بين الدستور وقانون الكهرباء … براءة الذمة قبل البيع حماية للحقوق أم خرق للدستور
راصد الإخباري -
بين الدستور وقانون الكهرباء … براءة الذمة قبل البيع حماية للحقوق أم خرق للدستور
بقلم: هيثم الفقهاء
في ظل سعي الدولة لتحسين بيئة الاستثمار وتبسيط الإجراءات العقارية، يبرز شرط جديد أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والفاعلين في السوق العقاري؛ وهو اشتراط إحضار براءة ذمة من شركة الكهرباء قبل بيع أي عقار، استناداً للمادة (21/د) من قانون الكهرباء. ورغم أن ظاهر النص يبدو حماية لحقوق الشركة وضماناً لحقوق المشتري، فإن حقيقته القانونية تطرح إشكاليات دستورية وتشريعية عميقة، تجعل من الضروري إعادة النظر فيه فوراً.
أولاً: تجاوز على مبدأ الاختصاص
الأصل أن القوانين العقارية، وفي مقدمتها قانون الملكية العقارية رقم 13 لسنة 2019، هي المرجع الناظم لكافة التصرفات المتعلقة بالعقار، بما فيها البيع والنقل والتسجيل. اشتراط براءة الذمة في قانون قطاع خدمي لا يمتلك اختصاص تنظيم التصرفات العقارية، يُعتبر تعدياً تشريعياً يخالف قاعدة تدرج التشريعات ومبدأ وحدة النظام القانوني.
ثانياً: مساس بحق الملكية المكفول بالدستور
حق الملكية الخاصة مصون بموجب المادة (11) من الدستور الأردني، ولا يجوز تقييد هذا الحق أو الحد من حرية التصرف فيه إلا بقانون صريح يراعي مبدأ الضرورة والتناسب. فرض شرط براءة الذمة قبل البيع، دون نص في القانون العقاري الأساسي، يشكل قيداً غير مشروع على هذا الحق، ويجعل النص عرضة للطعن بعدم الدستورية.
ثالثاً: مخالفة لمبدأ شخصية الالتزامات
من المبادئ المستقرة في القانون المدني، وخاصة المادة (365)، أن الالتزامات شخصية ولا تنتقل إلا برضا الأطراف أو بنص قانوني صريح. اشتراط براءة ذمة يعني تحميل المالك التزامات لم يكن طرفاً فيها ولم ينتفع بها، إذ غالباً ما يكون المشترك مستأجراً أو مستخدمًا للعقار، لا مالكه. وهذا انتهاك لمبدأ العدالة والمساواة أمام القانون.
رابعاً: انحراف عن الوسائل القانونية للتحصيل
قانون تحصيل الأموال الأميرية وسائر التشريعات منحت الشركات كافة الوسائل المشروعة لتحصيل مستحقاتها، بما فيها رفع الدعاوى والحجز على الأموال ووقف الخدمة. تحويل دائرة الأراضي إلى أداة تحصيل قسرية خارج نطاق اختصاصها يمثل انحرافاً إدارياً لا يتفق مع أحكام القانون.
خامساً: أثر سلبي على الاستثمار والسوق العقاري
اشتراط براءة الذمة قبل إتمام البيع، حتى في العقارات غير الموصولة بالكهرباء، أو في حالات الورثة، يؤدي إلى تعطيل المعاملات العقارية وزيادة البيروقراطية، ما يضر ببيئة الاستثمار التي تسعى الحكومة لتحسينها، ويقوض الثقة في استقرار المعاملات.
إن اشتراط براءة الذمة من الكهرباء قبل التصرف بالعقار لا ينسجم مع الدستور، ولا مع مبادئ العدالة، ولا مع القوانين الناظمة للملكية العقارية. استمرار العمل بهذا القيد يفتح الباب أمام قيود مماثلة من قطاعات خدمية أخرى، ويهدد حرية التصرف بالملكية التي كفلها الدستور.
المطلوب اليوم من الحكومة و مجلس النواب واللجنة القانونية على وجه الخصوص، إعادة النظر بهذا النص، بما يحقق:صون حق المواطن في ملكيته بعيداً عن القيود غير المبررة.حماية حقوق الشركات بوسائل قانونية عادلة ومشروعة.
تعزيز بيئة الاستثمار وتبسيط الإجراءات، لا تعقيدها.
إن مراجعة هذا الشرط ليست مطلباً فنيًا فحسب، بل واجب تشريعي وضرورة وطنية لصون الدستور وحماية الاقتصاد الوطني من أي تغول إداري غير محسوب.







