خصص هذا النشر لما كتبه الاديب والاعلامي رمضان الرواشده، والاديب الاكاديمي د.محمد الحوراني، والروائي محمد المقداد
وكتب الاكاديمي الاديب، رئيس جامعة الطفيلة سابقا، د.محمد الحوراني خاطرة فيها يقول
هل تعرفون أن أناسا يوم القيامة سيخرجون من القبور إلى الجنة، بلا ميزان، ولا حساب، ولا يحسون بأهوال القيامة. كيف ذلك؟
يوم القيامة ستخرج طائفة من المقابر إلى الجنة مباشرة. سيدنا رضوان "خازن الجنة" يقول لهم إلى أين؟ أنتم لم ينشر لكم ديوان، ولم يُنصب لكم ميزان، فكيف تدخلون الجنان؟
فيقولون: يا رضوان نحن لا نقف لا لحساب، ولا لميزان، ولا لنشر ديوان. أو ما قرأت القرآن؟ فيقول وفي أي شيء من القرآن أقرأ؟ فيقولون في قول الله تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب. فيقول وكيف كان صبركم؟ فيقولون: نحن كنا إذا أسيء إلينا حلمنا، وإذا جهل علينا غفرنا، وإذا أذنبنا استغفرنا، وإذا ابتُلينا صبرنا، وإذا أعطينا شكرنا. فيقول: (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون).
اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين
وتحت عنوان المرتجفون لا يبنون وطناً.! كتب الاعلامي والكاتب العربي الاستاذ رمضان الرواشده يقول
قبل عدّة سنوات، لُمنا، جميعنا، أحد رؤساء الحكومات عندما صرّح بأنّ "الإدارة الأردنيّة مرعوبة" وشكّكنا، جميعنا، بلا استثناء، بدوافع الرئيس ومقاصده، رغم أنّه أوضح، لاحقاً، أنّ حديثه جاء في باب التوصيف لواقع الإدارة العامّة الأردنيّة.
لقد عدت بذاكرتي، إلى ذلك التصريح، هذه الأيّام، وأنا أشاهد وأتابع، واسمع، وأقرأ، عن مآسي كثيرة، نتيجة الأخطاء الإداريّة والخوف من اتّخاذ القرارات الصائبة والارتجاف من الاقتراب من القرار الجريء الذي قد يغضب بعض المنتفعين، ما أدّى إلى ترهّل كبير، ومآسي إداريّة لها تبعاتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
قبل سنوات، حدّثني مستثمر عربيّ، جاء ليقيم بعض الاستثمارات، ولكنّه هرب من بيروقراطيّة النافذة الاستثماريّة في هيئة الاستثمار – قبل أن تتحوّل إلى وزارة، لم نعد نسمع عنها، أو عن وزيرها، شيئاً- بأنّه احتاج إلى تواقيع على معاملته من الموظّفين المفوّضين من الوزراء المعنيّين بالتوقيع. ورغم تفويضهم إلا أنّهم كانوا يبعثون المعاملة إلى الوزراء خوفاً من اتّخاذ القرار، ورمي العبء على كاهل الوزير وزيادة البيروقراطيّة المملّة… "وكأنّك يا أبو زيد ما غزيت".
ما يلاحظ، هذه الأيّام، أنّ الرعب والارتجاف، من اتّخاذ القرار، طال كثيراً من المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والإداريّة والإعلاميّة، وامتدّ إلى مساحات كبيرة، وهو ما نسمعه ونلاحظه من خلال قراءة متأنّية لواقع، ومسيرة، وسيرة الحكومات المتعاقبة، في آخر السنوات، وتعييناتها للدرجات العليا في الإدارة العامّة "الموصومة" بالشلليّة والمناطقيّة والمحاصصة والكوتات.
كان لدينا، إلى سنوات قريبة، رجال دولة يقولون كلمة الحق، ويتّخذون القرارات، التي تخدم الدولة والشعب، ابتغاء راحة ومرضاة الضمير، ومصلحة الدولة الأردنيّة، غير عابئين ولا باحثين عن الإعجابات، على مواقع السوشال ميديا، مثل وزراء هذا الزمن.
