14 مؤسسة مجتمع مدني اردنية تقدم مطالعة قانونية حول مشروع قانون الجرائم الالكترونية للعام 2023
•يشتمل على 48 عقوبة يمكن التوقيف فيها من أصل 51 عقوبة نص عليها القانون
•يتعارض مع توجهات الدولة الأردنية في الإصلاح السياسي وتفعيل الحياة الحزبية والديمقراطية
•يحد من نقد الشخصيات العامة ويحد من المساحة المدنية وحرية التعبير عن الرأي
•يتضمن عبارات ومفاهيم فضفاضة لا تتناسب والأصول القانونية في التجريم والعقاب
قالت مؤسسات مجتمع مدني أردنية إن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023، شابه أوجه خلل من حيث الصياغة التشريعية، فجاءت بعض النصوص لتبدو مكررة ومتداخلة، وظهرت الحاجة الجلية لضبط بعض المصطلحات وتعريفها، فنطاق التجريم غير المنضبط من شأنه أن يخلق إرباكاً عن التطبيق، ويترك مساحة واسعة للانتقائية في الملاحقة أو عدم الاستقرار، مبينة أن هناك تداخلا كبيرا، وغيابا للوضوح في الأفعال المجرمة، فمتى يكون الفعل ذماً أو قدحاً وفقاً للمادة 15، ومتى يكون نشراً لأخبار كاذبة، أو متى يشكل اغتيالاً للشخصية بحسب المادة 16، فغياب ضبط المصطلحات يعني أن الأمر سيترك للمشتكي أو للمدعي العام لانتقاء الجريمة التي يرونها مناسبة، وهو ما يخالف مبدأ المشروعية.
ورصدت المطالعة تضمن القانون لـ 48 عقوبة يمكن التوقيف فيها من أصل 51 عقوبة نص عليها، في حين يعاني الأردن بشكل كبير من تفشي ظاهرة التوقيف سواء التوقيف الإداري، أو التوقيف ما قبل المحاكمة، معتبرة أن التوقيف عقوبة مسبقة، ويتعارض مع المبدأ الدستوري بافتراض البراءة.
وأشارت المطالعة القانونية التي أعدتها 14 مؤسسة مجتمع مدني إلى أنه وبعد قراءة مشروع القانون، تبيّن أن (41) مادة تضمنت (48) جريمة منها (33) جريمة جديدة لم تكن موجودة في قانون الجرائم الإلكترونية ساري المفعول، ولكنها في أغلبها كانت مجرمة في تشريعات أخرى وإن كانت بمسميات وعقوبات مختلفة.
ووضحت المطالعة أنه ووفقا لتقسيم الجرائم من حيث نوعها فقد اشتمل مشروع القانون على (8) جرائم من نوع الجنايات، و(40) جريمة من نوع الجنحة، عقوبة أشدها الأشغال المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات (من خمس سنوات وحتى عشرين سنة)، وغرامة تصل حتى (75000) دينار، وأقلها الحبس لمدة أسبوع والغرامة (300) دينار.
وانتقدت المطالعة القانونية أن مقترح القانون يأتي في مرحلة أعلنت بها الدولة الأردنية مُضيها إلى إصلاح سياسي، وتفعيل للحياة الحزبية والديمقراطية، منوهة إلى أنه لا يمكن لأي حياة سياسية أو حزبية أو ديمقراطية أن تقوم، وتزدهر دون قدرة الأفراد، والسياسيين، والمعارضين على نقد السياسات العامة، والإدارات العامة، وأداء المسؤولين في مختلف السلطات، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا في بيئة تكفل حرية التعبير والنقد، وتحمي وجود معارضة سياسية تأمن على نفسها من المشاركة الفعالة، والانخراط في حكومة ظل.
وقالت المطالعة أن مشروع القانون اعتبر أن السلطة، أو الهيئات الرسمية، أو من يعمل معها هو الأجدر بالحماية، وبالتالي وضع القانون عبء الملاحقة على النيابة العامة حتى دون تقديم شكوى، وبغض النظر عن طبيعة الخبر المسند أو خطورته، ومدى تأثيره على المجتمع أو على الدولة، أو الإدارة العامة دون النظر إلى موقع الموظف العام أو رتبته، الأمر الذي يحد من نقد الشخصيات العامة، كما وجرم إعادة النشر والإرسال على الرغم من عدم توافر القصد الجرمي في حال إعادة نشر الأخبار الكاذبة مع التحفظ على المصطلح.
