإسلامي بالجنايات أو الحدود.

الحفاظ على النفس:
لقد كرَّم القرآن الإنسان، وبيَّن أنه خليفة الله في الأرض، وحرَّم قتل الإنسان لنفسه؛ لأنَّها ليست ملكًا له، إنَّما هي ملك لله وحدَه؛ فقال: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا].

كما شَرع القِصاص وجعله ظرفًا للحياة في قوله تعالى: [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]، وقال تعالى: [ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا] .

فالتَّعدي على النَّفس الإنسانيَّة في التشريع الإسلامي من أخطر الجرائم؛ لأنَّ الإسلام أعلى من شأن الإنسان؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [29]، ومن ثَمَّ فقد شدد في العُقُوبة على من يعتدي على حياة غيره بغير حق.

ولا شَكَّ أنَّ رحمة الله عظيمة بفرضه القِصاص؛ لأنَّ من يهمُّ بقتل غيره وهو يعلم أنَّ في ذلك هلاكَه سوف يتردَّد، أو لا يُقْدم على هذه الجريمة الشنعاء؛ خوفًا على حياته.

وكذلك من يريد الاعتداء على الآخرين أو النَّيْل منهم، حينما يعلم عُقُوبة القصاص، فلا شك أنه سوف يُفكر قبل اقتراف الجريمة؛ لأنَّ القصاص عقاب رادع، وقد بيَّن القرآن الكريم أن القصاص أيضًا مما شرعه الله سبحانه وتعالى وأنزله في التَّوراة؛ فقال الله سبحانه: [وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] .

الحفاظ على العقل:

ومن أجل الحفاظ على العقل الذي هو مَناطُ التَّكليف في الإسلام، وأكبر نعمة أنْعَمَ الله بها على الإنسان - حرَّم القرآن الكريم شُرْب الخمر؛ لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

وقد كان تحريمُ الخمر بتدرج ونوازل كثيرة؛ فإنَّهم كانوا مُولعين بشُربها، وأول ما نزل في شأنها: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ]، أيْ: في تجارتهم؛ فلمَّا نزلت هذه الآية تَركها بعضُ النَّاس، وقالوا: نأخذ منفعتها ونترك إثْمها، فنَزَلت هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى}، فتركها بعضُ الناس، وقالوا: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشَربَها بعضُ الناس في غير أوقات الصلاة حتَّى نزلت:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} ؛ فصارت حرامًا عليهم حتَّى صار يقول بعضهم: ما حرَّم الله شيئًا أشدَّ من الخمر.

الحفاظ على العرض:

ومن أجل الحفاظ على العرض، شَرَع القرآن الكريم حدَّ الزِّنا في قوله تعالى:  {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}، هذا الحكم في الزاني والزانية البكرين، أن يجلد كلٌّ منهما مائة جلدة بخلاف الزَّاني المحصن، أو الزَّانية المُحصنة، فقد دلَّت السُّنة الصحيحة على أنَّ الحدَّ لكل منهما هو الرجم.

الحفاظ على الملكية:

ومن أجل الحفاظ على الملكية شَرَع القرآن الكريم حدَّ السرقة في قوله سبحانه: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ؛ ذلك أنَّ السَّرقة نزعة شريرة ربَّما تحمل صاحبها، أو تَجرُّه إلى ارتكاب جرائم شنعاء في سبيل الاستيلاء على مال الغير، بدافع من خبث الطبع، أو فساد المنشأ، وسوء التَّربية.

الحفاظ على النظام العام:

ومن أجل الحفاظ على النِّظام العام، وضَمَان أمْن المُجتمع واستقراره، شَرَعَ القرآن الكريم حدَّ الحرابة في قوله سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم }؛ والمُحاربُون لله ورسولِه، هم الذين بارزوه بالعداوة، وأفسدوا في الأرض بالكُفر والقتل، وأخْذِ الأموال، وإخافة السبيل.
 
السعة والمرونة:
إذا كان التَّشريعُ القُرآني يَمتازُ بالشُّمول، وأعني به الشُّمول الزَّماني، والشمول المكاني، والشمول الموضوعي، أيْ: إنَّه يشمل مَجالات الحياة كافَّة على اختلافها وتنوُّعها؛ فإنه - أيضًا - يَمتازُ بخاصية أخرى، هي السعة والمرونة التي تسع الجميع من الفُقهاء والمُجتهدين.