لا يمكن للحكومات المرعوبة، والوزراء والمسؤولين المرعوبين والإعلام المرعوب، أن يساهموا في تدعيم بنيان الدولة، السياسيّ، والاقتصاديّ، والاجتماعيّ، والحزبيّ، والثقافيّ، في المئويّة الثانية من عمر الدولة، الأردنيّة، الحديثة
وكتب الروائي محمد فتحي المقداد
قراءة في رواية
"طوق في عنقي" للروائيّة السورية ابتسام شاكوش، على النحو التالي
العنوان:
العنوان بشكل دائم هو التعبير الأقرب والأصدق إلى روح النصّ، حسب دلالاته، وحسب المعنى الحقيقي المختزن في رأس الكاتب وتأويلاته التي يحتملها نصه بأوجهه المتعددة.
عنوان الرواية "طوق في عنقي" لا شكّ بدلالته الإشكالية المثيرة للفضول والبحث عن ماهيّة الطوق، ليأخذ مسارًا أبعد في ذهن المتأمل بالذهاب بعيدًا إلى "ابن حزم الأندلسيّ" وكتابه "طوق الحمامة" أو "طوق الحمامة في الألفة والآلاف" الذي يعتبر بأنه أشهر وأعمق ما كتبته العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه.
رواية "طوق في عنقي" جاءت في ظروف استثنائية محفزة، لكاتبة متجذرة بعمق ثقافتها في وطن مزقته الحرب، والعودة إلى الذاكرة وانتزاع الحكايات القديمة، وإعادة تدويرها، ولا أشكُّ أنها جزء من سيرة ذاتية للمؤلفة "ابتسام شاكوش" توزعت بين الواقع المستجد في بلاد الهجرة والمغترب والبعاد عن مرابع طفولتها ومنشئها، فكان الاعتماد على ما جادت ذاكرتها، لصنع مزيج لمادة روائية مقروءة ذات اعتبار حملت هذا العنوان الدافع للبحث عن ماهية كلمة "طوق" بمدلولها على القدرة والقوة للقريب أو البعيد، وجعله ضمن حيّز مُتاح بسهولة.
وأما أن كان العنوان جملة اسمية بصيغة المتكلم عن نفسه بالضمير المنفصل الأنا، فهو دليل يقود الميل بأن المتكلم هو لسان حال الروائية "ابتسام شاكوش". وكلمة "طوق" وخاصة "في رقبتي"، فهو إمّا ربقة للاستعباد والاسترقاق، أو القَياد إلى مآلات زمانية ومكانية غبر مرغوبة أبدًا.
وفي التكنية عن رد المعروف لمن بادر، ويقال في ذلك: (معروفك طوق في عنقي) أو (معروفك دَيْن في عنقي)
وفي اللغة فالطَوْق: (قُدْرة على الشَّيء، ويقال."هذا في طَوْقي"وهو إطار من حديد تثبَّت أو تُحاط به بعض القطع لتقويتها ومنع تصدُّعها، أو يُستعمَل لجمع قطع متقاربة) .وفي هذا تتضح فكرة الطوق، بأنه الإحاطة بحدود شيء ما كان جمادا أو إنسانًا، ليحتويه بكامله ويسهل السيطرة عليه، وهذا يحتاج للقدرة والقوة.
وصف الرواية:
توصف رواية طوق في عنقي" بأنها من مدرسة الواقعية الأدبيّة، وتصنف في خانة "أدب اللجوء"، هذا المصطلح الذي يتجذر يوما بعد يوم، في هذه الآونة لكثرة الحروب، واللجوء نتيجة طبيعية للحروب، وهو مختلف بمعالمه الواضحة مع مصطلح "أدب المهجر"، تباعدت الأسباب بنشوء كل منهما، باختلافات جديرة بالاهتمام للأدباء والنقاد والكتاب عمومًا، ولا يصحّ الجمع بينهما أبدًا في سياق واحد، أو أن تُطبَّق النظريَّات النقديَّة عليهما معًا في آنٍ واحدٍ.
والرواية "طوق في عنقي" لبنة ضمن بناء عالم روائي بمكونات سردية عديدة، انطلقت من انعدام الأمان والخوف من القتل والاعتقال والقصف بأنواعه وأشكاله، والاشتباكات بين أطراف الصراع المتناحرة.
