لروعة ما كتب، فقد وجد اديبنا هاني البداينة. ان تختص ورقته بشاعريته النبيلة
فهو يعشق أشعار الراحل درويش، ويرى فيها التيه والجمال اذ يستذكر المراة في غير موقغ، وتاليا النص
المرأة في ظلال القوافي
هاني البداينة
تحية المودة والإجلال والتوقير لكم أيتها الأخوات والاخوة، والشكر موصول لمعالي راعي الندوة ولمدير الملتقى، الإعلامي العريق أبي أيمن، على هذا المنبر الثقافي المبين، وقد أفسحوا لنا الكلام في الأدب، الشعر والقصة والنقد، فوجدنا في منتصف العمل اليومي الذي أغرق ساعاتنا بالكسل والرتابة، فضاء ثقافيا استثنائي، تتلاقح فيه الأفكار وتلتقي فيه العقول، وقد أوجب هذا الثمر الناضج الشهي، شكرا لمن زرع وسقى واهتم، فشكرا لكم جميعا. وبعد
أقامت المرأة طويلا في شعر محمود درويش. لقد خصص لها حيّزا فسيحا في قصائده الجميلات، إزاء الأرض والنبات، بوصف هذه الركائز أهم دلالات شعره.
ومثل شعراء العصور العربية الممتدة، الذين وجدوا في الشعر باباً واسعاً للتعبير عن المشاعر والإنفعالات تجاه المرأة وقد كبّلتها قيود المجتمع، فقد اعتنى درويش بالمرأة، وقال لها مكنون ذاته وحدّثها في ثنايا الشعر عن الحب والحياة وعن القسوة والنَصَب.
أقف في هذه الورقة، على صورة المرأة الأم عند درويش. لقد حملت قصائده الشهيرة أنماطاً وافرة لمشاعر وشغف وعاطفة، أبدع تشكيلها وأتقن صنعها، وبينما أوجز صورة المرأة الفلسطينية التي تشابكت في حياتها مشاهد الإنتزاع واللجوء وأمنيات العودة، فقد أضحت قصائده حيال والدته شواهد رفيعة تتقدم النصوص.
أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر فيّ الطفولة
يوما على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا مت
أخجل من دمع أمي
إن أم درويش هي وجده التائه ومرفأ حرمانه، وإن استدعاء وجهها واستحضاره، هو نجاته من كروب الغربة والغياب.
فكّرت يومًا بالرحيل، فحطّ حسّونٌ على يدها ونام.
وكان يكفي أن أداعب غصن داليةٍ على عجلٍ...
لتدرك أنّ كأس نبيذي امتلأت.
ويكفي أن أنام مبكّرًا لترى منامي واضحًا،
فتطيل ليلتها لتحرسه...
ويكفي أن تجيء رسالةٌ منّي لتعرف أنّ عنواني تغيّر،
فوق قارعة السجون، وأنّ
أيّامي تحوّم حولها... وحيالها
تكثيف اللحظة الراهنة وتجويد المشهد، هو ما يبدع به درويش. لقد أتاح له الغياب نفث مزيد من الإشتياق. إنه بين يديها تمشطه بشعرها وتعد أصابعه العشرين :
أمّي تعدّ أصابعي العشرين عن بعدٍ.
تمشّطني بخصلة شعرها الذهبيّ.
تبحث في ثيابي الداخليّة عن نساءٍ أجنبيّاتٍ،
وترفو جوريي المقطوع.
لكنه يعترف أنه لم يكبر بين يديها كما شاء. فرّقهم منحدر الرخام، وسارت بهم النكبة إلى طريق الهجرة إلى لبنان، حين نسي كيس الخبز وحين فقدته وفقد وطنهما كما تفقد الظبية كناسها وغزالها. مرثية كثيفة الحزن والبؤس.
لم أكبر على يدها كما شئنا:
أنا وهي، افترقنا عند منحدر الرّخام... ولوّحت سحبٌ لنا،
ولماعزٍ يرث المكان.
وأنشأ المنفى لنا لغتين:
دارجةً... ليفهمها الحمام ويحفظ الذكرى،
وفصحى... كي أفسّر للظلال ظلالها!
ما زلت حيًّا في خضمّك.
