ترتحل المفردات في نص عربي بين المحرابي في اليمن، وعرجون في الجزائر،
ولا تقف عند سيدة الفن بشنق، في بيروت، بل تتعداها لاستلهام الادب في دمشق مع العبقرية هيفاء، لتطوف بالكلمة والتعبير عواصم واكناف،
وفي عناقيد الحنين، كتبت فيها الشاعرة
عائشة المحرابي، من روعاتها وقالت
مُنذُ شَوقينِ ولهفَةْ .
تعلقْتُ بساريَةِ الرَّجاءْ..
بَيْنَ فرحَةٍ وحسرَةْ..
يتلفَّتُ القلبِ
يمْنَةً ويُسرةْ ..
وبينَ مَوعدينِ وصُدْفَةْ..
حَمَلَني طائرُ الشَّوقِ إليك ..
ذاتَ حنين..
يفضْفِضُ عواطفي وريشَ
ذاكرَتي ..
بَرعَمَ اللقاءُ مواعِيدَ غرامْ..
وعناقِيدَ سلامْ..
أزهرتْ على شفاهنا جنائنُ
الكلامْ..
ومدائنُ الأحْلامْ..
تسلَّقَ اللبلابُ أعناقَنا
ارتعشَ الياسمينُ بينَ أصابِعنا
وأسدلَ الظِّلالَ فوقنا يمامتانِ وسعْفَةْ..
ومُنْذُ شوقينِ ولهفَةْ..
أتوقُ إليك
اشتاقُ لتضاريسِ نبضكْ..
تسافِرُ في ثنايا الثواني ..
وفي حنايا كَياني ..
اشتاقُ لمَوجِ حنينك ..
يتدفَّقُ في أرخبيلِ دَمِي
أتوقُ للسَّفَرِ في ضِياءِ عَينَيك..
وللرقصِ على إيقاعِ ظنونك..
اشتاقُ لجنُونِكْ.
وللمحرابي نص شعري ٱخر بعنوان وداع، تقول فيه
وارتدى نبضي ثوبَ الألم
افترقنا دون وداع
نحملُ الذكرى في حقائبِ صمتِنا
ومنحنا أصواتَنا للريح
تجمدَ في كلماتِنا الشعور
فما عادَ في حروفِنا وصال
لا الصفحات عادت تجمعُنا
وما عاد في أكوابِ أمسياتنا سُكّر
وما عاد البحرُ يمازحُنا
غادرنا دفءُ الحنين
فلا الوفاء قادرٌ على لملمةِ الجراح
ولا الشوقُ يذيبُ هذا الجليد
مشينا .. كلٌ في طريقهِ بلا اتجاه
وكتبَ الرحيلُ خطواتِنا
بلا وداع
ونقلت الفنانة التشكيلية سهام بشنق من لوحة "الخروج عن القطيع" -للفنان البولندي توماس كوبيرا، وفيه
توضح حجم الصراع الذي يعاني منه الفرد، لحظة خروجه من المسار الذي يرسمه "العقل الجمعي"
هنا القطيع عبارة عن ناس كلهم شبه بعض .. نفس الملامح الغائبة ونفس الأحجام ونفس التوجه .. الفنان هنا يقصد انهم يفكروا ويتصرفوا بنفس الطريقة لدرجة ان تمايزهم الشخصي تاه واختفى وسط القطيع حتى ان القطيع نفسه مصنوع من الثلج يعني متجمد متصلب وبارد .. خالي من الحياة وخالي من المشاعر كناية عن توقف نموهم الفكري... أما الشخص اللي بدأت تظهر له ملامح مستقلة وبدأ يتشكل له جسد مغاير للقطيع، وبدأت حرارة الحياة تدب في جسده كأنه لهب مشتعل فى سماء العتمة بمعنى إنه قرر أن يكون له فكر و رأي وسلوك مستقل .. وقرر أن ينعتق ويتحرر من سطوة القطيع لكن هذا الشخص مشكلته اكبر وهي ان القطيع لن يسيبه في حاله بسبب تمرده الصارخ فى معاناته محاولاً السباحة ضد التيار لهذا القطيع سيحاول ما في وسعه ان يرجعه ويقطع في جلده و يجمده مرة ثانية ويشده بعنف ناحيته.
