الطفيلة - من عبدالله الحميدي
تدفقت قصيدة الوشم على منصة السلع، جدولا رقراقا،، وقد تسامت عن الجرح. لو تعلمين.
وحملت القصيدة التي كتبها الشاعر الاردني د. هشام القواسمه لوحة زينت ابيات هذه المقطوعة بالوشم
وتاليا القصيدة
وأنتِ
غمامةُ حزني التي
منذ فاتحةِ العمرِ
تقطُرُ فيّا
وأنتِ الغرامُ الذي
لو توارى عن الشمسِ
خلف الجدارِ
وخلف سنينِ التمدنِ
يشجي أزاهيرَ عمري
ويطبقُ فوقَ الجراحاتِ
شيئاً تهاوى…
إلى آخرِ العمرِ… رملاً عفيّا
وأنتِ الصباحُ الذي ما تنفسَ
يقذفني خلفَ نافذةِ الليلِ
حلماً صبيّاً
تنامى على الجرحِ … لو تعلمينَ
لكم يتعبني صمتُك المتدفقُ
يلثم فيّا …
يحيلُ احتضاراتِ هذي الدقائق
عمراً شجيّاً
وصمتُكِ يهمي … وفيّ من الحزنِ
ما لم تعاقرْهُ كلُّ القصائدِ
شيئاً جديداً
شظايا .. تشدُّ الرحيلَ
إلى أين؟
صوبَ الجنوبِ …
وقد ودّعَ الراحلونَ .. وعادوا
وما زال ناقوسُ سوق النخاسةِ
فينا يدقُّ
وما زلتِ أنتِ على عاتقيّا
حملتك وشماً
كحزنِ الجنوبِ الذي
لا يغادرُ أرض الجنوبِ
وقد ودّعَ الراحلون .. وعادوا
وأبقوهُ حيّا
حملتكِ عقداً..
أعلقُهُ فوقَ هذي الجذورِ التي توهنُ العُمرَ
ما قد عرفتُ
بأن خيوطَ العناكبلا تستقيمُ
وأنك… أنتِ السرابُ
وما كنتِ شيّا
فأواه .. كم كنتِ أمنيةً
توقظُ الفرحَ في مقلتيّا
لكم ودَّعَ الراحلون .. وأنت
أنختَ الغمامَ على الأفق سوداً
كأثواب أمي التي
لا تبدلُ لونَ السوادِ
وتزفوهُ يوما
لكم أرْهَقَتها السنونَ
وأرهقتها رغم عني
فهلا تنفّستَ … يا صبحُ
طالَ انتظاري
وهذاالظلامُ.. يؤججني
يملأ الكأسَ شعراً معتّقَ
يبعث في الروحِ
صمتاً نديّاً
فهلا تنفّستَ …
أشتاقُ صوتَ الضجيجِ
فمذ ودعَ الراحلون.. وغابوا
يعانقني الليلُ
يعصفُني خلفَ خارطةِ الحزنِ
ميتاً وحيا
وبكلماته القليلة، وتعابيره التي تحمل المعاني الكبيرة قال رئيس مجلس إدارة مؤسسة اعمار الطفيلة د. غازي المرايات، ان روائع الشعر تتبدى الليله
على يدي شاعرنا المبجل
وأحسها ترفع من حرارة
الجسد والروح في هذه
الليله شديدة البروده...
الهبت جوارحي يا صديقي وأمتعتني بعزفك
الرصين وشاعريتك الدافقه بالحياه..
ويسال الشاعر بكر المزايده. د. القواسمه، إلى متى يا صديقي سيبقى حزن الجنوب؟! مهما طال الإنتظار سينزع الليل سواد أثوابه وسيتنفس الصبح ويمطر الغمام سعادة ورخاءً.
ويفتح قراءته للنص، فيقول د. كامل الطراونه. بين الغياب الثقيل عن فرح البلابل وانفراج الظلمة تتموسق هنا وهناك حزنا تارة واملا ببصيص دقيق يرسل خلاله اشعة من ضوء الامل ليعيد للحياة تمردها على مسرحها المتلام بامواج المتحول والمختلف لتنساب ضياء هناك وراء التلال وتخبو لتنهض من جديد.. دمت اخي صور جميلة ومعاناة جلية اشكر لك هذا البوح.
ويغشى الشاعر المرهف، محمد الشروش، نص القصيدة من خلال ابيات من الشعر قال فيها،،
في ظلالِ البوح والوقتُ شتاءْ...
كلُّ حرفٍ ياصديقي
وشمُ عطرٍ من قناديل الضياءْ ...
دمْتَ ورداً شاعريّاً
ورحيقاً عبقريّاً
من غِناءٍ لغناءٍ لغناءْ ....
ويرى د. ابراهيم الياسين، النص من اكثر من زاوية، ويقول لقد نقشت وشما غائرا لا يمحى في خارطة الحزن يا صديقي العزيز، وجلعتني في دوامة عاصفة قوية، اجتاحتني كريح صرصر عاتية من كثرة الصور الفنية المكثفة، والدلالات المزدحمة، والإيحاءات العميقة، واللغة الجارفة، والثنائيات المتضادة، وسحبتني في فضاء خيالك الفسيح، وادخلتني في واحة مشاعرك وعواطفك فبت أتنفس حزنك، واشرب من كأس شعرك المعتق الذي بعث في روحي الصمت وبت غير قادر على التحليل والتحلق والغوص في نصك المثير المدهش.
وعلق الاديب هاني البداينه.على القصيدة قائلا، ليست قصيدة وحسب، إنها موناليزا أخرى، بل هي متحف يضجّ بالصورة والمفردات....