لم تقولي ما تقول الأمّ للولد المريض.
مرضت من قمر النحاس على خيام البدو.
هل تتذكرين طريق هجرتنا إلى لبنان،
حيث نسيتني ونسيت كيس الخبز
ولم أصرخ لئلاّ أوقظ الحرّاس.
حطّتني على كتفيك رائحة الندى.
يا ظبيةً فقدت هناك كناسها وغزالها...
لا وقت حولك للكلام العاطفيّ.
عجنت بالحبق الظهيرة كلّها.
وخبزت للسّمّاق عرف الديك.
يدرك ما يعتمر في قلب أمه المثقوب لوعة وأسى وبكاء مع النايات.
أعرف ما يخرّب قلبك المثقوب بالطاووس،
منذ طردت ثانيةً من الفردوس.
عالمنا تغيّر كلّه، فتغيّرت أصواتنا.
حتّى التحيّة بيننا وقعت كزرّ الثوب فوق الرمل،
لم تسمع صدًى.
قولي: صباح الخير!
قولي أيّ شيء لي لتمنحني الحياة دلالها.
هي أخت هاجر.
أختها من أمّها.
تبكي مع النايات موتى لم يموتوا.
لا مقابر حول خيمتها لتعرف كيف تنفتح السماء،
ولا ترى الصحراء خلف أصابعي لترى حديقتها على وجه السراب،
فيركض الزّمن القديم
بها إلى عبثٍ ضروريٍّ:
أبوها طار مثل الشركسيّ على حصان العرس.
أمّا أمّها فلقد أعدّت،
دون أن تبكي، لزوجة زوجها حنّاءها،
وتفحّصت خلخالها...
لا نلتقي إلاّ وداعًا عند مفترق الحديث.
تقول لي مثلاً: تزوّج أيّة امرأة من
الغرباء، أجمل من بنات الحيّ.
لكن، لا تصدّق أيّة امرأة سواي.
ولا تصدّق ذكرياتك دائمًا.
لا تحترق لتضيء أمّك، تلك مهنتها الجميلة.
لا تحنّ إلى مواعيد الندى.
كن واقعيًّا كالسماء.
ولا تحنّ إلى عباءة جدّك السوداء،
أو رشوات جدّتك الكثيرة،
وانطلق كالمهر في الدنيا. وكن من أنت حيث تكون.
واحمل عبء قلبك وحده...
وارجع إذا اتّسعت بلادك للبلاد وغيّرت أحوالها...
أمّي تضيء نجوم كنعان الأخيرة،
حول مرآتي،
وترمي، في قصيدتي الأخيرة، شالها!
لقد قدمت لكم "تعاليم حورية"، قصيدة الدهشة والكثافة والمفردات المضمخة. في ثناياها وجع العلاقة مع والدته، وضجيج البعد عنها واشتباك الجفون لذكراها. لا يمكن وصف القصيدة بالشخصية، إنها مُعلّقة أخرى حوت الرؤية الجميلة والتشكيل الأجمل. رحم الله درويش وأمه وأمهاتنا، وتحية لكم أيها الأعزة.
وبدأت حوارات وتعليقات. بعد عرض ورقة الاديب البداينه، للحديث عما فيها، من قراءآت لما كتبه الراحل درويش، فقال الاديب د. احمد الحليسي، حياك الله استاذ هاني، بدأت الورقة بمقدمة تناسب الموضوع، ثم عرجت على الشاعر محمود درويش وعرضت بعض شعره بالهام المرأة وتبرز قصيدته احن إلى خبز امي، أحسنت، حفظك الله ورعاك
والشاعر ايمن الرواشدة يقول في قراءته للنص، حين يُعطى وجه الحديث لمن يستحق يكون الإبداع حليفاً لحروفه الناضجة..
والحروف تنساب كأنها السلسلُ العذبُ ..
طبتَ أبا أحمدَ أديباً وطبتَ لبيباً وطبتَ متحدثاً أريباً
ويعلق راعي الندوة (١٣) الوزير الاردني د فيصل الرفوع، على كل الأوراق.
