آخر الأخبار

العسعس يلقي خطاب الموازنة لعام ٢٠٢٣

راصد الإخباري :  


ألقى وزير المالية الدكتور محمد العسعس خطاب مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2023 خلال الجلسة التي عقدها المجلس اليوم الإثنين برئاسة رئيس المجلس أحمد الصفدي وحضور رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وهيئة الوزارة.

وقال العسعس إن موازنة هذا العام تقدر بـ 11.431مليار دينار، موزعة بين الايرادات العامة بواقع 9.569 مليار دينار، منها ايرادات محلية بواقع 8.767 مليار دينار، ومنح خارجية 802 مليون دينار، وتقدر النفقات العامة بـ 9.839 مليار دينار نفقات جارية، و 1.591مليار دينار نفقات رأسمالية، فيما يقدر العجز المالي للموازنة بـ 1.862مليار دينار.

وفيما يلي نص خطاب الموازنة الذي ألقاه الوزير العسعس:
بسم الله الرحمن الرحيم،،
سعادة الرئيس،
حضرات النواب المحترمين،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

نقف اليوم كما العالم أجمع، على أعتاب مرحلة نشهد فيها عاماً يتعرض فيه الاقتصاد العالمي لأوضاع اقتصادية مضطربة، تتفاعل نتيجة ظروف دولية عاصفة ومفتوحة على الاحتمالات. والأردن الذي لم يكن بمنأى عن هذه التطورات، مرّ عبر تاريخه بظروف عصيبة وأزمات عديدة تمكن بفضل الله من تخطيها بثبات. ولإن تعرضت مسيرتنا لامتحان قاس وتحديات كبيرة كباقي دول العالم، إلا أننا أثبتنا جميعاً رغم الاختلاف الذي قد يظهر في توصيف المشكلات ومعالجتها، أن الأردن باقتدار وحكمة قيادته الهاشمية ووعي شعبه سيتجاوز هذه التحديات ويواصل مسيرة الإصلاح والإنجاز.

وإذ يقف العالم اليوم بعد الخروج من جائحة كورونا، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية والركود التضخمي أمام تحديات مصيرية. حيث كلما اتخذت الاقتصادات الكبرى سياسات لاحتواء هذه الأزمات، انعكست قراراتهم الداخلية كهزات تعصف باقتصادنا. وأمام هذا المشهد المعقد عالمياً، لا بد من قراءة تقوم على الصدق مع النفس والشفافية دون تنميق أو تهويل. لذلك، يجب علينا تقييم السياسات الاقتصادية السابقة التي وإن كانت تفي بحل الأزمات المرحلية آنذاك، إلا أنها قد لا تلبي متطلبات المرحلة الحالية لبناء اقتصاد منيع يقوم على رفع الإنتاجية وزيادة النمو الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للمواطن الأردني.
إن حس المسؤولية يحتم علينا الابتعاد عن الحلول المؤقتة لتلطيف وتجميل الواقع والتي حتماً ستعود علينا في وقت وجيز على شكل مشكلات هيكلية أعمق وأكثر إيلاماً. فمنذ تكليف هذه الحكومة، عملت في ظل ميثاق معلن وضمني على تجنب الإسراف في الوعود وعدم رفع مستوى التوقعات دون وقائع. وبهدف تجسير فجوة الثقة بين الشعب والحكومات لم نطلق وعوداً جزافاً. وفي المقابل، انتهجت هذه الحكومة الابتعاد عن سياسة ترحيل وتجنب مواجهة المشكلات ولم تتأخر عن الحلول الجذرية الحقيقية. ومن هذا المنطلق قامت الحكومة بتشخيص عوامل الضعف التي أوهنت القدرات التنافسية للقطاعات الاقتصادية، وقامت بتنفيذ إصلاحات مدروسة لرفع تنافسية الاقتصاد الأردني والحفاظ على استقراره في وجه العواصف العالمية التي أطاحت باقتصادات دول أخرى.