أبا ريان الحبيب، شاعر الجبال والجباه،
وفي معاينته النص قال الناقد والاكاديمي د. ابراهيم الياسين، نبدأ من عتبة النص الأولى وهي (الوشم) وهو رمز تراثي يحمل دلالات متعددة تختصر الحضارة الإنسانية، ويرتبط بالموروث الديني والتاريخي والاجتماعي والمثيولوجي والأسطوري.
وقال ان الشاعر وظفه هنا توظيفا مثيرا وبصورة خفية ضمنية لا تتبدى الا لمن يتعمق في باطن النص، ويدخل في طبقاته الجوانية بعد طول حفر وتنقيب.
واضاف ان الشاعر بعد هذا العنوان المركز يدلف إلى عتبة أخرى في عالم نصه العميق ليضع المتلقي أمام صورة أنثوية مخاطبة (أنتِ) فتدفع القارئ للبحث عن تجلياتها، والكشف عن صفاتها داخل النص، وبيان طبيعة علاقتها بالشاعر ومدى ارتباطها به. ليكتشف القاريء أن تلك الأنثى المخاطبة في النص قد وصفها الشاعر بصفات سلبية تبدو إيجابية في أول حدودها الوصفية لكن سرعان ما ينكسر أفق التقلي لدى القارئ عندما يكمل تلك الحدود؛
فلو قال انت غمامة وتوقف لكانت دلالتها إيجابية لما يحمله الغمام من دوال الخير والنفع والخصب والحياة والنماء وكذا في قوله أنتِ الغرام... وانتِ الصباح.. غير أن الشاعر أضاف هذه المفردات الإيجابية الدلالة إلى ألفاظ وتراكيب أكسبتها دلالات سالبة حيث يقول( انتِ التي تقطر فيه فاتحة العمر) وهذه دلالة سلبية لها إنها تمطره بحزن طويل مستمر منذ بداية عمره، وهي الغرام الذي توارى بعيدا مع الزمن كي يشجيه ويزيد جراحاته ويكثفها لتتركم في طبقات رملية لآخر العمر،
وهي الصباح الذي كلما أشرق قذفه خلف نافذة الليل حلماً تنامي على الجراح. هذه الدلالات السالبة للأنثى تظهر امرا مخفيا في علاقتها بالشاعر، الذي يخاطبها خطاب المحب المعاتب بسبب صمتها المتدفق الذي يهمي فيتعبه ويلثمه ويقلقه ويجعل عمره شجيا حزينا فوق خزنه الخبيئ منذ فاتحة عمره لمنتهاها.
إنه صمتها الذي (يحيل احتضارات الدقائق عمرا شجيا وفيّ من الحزن ما لم تعاقره كل القصائد ) قال ان فيه حزن جديد يتشكل على صورة شظايا تشده للرحيل صوب الجنوب في رحلة ممتدة بين راحل و عائد ومقيم وذاهب وهي رحلة الإنسان في هذه الدنيا
ولفت الى ان الفلسفة الوجودية. والمفارقة الكبرى في رحلة الشاعر أنه حمل تلك الأنثى رغم سلبياتها على عاتقيه (وشما كحزن الجنوب الذي لا يغادر أرض الجنوب) لتكون تعويذة وحرزا له كعادة القدماء للخلاص من حزنه الممتد منذ أول العمر لآخره، وأنه حملها عقدا وتميمة ضد الزمن تقيه من شر الحزن وشر الحسد (حملتك عقدا فوق الحزور التي توهن العمر) لكنه اكتسف بعد طول الرحلة وعنائها وتعبها
أنها كانت كخيوط العناكب الواهنة غير المستقيمة، قال أنها سراب خادع لا وجود لها ولا حقيقة (ما قد عرفت بأن خيوط العناكب لا تستقيم وأنك سراب وما كنت شيئا) ولم يكن أمامه بعد هذا الخداع الكبير وبعد تلك الأمنية إلا أن يتفجر بالوجع والآهات التي تكتوي بالأحزان المتراكمة( أواه.... كم كنتِ أمنية توقظ الفرح في نقلتيا)... لقد خاب رجاؤه في تلك الأنثى بعد أن حملها تعويذة ضد الحزن، وعلقها عقدا ضد الزمن، ووجعلها أمنية للفرح وتبديد الحزن . وراح الشاعر يعاتبها من جديد لقد أنخت الغمام (وهو رمز البياض والأمل والفرح والنقاء) في الأفق سودا كأثواب أمي التي لا تبدل لون السواد) ولعل في استخدام الفعل( أنخت) ما يبرز ثقل الحزن وامتداده وانتشاره..
وقال ان د. القواسمه يختم نصه بنداء الصبح وهو رمز للأمل والفرح والحياة والتجدد والشروق والنور والسرور والضياء فقد اشتاق صوت الضحيج رمز الحياة. والحركة والتغيير بعد ان عانقه الليل، وطال انتظاره للفرح وانتشر السواد، وعصفه ريح الليل خلف خارطة الحزن حيا وميتا. إنه نص شعري عميق مكتنز بالصور المبتكرة التي تعكس حزن الشاعر ووجده وألمه.
ووجدت د. حنان الخريسات. القصيدة، والشاعر الجنوبي صاحب الكلمة والنص المتزن ..يملأه الحزن و يلفه الامل وسيتغير هذا الجنوب المتعب
تالقت وابدعت، قالها التربوي صالح الحجاج، في هذه القصيدة الرائعة والمميزة فكانت كلماتك التي حملت هم الجنوب منتقاة تلامس الوجدان ولا بد من ولادة فجر جديد يبعث في النفس الامل في إشراقة يوم جديد يغطي الجنوب بالفرح.