تُعدّ فلسفةُ الهاشميين في إدارةِ الحكمِ والدولةِ نموذجاً فريداً يُحتذى به في العالمِ العربي، إذ تجمعُ بين القيمِ الإنسانيةِ العريقة، والنهجِ الديمقراطي، والسياساتِ الحريصةِ على تعزيزِ التضامنِ الوطني والحفاظِ على القضايا القومية. ومن خلال استعراضِ تاريخهم الطويلِ وتجربتهم في الحكم، يظهرُ جلياً أنّ الهاشميين أسّسوا نهجاً سياسياً قائماً على التوازنِ بين الانفتاحِ السياسي والحرصِ على وحدةِ المجتمعِ واستقراره.
يعودُ الأساسُ الفكري لفلسفةِ الحكمِ الهاشمي في العصر الحديث إلى الثورةِ العربيةِ الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي عام 1916م. كانت هذه الثورةُ بدايةَ حركةِ النهضةِ العربيةِ الحديثة، وسعت إلى تحقيقِ الاستقلالِ والسيادةِ العربيةِ بعد قرونٍ من السيطرةِ العثمانية. ارتكزت هذه الثورةُ على قيمِ الوحدة، الحرية، والحياة الفضلى، وهي القيمُ التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النهجِ الهاشمي في إدارةِ الدولة.
مثَّلَ الشريفُ الحسين بن علي، الذي اختيرَ قائداً لهذه الثورة، خياراً عربياً قائماً على شرعيةٍ دينيةٍ وسياسية، إذ كان يُنظر إليه كرمزٍ للاستقلالِ والتضامنِ العربي. ورغمَ التحدياتِ الكبيرة، حافظَ الهاشميون على إرثِ هذه الثورة، وهو ما يظهرُ جلياً في التزامهم الدائم بقضايا الأمة العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كما تُعدّ الوصايةُ الهاشميةُ على المقدساتِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ في القدس محوراً رئيسياً في فلسفةِ الحكمِ الهاشمي. فمنذ عهدِ الملك المؤسس عبدالله الأول، الذي استشهدَ على أسوارِ المسجدِ الأقصى، وحتى عهدِ الملك عبدالله الثاني، حافظَ الهاشميون على التزامهم بحمايةِ المقدساتِ والحيلولةِ دونَ تغييرِ هويتها العربية والإسلامية.
تميّزَ النهجُ الهاشمي في الحكمِ بقيمِ التسامحِ والإنسانية، وهو ما انعكسَ في علاقةِ ملوكِ الأردن بشعبهم. فمنذ تأسيسِ المملكةِ الأردنيةِ الهاشمية، حرصَ الهاشميون على تعزيزِ العلاقةِ الأبويةِ بين القيادةِ والشعب، وهي علاقةٌ ترتكزُ على الاحترامِ المتبادلِ والولاءِ والانتماءِ. وقد برزَ هذا النهجُ من خلالِ العديدِ من المواقفِ الإنسانية التي جسّدها الملوكُ الهاشميون، مثل زيارةِ الملك عبدالله الثاني للأسرِ العفيفة، ومشاركته الشخصيةِ في معالجةِ قضايا المواطنين، فضلاً عن حرصهِ الدائمِ على التواصلِ المباشرِ معهم.
يستندُ النهجُ الهاشمي إلى أسسِ الديمقراطيةِ واحترامِ الدستور، حيثُ يتمتعُ الأردن بتاريخٍ طويلٍ من الحياةِ النيابيةِ والمؤسسية. فمنذُ بداياتِ تأسيسِ الدولة، كانت الانتخاباتُ البرلمانيةُ والمشاركةُ الشعبيةُ جزءاً من النظامِ السياسي الأردني. وقد عزّزَ الهاشميون هذا التوجهَ من خلالِ دعمهم المستمرِ للإصلاحاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والإدارية.
لم يكن الحكمُ الهاشمي يوماً استبدادياً أو دموياً، بل قامَ على احترامِ الحرياتِ وحقوقِ الإنسان. يتميّز الأردن بأنه لم يُعدم فيه مواطنٌ بسببِ آرائهِ السياسية، بل استوعبَ الهاشميون حتى من حاولوا الانقلابَ عليهم، مما يعكسُ التسامحَ كقيمةٍ متجذّرةٍ في فلسفتهم للحكمِ وإدارةِ الدولة.
تُمثّلُ فلسفةُ الحكمِ الهاشمي نموذجاً فريداً يجمعُ بين الحنكةِ السياسية، والحكمةِ الإنسانية، والالتزامِ الوطني والقومي. هذا النهجُ يجعلُ من الأردن نموذجاً للاستقرارِ والوحدةِ في منطقةٍ تعصفُ بها الأزمات، ويؤكّدُ أنّ القيادةَ الهاشمية ليست مجردَ نظامِ حكم، بل هي مشروعٌ حضاريٌّ متكاملٌ يحملُ رسالةً إنسانيةً وقوميةً راسخة.