واذ تدرك الحكومة بأن الألم الاقتصادي والصعوبات المالية التي يعيشها أهلنا حقيقية، نراها أرقاماً، ونراها في حياة الناس، نراها في معاناتهم التي نلحظها بقلب يخفق بالألم، وعقل يريد البحث عن الحلول. وإذ تدرك الحكومة أن الشعور بالإحباط الذي يهدد شبابنا الباحث عن العمل حقيقي، وهو في واجهة سلم أولوياتنا حين نصنع الموازنات ونرسم الخطط. كما تدرك الحكومة أن انخفاض القوة الشرائية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وتشوه العبء الضريبي بارتفاعه على الطبقة الوسطى بدلاً ممن هم أكثر دخلاً، واعتماده على الضرائب الاستهلاكية غير المباشرة على حساب ضرائب الدخل العادلة التي تميز بين الغني والفقير، والتراجع في مستوى الخدمات والبنية التحتية بعد سنوات من تخفيض الإنفاق الرأسمالي، ومخاطر استمرار ارتفاع العجز في الموازنة وتراكم الدين العام تحديات هيكلية أضعفت الاقتصاد وأضرت بالمستوى المعيشي للمواطنين. تؤمن الحكومة إيماناً تاماً بأن تحقيق الأهداف المشروعة للمواطنين يتطلب إعداد الاستجابة التي توازن بين متطلبات استقرار الاقتصاد وطموحات المواطنين، ضمن سياق يتسم بالواقعية بعيداً عن الوعود المبالغ فيها غير القابلة للتحقيق. كما تدرك الحكومة أن السياسات والمبادرات تحتاج إلى وقت لتظهر نتائجها على صورة تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن، لتؤكد على أنها ستكون منفتحة على الآراء والأفكار مع شركائها في هذا الوطن العزيز.
سعادة الرئيس ،
حضرات النواب المحترمين،

من باب المكاشفة والمسؤولية، نحن نقف بين ضاغطين كبيرين، ضاغط يتعلق بأزمة المواطن المعيشية، وضاغط آخر يتعلق بمالية الدولة وأولوية الحفاظ على استقرارها. وإن الأيادي التي عملت على وضع خطة الدولة المالية لهذا العام كانت تدرك ذلك. وكانت تحاول جاهدة أن تقارب ما بين التخفيف عن الناس من جهة، والحفاظ على استقرار المالية العامة، من جهة أخرى. ونعلم علم اليقين أن لا بديل عن الاستمرار بعملية الإصلاح المالي والاقتصادي والإداري دون تأخير أو ترحيل، عبر اتخاذ قرارات تسكينية من شأنها أن تستنزف إمكاناتنا ومواردنا بصورة غير مستدامة، لأننا لا نقبل بأن نسمح لكلفة أي تأخير بالإصلاح أن تتراكم على كاهل الأردنيين مستقبلاً في شكل فقدان الاستقرار المالي والاقتصادي. ونحن بفضل الله نتمتع باستقرار اقتصادي تشهد له المؤسسات الدولية.
لذلك فإن المصلحة العامة تقتضي العمل على تنمية مواردنا المحدودة مع الاستغلال الحصيف لها من أجل مواجهة مشكلاتنا الجوهرية مواجهة حقيقية تفضي بنا إلى الانتصار عليها وتحويلها إلى جزء من الماضي. ومع إدراك الحكومة أن المواطن يواجه واقعاً معيشياً مؤلماً إلا أن أي إجراءات تحيد بالاقتصاد عن الاستقرار المالي والنقدي ستؤدي إلى مضاعفة هذه الآلام تحديداً على أفراد الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل.

هذه مسؤولية الحكومة الأخلاقية التي ترقى على كل اعتبار، فمعدلات الفقر والبطالة لن تنخفض إلى المستوى المقبول من تلقاء نفسها، بل عبر رفع تنافسية الاقتصاد لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي، وهو أداتنا التي نعمل من خلالها على خلق الوظائف لشبابنا الباحث عن العمل. متطلعين إلى أن يلمس المواطن ثمار هذه الإصلاحات في قادم السنوات.