وقال في رؤيته للنص في ورقة الاديب البداينه، "سلم قلمك وفكرك جناب الاخ الأديب الأستاذ هاني البداينة"
وفي توصيف للنص. قال د. محمد ناجي العمايرة، اقدر كثيرا هذه المعالجة الراقية بلغة رصينة وافكار متماسكة لقصائد شاعر مبدع جميل وصعب..شاعريته سامقة ، ولغته كعناقيد العنب..
معالجة مكثفة اوصلت الفكرة واوضحت غموض النص واستبطنت اجود معانيه و كشفت مراميه.
امتعتنا..فشكرا لك
وكتب التربوي محمد التميمي، معلقا فقال انها ورقة في ظلال القوافي وهي دراسة شاملة لوجود معلومات جديدة وقيمة فيها
*العبيد لا يمنحون الحرية..* وشعر محمود درويش ربما لم ينصف الشاعر في البحث والمقارنة في أشعاره ولكنك أجدت واخترت منها الجواهر
وما يدور عن المرأة. الام والحبيبة
اما الشاعرة نبيلة حمد فعلقت بالقول انها قراءة متأنية وحقيقية لصورة المرأة وخاصة في الشعر الحديث ، لك كل الشكر والتقدير
والنص في عيون القاصة مريم العنانزه. هو جمال في المعنى أضاف جمالا ببوح أصيل ورؤيا يتنصل منها كلام التواصل في تأثير هذا الإيقاع على التركيب، لشق دروب جديدة ، لعطور شعرية فواحة... ولورقة جمعت في ثناياها كثافة المفردات التي أنعشت سيرة الشاعر، وما دار من حديث عن صور المرأة لحروف منسابة كما لو كانت لذة للشاربين...
حديث شيق ممتع طيب قيم، بأسلوب جميل مريح بقلم نابض بكل جميل...
ولعل الباحثة والمؤرخة فيفيان شويري، ترى الورقة من جانب آخر. فتقول اذا كان الجسد يتغذى بالطعام ، فالعقل يتغذى على الكلمة، وهي حاجة يومية. اصاب الاستاذ هاني البداينة المحترم بالتنويه الى اهمية الملتقى وحسن ادارته ورعايته ونجدد التحية تلو التحية لكل الجهود في سبيل العمل الثقافي العربي.
وتبقى المرأة في ظل قوافي كبار الشعراء تتربع على عرش الكرامة، ومن غير شاعر فلسطين، درويش، اجدر من ان يغني المرأة التي هي بحجم وطن، وينظم فيها ايات الكمال ويبرز تلك القوة الناعمة المتفردة في العزم والحزم والصمود ؟ فهي مربية الابطال وعزة النساء العربيات وفخرهن... انها فلسطين وكفى!
وحيت المغربية الاديبة امينة الجمجومي، ما فاتها من اصحاب اوراق العمل وقالت إن اصحاب اوراق العمل، التي انتجت هذا الفكر الرائع. وتلك القبسات النبيلة. في مجال ندوتنا، المراة في ظلال القوافي، كانت مبدعة
وقالت إنها كانت اطلالة الاديب هاني البداينة على صفحات من اشعار حبيب الزيودي، تؤكد تلك الروعة في اعداد النص الشعري الذي يعبر عن السجية الاردنية
وكذلك ما قدمته المثقفة الأستاذة عروبة الشمايله، من لفتات جميلة باتجاه ما كتب الشعراء عن المرأة. في مجال الاهداف والغايات،،
ومن زاوية رؤآها، فالاديبة نجلاء حسون، ترى ان الأم وطن.. والوطن أم.. ما أجمل اختيارك لهذا الموضوع الذي قدمته جميلا سلسا رائعا كروعة درويش وروعة أمه الوطن.. أمتعتنا دكتور بهذه الورقة وباختياراتك الشعرية الموفقة..
وراتها الشاعرة ريما البرغوثي مقدمة موغلة في الجمال... فالحرف ذخر ورأسمال... وعذوبة وجمال ... حروفك مرت على بساتين الكلم فشحذت بعطرها وقطفت من زهرها أحلى الباقات فأخرجتَ ورقة باذخة الجمال شامخة الرفعة سامقة كالنخيل وأنت تقتنص من شاعر أجمل ما قاله لأمه في سجنه وفي منفاه وفي غربته
أتحفتنا بهذه الورقة أيها الأستاذ البهي دمت متألقا في سماء الإبداع