آخر الأخبار

نشيجُ المُعمِّرات

راصد الإخباري :  


بقلم : مهند الرفوع

    يا للوجع! يا للهيب الخاصرة حين تنهشها النيران والمعاول! ويا عذابات السقوط حين يكون وشيكاً وبطيئاً! أحتضرُ وحدي على مشارف الربيع من بعد أن أعطبتني وحشة الفؤوس ونَهم النفوس. غابَ الناس جميعاً وما عادت شيخوختي تستندُ إلا على جُرحها النازف وجذعها المبتور. أين الرُعاةُ الذين فرّوا إليّ بالأمس لأمسح عن وجوههم سِناج الشمس ودَبَق الصيف؟ أين أهل البيئة وعناوينهم العريضة؟ وأين عُشاق بهائي وأحباب أغصاني؟
    ما أقسى أن تكون حطّاباً شحيح الفؤاد تحرق العروق وتسفك اللِّحاء! ويلاه من حمحمةِ أنفاسهم وهم يُبتِّكون القشور والأحشاء في زوايا النهار وقيعان الليل! لمَ ذلك كله وحولي قناطير من الحطب؟ هل أفسدَ ظلّي حياتكم أم ساءكم حُسني؟ أأزعجكم شموخي أم جارَ عليكم عبيري؟ أكومةٌ من حطب أحب إليكم من شجرة عتيقة تهدهد الوجدان وتأوي إليها وشوشات العصافير وأجنحة العُقبان؟
    لكن النار التي من أجلها مزّقتم سَكينتي سُرعان ما تخبو، وحينها ستدركون كم هي قاسية قلوبكم ضيقة أهدافكم. وأنا وإن جَزّ جفاؤكم حياتي فلا أغادركم إلا من بعد أن طيّبتُ أرضكم وجمّلتُ عيونكم. وليس لي من بعد هذا النكران إلا أن أوصيكم خيراً بمن تبقى من أهلي وأحفادي، ولست أدري إن كانت وصيتي ستلقى منكم استجابة أم لا. 
    أودعكم وفي جذوري الثكلى عتابٌ بحجم رفرفات الطيور التي احتضنتها وبحجم تغاريدها التي داعبت أفناني وآنست أيامي. أودعكم تاركةً خلفي كومة من حجارة، وإنّ منها لما يتفطّر على حالي، وإنّ منها لما يتصدّعُ من الوداع والأنين. 

* الصورة من منطقة "لحظة" أول أمس.