سعادة الرئيس،
حضرات النواب المحترمين،

ما زال السياق الدولي يتسم بالتقلب وعدم اليقين. فبعد أن ظهرت دلائل انفراج أزمة الجائحة، وبدأت تباشير التعافي تلوح في أفق الاقتصاد العالمي، اتخذ صانعو السياسات في الدول المؤثرة على الاقتصاد العالمي إجراءات كبيرة لكبح جماح التضخم الذي وصل في تلك الدول لمعدلات غير مسبوقة، بسبب تأخرها في عكس السياسات التوسعية التي انتهجتها إبان الجائحة بشكل تدريجي وآمن، ما أثر بشكل سلبي وكبير على الدول النامية ومنها الأردن، الأمر الذي دفع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي لتخفيض توقعاتها حول أداء الاقتصاد العالمي، ليبلغ 3.2 بالمئة في عام 2022 مقابل 6.0 بالمئة في عام 2021، وإلى توقع ارتفاع معدل التضخم إلى 8.0 بالمئة في عام 2022 مقارنة بنحو 4.7 بالمئة في عام 2021. وقد توقعت رئيسة صندوق النقد الدولي مؤخراً أن يكون عام 2023 عاماً اقتصادياً صعباً يفوق في صعوبته العام الماضي، جراء دخول المراكز الثلاثة الرئيسة للنشاط الاقتصادي العالمي الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في تباطؤ اقتصادي في آن واحد .

ورغم تأثر الأردن بتطورات الأحداث الجسام عالمياً، إلا أنه قد سارع في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية بدلاً من إبطائها. واستطاع أن يستوعب تلك الأحداث وأن يتجاوز صدماتها، في ضوء متانة أساسيات الاقتصاد، وحصافة السياسات المالية والنقدية، والتي كانت فاعلة في الحفاظ على تماسك الاقتصاد الوطني.

ورغم كل التحديات آنفة الذكر، نقف اليوم على جملة من المؤشرات التي تؤكد على أن اقتصادنا يخطو بثقة على مسار التعافي التدريجي، حيث من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الوطني نمواً بنسبة 2.7 بالمئة لعامي 2022 و 2023 مقابل 2.4 بالمئة لعام 2021، حيث يعتبر الأردن من الدول القليلة التي توقعت المؤسسات الدولية أن يحافظ على تحسن أدائه الاقتصادي.

وقد جاء النمو الاستثنائي للصادرات الوطنية المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي بنحو 41 بالمئة خلال العشرة أشهر الأولى لعام 2022 مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع أسعار الفوسفات والبوتاس. وحتى وإذا ما تم استثناء صادرات الفوسفات والبوتاس، فإن معدل نمو الصادرات الوطنية سيبلغ نحو 26 بالمئة، وهذا بحد ذاته يعتبر نجاحاً غير مسبوق للقطاعات الأخرى. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى النمو القوي لقطاع السياحة وعلى نحو فاق ما كان متوقعاً. وعلى صعيد آخر، وحتى إذا ما تم الأخذ بالاعتبار حجم الاستثمارات التي خرجت من الأردن، فإن حجم الاستثمارات التي تدفقت إلى الأردن تفوق الاستثمارات التي خرجت منه، بحيث ارتفع صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2022 بنسبة 94% مقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2021 ليبلغ نحو 629 مليون دينار، وذلك بالرغم من حالة عدم استقرار الاقتصاد إقليميا وعالميا. ويؤكد ذلك على تنافسية الاقتصاد الأردني وجاذبيته للاستثمار وكانعكاس مباشر لاستقراره المالي والنقدي. كما بلغت الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي 17300 مليون دولار في نهاية عام 2022. وهذه الاحتياطيات مريحة وتعكس قوة الدينار الأردني وتغطي 7.5 شهرا من مستوردات المملكة من السلع والخدمات.

وتجدر الإشارة إلى أنه رغم الضغوط التضخمية العالمية التي تعرض لها اقتصادنا في عام 2022 إلا أن انعاكساتها على اقتصادنا كانت أقل بكثير من معظم دول العالم. فقد كشفت تقديرات صندوق النقد الدولي أن معدل التضخم في اقتصادات تونس ومصر ولبنان وتركيا والولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ستتجاوز نسبة 8 بالمائة في عام 2022، في حين أن معدل التضخم في الأردن بلغ 4.2 بالمائة في عام 2022، ويتوقع أن يبلغ 3.8 بالمائة في عام 2023، وهذا يعتبر من أقل معدلات التضخم عالمياً، مما يعكس نجاح السياسات والإجراءات الحكومية في كبح جماح التضخم الذي أولته الحكومة جانباً واسعاً من اهتمامها لأنه العامل الاقتصادي الأكثر تماساً مع حياة المواطن والأوسع تأثيراً على معظم فئات المواطنين، إذ كانوا سيلمسونه في ارتفاع أكبر بكثير في أسعار السلع والخدمات الأساسية وكلفة المعيشة وتراجع حاد لا سمح الله للقوة الشرائية، لولا نجاح الإجراءات الحكومية في السيطرة على التضخم.