وشرحت المطالعة أن مشروع القانون وضع مسؤولية الإدارة الفعلية للموقع الإلكتروني، أو الصفحة، أو أي حساب أو مجموعة عن المحتوى غير القانوني حتى لو كان تعليقاً من شخص خارجي، وهذا يرتب مسؤولية جزائية عن أفعال يقوم بها الغير، وهي تعارض مبدأ شخصية العقوبة والجريمة.
وأضافت المطالعة أن الحكومة لم تقم عند إعدادها مسودة مقترح المشروع بإجراء أي دراسة معلن عنها حول تقييم الأثر السياسي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي للقانون، مما يجعل النقاش حوله يجري دون بيانات ومعلومات كافية تسمح باتخاذ المواقف وتحديد الأولويات.
وبيّنت المطالعة القانونية أن وبعد الاطلاع على الأسباب الموجبة -كما هي واردة من الحكومة- فقد كانت لمواءمة الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات لسنة 2010، ولمواءمة المعايير الدولية، دون الإشارة إلى تلك المعايير، ولحماية الحقوق والحريات العامة والخاصة من الاعتداء عليها، وحماية الخدمات المصرفية والدفع الالكتروني من الاعتداء، منبهة أنه يفهم من الأسباب الموجبة أن القانون يجب أن يكون له صبغة حمائية تكافح الجريمة التي تقع على أنظمة المعلومات، والسعي لخلق بيئة آمنة لمستخدمي الإنترنت تسمح بتطور البيئة الرقمية، وعدم استغلالها في الجريمة المنظمة.
واعتبرت أنه لا مبرر لحالة الاستعجال التي رافقت تقديم مقترح مشروع القانون، بل إن هذا المشروع بكل ما يحمله من تداخل ما بين شبهة المساس بالحريات الدستورية، والمساس بالاقتصاد الرقمي، وتنافسية السوق الأردني عبر استخدام تقنيات المعلومات، وحول التأثير على سمعة الأردن وتصنيفه دولياً، إضافة إلى اتساع تأثيره إذ أنه قد يؤدي إلى المساس بشريحة واسعة من الأسر الأردنية، وإلى وقوع أعداد كبيرة من الأفراد في خطر مخالفته، بسبب اتساع رقعة التجريم وعدم انضباط النصوص الواردة فيه، معلقة على أن كان الأجدر بالحكومة أن تخضعه لجولات مكثفة من الحوار، وأن تقوم بتنفيذ دراسة للأثر الاقتصادي، والاجتماعي على هذا القانون، وهو عكس ما تم، إذ أن الحكومة قامت بإحالته لمجلس النواب حتى دونما مراعاة الفترة المحددة في ديوان التشريع والرأي لاستقبال الملاحظات حول التشريعات التي تنشر على موقعه.
وقالت المطالعة القانونية أن مشروع القانون يتضارب مع السياسة الجزائية والعقابية التي تتبناها المملكة، إذ أطلقت وزارة العدل، وقطاع العدالة استراتيجيات وخططاً تتماشى مع النهج العالمي للسياسات الجنائية تتضمن تبني سياسة تهدف إلى الحد من اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية، والاستعاضة عنها بعقوبات مجتمعية أو عقوبات غير سالبة للحرية بغية الحد من الاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن، حيث تخطت طاقتها الاستيعابية وهذه النقطة يجب أخذها بعين الاعتبار عند احتساب الأثر الاقتصادي لأي تشريع.
ونوهت المطالعة إلى أن مقترح المشروع الذي ركز بشكل مبالغ به على تجريم الأفعال، وتغليظ العقوبات من المتوقع أن ينتج عن تطبيقها ارتفاعاً حاداً في القضايا الجزائية، وفي أعداد الموقوفين والمحكومين بعقوبات سالبة للحرية، كما أن الارتفاع الباهظ في الغرامات سيعني أن العقوبات ستمتد بسبب عدم قدرة المحكومين الفقراء على أداء الغرامات مما يعني استبدال الغرامات بالحبس.
وأضافت أن مسودة المشروع اتسمت بالمغالاة في العقوبات سواء عقوبات الحبس، أو الغرامات المالية، ونص على عقوبات قاسية مقارنة مع الأفعال المجرمة، متضمنا النص على غرامات غير مسبوقة في القوانين الأردنية، وعند مقارنة الغرامات الواردة في القانون نجد أنها تفوق الغرامات الواردة في جرائم خطيرة مثل: جرائم الاتجار بالمخدرات، أو الاتجار بالبشر.
