اختار الشاعر د. كامل الطراونه كل من خالدالمحادين وتيسير السبول لقراءة ما كتبوا عن المرأة
وجاءت الورقة الثانية ضمن ندوة المراة في ظلال القوافي. لتعكس مرآمي المحادين والسبول. وبواعث ما كتبوا عن المرأة. وتاليا النص
سأتناول في ورقتي هذه صورة المرأة في شعر كل من خالد المحادين وتيسير السبول ليرى القارئ رؤية الشاعر الجنوبي للمرأة في شعره.
اما عن المرأة في شعر خالد المحادين، فحديثي بايجاز سيكون من القراءة التي أركز فيها " لمجموعة بطاقات لا يحملها البريد" ففي هذه المجموعة يتناوب البطاقة في القصائد صوتان: صوت الشاعر وصوت تلك المرأة الغامضة، التي تلقي بظلالها على أعماله الشعرية بلا استثناء، وبحضور طاغٍ و اسر وغامض، وفاتن بحيث كانت كل التفاصيل الحميمة تفاصيلها، حتى المدينة كانت ظلاً من ظلالها، ولا تكون الا اذا كانت، مما يعطي انطباعًا عميقًا بأن هذه المرأة ما كانت لتكون بهذا الحضور الطاغي لو لم تكن امرأة حضرت بقوة في الواقع الذي عاشه الشاعر ، وربما مضت بقوة أيضًا، وبقيت تغيب وتحضر حتى استنبتها الشاعر أيقونة خالدة لامرأة مدهشة وأسطورية ومختلفة، ثم نقرأ في البطاقة الثانية من الديوان: " وكان وجهك يقترب مثل قرية في الوطن
وأسمرمثل ذراع قروي مسكون بالطمأنينة
وطفوليًا مثل حلم في لحظاته الاولى
ولحظة لامست أصابعي وترًا مجهورًا
راح الوطن يغني وذابت الوحشة في الزحام"
وفي احساس عميق بالوحشة والظمأ والتعب ، يقول في البطاقة الرابعة :
" وكان المطر يملأ الطرقات
وعلى شفتي الظمأ
وفي قلبي الاسفنج الصحراوي
فتحت يدي وحقاىب السفر وعيني
ولكن الماء ظل بعيدًا بعيدا
بدأ كل شيء يابسًا مثل مناديل الخريف
وتقصف في أعماقي احساس ظامئ"
تسكن هذا الديوان ثلاثة أصوات: (الشاعر وتلك المرأة الغامضة والمدينة) ويتبادل الحوار بين الشاعر حينا والمرأة الغامضة حينا أخر، وفي تناغم وحوار عميق وقاس ومؤلم وصادق وينبض من شدة حيويته، نقرأ في البطاقة الثانية وبصوت تلك المرأة:
" وقالت لي ساحرة أسقيتها اخر مائي
يأتي اليك متعبا مثل وتر
يجلس تحت نافذتك المطلة على مدينة تائهة
ولحظة توشك قدماه أن تغوصا في الرمل
يكون داخل ذراعيك مثل طفل
لا تقولي له:
من أين حملتك الريح؟
انه متعب ولا تهده أكثر سوى التساؤلات
دعيه يغفو بعض عام يشتد مثل شجرة
ويكتب لك القصيدة الذي ظل طويلا يفتش عن وجه يقول له:
ما لم يقله من قبل"
أما عن " رسائل الى مدينة لم تطهرها النار" يسكنها صوتان يتناوبان الحوار وبشكل دوري، ويسكن كلاهما المدينة القاسية والتي يعشقانها( عمان الوطن)، يقول الشاعر وبصوته في الرسالة الاولى:
" سوف نغتسل تحت المطر
ترد عنا مظلة واحدة حبات البرد
ويظل لكل منا صقيعه الذي في الاعماق
صقيعه الذي يبحث عن مواويل الحزن
وينشدها وحيدا في السر
اذن فالمراة لدى خالد المحادين هي تلك المرأة المدهشة، فهو يكتب قصائده لعينين لم ير مثلهما من قبل، ويكتب لوجه لم يشرب مثل قهوته من قبل، ولاصابع ما كان يحسب ان في وسعها ان توقف نهار الزمن والاشياء، وهو في بطاقة اخرى يخاطب المرأة المدهسة ويقرنها بالمدينة القاسية، حيث تغمره الرغبة في الركض وفي الارتماء متعبا قرب نافذة هي وراءها ، يدق زحاجها ثم بغفو قبل تطل، ويتابع كل ما تبقى رغبة صغيرة في الدق على النافذة، يطل من وراء زجاجها، فيراها تاخذ مقعدا في زاوية.