وكتبت الفنانة بشنق على منصة السلع قصة من جاء لسقراط ليقول له بحماس شديد :
هل تعرف ما سمعته أخيراً عن أحد تلاميذك؟!
أجابه سقراط : قبل أن تتكلم أريد أن أجري عليك اختباراً بسيطاً وهو اختبار "مصفاة المثلث".
سأله الرجل مندهشاً : وما هو هذا الإختبار العجيب؟
أجابه سقراط : هو اختبار يجب أن نجريه قبل أن نتكلم، سنبدأ في تصفية ماسوف تقوله.
أول مصفاة اسمها الحقيقة هل أنت متأكد أن ما ستقوله لي هو الحقيقة؟
قال الرجل لاٰ لست متأكداً، أنا سمعته من.....
قال سقراط حسناً، إذاً أنت لست واثقاً إن كان الأمر صحيحاً من عدمه. فلننتقل إلىٰ المصفاة الثانية وهى مصفاة الخير هل ما ستقوله لي هو للخير؟
فأجاب : لاٰ بل علىٰ العكس.
أكمل سقراط حسناً تريد أن تقول لي خبراً سيئاً حتىٰ وإن لم تكن متأكداً من صحته؟ ومع ذلك فسوف نجرب المصفاة الأخيرة وهى مصفاة الفائدة هل ما ستقوله لي سيعود علي بالفائدة؟
أجاب الرجل في خجل لاٰ ليس له فائدة.
ختم سقراط الحديث بقوله إذاً مادام ماتريد أن تقوله لست متأكداً من حقيقته، ولاٰ هو للخير، وليس له فائدة، فلماذا تريدني أن أسمع.
وفي مقال لها، كتبت الاديبة الجزائرية مريم عرجون مقالا عن الاستقلال والتحولات في البلاد جاء فيه
الخامس من جويلية مراسم لنقطة سوداء:
مواسم الفرح كبيرة في كل شيء هي نشوة حضور الحلم المبهرج من عالم آخر، وأحياناً هي رحلة مراسم لنقطة سوداء مظلمة، هدرت الكرامة، وصادرت الإرادة، واِستباحت الإنسان، والعرض، والأرض، فاِزدادت جرعة الاِنتماء للوطن، وبكامل عنفوان الرجولة لعظماء صنعوا التاريخ، إنه الحرف الثائر لا يرحم، كتب وسيكتب عن حبل النزاهة، والمصداقية لأبناء الأم الرؤوم الذين ضمتهم بين جنباتها، فبقيت الملاذ الآمن الذي تأوي إليهم أرواحهم عبر التاريخ، هذا التاريخ الذي يعيش فينا بروح جديدة في كل تقارب زمني أبدي، و من أرشيف وهج الماضي ووسط اكتظاظ الكون نخطف ذكرى قيد الإقامة الجبرية بين إحياء عيد شهداء، وعيد اِستقلال، ذكرى تتجلى في إعادة شحن الهمة لحمل لواء الوطن، ومواصلة إرساء أركان الديمقراطية، وحماية المنظومة السامية، ورفع اِسم الجزائر عاليا على درب المجد، والفخار بأسراب شهداء الجزائر، النموذج العربي الأصيل، سرقوا الصحوة، رسموا الدرب، ووهبوا غفوة، استفاق بعدها دَوِيّ الغاضبين، عادوا إلي الصِراط مهرولين بروح الصمود دون وجل، الفرسان المثقلين بالأحلام المقصوفة، أهلوا على الوطن بالتراب المبلل بالدمع، اِستيقظوا بطوابير يتدفقون سيلا بدمائهم، فضحكت الجزائر العبوس، قهقهت، وتمرغت في رمال ساحلها، تصدح ضحكاتها لتصنع تاريخها، تردد الصدى في أفاق السماء، تعانقت حينها الصواعق، وهدهدت نفوسهم، نفضت الغبار المالح عن وجوههم الكالحة، وسلمت كل واحد منهم بندقية، ووردة، وقبلة، أسود لملمت أخبار الموت، وتهيأت لحب آخر قبل القصف لشهادة وقِبلة، راقبوا