الإنقسامات العميقة في المجتمع الاسرائيلي ومستقبل الديمقراطية فيها
عقدت جمعية الشؤؤن الدولية في يوم الثلاثاء الموافق1-8-2023جلستها الحوارية الأسبوعية ودار الحوار حول ( الأنقسامات العميقة في المجتمع الاسرائيلي ومستقبل الديمقراطية فيها ) وتحدث في هذا الموضوع معالي الدكتور مروان المعشر بحضور عدداً من اعضاء الجمعية الموقرين .
وتحدث معالي الدكتور مروان المعشر انه لايغيب اليوم عن ذهن المتتبع للتطورات الاخيرة في الساحة الاسرائيلية مدى تعقيد المشهد وحجم الانقسام الذي يعيشه المجتمع الاسرائيلي, فالمشهد اليوم لم يعد مجرد صراع سياسي على السلطة بين الأحزاب والتيارات , وانما تحول لانقسام حقيقي في المشهد نتيجة تحالف تيارات اليمين القومي الصهيونية مع تيارات اليمين الديني او بالأحرى اندماجهم في (جسد صهيوني ديني ) واحد أدى لأنتاج حكومة اسرائيلية تصنف على انها يمينية متطرفة على المقياس السياسي , وقد أدى هذا التعبير الجديد في الاتجاه السياسي الرسمي الى استثناء شريحة كبيرة في المجتمع اليهودي , وهي شريحة ذات ميول يساري او حتى يميني معتدل , مما أدى لإنفجار احتجاجات عارمة وانقسام حقيقي لم يشهد المجتمع الاسرائيلي مثيلاً له طوال تاريخه .
ويتميز الانقسام الحالي بعدة مميزات , اولها عدم وجود اي صلة مباشرة بينه وبين الشأن الفلسطيني , حيث انه انقسام يهودي داخلي بحت قائم على الفكرة التي سوقتها اسرائيل عن نفسها منذ نشأتها بأنها دولة ديموقراطية , فالتوازن في النظام السياسي الاسرائيلي قائم كأي نظام برلماني على التداخل بين الحكومة والكنيست (البرلمان) بينما تكون السلطة القضائية هي السلطة المستقلة التي تشكل التوازن السياسي المطلوب للحفاظ على العملية الديموقراطية .
وقد أدى وصول حكومة يمنية متشددة الى سدة الحكم تنظر للسلطة القضائية والمحكمة العليا على انها مجموعة من اليسارين الى ان تكون اولى تحركات هذه الحكومة اليوم العمل على تعديل قانون القضاء , ومنح السلطة التنفيذية صلاحيات لتجاوز المحكمة العليا , وقد أنتجت هذه التحركات بدورها هذا الانقسام داخل المجتمع الذي يرى بأن الديموقراطية الاسرائيلية باتت مهددة , وأن شعار هذه المرحلة هوالديموقراطية للجميع , هذا الجميع هو جميع يهودي فقط , وثاني اهم مميزات مشهد الأنقسام هو التغيب التام للفلسطينين وأي شأن يتعلق بالقضية الفلسطينية , حيث ان تيار المعارضة معني بالحفاظ على حق المشاركة الديموقراطية لليهود وغير معني بتاتاً بالحقوق الفلسطينية او الأوضاع في الاراضي الفلسطينية .
وتابع الدكتور المعشر ان هذا الانقسام يحدث شرخاً بين المجتمع اليهودي الداخلي من جهة والمجتمع اليهودي في الغرب من جهة أخرى ,فأصبح شرخاً سياسياً ظاهراً على العلن بين الأدارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية الحالية , وبالطبع لن يترجم هذا الشرخ الي أي تغييرات كبرى فيما يتعلق بالسياسات الامريكية الداعمة لاسرائيل , ولكن في حال استمرار المجتمع الاسرائيلي بالتسارع نحو اليمين فقد يؤدي هذا الحال الى تغييرات في سياسات الأدارات الامريكية على المدى الطويل وربما المتوسط ايضاُ.
وفي نهاية هذا الحوار تم فتح باب النقاش والحوار حيث قدمت مداخلات وطرحت تساؤلات , وكان في بدايتها ان تم توجيه سؤال عن أثر التحولات الاسرائيلية على الاردن ؟ وهل الوصاية الاردنية موضع بحث أم لا ؟ وماهو المطلوب من الدبلوماسية الاردنية في هذه الظروف الحالية ؟
ومن جانبه أوضح د. المعشر ان هذه التحولات الاسرائيلية أثرها سلبي جداً على الاردن , فهذه الحكومة المتطرفة سيكون لها تجاوزات عنصرية في المستقبل , فهم لايعترفون حتى بحق الاردنيين على الأراضي الاردنية , فالتطورات الاسرائيلية الخطيرة التي تشهدها الساحة الاسرائيلية تضع الاردن على خط المواجهة مع اتجاه اسرائيلي متطرف لايرى فيها إلا امتداداً لأرض اسرائيل او على أحسن تقدير وطناُ بديلاً للفلسطينين.
والمطلوب الآن من الدبلوماسية الاردنية هو تكثيف تحركاتها مع الجانب الفلسطيني بكل مكوناته , وان تدعم أي محاولة للثبات والصمود على أرض فلسطين , فدعم الحقوق الفلسطينية اليوم هو حماية للأمن الوطني الاردني غداً.
وتابع د. المعشر فيما يخص الوصاية الاردنية على المقدسات الاسلامية , ان من يراجع المعاهدة الاردنية الاسرائيلية يرى عدم وجود للوصاية فهي لم تذكروالنص (يقول تحترم اسرائيل الدور الخاص للاردن في إدارة شؤؤن المقدسات الاسلامية في القدس ) فالوصاية ذكرت بين ابو مازن والملك عبد الله في 2013 فقط , واسرائيل لاتحترم هذه الوصاية والدليل انها تقوم يوميا بزيارة الاماكن المقدسة فهي لاتحترم الوصاية ولاحتى الدور الخاص .
واخيرا سياسة التكيف العربي مع اسرائيل لن تنجح في لجم نظام أيديولوجي صهيوني متدين ومتطرف يؤمن بأن لاحق للفلسطينين في الوجود على أرضهم , كما ان تعظيم التعاون الأمني والاقتصادي مع اسرائيل لن يفعل شيئاً لتليين الموقف الاسرائيلي , بل ستسخدمه اسرائيل للمزيد من الضغط على كل من يضع جزءاً من قطاعاته الحيوية بيدها , المطلوب اليوم مقاربة عملية ممنهجة للتعامل مع اسرائيل التي تحفر حفرة عميقة لنفسها , وليس سياسات تساعدها على الخروج من هذه الحفرة .