آخر الأخبار

د. سليم الحجايا يكتب الخصخصة ما لها وما عليها!

راصد الإخباري :   الخصخصة ما لها وما عليها!

د/ سليم الحجايا 



لعل َ موضوع الخصخصة من أكثر المواضيع التي أثارت جدلا ً خلال العقد الأخير حتى بين الاقتصاديين أنفسهم، حيث أن أفكار الشخص مرهونة بالتأكيد في ظل البيئة التي يعيشها وفي ظل التجارب التي تعامل معها وعايشها. وبلا أدنى شك أن البلدان التي كانت آثار الخصخصة فيها سيئة على مستوى المالية العامة للدولة ليست كتلك البلدان التي كان للخصخصة أثر إيجابي فيها، والسؤال الذي يطرح نفسه هو أين المشكلة تحديدا ًهل كانت بالفكرة أم في آلية تطبيقها؟


بداية فكرة الخصخصة تدور حول أهمية دور القطاع الخاص في احداث الدور التنموي المنشود فهذا القطاع هو الضامن الحقيقي لحدوث الازدهار الاقتصادي وعمليات النمو والتنمية وأن الحكومة تتفرغ لوظائفها العامة كالعدالة والتشريع وحفظ الأمن ... كما أن الحكومة ليست تاجر يهدف إلى الربح، هذا هو العنوان العريض للفكرة، ولكن السؤال المهم والمهم جدا ً هل هذا هو السبب الحقيقي في تبني هذه الفكرة؟


قطعاً لا، حيث أن المتتبع لاقتصاديات الدول المتقدمة وأوروبا يجد أن نسبة الإنفاق الحكومي كانت متزايدة بشكل كبير جدا ًبدءا ً من أفكار كينز وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية حتى أواخر القرن العشرين، وهذا يعني أن حجم القطاع العام كان متزايداً في هذه الدول، ومن المتعارف عليه أيضا ً ان السياسة المالية التوسعية بزيادة الإنفاق العام تعمل على تحسين معدلات النمو الاقتصادي حتى مرحلة معينة ومن ثم فإن أي زيادة في الإنفاق العام ستعمل آثارا ًسلبية على معدلات النمو الاقتصادي، بالتالي فإن من مصلحة هذه الدول تخفيض حجم القطاع الحكومي وذلك لزيادة معدلات النمو الاقتصادي وهذا يعني التنازل كليَا ً أو جزئيا ً في الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص أو ما يسمى بالخصخصة.


المضحك في الأمر أن الدول النامية أخذت هذا الأمر كأمر مسلَم به وعملت على تطبيقه على أرض الواقع دون أن تنظر إلى السبب الحقيقي وراء هذه الفكرة حيث أن الوقائع تختلف في هذه الدول عن الدول المتقدمة، حيث لا زالت السياسة المالية التوسعية من خلال الإنفاق العام تعمل بكفاءة أي أن الإنفاق الحكومي يعمل على تحقيق معدلات نمو اقتصادي إيجابية وبالتالي فإن من الأنسب زيادة حجم هذا القطاع العام من خلال التوسع في الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية، وليس بالطبع في الأنشطة الربحية.


هذا كان الخلل الأول في هذه التجربة ولكن الصورة لم تكتمل بعد فالخصخصة بمفهومها البسيط هي تحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص بملكية كلية أو جزئية أو حتى على مستوى الإدارة، ولكن السؤال الرئيسي التالي ما هي المنشأة التي يجب على القطاع العام تخصيصها هل هي المنشأة الناجحة أم المنشأة التي يوجد بها هدر واضح في الموارد وزيادة في التكاليف؟ وذلك في ظل عدم قبول الخاص لفكرة تملك منشأة غير ناجحة؟ وهذا في الحقيقة مثار جدل حقيقي أيضا ً.


في لحقيقة إن تخصيص منشأة ناجحة بشكل كامل هي مخاطرة غير محسوبة على مالية الدولة حيث أنك تحقق إيراد عالي فقط سنة معينة ومن ثم تنخفض الإيرادات بشكل كبير خلال السنوات اللاحقة بسبب التنازل عن هذه المنشأة الناجحة مما يعمل على حصول العجز في الموازنات وتراكم الدين العام وهذا ما حدث في كثير من الدول والتجارب ملاحظة ومشاهدة. في حين أن التخصيص الجزئي لمنشأة ناجحة قد يعمل على مزيد من النجاح وتحقيق الكفاءة ويضمن استمرار تدفق الموارد لمالية الدولة.


إن اقناع القطاع الخاص بتملك منشأة غير ناجحة لإيقاف الهدر المالي يعتمد على مهارات التفاوض وتقديم بعض الامتيازات وقد يكون من الملائم أيضا ً الاتجاه للخصخصة على مستوى الإدارة بحيث يتم إدارة هذه المنشأة من القطاع الخاص وتستمر ملكيتها للقطاع العام وهذ قد يكون قريب جدا ً من مفهوم الشراكة.


كل هذا يعني أنه بالإضافة للنقطة الأولى التي تتعلق بحجم القطاع العام فإن طبيعة المنشأة التي تم خصخصتها له دور حاسم في مدى نجاح التجربة إضافة إلى عامل رئيسي ثالث لا يقل أهمية وهو طبيعة العقد المبرم وهل هو انتقال كلي أو جزئي وكم نسبة الحصص في حال الانتقال الجزئي.
كل ما تم مناقشته هي عوامل اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى أما الأمور الأخرى التي تتعلق بالبيع بأسعار أقل من أسعار السوق والتنفيعات وعوامل الفساد والرشاوي فهي أمور أخرى حدثت في أماكن عديدة تحت مسمى الخصخصة.


عموما ً وكنقطة أخيرة فعلى الرغم من أن الخصخصة فشلت في بلدان عديدة إلا أن مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص نجح نجاحا ً باهرا ً في كثير من الدول.