مديول و مشايل ... مجد منصور بن طريف
راصد الإخباري -
اهٍ من القلم... وآهٍ من حروفٍ تتناثر بين أوراق الكتب ومستندات ووثائق الشرف، كأنها تبحث عن قلبٍ يحملها إلى ماضٍ لم يمت.
بين سطور التاريخ يقف اسمٌ تهابه الريح .. الشيخ والفارس الشامخ الشجاع (( منصور بن طريف)) ، الفارس الذي واجه الموت مبتسماً، كأن المشنقة عرشٌ من نخوةٍ يُتوج عليه.
(( فارس الطولات وفارس الهية ))
كانا نشاهد عمر المختار حين سار بثباتٍ نحو حبل المشنقة اصابنا الفخر والحزن عليه ، غير مدركين أن عندنا اشجع واجزل ايضا من المختار، وقف هناك شيخ طود حيد ، ((الشيخ منصور بن طريف )) رافع الرأس حين سلم نفسه للاتراك فداء ... و يقول:
أنا فِدا لأهلي وفدا للكرك ... أنا فِدا لبني حميدة.
ومنذ تلك اللحظة، ما عاد الصدى في شيحان وذيبان كما كان؛ فقد امتلأ ب هدير الذلول مديول، الذي ظلّ صوته يهيم بين الوديان، كأنه نواح الأرض على فارسه ، أو نشيده حين يتذكره.
يقولون الشيخان إذا سمعوا الهدير والريح تعبث بالرمال
هذا صوت مديول، ذلول ابن طريف، ما خمد بعده الهدير.
حقا تلك القبيلة، بنو حميدة، التي إن خاصمت تماسكت، وإن ثارت اجتمعت، وإن دُعيت للذود هبّت كالسيل من أعالي الموجب حتى بطاح مادبا...
جمعهم في الكونات والحرايب كجمع السيوف في غمد واحد، لا يُكسر إلا في سبيل المجد...
ولم تكن فداوى ابن طريف كلمة عابرة... كانت وعدًا.
قالها حين علت سحب الموت ..
(( وقفت و مديول .. للموت والنية سناها وفا
ما هِزّني خوف ولا خوّف عدوّي يرودْ
قلت افدا بني حميدة وارضهم ما طفا
نار الفخر دوم تبقى وسط كل الجلودْ ))
((( أنا من روس الشيخان، وأقلط للموت فِداكم )))
ومن بعده، صارت الفزعات بني حميدة وبن طريف تُروى كالأساطير، لا تُكتب، لأن حروفها تئن من ثقل الموقف، ولأن مشايل الي نخت بن طريف وربعها ابن غوث كانوا نيرانًا تمشي على الأرض، يردّون الكلمة بالفعل، والثأر بالكرامة.
ما انتهت حكاية ابن طريف اخو مشايل .. يوم شدّوا الحبل، في ساحات دمشق من قبل الاتراك الاخسة..
بل بدأت هناك، تحت نياح وهدير الذلول مديول وصوت الريح.
فمن بعده، قامت فزعاتٍ بني حميدة تردّ الهيبة وتكتب التاريخ بحدّ السيوف...
ركبوا على خيولهم مثل الغيم إذا هبّ،
والصوت يدوّي في السهل والوادي
يا بني حميدة... يا وجيه العرب... هذا وعد بن طريف لا يضيع
اندفعوا لا يريدون غنيمة ولا جاه،
يريدون أن تبقى الراية مرفوعة،
أن لا يقال يومًا إن فارسهم بن طريف مات سدى.
ومن فوق تلال شيحان،
ارتفعت نيرانهم في الليل كأنها نجومٌ للأرض،
والهواء يمشي ومعه صدى ابن طريف ...
وعادت الخيول لذيبان مع الفجر،
تحمل الغبار على ظهورها، وتحمل الفخر في أعناقها،
وكأن التاريخ نفسه يسجّل بخطٍّ من نار ...
منصور بن طريف ما مات...
ترك رجالًا تمشي على أثره،
وترك حميّةً ما تنطفي ولو طال الزمان...
رحم الله الشيخ الفارس الطود منصور بن طريف
وفرسان بن طريف وفرسان بني حميدة
وادخلهم فسيح جناته
حارس الكلمة وكاتب السنديانات
قدر المجالي







