آخر الأخبار

القاص السعودي السنونه ينشر قصته " أجساد ثملة" على منصة السلع

راصد الإخباري :  


السعودية - راصد
كتب عبدالله الحميدي

كتب الاديب حسين السنونة الصحافي والكاتب من المملكة العربية السعودية قصة بعنوان "أجساد ثملة" . 

والكاتب السنونه عضو في منصة السلع. التي نشر القصة عليها. ولجودتها ننشرها تاليا

المطر يجلد كل الأرض، رعد يدخل في النفوس الرعب، رائحة خوف تشكك في إنسانيتك، لون برق يخطف الأبصار والأحلام، يقلع القلوب من مكانها، رعد.. يوقفك مكانك، رياح باردة يدخل قرّها في عظام الأجساد النحيلة.

قررتْ أن تخرجَ عارية الرأس، تجرّ قدميها الحافيتين على الطريق، تغسل جسدها برشقات المطر، جسد نحيف لا يمكنه الوقوف في مواجهة الرياح، شعر أسود غسل قصره ماء السماء، شفاه كأنها بقايا غروب شمس يقبله المطر.. أنامل صغيرة يتراقص عليها ترادف القطر.

بدأت خطواتها بطيئة لتصاحب بها أفكاراً ثقيلة، من بينها وجد السؤال طريقه: لماذا خلق الله المطر؟!.

أينما نظرت، تحركت، فثمة الثلاثي: المطر.. الرعد.. البرق.. والرابع رياح عاتية.. لا تبقي ولا تذر.

تريد أن تفعل شيئاً منذ زمن قد حدثّت به نفسها.. لا تستطيع أن تبوح به لأحد.. تتسارع خطواتها كلما أوغلت في حديث النفس.

ترسم تارة بإصبعها دوائر وتركلها تارة أخرى، تقف، تجلس،  تكوّر جسدها المتعطش منذ سنوات كطفل صغير في سريره ينتظر أن تضع أمه عليه لحافاً يقيه البرد.

ترفع رأسها إلى الأعلى نحو السماء، كأنها تخاطب سيل المطر الذي يجلد جسدها.. كل جسدها.. يقبّل منها أماكن مازالت عذراء.. عذراء منذ أربعين عاماً.

تحاول تحريك شعرها الذي جمّده البرد.. المطر.. ملابسها أصبحت جلداً فوق جلد على قدّها المليح.

القميص والبنطال أصبحا ملتصقين وكأن المطر زرعهما عليه.

نزفت من عينها دمعة غزيرة، أكبر من قطرة المطر.. تذكرت ذلك الزوج الذي سكن الأرض السكن الأبدي.. تردد آخر كلمات كتبها:

أيها الراحلون مهلا.. مهلا، فما زالت لحبات المطر أغنية أخرى؛ مازلنا نقرأ القرآن.. نرتل الإنجيل.. ننشد التوراة

خذوا خواطري المقهورة، اكتبوا تمتماتي في كهف الظلمات

عن المطرود من رحمة الرب.

أيها الراحلون مهلا.. مهلا، فقد سئمت ميادين الحب.. العشق، تعبت من دعاء الفقراء في آخر الليل

أيها الراحلون مهلا.. مهلا ، احملوا أحزاننا المائية.. أحلامنا المغتصبة، سيطول ليل الرحيل.. سترقص النجوم البراقة

أيها الراحلون مهلا.. مهلا، ما زلنا نصلي.. نقرأ كلّ التراتيل

مازال لقطرات المطر حديث آخر؛ عشقنا.. أوجاعنا.. أوهامنا.. تبحث عن فرجة أمل

أيها الراحلون مهلا.. مهلا، أين أنت لتضم صدري إلى صدرك، تحتوي بين يديك كلّ جسدي، حتى أسمع صوت العظام منّا تتكسر..

كم كنت أتمنى أن أجوب معك العالم، كل أرضه.. أن أحلق في سمائه.. أسبُر غَور بحره .. أخوض أواسط غاباته.. أعتلي جباله.

"المطر يغسل الأجساد.. لكن الأرواح، القلوب تبقى كما هي.” (أخذت تردد)

وقفت أمام لوحة مكتوب عليها (شارع نزار قباني) نزار شاعر النساء.. الحب.. العشق.. نبذ الخيانات.

 مسحت بيديها على شعرها.. الخصلات السود تقطر ماء.. الوجه الدائري الأسمر المصبوغ ببعض البياض تقبّله قطرات المطر.

 تذكرت إحدى  مقاطع من قصيدته:

 (اصرخي صرخة الذئب في منتصف الليل).

ماذا لو شاهدتني بهذا الوضع أتحدّى المطر، أنظر إلى البرق، أنصت للرعد، أقاوم البرد، أقف في وجه الريح..  لكنت كتبت قصيدة عن أمرة مجنونة ذات جسد ثمل.. تبحث عمن يهدئ روعها.. خوفها.. شكوكها في هذا العالم.

 جسد يتمنى نظرة حنونة من إنسان لا يخاف المطر، لا يهرب من الرعد، لا يهرول هاربا إلى دثاره خوفاً من البرق. جسد يحاول أن يلملم أحزانه، كمن يريد لملمة قطرات المطر.

الطريق طويلة كحياتي التي وصلت الأربعين خريفا.. ملأى بحفر شربت ماء المطر حتى قذفته كالمشاكل التي تعترض حياتي.. طموحاتي المأسورة تشربتها حتى بدأت أقذفها أمراضا جسدية.. روحية.

شوارع مدينتنا كلها أسماء رجال.. من العهد القديم حتى الحديث.. فقط أسماء رجال.. أما النساء فالنسبة إلى أسمائهن حرام، وما زالت المرأة عورة.. وما زالت النساء قاطبة غير منتسبات  للبشر.

هنا (كوفي شوب) خاص بالرجال، هنا محل (ألعاب ترفيهية) للرجال، يليه بوفيه خاص بالرجال!.

الرجال.. الرجال.. الرجال.. أسياد الأرض هم الرجال.. وكأنهم هم من يلد بعضهم بعضا!

المطر في قمة غضبه. الغيوم تذوب فوق بعضها، غناء الطيور يتحدى المطر، إلا أن الجو يأبى إلا أن يزداد جمالا. الناس في بيوتهم.. سياراتهم.. لا يخرجون.

 لماذا الخوف من المطر؟ الرعب من البرق.. الرعد!، الحذر من الرياح!. لماذا لا يخرجون ليروا جمال الخالق، وبديع صنعه.

تقف.. ترفع إحدى يديها نحو غيمة سوداء تصدح بضحكة تتبعها ضحكات أقرب إلى الصرخات، تُتمتم بصوت ضعيف لا تكاد تسمعه، إنهم يخافون الموت.. نعم يخافون الموت.. ستموتون.. ستحرقون في جهنم.. يا من تسرقون البسمة من شفاه البشر.. تكسرون أحلام الأطفال.. سكارى، وما أنتم بسكارى, لكن الموت قادم.

من الجميل أن يخرج المؤمن ليصلي ركعتين تحت المطر.. يقرأ الكتب السماوية. أين الشعراء لينثروا قصيدة مطرية.. الرسامون ليخلقوا لوحة تعود للمذهب المطري عوض السريالية.. التجريدية وغيرهما.

فجأة تقف بجانبها سيارة. يعلو صوت صاحبها بآيات قرآنية وأحاديث يتبعها صيحات متتالية: أنت ارجعي إلى بيتك,

(سافلة).. (فاجرة) هل أنت مجنونة لتخرجي سافرة ؟ عليك لعنة الله (مجنونة)! تمضي وهي ذاهلة.. مشدوهة في شغل غير الذي يعني الناس، وإسْرارها في ذاتها يقول: مجنونة؟!.

ــ الغريب-حقا- أن يوجد عاقل في زمانكم هذا!!.

 لاحت منها ابتسامة كأنها مولد أشعة شمس خرقت الغيوم  بعد يوم مطير أذابت به الغضب الذي قذفه عليها صاحب السيارة.

سيارة أخرى مرت بها أيضا، إنهم في هذه المرة أطفال يجلسون في الخلف يشيرون إليها بأصابعهم، يلوحون بأيدهم، وهي لا تنفك ماضية.

وما زال المطر يصوب بقايا هميه صوب الأرض.. البشر.. الحجر..  الطيور التي بدأت تنشر أجنحتها.. بعد أن غسلت أجسادها.. ندّت أصواتها بقطرات المطر.. السيارات مسرعة.. القطط تخرج من مكامنها.. السماء ما زالت تغني شيئا من بقاياها على مسامع الأرض.. الشجر.

وقفت وسط الطريق.. جمعت خصلات شعرها ثم نثرتها على الكتفين.. رسمت لوحة فنية جميلة بشكل دائري اكتملت  خلف رأسها.. رفعت كفيها إلى السماء.. أخرجت من فمها كلمات نديات:

 ليت أمي لم تلدني, أللشقاء ولدتني؟! أم للعناء ربتني؟!

(ولدوا..ليتعذبوا.. ليموتوا).