فقصيدة خالد المحادين تندرج ما يسميه بعض النقاد
" قصيدة النثر" او " قصيدة الايقاع الداخلي وتشابكاتها الخفية، وغير المؤطرة بقوانين واضحة ومحددة، كما هو حال قصيدة التفعيلة، وان كانت قصاىدة بلا وزن فانها تضج بالايقاع وبالشعرية العالية التي تشكلت في شعرية الصورة العميقة، ومن عمق ومعاناة اللغة وايحائيتها.
ودعونا نيمم صوب شاعرنا الاخر لنرى صورة المراة لديه فاترك لكم كشف التوافق والاختلاف بينهما في التناول. شاعرنا ( تيسير السبول) لقد تعددت صور المرأة في شعر السبول، بحيث منحت شعره شاعرية خاصة ومميزة، اذ كان السبول يحلم بعالم عربي تنال فيه المرأة حقها بعدالة، وعدم تميزها عن الرجل. وحين نتتبع شعر السبول في المرأة نجده يقدم صورتها من خلال ثلاثة نماذج أساسية:
- اولها: المشهدية والتصوير البصري من خلال صورة المرأة/ الحبيبة والمرأة الصديقة، فيظهر شعره أن الزمن يمتد مع المرأة الصديقة، ويقصر حين يرتبط بالمرأة الحبيبة، وقد وظف السبول جماليات الوصف الفني لكلا المرأتين من خلال الحركة واللون.
٢- أما النموذج الثاني الذي نجده في شعر المرأةلدى السبول فهي " البدئية للمرأة الأم والأسطورة والحكاية"
وقد تجد في هذه النماذج الصورة الممزقة والمعذبة للمرأة من خلال النماذج الثلاثة، والتي تكشف عن تخلف صورة المرأة في المجتمعات العربية، وضعفها وهزيمتها الذي يعكس ضعف الانسان العربي وهزيمته عموما.
٣- ثالثا: المرأة بين المقدس والمدنس، من خلال عرص صورتي الغحرية التي تمثل المقدس، والعاهرة التي تمثل المدنس، وكيف كشفت هاتان الصورتان عن الثنائيات الضدية والازدواجية التي تمور بها المجتمعات العربية، وأدت في النهاية الى هزيمتها من جهة، والى انتحاره من جهة اخرى.
ولأن ما يبرزه السبول في شعره عن المرأة يشكل مكونا حضاريا وثقافيا، فلا بد من الوقوف على رؤاه الخاصة وأسلوبه الخاص في الشعر، والمرأة في شعر السبول ليست مجرد النصف الاخر من الرجل، وهي ليست الحبيبة فحسب، انها الأم والأخت والأسطورة والحبيبة والعشيقة.
ولعل صورة المرأة الحبيبة لدى السبول مرتبطة بالفقد وبالسقوط، ففي مطلع قصيدته "شهوة التراب" يقول:
" هنا معي/ يا ضلعي المفقود بين أضلعي/ مفقودتي"
فالمرأة تنتمي اليه هنا، وهي جزء منه، اشارة الى الصورة الدينية للمرأة المتكونة من ضلع الرجل، كما أنه ينتمي اليها باشتهائها، فهي التراب ومادة خلق البشر الأولى، وهما يتبادلان الخلق هنا : فهي معه هنا: ، فهي من ضلعه، وهو من ترابها، وهي مقدسة، ولها مكانة لا اعلى منه ولا اقل، وهي مفقودته كما علامة سقوطه ايضا: من أجل عينيك احب سقطتي
أحب أرضي التراب هذه/ وخبزي المجبول بالعناء
وعلى الرغم من ان هذه الصورة مرتبطة بالكتاب المقدس ايضا، الا انه يحبها ويقدسها:
" من شهوة السؤال في عينيك للمحرم/ ملعونة أحبها.
انها السقوط واللعنة والفقد والنقص، وعلى الرغم من ذلك فانه يحبها ويلتصق بها التصاق الجزء بالكل.
ان المرأة في شعر تيسير السبول وهي تسجل هذا الحضور الغني تتوهج كما في قصيدته" شهوة التراب" لتصبح أغنية ذات ايقاع مرعب ملعون في تراجيديا السقوط البشري.
وفي قراءته للنص كتب د. محمد العمايرة. الشاعر والاديب الاردني، قال ان د. الطراونه زميل دراسة في مرحلة الدكتوراة.. واشار إلى ورقة العمل وقال
انها ورقة متميزة وفيها جهد واضح ومقدر وهي مكثفة لكي تلائم طبيعة الندوة..
