الأردن نموذج ريادي في طب الأسنان الرقمي

{title}
راصد الإخباري -



عمان 3 كانون الأول - 
يبرز الأردن كأحد أبرز الدول إقليمياًفي تبني وتطبيق طب الأسنان الرقمي، حيث تشهد المراكز الخاصة والعيادات الحكومية على حد سواء انتشاراً واسعاً لتقنيات المسح داخل الفم، وأنظمة التصميم والتصنيع المحوسبة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، مما يؤكد مكانة المملكة كنموذج ريادي يواكب التحولات العالمية في هذا القطاع الصحي الحيوي.

وأفاد أطباء مختصون بأن طب الأسنان الرقمي يمثل نقلة نوعية جذرية مقارنة بالأساليب التقليدية، حيث يقوم على مسار رقمي متكامل يضم التشخيص والتخطيط والتصميم والتنفيذ في إطار واحد، ما يسهم بشكل مباشر في رفع مستوى الدقة السريرية وتسريع وتيرة إنجاز التعويضات والتركيبات السنية، وتعمل كليات طب الأسنان في الجامعات الأردنية بشكل متواصل على إعداد جيل جديد من الأطباء مجهز بمهارات رقمية متقدمة، من خلال تطوير المناهج التعليمية وتوفير التطبيقات السريرية الحديثة التي تعكس متطلبات العصر.

وبين الأطباء أن اعتماد المسار الرقمي يلغي العديد من الخطوات اليدوية المعقدة، مما يؤدي إلى تقليل الوقت الإجمالي للعلاج وخفض التكاليف على المريض، بالإضافة إلى رفع معدل دقة النتائج النهائية وتحسين تجربة المريض ورفع مستوى راحته خلال جميع مراحل العلاج.

وقال مدير مديرية طب الأسنان في وزارة الصحة، الدكتور أيمن النعيمات، إن الأردن يحتل موقعاً متقدماً على الصعيد الإقليمي في مجال طب الأسنان الرقمي، وذلك نتيجة للانتشار الواسع للتقنيات الحديثة في المراكز المتخصصة، حيث تعتمد الغالبية العظمى من العيادات الخاصة على استخدام الماسحات الفموية الدقيقة، وتقنيات التصميم والتصنيع بمساعدة الحاسوب، والطباعة ثلاثية الأبعاد في تصنيع التركيبات السنية بدقة عالية تلبي أعلى المعايير العالمية.

وأضاف أن القطاع العام لا يقل تقدماً في هذا المجال، حيث تبنى أحدث التقنيات في مجالات متعددة مثل جراحة الفم وزراعة الأسنان، مما ساهم في تعزيز دقة التخطيط العلاجي ورفع جودة المخرجات الصحية، كما أن الجامعات الأردنية الرسمية تواكب هذا التحول الرقمي من خلال إدماج المهارات الرقمية ضمن خططها الدراسية وتعزيز جهود البحث التطبيقي، بهدف إعداد كوادر طبية مؤهلة وقادرة على مواكبة متطلبات التطور التقني المتسارع.

وأوضح الدكتور النعيمات أن طب الأسنان الرقمي يختلف اختلافاً جذرياً عن النهج التقليدي، حيث تبدأ العملية بفحص المريض باستخدام ماسحات فموية ثلاثية الأبعاد وأجهزة الأشعة الرقمية عوضاً عن الاعتماد على القوالب الجبسية التقليدية، ثم تنتقل إلى مرحلة التصميم باستخدام برامج حاسوبية متطورة، وصولاً إلى مرحلة تنفيذ التعويضات السنية بدقة فائقة، كما يشمل هذا التحول مجالات متقدمة مثل زراعة الأسنان، مما يمكن الأطباء من التخطيط المسبق الدقيق لمواقع الزرعات السنية باستخدام نماذج محوسبة، وهو ما يقلل من المخاطر المحتملة ويزيد من معدلات الأمان والراحة للمرضى.