وعلى جانب آخر، شهد معدل البطالة تراجعاً بنحو 1.5 نقطة مئوية خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2022 مقارنة بنفس الفترة لعام 2021 ليصل إلى 22.8 بالمائة ، ورغم ذلك فما زال معدل البطالة مرتفعاً ويشكل الهم الوطني الأول وما زال عند مستوى مقلق.

سعادة الرئيس،
حضرات النواب المحترمين،
وبمراجعة دقيقة لأداء الموازنة لعام 2022 سنجد أن هذه الحكومة تمكنت من تحقيق القيم المقدرة لإيرادات ضريبة الدخل وتجاوزها بنحو 61 مليون دينار رغم التزامها للعام الثالث على التوالي بعدم رفع أي ضريبة أو رسم أو فرض أي ضريبة أو رسم جديد، ولتصل في عام 2022 إلى نحو 1350 مليون دينار بزيادة نسبتها 14.4 بالمائة عن مستواها في عام 2021، في حين بلغت تحصيلات الإيرادات من الضريبة العامة على المبيعات نحو 4200 مليون دينار مسجلة بذلك نموا نسبته 4 بالمائة عن عام 2021 . ويعكس نمو الضرائب على الدخل بوتيرة أعلى من نمو الضرائب على الاستهلاك سير الحكومة على الطريق الصحيح في الامتثال للتوجيهات الملكية السامية المتمثلة " بأن تقوم الحكومة بمراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الفقير والغني". كما يأتي ضمن إيمان الحكومة العميق بأن استمرار الاعتماد على الضرائب الاستهلاكية مضر بالاقتصاد والمواطن والخزينة على حد سواء. ولذلك ستواصل الحكومة سياستها الهادفة إلى رفع مساهمة إيرادات ضرائب الدخل المباشرة على حساب الضرائب الاستهلاكية غير المباشرة، للوصول الى مرحلة تتمكن الحكومة فيها من تخفيف عبء الضرائب غير المباشرة تدريجيا. مؤكدا في هذا السياق على أن أي إجراءات تخفيضيه غير مدروسة على هيكل الإيرادات ستؤدي إلى رفع عجز الموازنة، الأمر الذي سيفضي إلى تفاقم الألم الاقتصادي بدلا من خفضه .
وأما على صعيد النفقات، فقد واصلت الحكومة سياسة ضبط النفقات والالتزام بالمخصصات المقدرة في الموازنة على الرغم من التطورات العالمية الأخيرة والتي أسفرت عن تسجيل ارتفاعات متسارعة في أسعار القمح على وجه الخصوص والمواد الأساسية على وجه العموم. فعلى صعيد قرار الحكومة المتعلق بتثبيت أسعار المشتقات النفطية لجزء من عام 2022 والذي بلغت كلفته حوالي 505 مليون دينار، فقد تم استيعاب كلفة هذا الإجراء عبر تأجيل نفقات رأسمالية وإجراء مناقلات مالية بقيمة 350 مليون دينار، في حين تم استيعاب القيمة المتبقية والبالغة 155 مليون دينار ضمن موازنة التمويل، وسيتم عكسها في موازنات السنوات الخمس القادمة.

