لم يُوفّق وزير الصحة بما قدم من تبريرات في مسألة وفاة طفلة البشير -أعان الله والديها وألهمهما الصبر وقد شاركهما الجميع أحزانهما-؛ كان همّ الوزير الدفاع عن سياسة وزارته وكان عليه أن يعلن الحقيقة المأساوية التي يعيشها القطاع العام الصحي، حتى لو كلفه ذلك الاستقالة، وليس بالمشاركة غير المباشرة، بالقاء اللوم على أطباء يعملون وسط ازدحام شديد للمرضى المراجعين ونقص بالأسرّة طالما تسبب بمآسي من قبل.
هناك فرق بين تقصير الطبيب في بيئة صحية تمنحه الوقت في التشخيص والمعالجة وبين بيئة تنهك جسده وعقله "حتى ينعمي ضوه”. لقد رأينا في جائحة كورونا كيف استُدعي الأطباء إلى مستشفيات الحكومة بـ ١٨٠ دينارا شهريا، إنها بيئة طاردة لكل الكفاءات الطبية من كافة الاختصاصات. أما أعضاء اللجنة الصحية من النواب فلم يجدوا غير الوزير لكيل التهم له، طلبا للشعبية، بدل أن ينظروا بمسؤولية وجدية في وضع صحي كارثي، ناجم عن ندرة الكفاءات الطبية والمعدات الحديثة في المراكز الصحية والمستشفيات. عليهم أولا أن يراجعوا مواقفهم بمنح الثقة على بياض لحكومات اهملت في موازناتها القطاع العام الصحي وافرغته من الكفاءات، وجعلت أطباءه يعملون بأجواء عمل لا تليق بالبشر من ناحية استغلال الطبيب بجهد يفوق بكثير طاقته العلمية والجسدية، كما لا تليق بمرضى لا يملكون ثمن علاج عائلاتهم وأبنائهم.
إذا استمر هذا الظلم الحكومي والنيابي النازل على رأس الاطباء والممرضين دون الاشارة إلى السبب الحقيقي وهو فشل السياسات الحكومية في توفير البيئة العلاجية الصحيحة للأطباء والممرضين والمرضى، والتغاضي عن وضع كل فلس في الموازنة تحت المجهر، فإن النزوح الطبي والتمريضي إلى خارج البلاد سيستمر، وقد يأتي وقت لا يرسل فيه الآباء أبناءهم إلى كليات الطب حتى لا يخسروهم في ظل الاتهامات التي تحولهم إلى مجرمين بينما المجرمون الذين دمروا القطاع الصحي كما دمروا من قبل قطاع التعليم الحكومي، إنهم المسؤولون عن خصخصة منفلته أهدرت المال العام وأفقرت البلد ووضعت موازنة الدولة بمواجهة جدار مسدود لا عمل فيه للحكومات إلا جباية الضرائب والاقتراض لصرف الرواتب لا غير.
متى نرى النواب يشتبكون مع الحكومات وينجحوا باسقاطها، إذا استحقت، وكفى بعادة محاسبة الوزير وترك الحكومة، فالحكومة تسمى مجلس وزراء، ورئيسها يرأس مجلسا متضامنا في قراراته وسياساته، فالتهم بالتقصير يجب أن توجه للحكومة ككل وليس للوزير.
لقد مللنا من هذه الأساليب يا ساده يا نواب، يا من بيدكم وحدكم في الوطن من يملك القدرة الدستورية على تحويل المحاسبة إلى فعل و ليس إلى "هجيني”. أم أنتم لا زلتم تخشون من أنه إذا رحلت الحكومة "بتروحوا