اختيار الشاعرين المرحومين تيسير السبول وخالد محادين مهم .وهما من جنوب الوطن كما أراد الباحث، وينطلقان من قاعدة مشتركةاقصد البيئة الاجتماعية والطبيعية،
وموقفهما من المرأة وانعكاساته في شعرهما يكاد يتشابه تماما على ان المجموعة التي اختارها الباحث للشاعر محادين مختلفة من حيث البناء الفني والتجربة عن ديوان السبول الذي يعود إلى الستينات.
لقد أجاد الباحث في تحليل النصوص واستخرج منها صورة المرأة لدى الشاعرين وهي صورة تمثل مختلف أطياف النساء وادوارهن..حبيبة ومعشوقة واما وزوجة و ابنه وزميلة..وصديقة ..
والتماهي في ذلك كله لا يكاد يقبل التفكيك إلا لغايات البحث.
امتعني البحث على مافيه من إيجاز وتكثيف..فلغته جميلة واسلوبه رصين وفيه صبر ملحوظ على البحث والدراسة ولفتات نقدية رائعة.
كل الشكر والتقدير للباحث الكريم ..
والتحية موصولة لمعالي الدكتور الرفوع المشرف العام والأستاذ غازي العمريين رئيس المنتدى
ولكل من أبدى ملاحظاته ورأيه وفي ذلك إثراء للبحث وإغناء للندوة واهدافها.
وهي ورقة بحث كثيفة.كما علق لها الاديب هاني البداينه، مضيفا ان القوميان خالد وتيسير، كانا بطليها، وهما ليسا بدعا من الشعراء، فقد كانت المرأة على اختلاف العلاقة، سيدة القصائد وشيخة النصوص....دمت بخير دكتور كامل وقد أعدتني لذكرى الراحل محادين وقتما كنت أشرب الزعتر المغلي بمعيته على ناصية الرأي وحبيب يتنغم بقصيدة المؤابي.....
تحليل رائع، كما قرأه الشاعر ايمن الرواشده، الذي قال انه كذلك عميق لصورة المرأة في شعر خالد محادين وتيسير السبول .. وسبر لأغوار الجمال الفني الذي تواتيه صورة المرأة الحبيبة ..
واتكاء على جمالية المقام حين تكون المرأةُ أُسَّ العمل الفني ..
أبدعت دكتور كامل في استنباط روائع ما ذهب إليه الشاعران بتضمينهما المرأة كعلامةٍ فارقة لإضفاء مزيدٍ من الروعة على النصوص .
دمتَ بعافية دكتور كامل الطراونة ..
اما الاديبة د. نعمات الطراونه فقالت "أبدعت دكتور" في نقل صورة المرأة التي ارادها الشعراء في قصائدهم... بورك قلمك.
وفي تعليقه كتب د. فيصل الرفوع "عطوفة الأديب الدكتور كامل الطراونة،
وجودتها الشاعرة النابهة ريما البرغوثي ورقة قيمة وقالت يا لها من دراسة عميقة متخصصة جعلتنا نعيش أجواء المرأة الساكنة في نبض كل من الشاعرين وبين ضلوعهما بصورها المختلفة في القرب والبعد في الطهر والدنس في الجنال والبشاعة قد أفردت لنا دراسة رائعة وحللت لنا شخصية المرأة تحليلا سيكولوجيا رائعا
وكتب د. احمد الحليسي معلقا، بعد قراءة متفحصة للورقة قال فيها "أحسنت" التناول دكتور كامل للشاعرين السبول والمحادين، المرأة في وجدان الشاعرين وقد ابرزت ذلك من خلال هذه الورقة الشاملة والمتميزة، أحسنت دكتور وجزاك الله خيرا
ويعده الاديب أ. محمد التميمي جهد كبير قد قام به الأديب والمثقف الدكتور كامل الطراونة في ورقته المرإة في ظلال القوافي .. حيث تناول الأمر من خلال ما قدمه الشاعران تيسير السبول وخالد المحادين وكيف عمل المقاربة بينهما
فعند الشاعر خالد المحادين صوتان صوت الشاعر وصوت تلك المرأة الغامضة التي تلقي بظلالها على أعماله الشعرية
بينما تعددت صور المرأة في شعر تيسير السبول
وكان يحلم بأن تنال المرأة العربية حقوقها
جهد كبير وعمل متقن دكتورنا الكبير.
"المرأة في ظلال القوافي" تعليق للباحثة والمؤرخة د. فيفيان شويري، قالت إنه عنوان بحجم تاريخ موغل في زمن البوح السرمدي، ولا يُعرف له بداية ولن يكون له نهاية، حتماً لن ينتهي طالما هي المرأة الملهمة والموقدة للوجدان الشعري وباعثة القوافي ومحفّزة الشاعر على النظم والانشاد. أهي المرأة في ظلال القوافي أم هي من يظلل القوافي؟
ولكن أي امرآة هي تلك؟ أهي امرأة الواقع أم تلك من نسج الخيال؟ يبقى السؤال هو السؤال ولم يعرف شاعر له جواباً... ويبقى معلقاً...