وعليه، فقد تمكنت الحكومة من خفض العجز الأولي للموازنة من نحو 5.6 بالمئة في عام 2020 إلى نحو 4.4 بالمئة في عام 2021 وليواصل تراجعه في عام 2022 إلى ما نسبته 3.7 بالمئة، وليصل في مشروع موازنة عام 2023 إلى 2.9 بالمئة، أي أن الحكومة نجحت في خفض العجز الاولي بنحو 48 بالمئة خلال ثلاث سنوات، على الرغم من التحديات الاقتصادية المعقدة، وعدم قيام الحكومة برفع أي ضريبة أو رسم أو فرض أي ضريبة أو رسم جديد. كما تمكنت الحكومة من خفض إجمالي الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي بعد استثناء ما يحمله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي في نهاية عام 2022 إلى 89.7 بالمئة مقارنة بما نسبته 91.9 بالمئة في نهاية عام 2021، وليتراجع إلى نحو 88.2 بالمئة في عام 2023. مما يؤكد على نجاح هذه الحكومة في وضع المالية العامة على الطريق الصحيح وتحقيق الخفض التدريجي لنسبة الدين العام الى الناتج المحلي الإجمالي. وأرجو أن أؤكد في هذا السياق على أن الحكومة اعتمدت التصنيفات الإحصائية العالمية في احتساب الدين العام، وأن هذا الأمر لن ينتقص من حقوق صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي والتزامات الحكومة تجاه الصندوق. وأشير في هذا المجال إلى أن مستويات العجز والمديونية يجب أن تستمر بالانخفاض حفاظا على استقرار الاقتصاد الكلي. وتشير البيانات إلى ارتفاع نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية إلى 87.5 بالمئة في عام 2022 مقارنة بنحو 84 بالمئة في عام 2021 ولترتفع إلى نحو 89.1 بالمائة في عام 2023، ولتواصل ارتفاعها التدريجي إلى نحو 91.8 بالمائة في عام 2025. وهذا يعتبر المؤشر الأساس في تعزيز الاستقلال المالي لأي دولة.

سعادة الرئيس،
حضرات النواب المحترمين،
إن أمانة المسؤولية تقتضي الإيضاح بأن الأسواق العالمية تعاقب بشدة أي حيدة وانحراف عن سياسة الاستقرار المالي والنقدي، وهذا واقع حال بعض الدول ومنها الكبرى التي تبنت سياسات وإجراءات غير مدروسة هدفت في ظاهرها إلى تخفيف الأعباء على المواطنين إلا أنها أدت في الواقع إلى تحملهم أعباء كبيرة في المدى المتوسط والطويل جراء التوسع الكبير وغير المدروس في الإنفاق عبر الاقتراض وارتفاع خدمة الدين العام ووصوله إلى مستويات غير آمنة. وبالتالي أفضت هذه القرارات إلى خلاف ما سعت تلك الدول لتحقيقه، حيث أدت إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين. لذلك فإن الحكومة وإدراكا منها لسياق الوضع الاقتصادي العالمي الحالي بكونه الأكثر تعقيدا من أي وقت مضى، وتفاديا لتعريض مواطنينا لأزمات معيشية واجتماعية حادة، لتؤكد أنه على رغم حقيقة الألم الاقتصادي الذي يعيشه المواطنون، إلا أن معالجة ذلك يتطلب سياسات وإجراءات هيكلية لا إجراءات غير مدروسة تؤدي إلى عواقب سيتحملها في المقام الأول المواطنون من الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل وبشكل يفوق قدرتهم على التحمل، وهذا ما لن تسمح به الحكومة. وأؤكد هنا على أن التخطيط للاقتصاد الأردني لا يمكن أن يبنى استنادا إلى نماذج اقتصادية تعتمد على وفرة الموارد والثروات الطبيعية. وإلى حين أن يثبت عكس ذلك، فإن نموذجنا الوطني لا بد أن يكون واقعيا، يستفيد من تجارب الماضي ويراعي متطلبات الحاضر ويؤسس لتطلعات المستقبل.

سعادة الرئيس،
حضرات النواب المحترمين،
لقد ساهم نجاح الحكومة في الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي في تعزيز ثقة مؤسسات التصنيف الائتماني باقتصادنا الوطني. وقد تجسد ذلك برفع مؤسسة "موديز" النظرة المستقبلية للاقتصاد الأردني من مستقر إلى إيجابي، ومؤسسة "فيتش" من سلبي إلى مستقر، وتثبيت مؤسسة "ستاندرز آند بورز" التصنيف الائتماني لاقتصادنا الوطني مع نظرة مستقبلية مستقرة، في الوقت الذي شهدت فيه دول كبرى تراجعا في تصنيفها الائتماني. وفي ذلك إشارة جلية إلى نجاح الادارة المالية الأردنية في حماية الأردن من تبعات الأزمات التي شهدها العالم والحفاظ على الاستقرار المالي للأردن.
وقد أثبتت نتائج المراجعة الخامسة لبعثة صندوق النقد الدولي نجاح الأردن في السياسات الاقتصادية الإصلاحية وكانت الدافع الرئيسي في انتزاع تقدير المؤسسات الدولية بحجم الإنجاز المتحقق رغم التحديات، هذا في وقت فشلت فيه دول أخرى في الحصول على شهادات باستقرار اقتصادها ، كما خلصت المراجعة الخامسة إلى تأكيد الصندوق على أن الاقتصاد الأردني على المسار الصحيح في تحسين تنافسيته وعلى حصافة السياستين المالية والنقدية. وإذ تدرك الحكومة بأن النجاح على مستوى الاقتصاد الكلي لم ينعكس بعد على المستوى المعيشي للمواطنين، فإنها تؤكد على أن التحسن المستدام في دخول المواطنين ومستوى المعيشة لا بد وأن ينبثق عن قاعدة متينة من الاستقرار المالي والنقدي.