وأشار إلى أن الأسلوب التقليدي، على الرغم من أهميته التاريخية وقيمته في بعض الحالات السريرية الخاصة، إلا أنه يعتمد في الأساس على المهارة اليدوية للطبيب أو الفني ويستغرق عادة وقتاً أطول، في حين يوفر النظام الرقمي نتائج أسرع بكثير مع درجة أعلى من الدقة والثبات.

وبين أن وزارة الصحة تعمل بشكل منهجي على تطوير البنية التحتية الرقمية لطب الأسنان، وذلك من خلال ربط العيادات السنية التابعة لها بنظام السجل الصحي الإلكتروني الموحد، وتعميم استخدام الأشعة الرقمية والصور التشخيصية ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى إدخال تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد والتخطيط الجراحي الافتراضي ضمن الخدمات المقدمة.

ولفت إلى أن البنية التحتية التقنية في العيادات الحكومية تعتبر جيدة، لكنها بحاجة إلى تطوير تدريجي مستمر لرفع مستوى جاهزيتها التقنية ومواكبة أحدث التطورات، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد استثمارات إضافية مخصصة لتحسين وتحديث المعدات الرقمية، وضمان مبدأ العدالة في الوصول إلى هذه التقنيات المتطورة في جميع المحافظات والمناطق.

وأكد الدكتور النعيمات أن الوزارة تنفذ باستمرار برامج تدريبية متخصصة ومكثفة للكوادر الطبية العاملة في القطاع العام، وتشجع بشدة على التعليم المستمر في مجال التحول الرقمي لطب الأسنان، مشيراً إلى أن التقنيات الحديثة لا تساعد فقط في تقليل زمن الإجراءات العلاجية وتحسين تنظيم جداول المواعيد، بل تمكّن أيضاً من تقديم استشارات طبية عن بُعد، وهو أمر بالغ الأهمية للمرضى في المناطق النائية والريفية.

وتوقع أن يشهد العقد المقبل توسعاً كبيراً وملحوظاً في استخدام تقنيات الرقمنة والذكاء الاصطناعي في حقل طب الأسنان، مما سيعزز من دقة التشخيص وسرعته، وسيحسّن بشكل كبير من تجربة المريض الشاملة من البداية حتى النهاية.

من جانبه، قال استشاري الاستعاضات السنية في جامعة العلوم والتكنولوجيا، الدكتور زياد الدويري، إن التطور التكنولوجي المتسارع خلال السنوات الأخيرة قد أحدث نقلة نوعية غير مسبوقة في مجال الاستعاضات السنية، الذي كان يعتمد في السابق بشكل شبه كامل على المهارة اليدوية للفنيين ويتطلب وقتاً طويلاً للإنجاز.

وأوضح أن المختبرات السنية قد انتقلت بشكل فعلي إلى مرحلة العمل الرقمي المتكامل، الذي يشمل عمليات التصوير والتصميم والتصنيع والطباعة ثلاثية الأبعاد، وبدأت في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما أسهم بشكل مباشر في رفع مستوى دقة التركيبات السنية وتحسين مظهرها الجمالي ليكون أقرب إلى الشكل الطبيعي للأسنان.

وأشار الدكتور الدويري إلى أن تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد تُعد من أبرز الركائز التقنية الحديثة، حيث ساهمت في إنتاج نماذج رقمية دقيقة جداً، وفي صناعة التيجان والجسور المؤقتة، وكذلك في تصنيع أطقم الأسنان الكاملة والجزئية ذات المواصفات العالية من حيث الصلابة والتوافق الحيوي مع أنسجة الفم.

وأضاف أن استخدام القوالب الجراحية الموجهة في عمليات زراعة الأسنان قد حسن بشكل كبير من دقة الإجراءات الجراحية، كما أن تقنية الحواجز الشفافة أتاحت إنتاج الأقواس التقويمية بكفاءة أعلى وجودة أفضل.

