آخر الأخبار

الباحثة اللبنانية الشويري تكتب عن مفهوم الحب على منصة السلع

راصد الإخباري :  
 


لبنان - راصد
من عبدالله الحميدي

يعالج اعضاء ملتقى السلع الثقافي. مسائل وقضايا ثقافية على منصة السلع.

وطرحت د. فيفيان الشويري، المحاضرة في الجامعة اللبنانية. خبيرة التاريخ والحضارات القديمة،  مفهوم "الحب" على المنصة في المقال التالي:
راودتني فكرة تعريف بعض المفاهيم الحياتية المعاشة في زاوية خاصة متسلسة استعرض فيها نصوصاً لي ولغيري عن مفهوما معيّنا؛ 

وأبدأ اليوم بتعريف مفهوم "الحب"  وكنت كتبتُ الآتي:ومن يحبّ؟
   يقيناً، لا يحبّ إلا العاقل، فالحبّ منطق عقلاني وليس عاطفة وإحساساً ووجداناً كما يدعون. وكيف ذلك؟ وهل كل الناس حكماء؟ بطبيعة الحال لا. إذن هل الحبّ حكرأ على الحكيم العاقل، وهل لا يحبّ العادي من الناس أو الشقي من بينهم؟ وهل لنا أن نغالط مفهوماً، تقليداً وعادات بأن الحبّ شعور وأحساس وعاطفة ووجدان تنبع من القلب وأنه جموح في الشعور وهيام وعشق وجنون؟ نعم يمكننا قلب المفاهيم رأساً على عقب. لأنه، ماذا يصبح الحبّ إذا تعطّلت شرايين القلب وسدّت صمّاماته ووقعنا في المرض والعجز والكهولة؟ فهل يبقى الحبّ حبّاً أو يصبح جزئياً أي نصف حب أو حبّاً مشروطاً بالشفقة على المريض بالقلب؟ هذا إذا اعتبرنا أن موطن الحبّ هو القلب وليس العقل. وفي الحقيقية، الحبّ يحتل اللبّ وهو القلب ولكن قلب ماذا؟ هل قلب الإدراك والوعي هو؟ ربما، لأن الذي لا يعي لماذا يحبّ ومن يحبّ هو أعمى بصيرة ولا يحبّ في الواقع إلا نفسه، وما الآخر الذي يدّعي حبه إلا وسيلة وغاية ليجسّد فيهما حبّه. أم أنه حب اللإدراك واللاوعي؟ وهو ما درجت المقولة الشعبية على تبريره وتعليله وقبوله "الحبّ جنون".
   والحبّ الحقيقي ليس مصلحة ولا يعرف الخبث والخداع وإلا أنتفى كونه حبّاً. والحبّ ليس غريزة ولا هو افتعال ولا اصطناع ولا غيرة ولا شفقة ولا هو صداقة ولا هو عطاء ولا هو أخذ ولا هو وفاء ولا هو جمال ولا هو حاجة ولا هو مصلحة ولا هو مصير ولا تقوى ولا هو رحمة ولا هو نكران الذات وتضحية ولا هو مؤانسة ولا هو شهوة ولا هو عبودية ولا هو خضوع ولا هو ثقة ولا هو إعجاب ولا هو راحة ولا هو حبّ فرد ولا حبّ جماعة ولا حبّ عائلة... فكل هذا نسبي خاضع لتغيّر الظروف، فالحبّ حقيقة وحقيقة كاملة لا تشوبها شائبة. وكيف يكون حقيقة كاملة؟ إنه حقيقة مجرّدة مطلقة، لا تخضع لأي معايير ولا تقاس بالمصالح الذاتية ولا بأي إعتبارات أخرى، أي أنه حقيقة لا تتبدّل ولا تتحوّل مهما تغيّرت الظروف؛ فإذا تغيّرت الأحوال من رغد العيش الى الفقر، فهل يهرب الحبّ من الشباك؟ وإذا وقع المرض، فهل يبقى الحبّ حبّاً خالصاً أم يصبح شفقة على المريض المقعد، سرعان ما يتحوّل الى سأم وواجب ثقيل الحمل؟  وإذا جار الأخ على أخيه ظلماً وقسوة وحرماناً، فهل تبقى المحبة محبة؟ وهل من قوة تمنع الظروف من التغيّر؟ إذن، الحبّ نسبي. وإذا كان نسبياً، فهل يبقى حقيقة مطلقة؟ فالحقيقة مطلقة وما من وجود لحقيقة نسبية، فإما هناك حقيقة وإما لا. فإذا كان الحبّ حقيقة، فهو إذن غير نسبي، وبما أنه لا وجود لحبّ غير نسبي، فهو بالنتيجة لا يعدّ حبّاً حقيقياً، إذن لا يمكن أن نعرِّف الحبّ بأنه حقيقة.
   ما الحبّ إذن؟ لقد كثرت أراء الشعراء والأدباء في الحبّ وكلها وجدانية نابعة من ذاتية التجربة. إذن هي تعريفات نسبية مرهونة بظرفها الآني وليست مطلقة. والحكماء، ما رأيهم بالحبّ؟ وهذا كونفوشيوس الصيني أجاب حين سأله أحد أتباعه:"ما الحبّ؟" قال: "حبّك للبشر هو الحبّ"؛ فأعاد المريد السؤال: "ولكن ما هو؟" فقال المفكر الكبير:"الإعتزاز بالجهد أكثر من الإعتزاز بالثمرة يمكن أن يسمّى الحبّ. إنه مجرّد إستمتاع بعمل شيء من دون النظر الى ثمرة هذا العمل التي يمكن الحصول عليها في النهاية. هذا هو الحبّ. وعمل الخير دون نظر الى مكافأة عنه في هذه الحياة أو في حياة أخرى مستقبلية، ولكن لمجرد الإستمتاع بعمل الخير. هذا هو الحبّ، فالحبّ ثمرة نفسه، والحبّ يجعل الأشياء تبدو جميلة. والحبّ يخلق السلام. إن القلب الذي يعمر بالحبّ، لا يخطيء!"
   جميل! تعريف رائع من فم حكيم عظيم، ولكن ألا يجب أن تتوفّر الشروط الملائمة لكي يتحقّق هذا الحبّ؟ وإن لم تتوفّر، فهل يبقى الحبّ حبّاً؟
   واستهوتني لعبة السفسطائية هذه، وراودني خاطري أن أسأل زميلاً عن مفهومه للحب، فأجاب بداية ببيتين من الشعر حملا قمّة الجمالية والإحساس. قلت: "ليس هذا! المطلوبُ تعريفك الشخصي وليس رأي الآخرين في الحبّ". فألقى بيتين آخرين من قصيدة له. وكان جوابي:"ولا هذا أيضاً! المطلوب تعريف موضوعي للحب، تعريف من فلسفتك وليس من شعرك، فالشعر نسبي أما الفلسفة فمنطق". وكان جوابه فلسفياً أن الحبّ شعور والشعور لا منطق له، ثم أردف أن الحبّ هو السعادة. فقلت:" ولكن هذا التعريف عام والمطلوب تعريف لا يخضع للنسبية". فقال: "الحبّ "neutre"، لا سالب ولا موجب؛ فقلت بذهول:"مهلك سيدي، يا أيها الأستاذ الحكيم، ما معنى هذا؟! أنجدني من فضلك!"، فأجاب: "ولكن كيف لي أن أعالج هذه المسألة على الهاتف؟ امهليني فترة من فضلك". وعاد الحكيم بعد ثلاثة أيام وفي جعبته هذا التعريف عن الحبّ، فأدعوكم لقراءته، وإن رغبتم تابعوا الجدلية وأمتعونا بدوركم...