لن تكون هناك "زلة أخرى للحكمة" فالأموات لا يخطئون، فقد مات الشاعر الأردني، وزير الثقافة السابق جريس سماوي، فـ "كسرت الأقلام وجفت الصحف" أطفأ الموت صوته بعد معاناة إصابته بفيروس كورونا عن عمر 65 عاما.
ونعى المشرف الاعلى للملتقى الوزير د. فيصل الرفوع، وفاة الشاعر الوزير جريس سماوي، وقال انها خسارة كبيرة للوطن
واستذكر د. الرفوع ما اضافه الراحل للمكتبة الأردنية والعربية. والعالمية، من ادب واسع. وما قدم من إنجاز للوطن على مدى ايام حياته
وقال رحم الله الشاعر الاردني وجعله من اهل النعيم، مع الاخيار والصالحين
وقال الاديب حسين نشوان، لم يبق سوى ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي التي تحمل مشاعر الحزن من مئات الأصدقاء: شعراء وفنانين وناشرين ومثقفين، بنعي الشاعر الذي أعلن خبر وفاته أيمن سماوي مدير مهرجان جرش (ابن عمه) على صفحته الشخصية على فيسبوك في ساعة مبكرة من صباح امس (الخميس 11 مارس/آذار)، بقوله "معالي أبو حنا، بعرف قديش بتحب سليم، بس ما كنت أتوقع أن يصل هذا الحب إلى حد أن تلحق به.. فأرح خرائطك (..) يا مهندس.. واتئد في الخط..... هذي الأرض روحي...... والماء مائي ..... والمدى زرعي الوفير ..... أنا الثمر".
كان أول من نقل لنا الخبر على منصة السلع د. حاكم المحاميد، المحافظ المتقاعد، ليبدا الملتقى استذكار الشاعر الكبير جريس سماوي.
وقد استضاف بيت عرار في اربد جريس سماوي شاعراً وطلب من الاديب حسن ناجي تقديمه فكتب
لماذا لا تكتب تاريخ الصين ؟ فقال يكفي أني أكتب أشعارها ، فالشاعر ولد يوم ولدت العطور وأغنيات الحساسين ، الشاعر ولد قبل المرأة ليكتب بها شعراً يغنيه لها عند ولادتها ، وأقول : يا إلهي كم هي الحياة صعبة لو لم يكن بها شاعر .
الحب نشيد منذ البدء تعلمناه
والوطن قصيد من قلب القلب كتبناه
والشعر لدينا نبض للفجر عزفناه
معنا
من نامت عمان على كتفيه
من فك ضفائرها
من عطـّرها بقصائد من شفتيه
معنا
صاحب ناي الراعي
من غنى بين يديه
معنا
من قال نعم
لامرأة ذات الخصر المزماري
وأنا كم كنت على مهل
أعزف يا صحب عليه
معنا
شاعر نبض المرأة
والشعر يدل عليه
جريس شاعرنا
وأقل صفات الشاعر حين يكون سماوي
نوت نسمات بلادي واعزف ألحان حياه
جريس أنت سماوياقرأ واسمع مني الآه
في الرثاء للوزير الاديب، قال استاذ الادب العربي في مؤته. د. خليل الرفوع هو الموتُ يعتامُ الكرام َ ، وينتقي فضة أقمارها.
والدهر غولٌ ليس بمعتب من يجزع
ويكأَنّ المنايا لا تطيشُ سهامُها.
لم يتمهل الموت كيما نودعك في هذا الهواء الخبيث. ، وهذا السموم الحميم.
كم كنتَ عاشقا للحياة وكأنك على كفّيها نورس يفتش عن هدوء الموج و صفرة الشمس والليل وما وسَق.
أيها الصديقُ الذي ما انثنى إلا كرامةً
وما تكلم إلا محبة كبحيرى في صومعته .
كأن في العذوبة شيئا من رضاب صوتك.