هذه السعة التي تتيح الاختلاف المشروع بين الفُقُهاء، وهو اختلافُ تنوع، لا اختلاف تضاد، واختلاف في الفُرُوع، لا في الأصول، والقرآن المجيد في كل هذا لا يتبدَّل، ولا يتناقض؛ {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}؛ فأدلة الأحكام في القرآن مُترددة بين القطع أو الظن، بخلاف أدلَّة العقيدة، فهي يقينيَّة قطعيَّة لا مَجال فيها للظَّن، وهي كما ذكر الإمام الشَّاطبي في "المُوافقات": على طريقة البُرهان العقلي، ويُستدلُّ بها على المخالفين".

ومثالُ ذلك: اللَّفظ المُشترك، في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}؛ ذلك أنَّ لفظَ القُرْء من الألفاظ المُشتركة؛ لأنَّه يدلُّ بالتَّساوي على مَعنيين اثنين، هما الحيض والطُّهر، وهُنا يأتي دورُ الفقيه أو المُجتهد في تَعيين المَعنى المُراد، والقَرينة هي التي تُحدد ذلك، ومثال ذلك أيضًا: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}؛ حيثُ اختلف في المُراد بقوله سبحانه: ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [المائدة:[6] 

موافقة الفطرة:

يُخاطب القُرآن الكريم الإنسان بجانبيه: جانب الرُّوح، وجانب المادة، ويُعطي لكلِّ جانب منهما ما يُناسبُه ويُرضيه، والتشريع القرآني يُوافقُ الفِطرة الإنسانيَّة التي فطر الله النَّاس عليها؛ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، وقوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا }. 

فلا يُكلِّف التشريع القرآني الإنسانَ ما هو فوق طاقته، ولا يُحمِّله ما لا يتحمله، ومن هنا جاء قوله تعالى: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [53]، وقوله سبحانه: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ} [54]. 
وهكذا فالتشريع القرآني مُوافق للفطرة التي فَطَر الله الناسَ عليها مما يجعلُهم مُنقادين إليه، طائعين غير مَجبورين عن قناعة وثقة؛ يقول الأستاذ مالك بن نبي: "وفي ضوء القُرآن يبدو الدِّين ظاهرة كونيَّة تحكم فكر الإنسان وحضارته، كما تحكم الجاذبيَّة المادة وتتحكَّم في تطوُّرها". اهـ[57].

إعجاز الإيجاز في آيات الأحكام:

وقد جاءت آياتُ الأحكام غاية في الإيجاز البليغ، مع شُمُولها كلَّ جوانب الأحكام التي تتناولها؛ فهي مُوجزة وشاملة، والجمعُ بين الشُّمول والإيجاز لون من الإعجاز.

وسأشير هنا إلى آيتين مُتتاليتين في سورة النِّساء، وآية ثالثة، في آخر السُّورة نفسها، هذه الآيات الثَّلاث جَمَعَت قواعدَ علم الميراث، الذي شرحه الفُقهاء في صَفَحات وصفحات:

1- الآيتان المتتاليتان هما قوله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آباؤكم وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [58].

2- أما الآية الثالثة، فهي الآية الأخيرة من سورة النساء، وهي قوله تعالى: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [59].

التشريع القرآني والتشريع الوضعي في الميزان:

ليس من شكٍّ في أنَّه لا تصلح المُقارنة أو المُوازنة، بين التَّشريع القُرآني وبين القَوانين الوضعية؛ لأنَّ الذي يُوازن بينهما كأنَّما يُوازن بين الخالق والمخلوق، لكنَّنا نأخذ مثالاً واحدًا على الأَثَر العملي في الواقع للتَّشريع القُرآني في مُشكلةٍ لا تزال المجتمعات غيرُ المسلمة تُعاني منها إلى اليوم، هي مُشكلة الخمر.

فقد عالج التَّشريع القرآني هذه المُشكلة على مراحل ثلاث، بطريقة حَسَمَتْها في النِّهاية:

1-{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } [60].
2- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [61].
3-{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [62].

هذا هو التَّحريم القاطع، الذي حَسَمَ المشكلة، وفي المُقابل - كما يذكر الأستاذ/ مالك بن نبي في كتاب "الظَّاهرة القرآنية" - أثارت المُشكلة بعد ذلك بثلاثةَ عَشَرَ قرنًا من الزَّمان، أثارت اهتمامَ المُشرعين في أمَّة لعلَّها أرقى الأمم حضارةً، وهي الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة، في عام 1919م، ثارت المُشكلة في الرَّأي العام الأمريكي، وفي العام نفسه أُدخل في الدستور الأمريكي تعديلٌ تحت عُنوان "التعديل الثَّامنَ عَشَرَ"، ويتضمن هذا التعديل أمرًا بحظر الخمر، أطلِق عليه وقتها قانون "فولستد" (ACTE ، والذي يعد انتصاراً حاسماً لله وكتابه والحق والتاريخ.