آخر الأخبار

قراءآت لقندقجي في رواية سدهارتا على منصة السلع

راصد الإخباري :  
 


دمشق - راصد
كتب عبدالله الحميدي

كتبت الاديبة هبه قندقجي عضو ملتقى السلع الثقافي قراءآت في رواية "سدهارتا" تأليف هيرمان هيسه

وتتناول الرواية الرحلة الروحية لرجل يدعى سدهارتا في زمن معاصر لغوتاما بودا، 
وتاليا نص ما كتبت

من هو سيد هارتا أهو مجرد إنسان خاض عدة تجارب إلى أن وصل إلى السكون والسلام ؟ أهو فريد كي يحظى بالمعرفة ويولد من جديد بعد كل تجربة....
سيد هارتا هو الإنسان بالمطلق ...
بدأ سيد هارتا طفلا"يأخذ من والديه (البراهم) عاداتهم وتقاليدهم ويحظى بمعرفتهم وزهدهم إلى أن أصبح من الأفراد المميزين لدى البراهاما وكسب ثناء والديه ومعلميه لكن سيد هارتا أدرك بحسه الباطني أن على الإنسان أن يسعى إلى كسر القوالب الجاهزة وتحطيم النمطية التي أدت به إلى أن يكون فردا"من القطيع يؤدي ما يحفظ  من تعاليم ومعرفة سكبت في عقله ...مما أدى به إلى اتباع( السامانا) فتعلم منهم كيف يكبح جماح رغباته ويصوم أياما"متتالية دون أن يحس بالجوع أو العطش أن ينهك جسده أياما"وأيام ويبعد نفسه عن كل ملذات الدنيا ليقهر ذاته ويرى ما يوجد في أعماقه وعندما غلب معلميه بالصبر وقهر الجسد أدرك أن (النيرفانا) التي يسعى إليها ليدركها بأعماقه بعيدة ولن يصل لها بمجرد شكليات من الممكن أن تفيده في تهذيب النفس أكثر من أن تفيده في  معرفة ذاته الحقيقية فسار إلى المعلم الكبير(جواتما) الذي يشع السلام من مظهره ويتآلق بنور يجذب إليه كل من قابله فمضى إليه وعرف تعاليمه ووافقه عليه .....
لكن سيد هارتا أدرك أن التعاليم لا تلقن ولا تستطيع الوصول إلى الإنسان إلا بعد أن يؤدي تجربته الخاصة ولكل إنسان طريق معين يبصر من خلاله الحقيقة ويكتسب من تجاربه نور المعرفة والحكمة ....
فغاص بتجارب أنهكت روحه وأردته إلى مصاف (السانسارا) البشر العاديين وذاق من ملذات الدنيا بعد طول انقطاع وتعلم من البشر طريقتهم في الحياة إلى أن نسي كل تجاربه الروحية وبعد أن ظن في البداية أنه يلاعب البشر فقط ويتعلم منهم ما لا يعرفه أصبح مثلهم ( كامى سوامي ) مغموسا"بالملذات والمسرات التي تنعش الجسد وتحطم الروح وبعد أن أصبح من أثرياء قومه ترك كل شيء وعاد إلى النهر ...
النهر الذي أتى منه عندما كان سامانيا"خاشعا" وفكر بأن ينهي حياته البائسة التي حطمها بيديه ولكن شعلة صغيرة سطعت في قلبه وهي( أوم )
أدرك أنه ولد ولادة جديدة وعاش بقرب النهر يخدم الناس من كل الأشكال والأصناف  وعرف أن الإنسان لا يجب أن يعتزل ويرهق روحه بمشاق كبيرة لكي يصبح متعبدا" صاحب حكمة ومعرفة بل كل فرد يستطيع من خلال حياته وتجاربه أن يلم بالمعرفة الخاصة به...
وبعد أن جرحه غياب ابنه  أدرك أن الزمن يعيد نفسه فمهما كانت تجاربك تحوي من الألم أو الفرح فأنت تشكل جزءا"من الكل والماضي لا وجود له والمستقبل لا وجود له نحن دائما"نوجد في الحاضر وكل حاضر هو واقع كامل ....
كامل لا يتجزء ومهما كنت في الأعلى أو في القاع فإن تجربتك جزء من الكل .
 
دخل هيرمان إلى عمق الإنسان وتكلم بما في مكنون قلبه فالإنسان لا يستطيع أن يكون عارفا" بمجرد أن يتلقى بعض التعاليم ويطبقها بحفظها ظهرا"عن قلب فلا بد له بأن يدركها ولابد أن يفكر ويقتل كل صنم عبده لأن المعرفة لا تختزل بتعاليم معينة  ولا تقف عند حد .
ومهما جلدت وهذبت نفسك إلى أبعد الحدود فلا بد لك من معرفة ذاتك الحقيقية فكيف لك أن تدرك ذاتك وأنت تبتعد عن كل ما يؤدي بك إليها .
وعندما تؤمن بشخص إيمانا"مطلقا"وتنجذب إلى تعاليمه وحكمته فإنك لا تستطيع أن تسلك نفس الطريق الذي سلكه فلكل إنسان طريق خاص عليه أن يسير به لينهل من تجربته الخاصة ويتولد في قلبه نور خاص به يستنير منه ويشبع روحه .
ومهما غاص الإنسان في الحياة الدونية وجذبته دوامتها الغادرة فيوجد في كل لحظة ولادة جديدة تخلصه من عذابات روحه وتعتقه من القيود التي تجسم على روحه
وعلى الإنسان أن يدرك أن الحكمة لا تأتي إلا من مخالطة البشر ومعرفة حياتهم وما يحبون وما يكرهون والصبر على ذلاتهم فالعزلة لا تعطي الحكمة إنما الصبر ومصارحة النفس هو ما يؤدي إليها .
ومهما كانت عذابات نفسك ستنتهي....
 فنحن في الحاضر ولا حاضر دائم في كل يوم نشكل مع محيطنا تكاملا"عجيبا"وفي كل حالة من حالاتنا تنبثق منا صور مختلفة تكمل ما يحيط بها من نقص .