وبين أن تقنية المسح الرقمي داخل الفم قد حلت بشكل شبه كامل محل طريقة الطبعات التقليدية المزعجة للمرضى، ورفعت بشكل ملحوظ من مستوى الدقة التشخيصية ومن راحة المرضى أثناء الفحص، كما أن تقنيات التصميم والتصنيع بمساعدة الحاسوب مكنت المختبرات من إنتاج تركيبات سنية معقدة وعالية الدقة خلال وقت قياسي قصير.

وأشار إلى التطور الكبير الحاصل في نوعية المواد المستخدمة في الصناعة السنية الرقمية، مثل مادة الزركونيا متعددة الطبقات، والليثيوم ديسليكات، والمواد المهجنة الحديثة، والراتنجات المتقدمة، بالإضافة إلى المعادن التي يتم تصنيعها عبر تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد أو الطحن الرقمي الدقيق.

وأكد الدكتور الدويري أن تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي أصبحت أدوات أساسية لا غنى عنها في تدريب وتأهيل فنيي الأسنان، وفي شرح الخطط العلاجية المعقدة للمرضى بطريقة مبسطة، وفي محاكاة الإجراءات الجراحية الدقيقة قبل تنفيذها على أرض الواقع، مما يزيد من نسبة نجاحها.

من جهته، أوضح مدير مختبر الحسنات، هاشم المقداد، أن صناعة الأسنان الرقمية قد انتقلت بشكل كامل من مرحلة الاعتماد على العمل اليدوي المباشر إلى مرحلة أنظمة الإنتاج المعتمدة كلياً على الحاسوب والتقنيات الرقمية، مما رفع بشكل كبير من مستوى الدقة في التصنيع وسرعة إنجاز الطلبيات، مشيراً إلى أن تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد أصبحت ركيزة أساسية تتكامل بشكل وثيق مع عمليات المسح الرقمي.

وبين المقداد أن عملية التصميم الرقمي تبدأ من استلام الحالة الطبية للمريض، سواء عبر طبعات رقمية مباشرة من الماسح الفموي أو طبعات تقليدية يتم تحويلها إلى صيغة رقمية، ثم يتم تصميم التركيبة المطلوبة باستخدام برامج متخصصة وعالية التطور مثل "ExoCAD" و"3Shape"، موضحاً أن هذه الأنظمة الذكية تقلل من هامش الخطأ البشري وتختصر بشكل كبير عدد جلسات العلاج المطلوبة.

وأشار إلى وجود بعض التحديات التي تواجه عملية تبني هذه التقنيات الحديثة على نطاق أوسع، وأبرزها صعوبة التكيف والتأقلم لدى بعض الأطباء والفنيين المعتادين على الأساليب التقليدية، مما يستدعي توفير تدريب متخصص ومستمر لضمان جودة النتائج النهائية، مؤكداً أن دقة عملية المسح الرقمي الأولي تلعب دوراً حاسماً ومحورياً في نجاح كامل العملية السريرية والصناعية اللاحقة.

ونصح المقداد بضرورة دمج المهارات التقليدية الأصيلة مع المعرفة الرقمية الحديثة، مشيراً إلى أن دور فني الأسنان في المستقبل القريب سيتجه بشكل متزايد نحو الإشراف على عمل الأنظمة الرقمية والتحكم في معطياتها، بدلاً من القيام بالتنفيذ اليدوي المباشر كما كان في السابق.

ويشهد مجال طب الأسنان على مستوى العالم تحولاً رقمياً متسارعاً وغير مسبوق، جعل من مصطلح "طب الأسنان الرقمي" ركيزة أساسية لإعادة تشكيل مستقبل الرعاية الصحية الفموية على مستوى العالم، وذلك بفضل التقنيات الحديثة المتطورة والمواد ذات المواصفات العالية والإجراءات السريرية المبتكرة التي توفر خيارات علاجية وجراحية أكثر دقة وكفاءة وأماناً للمرضى في كل مكان. راصد و بترا