زين الاديب د محمد الخصبه، الورقة الخامسة باطلالة من العالوك على الشاعر الزيودي
وكتبت الاديبة امينه الجمجومي في الورقة السادسة. قبسات من حياة الشاعر الوزير المغربي،
تاليا نص ورقة د. محمد
الكريميين الخصبة عن الشاعر الاردني القلق، الراحل حبيب الزيودي
نبض البداوة الذي لا يتوقف، وقمر العالوك الذي أبى أن ينطفئ، مُسرعاً إلى منازل أهله الأبدية، تاركاً "دلة" القهوة على النار تغلي، والخيل تصهلُ ندماً وعويلاً.
في عام ١٩٦٣ ، ولد أحد أبرز الشعراء والأدباء الأردنيين، الشاعر والأديب حبيب زيودي، في محافظة الزرقاء وترعرع في قرية العالوك،
يعود أصله لقبيلة "بني حسن" التي انطلقت من أذرح جنوب الأردن و ثبت نسبها لآل البيت.
حصل على درجة البكالوريوس في الأدب العربي من الجامعة الأردنية سنة ١٩٨٧ ، ثم شهادة الماجستير من الجامعة الهاشمية، شغل القسم الثقافي في الإذاعة الأردنية ثم عمل في وزارة الثقافة ثم في الجامعة الأردنية.
كتب الكثير من القصائد الوطنية والغزلية، ونقل صورة عريقة دقيقة عن حياة البداوة، متمثلة في "دلة" القهوة، والكرم، والإنتماء، والأرض، والشوق للأهل والديار، والفروسية، تغنى في العالوك مسقط رأسه،
وتفرد في وصف عمان وكتب لها ذات يوم معاتباً "صباح الخير يا عمان".
عائلة حبيب كانت عائلة متدينة وتمتد إلى السلطان عبد القادر الجيلاني في العراق وجنوب إيران، وهم أصحاب طريقة دينية متصوفة.
حبيب كتب وأبدع وتغنى في عشق الأردن
وتكمن أهمية ما قدمه حبيب في مسيرته الشعرية والأدبية، وأنه من رواد الشعر الحديث، حيث تعددت قصائده في موضوعاتها وتفعيلاتها بين الشعر العامودي والعامي والمحكي وحتى الأغنيات.
مسيرة بزوغ الظاهرة الشعرية حبيب زيودي في بداياتهاحيث كتب للرموز الوطنية لحابس المجالي "علامك غبت والدنيا تشارين"، وفند رحيل وصفي مردداً "يا مهدبات الهدب غنن على وصفي" التي غنتها سلوى العاص، مقدماً في شعره المواطن الأردني البدوي الأصيل.
لقد شكل حبيب ظاهرة شعرية فريدة في المكتبة العربية، شغل نفسه دوماً في أن يكتب الشعر وينقل التراث الأردني بقيمه ومبادئه وبساطته.
ويروي من جالسه وعرفه أنه طويل الصمت وإذا تكلم اوجز وأبدع يحب مجالسة فقراء الحال ومعرفة ما وراءهم، لاذعاً في نقده وشعره، ويخبر الناس دوماً " أنا لاذع في نقدي للوزراء والحكومات لأن الشاعر ليس موظفاً لدى الدولة".
ورغم ما قدمه حبيب إلا أنه ظلم في حياته فقد كتب أكثر من عشر أغاني وصف بها عمان ومع ذلك لم يحصل على الجائزة التقديرية في حياته. وكرم بعد مماته
إن إبداعه في وصف الحياة البدوية ونقلها بتلك الدقة جاء من عشقه وتجذره في الأصل البدوي، وأن ما كتبه في شعره كفراق الديار والأهل والأحبة، كان نقلاً دقيقاً لما عاشه في طفولته من مشاعر فقدٍ وحنين.
ويصف ابنه محمد تغير حالة والده ونقلته النوعية التي شكلت فارقاً في وضعه المادي هي قصيدة "يا صاحب التاج" التي كتبها للراحل الملك حسين بن طلال-طيب الله ثراه- وغنتها الفنانة أصالة، ومن بعدها اشتهرت غريزته الشعرية.
ويذكر زيودي العالوك أنه المكان الأغلى الذي يربط حبيب وطفولته مع أبناء عمومته، لذا أبدع وتغنى في وصفها، ولم يتخلّ عنها حتى عندما استقرت عائلته في عمان، كان يمتاز "بصفنته" فدوماً هناك عالماً خاصاً يسرحُ فيه ويستلهمُ منه شعره ولا يحب أن يفسده عليه أحد
و هو من كان يمنح الذائقة الموسيقية ليس فقط لأن ذائقته الموسيقية عالية ومرتفعة، لكنه في الأساس ليس شاعراً بل هو ملحناً وموسيقياً فحبيب زيودي شعره وموسيقاه هي بنات أفكاره الذي اكتسبها من العالوك وأروقة عمان.
ويرى أن ذائقة حبيب رفيعة ومتقدمة على الموسيقيين، و كما قيل عند العرب "حبيب أنشد شعراً ولم ينظمه فقط"،
أما عن موسيقاه الداخلية فهي متفجرة توحي بالعظمة لذلك أغانيه كانت كلمة واحدة "مهيوب" و" حنا على حنا".
لقد رفع حبيب مستوى الشعر للأغنية الأردنية، لذا سقطت بعده وامتازت أغنيته بالبساطة كما في "نغمة شوق يا عمان" و "عمان يا ضف نعنع مرتوي عالمي"، فعندما حاولوا تقليده أسقطوا عمق الأغنية الأردنية وبساطتها، ظناً منهم أن يفعلوا ما فعله حبيب .
إن اكتساب حبيب موهبته منذ الصغر وتأثره بمن حوله، عدا عن تسميتهم باسم "الفقرا" بالمفهوم الديني لورعها وتدينها وزهدها.
حبيب كان الظاهرة التي أطلق عليها خليفة عرار، إلا أن تمرد حبيب أخرجه من وصاية عرار في جعله أبا له، وبناء منظومة شعرية متفردة تدعى ذائقة "فتى العالوك".
وفي ٢٧من تشرين اول لعام ٢٠١٢ غادرت روح "فتى العالوك" إلى راحتها الأبدية إثر نوبة قلبية مفاجئة، وبهذا يكن أجاب حبيب على سؤال تيسير الشبول له عندما سأله لماذا لم تمت كالصقر؟، وحينها أجاب حبيب" أنا سليل القمح سوف أموت حين يجف عشب الحقل تحت الشمس.
وفي ورقتها السادسة، كتبت الاديبة المغربية امينة الجمجومي،
أبو القاسم الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد ويسمى أيضا الوزير المغربي
أديب لغوي، وكاتب شاعر، ووزير من الدهاة. قيل فيه: «كان من أدهى البشر وأذكاهم». وقيل: «كان من الدهاة العارفين، وكان خبيث الباطن، إذا دخل عليه الفقيه سأله عن النحو، وإذا دخل عليه النحوي سأله عن الفقه». أما أصله فيقال إنه من أبناء الأكاسرة الفُرس، إذ ينتهي نسبه إلى يزدجرد بن بهرام جور.
وأما نسبته «المغربي» فإنه لم يكن مغربي الأصل، وإنما أحد أجداده ـ وهو أبو الحسن علي بن محمد ـ كانت له ولاية في الجانب الغربي ببغداد، فقيل له «المغربي» وأطلقت عليهم جميعاً هذه النسبة.
حياته
---------
ولد أبو القاسم المغربي في حلب فجر يوم الأحد ١٣ من ذي الحجة. وقيل كانت ولادته بمصر والأول أصح لأن أباه وجدّه كانا من كتّاب سيف الدولة بحلب، ولأن أبا القاسم نفسه يقول في كتابه «أدب الخواص»: «وقال بعض عامة بلدنا الحلبيين في قصة له…»، كما أن له شعراً يتشوق فيه إلى حلب مسقط رأسه وموطن صباه. وقد حفظ منذ صغره القرآن الكريم وعِدّةً من الكتب في النحو واللغة، ونحو خمسة عشر ألف بيتٍ من مختار الشعر القديم كما يقول ابن خلكان، ونظم الشعر، وتصرّف في النثر، وبلغ من الخط الجيد إلى ما يقصر عنه نظراؤه، ومن الحساب والجبر والمقابلة ما زاد على الحدّ المطلوب. وذلك كله قبل استكماله أربع عشرة سنةً من عمره. وكان سريع البديهة في النظم والنثر، واسع الثقافة في العلوم والآداب.
وفي أيام أبي المعالي سعد الدولة (356-381 هـ) فارق أبوه حلب إلى مصر، وتبعه ابنه أبو القاسم على الأثر مع جماعة من أهل بيته وهو في الثانية عشرة من عمره. واتّصل أبوه علي بن الحسين بخدمة الحاكم الفاطمي (376-411 هـ)، فكان هو وولده أبو القاسم من جلساء الحاكم ووجهاء مجلسه في الدولة الفاطمية. ثم تغير الحاكم على والد أبي القاسم وقتله هو وبعض أفراد أسرته الأقربين في الثالث من ذي القعدة سنة 400هـ فهرب أبو القاسم وأسرته إلى الشام، وقصد حسان بن الحسن بن مفرج الطائي صاحب الرملة، فأكرم ابن مفرِّج وفادته وسكّن جأشه، فأقام عنده مدة ومدحه أيضاً. وهنا راح أبو القاسم يحرّض ابن مفرّج الطائي على الحاكم الفاطميّ صاحب مصر، ويحاول إفساد نيّته عليه فلم يفلح؛ لأن العلاقة كانت قوية ومتماسكة بين الرجلين. وعندئذٍ رحل أبو القاسم المغربي إلى الحجاز. فلما وصل إلى مكة اتصل بصاحبها أبي الفتوح، الحسن بن جعفر الموسوي، وأطمعه بالحاكم وبمملكة الديار المصرية، وجدَّ في ذلك حتى أقلق الحاكم الذي خاف على ملكه، فاضطرّ إلى إرضاء صاحب الدولة حسان بن المفرِّج واستمالته ببذل الأموال وكان ابن المفرّج قد حالف صاحب مكة واستدعاه إلى الرملة وبايعه بالخلافة ولقبه بأمير المؤمنين بتدبير أبي القاسم المغربي، ولم يزل الحاكم يُعمل الحيلة حتى استمال ابن المفرج وبني عمه إليه، وعندئذٍ هرب أمير مكة عائداً إليها.
ثم حدثت أمور، إذ هرب أبو القاسم إلى العراق مفارقاً بني مفرّج، وقصد فخر المُلك أبا غالب بن خلف الوزير وأقام في كنفه بواسط، وعلم بأمره الخليفة العباسي القادر بالله (381-422 هـ) فاتهمه بأنه قدم من مصر لإفساد الدولة العباسية وكتب إلى فخر المُلك في إبعاده، فلم يأبه به وقام في أمر أبي القاسم الذي أقام عنده بواسط مكرّماً بعد أن رفع عنه طلب القادر بالله له.
فلما توفي فخر الملك مقتولاً عاد الوزير المغربي إلى بغداد، مستعطفاً قلب الخليفة القادر بالله ومتنصلاً مما نُبز به حتى صلح له بعض الصلاح وأقام قليلاً في بغداد ثم اتجه إلى الموصل واتصل بمعتمد الدولة قرواش ابن المقلد أمير بني عقيل (391-442 هـ)، وصاحب الموصل والكوفة والمدائن وكتب له وصار وزيراً عنده.
ثم تقلبت به الأحوال إلى أن استقدمه مشرِّف الدولة البويهي من الموصل إلى بغداد وأصبح وزيراً عنده عشرة أشهرٍ وأياماً. واضطرب أمره في بغداد ففارق مشرِّف الدولة ولجأ ثانية إلى قرواش مخدومه الأول في الموصل وأقام عنده، وتجدّد للخليفة القادر بالله سوء رأيٍٍ فيه فكتب إلى قرواش بإبعاده ففعل، وعندئذٍ فارق الوزير المغربي قرواش بن المقلّد متوجهاً إلى ديار بكر، واتصل بصاحبها الأمير أبي نصر أحمد بن مروان الكردي (402-453 هـ) وأقام عنده على سبيل الضيافة، ويقال إنه استوزره إلى أن توفي الوزير المغربي بميافارقين في ١٣ من شهر رمضان سنة ٤١٨ هـ وقيل ٤٢٨ هـ، والأول أصح، وعمره يومئذٍ ثمانٍ وأربعون سنة.
وحُمل جثمانه إلى الكوفة بوصية منه فدفن فيها في تربة مجاورة لمشهد الإمام علي بن أبي طالب، ووصيته هذه تؤيد ما روي عنه من أنه كان شيعي المذهب. ورثاه أبو العلاء المعري في اللزوميات ولم يرثِ أحداً غيره. ويبدو أنه كان على صلة وثيقة بالمعري، فهو الذي أرسل إليه أبو العلاء رسالتيه «المَنيح» و«الإغريض» بعد أن قدّم إليه أبو القاسم كتابه «مختصر إصلاح المنطق».
أعماله
-----------
للوزير المغربي شعر رائق. ولكن لم يبق منه سوى قليل من القصائد والمقطعات جمع منها إحسان عباس 115 ما بين نتفة وقطعة وقصيدة. منها قوله يتشوق إلى حلب مسقط رأسه وملاعب صباه:
يا صاحبيّ إذا أعياكما سـقميفلقّياني نسيم الريح من حلبِ
من الديار التي كان الصّبا وطريفيها، وكان الهوى العذريُّ من أربي
وله البيت المشهور:
أليس من الخسران أن ليـاليـاًتمـرّ بلا نفع وتُحسب من عمري!
وله عدة كتب طبع منها ثلاثة «الإيناس في علم الأنساب» سعى فيه إلى التفريق بين أسماء الأعلام المتقاربة في رسمها «فهم، قهم» مما يكثر دورانه في كتب الأنساب، وكذا التفريق بين الأسماء المتشابهة لفظاً «بكر بن وائل من قحطان، وبكر بن وائل من عدنان»، مع ذكر طائفة من الأسماء التي هي مظنة للتصحيف «شهم، أبو جلدة». ورتب مادة كتابه على حروف المعجم ولم يخله كما قال من الفوائد والأشعار، مقتدياً في ذلك كله بما ألفه أبو جعفر محمد بن حبيب في كتابه «المؤتلف والمختلف»، ويُعد كتاب «الإيناس» مع صغر حجمه كثير الفائدة، ويدل على كثرة اطلاع صاحبه، وله أيضاً كتاب «أدب الخواص»، و«رسالة السياسة».
وأما ما لم يطبع من كتبه فمنها «اختيار شعر أبي تمام»، «اختيار شعر البحتري»، «اختيار شعر المتنبي والطعن عليه»، «ديوان الشعر والنثر»، «المأثور في مُلَح الخدور»، وله في اللغة مختصر «إصلاح المنطق» لابن السكيت، وفي مختصره هذا استوفى جميع مواد الكتاب وفوائده، ثم بدأ بنظمه شعراً تلبيةً لرغبة أبيه وعمل فيه عدة أوراق في ليلته. وكان جميع ذلك قبل استكماله سبع عشرة سنة.