نموذجان معبّران عن شاعرين جنوبيين معاصرين، خالد المحادين وتيسير السبول، بيّنت سطور ورقة الدكتور كامل الطراونة الأنيقة التعبير والبليغة اللغة أن الأول نسج صورة المرأة: تلك "الغامضة" و "الأسطورية" و"الساحرة"، وأسكب عليها صفات من عالم الخيال، إذ أنه عند المحادين ثمة تمويه وتلطي وتخفي في ظل القوافي، الا من صوتها الذي يتماهى مع صوت الشاعر؛ وها أن الشعر يظللها؛ ورغم ذلك تتفلّت من ثنايا الحروف لتظهر أنها امرأة مدهشة ولكن حقيقية، وأنها كانت جزءاً من وجوده وواقعه؛ لتعود وتلقي بظلالها على قوافي الشاعر وقد جمع حضورها الصخب والغموض معاً. هي المرأة العشق والجسد في ظل قوافيه الدافقة بوحاً.
ومقارنة، فإن المرأة في شعر السبول تبدو هي من تظلل القوافي، فهي واضحة، جليّة المعالم الجسدية والفكرية، والمرأة المتعدّدة الصور الأم، الأخت ، الصديقة ،الحبيبة والوطن...
هي الأغنية التي يبقى يلاحقه نغمها الشجي المبحوح الى حيث قرّر الرحيل هرباً من وطن الألم والبؤس؛ هذه المرأة-الانسان تشبه قوافي السبول المتهدّجة، المخنوقة، المتلاشية وظلالها لا تخفي الحقيقة المرّة.
أصعب ما يكون الاختصار، ولكن ورقة الدكتور كامل الطراونة جاءت كافية تحليلاً ووافية مضموناً.
تحليل رائع ووصف عميق وجدته الاديبة والقاصة مريم العنانزة قالت إنه بصور مكثفة تعكس معنى المعنى ليصادق الوصف، كانت المرأة مجسدة بصورها المختلفة، من خلال نموذجين لشاعرين معاصرين...
لغة حاضرة ناطقة بأجمل الكلام والخطاب لنقل الصورة كما قصدت، بطرح عقلاني وفكر فني متضمن دقة التحليل، مضيئ حول محوره، بوضع وتحديد إطاره ومحتواه، لتكون ورقة غنية وعميقة بعطاء رائع أنيق...
دام حرفكم يسمو ليحمل معنى جميل لا يعلى عليه...
وكتب د. محمد المعايعه تأملات في الورقة وقال ان ما نعرفه عن فن الرسم هو أنه يتطلب الكثير من الاتقان والدقة والمهاره من الرسام ، ليخلق من عمله لوحات فنية مبتكرة تُمتع من يشاهدها لما فيها من الجاذبية....
لأنه اداة تعبيرية عظيمة تعبر عن الأفكار المختلفة التي تجول في خاطر الإنسان مما يجعل لها تأثير كبير على كل من يراها ويتفاعل معها بصريا ومعبرة عن بعض الأحداث التي عاشها الفنان، لذلك فقد جاءت ورقتكم ثريّه بأدوات المعرفة والفكر المعبر ، هذه الورقة الناطقه عن مكانة المرأة في شعر الشاعران خالد محادين وتيسير السبول، فكان لكل منهما لوحات فنية تصور جماليات المرأة ووصفها وتمجيدها.. ونتأهل عفتها وطهرها وقداستها .. ورقتكم ثريّه بأدوات المعرفة جعلتنا في حديقة زهور نحتار من أين وردة نقطف زهرة جميلة نهديها إلى الوطن الذي أنجب أدباء وشعراء أمثالكم وبوزنكم الكبير في نفوسنا وفي ميزان الأدباء والشعراء الكبار... نعم ورقتكم ثريّه وفيها من الجاذبية ما يكفي كمرجعية شعرية لطلاب العلم والباحثين في حقول الشعر لشاعرين المحادين والشبول...
سلم قلمك وفكرك وعظم شأنك مولانا العزيز الحكيم العليم في روائع الفكر الأدب...
ورقة الدكتور كامل، قال عنها الشاعر والأكاديمي د. صقر الصقور، انها مفعمة بعبق حبات رمل الجنوب ..
وهي تجوال متبصر بين المقدس والمدنية .. و بين الأسطورة والحكاية .
مجبولة بالعرق المعطر بتراب الوطن .. تعبأ .. ومحبة .. والما .. و معاناة ..