انطلقت أجواء الرواية بداية على محمل الذاكرة من البيت والحارة، واستحضار صورة الجد وكأن الجد هو الذاكرة الراسخة التي لا تنمحي، وهو أيضًا وطن مُتخم بالحب والحكايا والعلاقات الاجتماعية في مجتمع القرية المصغر. يتماهى ذلك ودكان العم أصلان في القرية، وساحة القرية ورجالاتها القدماء، وتمثال الساحة الحزين.
وإشكالية خيال الجد الذي خرج من صورته المعلقة على الجدار، مع صورة السلطان عبد الحميد، يجمع بينهما الحزن المتأصل في وجه التمثال، (ربما لا تتشابه وجوه الرجال الثلاثة في الملامح، بل بالحزن النبيل الساكن في العيون) ص16.
وتقول عن التمثال: (أحاول قراءة الحزن الساكن في تلك العينين الحجريتين، وأعيد عليه، بل على نفسي عبارة: ليس في الدنيا ما يستحق كل هذا الحزن، هو تمثال وضعوه ليزينوا به تلك الساحة مع تماثيل أخرى، لم يستوقفني منها إلا هو) ص16، كأن حالة الشبه هي التي أخذتها إلى نهاية الفصل الأول من الرواية، لتعود بها الذاكرة عودًا على بدء، لتخبرنا: (تمثال الرجل الحزين ما زال جالسًا في مكانه، دمعته المتحجرة لم تسقط عن جفنه بعد، ابي لك يكن حزينا حين فارقته في قرية كفرتة)ص69. وتتابع بمحاكاتها للجماد محاولة أنسنته باستنطاقه لما عجز البشر عن فهم مأساتها، فتقول: (دنوت من التمثال أمسح، وأنا أحوج منه لمن يمسح دموع قلبي، ويواسي قهري الذي هدني هدًا، لمن يأخذ بيدي) ص71. ثنائية التمثال والجد، كانت افتتاحية الرواية إلى آخر فقرة في الفصل الأول: (يا جدي يا أيها بوجه جدي، سأجمع شذرات حكايتك وأعود إليك، سأنصت لحديث التاريخ، لسوف أجمع الحقائق من أفواه المعذبين والمهجرين، من ضمادات الجرحى والمعاقين، يل سأبحث بين أكاذيب من يدعون البطولة، ومن كانوا سببا في تمدد الخراب على مساحة هذه السنوات) ص72.
التمثال والجد ثنائية الثبات والبقاء، ببقاء الحكايا والذكريات المتجذرة في قلوب المعذبين المهجرين على العموم، وبهذه العبارة الأخيرة التي أوردتها، تتضح رسالة الرواية بوضوح وجلاء.
الخاتمة:
الانتظار سيد الموقف، وفي مقدمة رواية (الطريق إلى الزعتري – للروائي محمد فتحي المقداد) والتي هي في نفس مسار رواية (طوق في عنقي)، وردت عبارة لشاعر الهند العظيم طاغور: (إن الزمن هو اشرف النقاد، لأنه الوحيد الذي يُعلي الحق، ويسقط الباطل، ولا ينحاز لأحد)، والانتظار ضروري وعلى الأخص للكاتب والمفكر، بما يتيح له من اتساع الرؤية الواعية العاقلة والموضوعية، بعيدا عن العواطف وتقلباتها.
التشابه الكبير بين الأعمال الروائيّة السورية التي حكت مأساة اللجوء، تشابهت في تسطير ملامح الخوف الساكن في القلوب والبادية آثاره على الوجوه، وعبور الحدود ووصف دقيق للأماكن، والمخيمات والجوع والعطش، والتشرد والموت جوعا وبردا،، والفقر والتسول، والمساعدات والمنظمات الخيرية، وطيب نفوس الناس في المناطق التي قصدها اللاجئون. هذه المواضيع وغيرها ستكون الثيمات الوصفية لأجب اللجوء وسماته وصفاته، إضافة للعوامل النفسية، وجغرافية المناطق كالحدود، وحقول الألقام والاسلاك الشائكة حول تجمعات الخيام، وكذلك مفوضية اللاجئين ومكاتبها وقسائم الأغذية "الكوبونات".