ونبهت المطالعة إلى أن العدالة والمبادئ العامة في التشريع تقتضي أن يكفل التناسبية بين الفعل المرتكب وخطورته على الضحية وعلى المجتمع وبين العقوبة، ويتميز مشروع القانون المقترح بأنه ألزم في الغالبية الساحقة من الجرائم الواردة فيه بالجمع ما بين العقوبة السالبة للحرية، والغرامات الباهظة، ولم يفسح المشروع للمحكمة أن تحدد العقوبة المناسبة وفق خطورة الفعل، أو الضرر، والتكرار أو الظروف الشخصية للمتهم، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ فردية العقوبة وتناسبها مع الفعل.
وأبدت المطالعة قلقها من أن مشروع القانون يزخر بمواد تقيد حرية التعبير وحرية تصفح الإنترنت بشكل يخالف المعايير الدولية، بل ويدخل القانون في شبهة عدم الدستورية، وهي مواد يشوبها العيوب المذكورة أعلاه من عدم انضباط التعاريف والمغالاة في العقوبات.
وتطرقت المطالعة إلى أن مشروع القانون المقترح تضمن عبارات ومفاهيم فضفاضة لا تتناسب والأصول القانونية في التجريم والعقاب، حيث أنها تحتمل أكثر من دلالة ومفهوم، ويمكن التوسع في تفسيرها أو تضييق تفسيرها، الامر الذي يجعل من تلك النصوص عرضة للتطبيق الانتقائي في الملاحقة الجزائية؛ ومنها جرائم مثل: إثارة الفتنة، أو النيل من الوحدة الوطنية، أو الحض على الكراهية، أو اغتيال الشخصية.
وقد اختتمت المطالعة بعدد من التوصيات، هي:
•توصية مجلس النواب بإعادة القانون الى الحكومة من اجل اعداد دراسات الأثر الواجبة، واجراء المزيد من المشاورات مع الجهات ذات العلاقة لرفع العبء عن مجلس النواب، أو رفض اسباغ صفة الاستعجال على هذا القانون، وأن يتاح لمجلس النواب الفرصة الكافية لإجراء مشاورات وطنية، وطلب تصور من كافة الجهات لمعالجة الأمور الفنية الواردة فيه،
•رفض السماح بالتوقيف وايقاع العقوبات السالبة للحرية المقيدة على أساس الحقي في التعبير وان يقوم مجلس النواب برد كافة النصوص التي تسمح بالتوقيف وايقاع العقوبات السالبة للحرية لما تشكله من خطورة في تحصين الموظف العام ومنع نقد السياسات العامة وممارسات الفساد،
•توصية مجلس الامة بشقيه النواب والاعيان بدراسة الأثر المالي المترتب في حال إقرار القانون بصيغته الحالية.
•توصية مجلس النواب برفض التغليظ المبالغ فيه في العقوبات المفروضة سواء السالبة للحرية او من حيث الغرامات.
•توصية مجلس النواب عوضا عن التركيز في التجريم التركيز على الحماية، من خلال التشاور مع الفنيين والخبراء والمختصين في مجال تكنولوجيا المعلومات بما فيها الممثلين المعنيين من وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة بالإضافة إلى الخبراء المستقلين ومؤسسات المجتمع المدني المختصة والمعنية في هذا المجال.
•توصية مجلس النواب بإعادة النظر في نصوص المشروع لغايات ضبط التعريفات لضمان المشروعية، والسماح بتفريد العقوبات.
والجدير بالذكر أن المطالعة القانونية التي أعدت شارك فيها 14 مؤسسة مجتمع مدني أردنية، وهي؛ مركز العدل للمساعدة القانونية، ومركز الفينيق، والجمعية الأردنية للمصدر المفتوح، ومؤسسة صداقة، مركز حماية وحرية الصحفيين، جمعية النساء العربيات، و"رشيد" للنزاهة والشفافية، ومؤسسة شركاء الأردن، ومؤسسة أهل، ومركز عدالة لحقوق الإنسان، وجمعية اتحاد المرأة ، وجمعية تمكين للمساعدة القانونية ، وجمعية الحقوقيين الأردنيين، ومركز ارض السلام للتنمية وحقوق الإنسان.
•مرفق المطالعة قانونية حول مشروع قانون الجرائم الالكترونية للعام 2023