الصحفي غازي العمريين

{title}
راصد الإخباري -


إلى من كتب بالحبر والوجع… وغاب في تضاريس الطفيلة .. إلى روح والدي، الأستاذ والصحفي غازي العمريين

في هذا اليوم، تعود ذاكرتي إلى رائحة الحبر وصوت الآلة الطابعة… إلى رجلٍ علّم أجيالاً أن الكلمة شرف، وأن الصدق مهنة، وأن الصحافة موقف قبل أن تكون عملاً.

أستعيد أبي، المعلّم والصحفي، الذي كتب عن الطفيلة كما يكتب العاشق عن وجهٍ يحبه؛ عن ناسها وتعبهم، عن ترابها وأحلامها، تاريخها وإرثها، عن بسطاء وجدوا في قلمه صوتاً وعدلاً وسنداً.

وأستعيد—قبل كل ذلك—حنانه الذي لا يُنسى… ذاك العطف الأبوي الذي كان يخفّف عني دون أن يتحدث، وتلك النظرة التي تسند القلب أكثر مما تسنده الكلمات، كان يحمل همومنا بصمت، ويتعب قلبه من أجل راحتنا، ويرى الدنيا بعيوننا قبل أن يراها بعينه. 

لم يكن طريقه سهلاً .. فكان يحمل وجع الناس على كتفيه، ويصلح بين القلوب قبل أن يكتب عنها، عاش بسيطاً، نبيلاً، قريباً من كل بيتٍ مرّ فيه، وترك أثراً لا يُنسى في تفاصيل الناس وفي ذاكرتهم.

أتذكره فجراً، يسبق الشمس إلى الجريدة .. يراجع نصه كأنما يراجع نبض قلبه، وأتذكر طفولتي في مجمّع الباصات، حيث كان يرسل الأخبار إلى عمّان في مغلّفٍ صغيرٍ يحمل صدق الكلمة ونقاء القلب، كان يحتفي بكل تطور جديد—من الفاكس إلى الكمبيوتر—كأن التقنية جسرٌ آخر يقوده نحو الحقيقة.

رحمك الله يا أبي .. كتبتَ حتى أضاء القنديل، وبقي نورك بعد رحيلك، وغيابك لا يزال يهزّ الروح كلما مرّ هذا التاريخ، فحين يرحل الأب، لا تموت الأشياء فحسب، بل يتغيّر معناها كذلك، ويبقى العطف الذي منحنا إياه طريقاً نهتدي به حين تتوه الخطى.

كتبه ابنك أيمن، وفاءً لذكراك.

20 نوفمبر