أيها النبيل الذي انسكب على لسانه سخاءُ الكلام وجرسُ الحرف وقوافي الشعر.
كم كنت فينا سراجا يضيء غرفات الوطن صدقا وإيثارا ونبلا وصدحا.
إنه الوطن الذي رعاك وآلفك فأسندت إليه ظهرك فكان حارسك وسندك.
رحلتَ وفي عينيك بهاء الأردن وكأنكما غيم وقمر محمولين على خيطٍ أبيضَ يصب ضياءه في منارة راهب متبتل بسط ليله للصلاة وصمته للسبح الطويل.
أيهاذا الغائب في عيون هذا البلد الأمين وقرامي زيتونه منذ عهد روما وسنين الفتح، طبت تينا وزيتا وحدائقَ غُلْبًا
فهأنت ذا تسري في الفجاج والجذوع ماءً غدقا غللا، تَقَطَّع في أصول الدوالي وسياج الياسمين.
وهأنت ذا تودع سجادة الصمت وصخرة الوطن لتدخل في قبة السماء تحملك أجنحة الخافيات الخبيئات مستترا بقبس الرهبنة وجمر الروح مستوحدا في الخفاء والبهاء.
أيها الشرقي الذي أضاء روما بنور الأريسيين، وقد طرزتْ ثوبكَ مريمُ العذراء بنداء زكريا وبشارة يحيى ونبوة محمد عليهم السلام،؛ فاقتفيت أثرك ميمنةً تمضي إلى غايتك وما فُهْتَ بعدُ بآية.
أنا يا صديقي أتمتم بالدعاء خفيا
وكان ربي بي حَفِيًّا
أن يغسلك بالرضا والمغفرة
فلقد كنت مرجوًّا في الصداقة والوفاء
وكم بثثتَ وجدَك على وتر النجوى ولحن اللقاء .
ونعاه الشاعر الاديب محمد الشروش، وقال كم هو موجعٌ هذا الرحيل
نعم،
الأحبّاءُ قليلاً ماأقاموا
ثمّ مالوا ليناموا
الأحبّاءُ على أرواحهم منّا السّلامُ ....
وفي حديثها عن الراحل قالت د فيفيان شويري، "لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ". (إنجيل متى 8: 18-22 )؛ فنعم الذي وجد في الوطن متكأ! وطوبى للراحل جريس سماوي، هذا المشرقي الكبير الذي اتخذ من الوطن سنداً، وعلى حدّ تعبير الأستاذ الدكتور خليل الرفوع، " إنه الوطن الذي رعاك وألفك، فأسندت اليه ظهرك فكان حارسك وسندك".
ما أبلغه من كلام وما أعمق معانيه وما أسمى مراميه! نعم، إنه الوطن الذي من التراب والى التراب نعود اليه، فالبقاء للوطن. وعسى أن يكون للسماوي سماء، حيث البقاء لله !
إن وقع كلماتك المؤثرة في النفس وأسلوب نصك الراقي المعاني والدلالات، ورثاءك الهادف الأبعاد في الراحل، دكتور الرفوع، لهو الصدق عيّنه. نعم، الحياة برهة ومشوار سريع وما يبقى مجرد اسم إما يخلد وإما يمرّ مرور الكرام؛ فنعم الذي ترك اسماً مشرّفاً وأصدقاء أوفياء على صراط الخير والحق والجمال يمشون!
ونقل الاديب محمد التميمي قصيدة جديدة للشاعر جريس سماوي
"ثلاثُ ليالٍ سويّا”
على صهوةٍ من دخانِ الرؤى،
فوق سجّادة الصمتِ أجلسُ
مستبطناً عمقَ ذاتي
وحيداً ومستوحداً في الخفاءِ
وأنظرُ في داخلي
ثمَّ أصغي إلى صوتِ روحي، وأبكي.