خُطا الهَلاَكَ بين قصف، وصوت يلم الكون في حضن من الجزع، والدمار، و بيقين جاهدوا وَسَط أوجاعهم ليمزقوا ذلك الكائن الشوكي الأسود، واستخرجوا الآهات من الحناجر ، فلم يدينوا بالعدم واجهوا الموت غاضبًا مًبًاغثًا ليهتفوا للعلم، والوطن بكرم، وسخاء، وفي محيطهم الضيق الواهن المشحون بالألم اِلتقطوا نفايات الاِستعمار الذي راح يلهث فوق المشهد الواقعي حين فجروا الثورة، و دونوا تاريخ الجزائر خلف أكتافهم لنضال شعب رفضوا حدوداً يرسمها الاِحتلال مرقصا يباع فيه عرض وطن طاهر الإزار، زحفوا من أعالي الجبال رمزُ الإباءِ كالأَحْقَافِ، بَارَوا الشهادة لهفةً لجنة الرحمان، كان زلزال ساحق في التاريخ لإرهاصات، و مخاضه وطنيةٌ، أيقظت قلباً للثوار نابضاً، أشعل ثورة الأحرار، شطرت الكون بعاصفة كسوف فصارا رمادا أحمرا روى الأرض بدم زكي لشهداء الجزائر المتخثر بفائض القوة، والأبدية الهوجاء، والثقة الزائدة بالخلود، أسود قلبوا موازين قِوَى العالم في كسر أسطورة فرنسا، انهم معجزة المقاييس العسكري الدبلوماسي الباسل، و زُمْرَة من الترف الفكري للرجال باسلون الذين لم يخرجوا من باب الملَةّ مذمومين، ولم يخرجوا من الباب الخلفي للوطن، لديهم من علو الهمة فخرجوا من مخاض أم عذراء لا تلد إلا الحياة، انها الجزائر عروس الحب، و زينة الحضارات النافِرة مزجت بها جنات العبير المنثور فأنجبت أنبياء كصرخة الرعد نبضت عروقهم أُنَفَة، وعزا،، نزفوا نبيذا على ثرى وطن تحول الدم لرجل ثائر لا يأبى الانصياع حين تلطخ رداءه بالطين تارة، وتارة أخرى بالدم، فلم يتحمل الرجس، وطرح عنه قذارته، واِرتدى الأبيض المتجدد لما أقام الجزائر، رجال لم يخذلوا تاريخ أمة، سحقوا الموت سحقاً هَطّال بإعصار من مارج من نار، وكانت السماء والأرض شهود، لفرسان كَسَاهم الرَّبُ دِيبَاجَ رَوْنَقٍ وحسن حين سُرِّجَت خيولهم بالعزة، والكرامة، وعبق أرضها فَرضَ ضَريبةَ نُسِجَتْ بدماء مليون ونصف المليون شهيد الذي يتغنَّى تاج من محيا الرب، زبرجد أخضرا ساح بنفسجا على رأس عروس الحب و المدائن، كَوكبٌ ذُرِيٌ بحُسْنِهِ الأَخَاذْ تَمَرَدَ على مَواسِمَ القِطَافِ فصار جَنَةَ الفِردوس، اهتزت الأرض لهم عشقا، وبُورِكَت فيها الرَواسِيَ، فَأهلت سَاجِدة تحت أقدامهم، حينها تعانقت قمم الجبال، وأسندت السماء بعلم باسِق بالأخضر، والأبيض، ونجمة، وهلال، بأيادي مرفوعة بالنصر التي أنشدت مجدها، حين اِسترجعت زَعَامَة سيدة البَحْرَ الشَّامِيَّ، عروس الساحل مهدًا وقرارًا، عزيزة على رب كون لا يأبى إلا أن يرفع لها البنود، فما أجمل عنادك أيها الوطن الذي قرر ألّا يموت، حينها دندن له الصوت المدوي في كل بقاء الأرض، حي على الحرية، وحي على السلام.
ونحن شواهد العصر حملنا أمانة الدم، والروح ثناءً لثورة الجزائر البيضاء الغَانِيَة، فأي فصاحة لسان لا تكفي لشُمُول حب الجزائر.