سعادة الرئيس،
حضرات النواب المحترمين،
يسرني أن أعرض لمجلسكم الكريم مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2023 والذي قدمته الحكومة ضمن الموعد الدستوري بالشكل والمحتوى الذي تقتضيه التعديلات الدستورية التي أقرت مؤخرا، متطلعة للمناقشات القيمة والتوجيهات السديدة لمجلسكم الكريم حوله. والحكومة يحدوها الأمل بأن تتأطر المداولات القادمة لمشروع قانون الموازنة العامة لعام 2023 بروح التشاركية والإيجابية مستنيرين في ذلك بتوجيهات جلالة القائد المفدى حفظه الله ورعاه.
وإذ تعرض الحكومة على مجلسكم الموقر الخطوط الرئيسية لهذا المشروع لتؤكد عزمها على ترسيخ ما حققته في الأعوام القليلة الماضية من إصلاحات مالية واقتصادية استطاعت التكيف مع تطورات الأحداث والمحافظة على سلامة الاقتصاد الوطني واستقراره. ونتفق بأن التحدي ما زال قائما في الانتقال بالمواطن من مجرد السعي والتفكير في أساسيات الحياة إلى تحقيق العيش الكريم المستقر، مستندين إلى تقديرات واقعية وحقائق لا أمنيات غير قابلة للتطبيق. وتؤمن الحكومة إيمانا راسخا بأن المحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي هي اللبنة الأساسية التي ستمكن من تحسين المستوى المعيشي وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين وتعزيز النمو الحقيقي للاقتصاد. وأؤكد في هذا المقام على أنه مهما تعددت القرارات وتنوعت الإجراءات التي تتبناها الحكومات استجابة للمرحلة الاقتصادية التي يمر بها اقتصادنا الوطني فإنها تبقى دائما مستندة إلى مجموعة من الثوابت والمبادئ التي لا يمكن الاختلاف حولها، وأبرز هذه الثوابت تتمثل بحشد الإمكانات والطاقات لدعم قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية للحفاظ على مكتسبات الوطن الغالي. وأنتهز هذه الفرصة لأتقدم بأسمى معاني الفخر والاعتزاز من قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية درع الوطن وسياجه الحصين، التي ما فتئت تحفظ لوطننا الغالي أمنه وتشيع الطمأنينة بين أهله وتصون ترابه من كل عدو ومتربص. وقد حرصت الحكومة على رصد المخصصات المالية اللازمة لتمكين قواتنا المساحة الباسلة والأجهزة الأمنية من أداء مهامها بكل كفاءة واقتدار.

سعادة الرئيس،
حضرات النواب المحترمين،
لقد جاء إعداد هذه الموازنة في خضم الجهود الكبيرة التي قامت بها الحكومة لترجمة متطلبات الإصلاح الذي أرشد إليه جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه ضمن رؤية وطنية شاملة للتحديث الاقتصادي، وجه جلالته بأن تكون رؤية " تضمـن إطلاق الإمكانيـات، لتحقيـق النمـو الشـامل المسـتدام، الـذي يكفـل مضاعفـة فـرص العمـل المتاحـة للأردنيين والأردنيات، وتوسـيع الطبقـة الوسـطى، ورفـع مسـتوى المعيشـة لضمـان نوعيـة حيـاة أفضـل للمواطنيـن". وعليه، فقد وضع الأردن رؤيته للسنوات العشر القادمة لتشكل مخرجا للاقتصاد الأردني من حالة تباطؤ النمو الاقتصادي نحو أفق واسع يمهد لخلق فرص العمل للأردنيين. كما تم وضع خطة شاملة لتطوير القطاع العام تشمل تطوير التشريعات، وتعزيز الكفاءة المؤسسية، وتحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين وتبسيط الإجراءات.