آخر الأخبار

تجارة الألقاب العلمية... شهادات وهمية ودكتوراه فخرية بلا معايير

راصد الإخباري :  





كتب ديما الفاعوري

في الآونة الأخيرة، برزت ظاهرة مقلقة تتعلق بانتشار شهادات الدكتوراه الوهمية وتزايد منح الدكتوراه الفخرية دون معايير واضحة، مما مكّن بعض الأفراد من التسلّق الأكاديمي والاجتماعي دون بذل الجهد الحقيقي، في الوقت الذي يكدّ الباحثون الحقيقيون لسنوات، ويسهرون الليالي وينفقون أوقاتهم في البحث والتجربة، يظهر من يحصل على لقب «دكتور» بلمح البصر، إما بشراء شهادة وهمية من مؤسسات غير معترف بها، أو عبر الحصول على دكتوراه فخرية تمنح بلا ضوابط.

و باتت الدكتوراه الوهمية تجارة رائجة، تديرها مؤسسات غير معتمدة تستغل رغبة البعض في تحقيق مكانة اجتماعية زائفة، وتعرض عشرات المواقع على الإنترنت شهادات أكاديمية للبيع، بعضها يطلب مبالغ تصل إلى بضعة آلاف من الدولارات، فيما يكتفي البعض الآخر بأبخس الأثمان، مما جعل اللقب العلمي سلعة تُباع وتشترى، وفي بعض الحالات، لم يعد الأمر مقتصرًا على الأفراد، بل امتدّ ليشمل شخصيات تتقلد مناصب رسمية وتستخدم تلك الشهادات لتعزيز نفوذها.

أما الدكتوراه الفخرية، فقد خرجت عن هدفها الأساسي المتمثل في تكريم الشخصيات المؤثرة في المجتمع، وأصبحت أداة لتضليل الرأي العام، وهي في الأصل شهادة يجب أن تُمنح للشخصيات التي حققت إنجازات ملموسة في خدمة المجتمع، لكنها في كثير من الأحيان تُمنح دون تدقيق أو معايير علمية، حتى وصل الحال إلى أن بعض الجامعات الخاصة أو غير المعترف بها تمنحها مقابل رسوم مالية أو بدافع الدعاية الإعلامية.

ومما يزيد من خطورة هذه الظاهرة أن بعض الحاصلين على هذه الشهادات يصرّون على استخدامها كألقاب رسمية في مجالات لا علاقة لها بما حصلوا عليه، وتجد شخصًا لم يكمل حتى التعليم الأساسي، لكنه يقدم نفسه على أنه «دكتور» في القانون، أو «بروفيسور» في الإدارة، ويمارس مهنًا حساسة بناءً على وهم، والمفارقة الكبرى أن البعض منهم يتصدر المشهد الإعلامي ويشارك في مؤتمرات علمية، بل ويدلي بآرائه في قضايا تحتاج إلى خبرة أكاديمية حقيقية.

وفي ظل هذا العبث، يتعرض الباحثون الحقيقيون للظلم والإجحاف، إذ يجدون أنفسهم في ذات المكانة مع أشخاص لم يخوضوا غمار البحث العلمي ولم يلتزموا بمنهجيته، وهذا الوضع لا يهدد فقط قيمة الشهادات الأكاديمية، بل يضر بمكانة المؤسسات التعليمية، ويُضعف من مصداقية البحث العلمي.

ولا بد من اتخاذ تدابير صارمة، لمعالجة هذه الظاهرة، ويجب أن تبدأ بتشديد الرقابة على المؤسسات التعليمية، وتجريم بيع الشهادات الوهمية، ووضع معايير واضحة وشفافة لمنح الدكتوراه الفخرية، كما يجب توعية المجتمع بأهمية التحقق من خلفيات من يدّعون حمل الألقاب العلمية، وعدم الانبهار بأصحاب الشهادات المزيفة.

الشهادة الأكاديمية هي مسؤولية علمية وأخلاقية، تتطلب سنوات من الجهد والتفاني، ولا يمكن القبول بأن يصبح العلم سلعة، أو التساهل مع من يحاولون اختزال الطريق على حساب الباحثين الحقيقيين، إن المجتمع الواعي هو الذي يقدّر قيمة الجهد، ويضع العلم في مكانه الصحيح بعيدًا عن المتاجرة بالألقاب.