ويرحل عام 2019 ويحمل معه كثيرًا من الأحداث والأمنيات والذكريات، ومن كان بلا ذكريات فهو أساسًا بلا وطن، بلا تاريخ، بلا تفاصيل، بلا ناس! كل الأماكن تحتاج ذاكرة رخامية تستوعب الزمن و ملامح وجوه العابرين!
قبل بداية العام الجديد البعض يستعد للسفر ليعد من عشرة إلى واحد حيث تشير الساعة إلى الثانية عشرة ودقيقة، والدقيقة تسجل للعام الجديد2020 وبعدها ترتفع الأصوات والتصفيقات احتفاءً بقدومه ويتبادلون التحايا والأحضان، فكل عام والجميع بخير في كل بقاع الدنيا.
اعتقد انني في اليوم الأول من عامنا الجديد ليس لدي مشاوير، ولا أعلم أين تكون أول الدروب وآخرها، آخر القصص والحكايات، آخر القصائد و الأغنيات، آخر فناجين القهوة والمقالات… ولا أعلم في أي منعطف من الطريق أضعت الشخص الذي كنته.
في العام الجديد سأبقى في مدينتي التي تقع في أقصى الشمال، وسأقول لها: "أنتِ حبيبتي " كنتِ وما زلتِ أنت فقط من تخطف الأضواء من المدن، ومن كل العواصم.
وسأهمس في أذن هند: "أنت يا هند" فقط ابتسامتك تضيء لي دهرًا من الزمان!
وسأقضي ساعات أناجي عامنا الراحل وأقول له:
أيها الراحل بكل ما فيك، لن أعتب عليك؛ لأنك مررت في حياتي ضعيفًا، ولأن الدنيا لم تغريني كما أغرتك، أيها العام الراحل، لا نريد الدخول في العام الجديد مستسلمين؛ كي لا نستأنف الحكاية من جديد، ولا نريد الخروج؛ كي لا تبدأ قصص الغياب!
أيها العام الراحل، لقد آلمني الرحيل فأعرني قلبًا لا يأبه بمواسم الهجرة والخريف، أتحصن به لمواجهة عامي الجديد، فأنا أعاني من حنين يسكنني لرؤية أمي، واحتضان ابني الراحل منذ أعوام، وكل الأشياء التي أحبها تشتاق لمسة أمي وضحكات ابني.
هذا الصباح من العام الجديد، أشتاق لثلاثة أموات، دفنوا في ثلاث مقابر، في مدن مختلفة! فأصدق ما نكون عليه عندما نحب الأموات.
في هذا الصباح من عامنا الجديد هبني يالله مدد رحمتك وعفوك، وامنحني الأمنيات، أبقني غرسا في حدائقك، ودعني أعيش الحلم حين يتحول إلى حقيقة. وإن حل المساء لا يهمني إن حان القطاف؛ فأنا من تلحف طويلاً بالوعود، كبذرة نمت حتى شقت تربتها، لتقول: إن كنتم بالوعود تدثرونني فأنا بالصبر وحسن الظن بك علموني، فتلحفت أعوامًا بأمنياتي. فالصدق في قاموسي أن تفي بالوعود التي لم تعد تؤمن بها .
في هذا الصباح لملم عامنا 2019 أطراف ثوبه، منذ مساء الأمس، عند الثانية عشرة، وغادر أزمنتنا. والطيور لا تملأ سكون لياليه بنغمات الهجرة في سباق مع الأيام، فالشتاء يمنعها، والبحث دوما عن الدفء يستحق كل هذا الرحيل، وأنا وفي فرحة قدوم 2020 أهاجر ككل الطيور المهاجرة؛ أبحث عن القلوب الدافئة، وبالتأكيد البوصلة تتجه دائما إليك يا وطني .
متعبة الحياة، نهاري ضجر ،أقضيه انتظارا ، وإذا حل المساء، أدثر حلمي بآخر أمنياتي التي رحلت للعام الجديد. مضت أعوام عديدة، أعوام للبكاء الذي لا دموع له! أعوام للكلام الذي لا صوت له! أعوام للحزن الذي لا مبرر له! للمفكرات الفارغة، والأيام المتشابهة البيضاء! أعوام للحماقات وأخرى للندم! للعشق وأخرى للألم! و أعوام للترقب وليال للأرق، وساعات طويلة للضجر! ومضت أعوام لا علاقة لها بالفصول!
يا عامي الخجل، والحزين الفرح، أودعك وداعا لا لقاء بعده
فوداعا 2019، إن لم يكن لفراشات الحرف قنديل مساء !!
وداعا إن لم يكن لأشعة الشمس خيط يكلل عتمة المساء، وداعا إن لم يكن للروايات نهايات تجمعنا !
وداعا إن لم يكن لأحلام الطفولة بقية !
وداعا إن لم يكن لحلم الطباشير بقية !
وداعا أيتها الدروب إن لم تقبل قدمي ثراك
يا وطني !
وداعًا وليس من المؤسف أن أنام جائعًا؛ فهنالك من ينام جائعا بلا أمل .
وداعا وأنا تلك الفتاة التي تعترف لك بأن هناك فقط مكانين قد يفقداني (أنا )
وطني حيث تولد الجاذبية! وقبر أمي وأبي وابني حيث تنعدم الجاذبية .
الحب : مغفرة ، الحياة : معبر، وأنا : حلم .
كل عام وأنتم بخير ،،،،
بقلم الدكتورة .. فصل عيد الحامد/ المملكة العربية السعودية