الشؤون الدولية تبحث أبعاد زيارة الملك

{title}
راصد الإخباري - (خاص)

توفيق الحجايا


عمان –  نظمت جمعية الشؤون الدولية يوم الثلاثاء الموافق  حواراً موسعاً حول جولة الملك عبد الله الثاني في شرق آسيا، بحضور نخبة من الخبراء والمتخصصين. وشكّلت الجلسة منصة فكرية لتحليل أبعاد هذه الزيارة الاستراتيجية ودلالاتها السياسية والاقتصادية، في محاولة لاستخلاص الدروس من تجارب النهضة الآسيوية.

وانطلقت المداخلات من تأكيد أن الجولة الملكية التي شملت اليابان وفيتنام وإندونيسيا وسنغافورة وباكستان، لم تكن مجرد زيارة روتينية، بل حملت رسائل استراتيجية عميقة. حيث رافق جلالته وفد تجاري واقتصادي رفيع المستوى، في إطار سعي الأردن لتعزيز شراكاته الاقتصادية واستلهام تجارب تنموية ناجحة.

وفي محطة اليابان، تم تسليط الضوء على دور طوكيو الداعم للمشاريع التنموية في الأردن عبر الوكالة اليابانية للتعاون الدولي. لكن النقاش تجاوز الجانب المالي إلى محاولة فهم أسرار النهضة اليابانية التي أعادت بناء الدولة من تحت الأنقاض، عبر الاستثمار في التعليم والبحث العلمي وثقافة الجودة.

أما فيتنام، فقد شغلت حيزاً كبيراً من النقاش، حيث تمت مقارنة وضعها السابق كبلد مدمر بحرب طاحنة، مع واقعها الحالي كقوة تصديرية كبرى. وأشار المتحدثون إلى أن صادرات فيتنام تتجاوز 400 مليار دولار، فيما لا تزال دول عربية غنية بالموارد تعاني من فجوة تنموية كبيرة.

ولفت المتداخلون إلى أن نسبة مشاركة المرأة الفيتنامية في سوق العمل تصل إلى 36%، مما يعكس إدراكاً مبكراً لدورها كشريك أساسي في التنمية، على عكس العديد من المجتمعات العربية حيث لا تزال مشاركة المرأة محدودة.

وفي إندونيسيا، حملت الزيارة بعداً سياسياً مهماً، حيث هدفت إلى تعزيز موقف جاكرتا الداعم للقضايا العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية، في مواجهة محاولات إسرائيلية لاختراق الموقف الإندونيسي.

أما سنغافورة، فقد قدمت نموذجاً ملهماً في التخطيط الحضري والحوكمة الرشيدة، حيث انتقلت من مستنقعات فقيرة إلى واحدة من أغنى دول العالم. وأشار المتحدثون إلى فلسفة لي كوان يو القائمة على محاربة الفساد وبناء دولة المؤسسات.

وفي باكستان، تركز النقاش على الأبعاد السياسية والعسكرية للزيارة، ودور إسلام آباد الهام في دعم القضايا الإسلامية.

وانتقل النقاش إلى السؤال الجوهري: لماذا تنجح دول آسيوية في تحقيق نهضات كبرى خلال أربعة عقود، بينما تتخلف دول عربية رغم مواردها؟ وأجمع المشاركون على أن المشكلة تكمن في ضعف الإدارة، وغياب التخطيط الاستراتيجي، وتفشي الفساد، وإهمال التعليم النوعي.

واستشهد المتحدثون بالتعقيدات البيروقراطية في الأردن، حيث قد يستغرق إنشاء مشروع صغير أشهراً، بينما لا يتطلب ذلك سوى ساعات في دول أخرى.

وفي ختام الجلسة، طُرحت رؤية عملية لتحويل الزيارة إلى خطة عمل وطنية، تركز على المشاريع الاستراتيجية الكبرى، وعلى رأسها استثمار البحر الميت كمنجم صناعي هائل، وتصنيع الفوسفات والبوتاس بدلاً من تصديرها خاماً.

وشدد المشاركون على ضرورة تحويل الزيارة من حدث إعلامي إلى برنامج عمل حقيقي، يشارك فيه جميع أطياف المجتمع، لبناء نموذج تنموي أردني مستلهم من تجارب النمور الآسيوية.

وأكد الحضور أن هذه الجولة تعكس وعياً عميقاً بتحولات موازين القوة العالمية نحو الشرق، حيث تسهم آسيا بأكثر من 60% من النمو العالمي.

وخلص النقاش إلى أن قوة السياسة الخارجية تستمد من تماسك الجبهة الداخلية، وأن تحسين مستوى المعيشة والشفافية وتطوير التعليم، ليست مجرد ملفات داخلية، بل أدوات تعزز مكانة الدولة internationally.

وهكذا تبرز الجولة الملكية كخطوة استراتيجية لفتح آفاق جديدة للأردن في عالم متغير، وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة.