الأسرة الأردنية بين القانون والواقع الرقمي… صورة يصنعها الترند أم يشوّهها؟

{title}
راصد الإخباري -



بقلم: نجوى صالح الشناق

في الأيام الأخيرة، بدا المشهد الأردني — أو على الأقل نسخته الرقمية — وكأنه يعيش على وقع موجات جدل لا تتوقف. يكفي أن تفتح فيسبوك أو تيك توك لبضع دقائق لتجد نفسك وسط نقاشات مشتعلة حول الطلاق، الحضانة، وتعدد الزوجات. قضايا حسّاسة كانت تُناقش في الدوائر الضيقة، لكنها اليوم خرجت إلى فضاء مفتوح لا يعرف الخصوصية ولا يحفظ التوازن.

حين تتضخم القضايا لأنها تُروى بصوت مرتفع

لم يعد الحديث عن الخلافات العائلية همسًا. التجارب الشخصية التي كانت تُروى على استحياء صارت تُعرض أمام الجميع، أحيانًا بنبرة حادة، وأحيانًا بقوالب مثيرة لا تشبه الواقع. المحتوى الأكثر صخبًا هو الذي يسمعه الناس، حتى لو كان أبعد ما يكون عن الحقيقة.

فالمشكلات الأسرية ليست ظاهرة عامة، بل حالات تختلف باختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لكل أسرة. لكن العالم الرقمي لا يحب التفاصيل الدقيقة… هو يفضّل العنوان الضخم والعبارة الأكثر إثارة.

القانون… حاضر في النقاش وغائب عن الفهم

قانون الأحوال الشخصية أصبح المتهم الأول في كل نقاش عابر. البعض يرى أنه غير منصف، والبعض الآخر يحمّل الظروف المعيشية المسؤولية الأكبر. وبين هذا وذاك، تُبنى الكثير من الآراء على مقطع مقتطع أو رواية ناقصة، ثم يتشكل "رأي عام” لا يستند إلى معرفة حقيقية.

القانون يُناقَش، نعم…
لكن لا يمكن اختزاله في دقيقة فيديو، ولا يمكن للترند أن يكون حكمًا أو مرجعًا قانونيًا.

تعدد الزوجات… من مسألة شرعية إلى مادة للتفاعل

عاد التعدد ليظهر على المنصات كأنه "حلّ” لتأخر سن الزواج. لكن الواقع الأردني أكثر تعقيدًا، ولا يمكن التعامل مع التعدد كسياسة اجتماعية ولا كإجابة جاهزة على مشكلات اقتصادية وثقافية عميقة.

المشكلة ليست في طرح الموضوع، بل في الطريقة التي يُطرح بها: عرض استعراضي، لا نقاش واعٍ.

بين الحقيقة والضجيج… أين تقف الأسرة الأردنية؟

منصّات التواصل ليست محكمة، ولا مجلس إصلاح، ولا جهة تضع حلولًا للمجتمع. هي مرآة تعكس جزءًا من الواقع وتضخم جزءًا آخر، وتختار ما يثير التفاعل لا ما يعكس الحقيقة.

ولهذا، تبدو صورة الأسرة الأردنية اليوم وكأنها تُعاد صياغتها على يد المحتوى الأعلى مشاهدة، وليس الأكثر دقة أو عمقًا.
إن الأسرة الأردنية اليوم تجد نفسها بين قانون يحتاج لنقاش هادئ، وواقع اقتصادي واجتماعي يزداد ضغطًا، وفضاء رقمي يضخم كل قصة حتى تبدو وكأنها ظاهرة عامة. المشكلة ليست في النقاش نفسه، بل في الطريقة التي يُطرح بها؛ فالترند يرفع الصوت ولا يقدم الصورة الكاملة، ويحوّل الخلافات الفردية إلى "أزمة مجتمع” بمجرد أن تنتشر. وفي النهاية، لا تُقاس الأسرة بعدد المشاهدات، بل بما يجري داخل بيوتها من فهم وتواصل وقدرة على إدارة الاختلاف، لأن الوعي يصنعه الحوار الحقيقي لا الترند العابر.