وأصغي اليهم،
فرادى يمرّونَ منتصبين
وهم يطأوون العماءَ بأحلامهم
وأشيرُ إليهم
وأعرفُهم واحداً واحداً
وأقولُ لنفسيَ ها هم يمرّون أسلافيَ الغابرون البعيدون،
أعلو على زمني
وأنا فوقَ سجادةِ الوقتِ،
أعلو، ألوذ بذاتي،
بصمتي، وأستبطنُ الخافياتِ الخبيئات
في رحلتي
ساجياً، ساهياً، كالكآبةِ، ملتبساً كالصلاةِ
ويرفعني الصمتُ فوق قبابي الخفيضات
يأخذني الصمتُ كالهذيانِ إلى العتبات
وأعْرُجُ،
أرقى إلى هيكلِ الذاتِ
مستتراً في انكشافي على النورِ
مستيقظاً من سباتي
خفيفاً، شفيفاً، نقيّاً، تقيّا
ألوذُ بذاتي وأسرارِها صامتاً
كاهناً أخرسَ الفمّ
مرّتْ ثلاثُ ليال سويّا
وما زلتُ أومئُ رمزاً نبيّا
غريبَ التُّقى
ليسَ يسمعُني العابرونَ إلى حزنِهمْ
ليسَ يسمعُني العابرونَ إلى صمتِهمْ
صامتٌ وأصلّي إليكَ
وأرجوكَ يا وطني
يا حبيبي ويا سندي
سندي إذ تداعى وغادرني فتداعيتُ، قلتُ:
تمسّكْ بأجنحتي يا حبيبي ويا سندي
ليسَ لي أجنحةْ.
وما الريشُ هذا سوى تعبي يا أبي
تعبي من حصادي وزادي
وهذا يَقيني
تمسّكْ إذن بيقيني
لننجو معاً،
هل يقيني يقيني، يقينا؟
أنا لا أباهي هنا بالخسارات
واستذمرت عروبة الشمايله الوزير الشاعر وقالت رحم الله الصديق جريس سماوي بعد رحلة ممتدة بالعطاء والإبداع الأدبي والإعلامي
جريس سماوي الكاتب والإعلامي والمثقف ستبقى حاضرا بالذاكرة.
ويكتب المشرف العام للملتقى د. ابراهيم الياسين، فيقول عن الراحل السماوي، مساء الصمت والتأمل والتبتل،،
صمت قاتل، وبوح شجي، واستبطان موج، وإحساس مبك. في رؤى دخانية ضبابية سواداء بأئسة تبعث على الحزن والبكاء والألم في ثلاث ليال سويا.
يجلس الشاعر على صهوة دخانية فوق سجادة الصمت يستبطن عمق ذاتية وينظر في داخله وحيدا في غياهب الصمت والظلام والخفاء يصغي لصوت روحه ويبكي على ذاته وعلى أولئك الأسلاف العابرين البعيدين الذين "وطئوا العماء بأحلامهم" ،
ويستبطن الخافيات الخبيئات في رحلته الطويلة مرتقيا في هيكل ذاته بنقاء كاهنا صامتا متبتلا في حب الوطن حبيبه وسنده.
غفر الله لك أيها الراهب العاشق التقى النقي. وفقدان خسارة للوطن والثقافة والشعر.
رحم الله الراحل الكبير، فقد كان عضو لرابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.، وشغل عضوية عدد من اللجان والهيئات الثقافية والتطوعية الأردنية والعربية والعالمية.
وعمل في مجال الترجمة والصحافة المكتوبة، وترجم ونشر في الصحافة الثقافية قصائد لشعراء أمريكيين من أصول عربية تحت عنوان "مهجريون جدد".
وعمل رحمه الله في التلفزيون الأردني في البرامج الثقافية، وأعد وقدم عدداً من البرامج على القناتين العربية والإنجليزية.ومديراً عاماً لمهرجان جرش للثقافة والفنون (2001-2006). وكان شغل منصب نائب مدير المهرجان (1997-2001)