ناقش ادباء في ملتقى السلع الثقافي ورقة العمل التاسعة في الإعجاز القرآني.
وحملت الورقة التي إعدتها الاديبة ساميا بني ياسين بعضا من الإعجاز القرآني في التقديم والتأخير.
وتواصل منصة السلع استكمال اوراق العمل للندوة الثانية عشرة عن الإعجاز البياني للقرآن الكريم، التي افتتحها الوزير الاردني د. معن القطامين،
وتاليا نص الورقة
بسم الله الرحمن الرحيم
ورقة بعنوان الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم - التقديم والتأخير مثالاً
الحمد لله ربّ العالمين على سابغ نعمائه وجزيل عطائه والصلاة والسلام على أنبيائه وسائر أوليائه.
قد منَّ الله سبحانه وتعالى علينا بالمعجزة الخالدة القرآن الكريم كتابًا لا تنضبُّ لآلئه النفسيّة على مرّ الأزمان، ورزقنا وهذه المنَّة بإرسال عبادًا صالحين كرَّسوا أنفسهم للذود عن حياض الدين، وخدمة الكتاب المكين الرزين.
القرآن الكريم الكتاب المقدَّس والكلام المعجز، أنزله الله على نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - حجَّةً وآيةً وبيانًا، والأصل بالإعجاز البياني أنّه لغوي؛ فقال الله عزّ وجل: " وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)" (سورة البقرة)
فالإعجاز اللغوي يعتبر الإعجاز الأساسي، والحجّة على أهل الفصاحة والبيان.
لذا عند الحديث عن الإعجاز القرآني فإن الحديث يطول ويحتاج أكثر بكثير من هذه الورقة، نحتاج مجلدات ستزداد كلما ظهرت كوكبة أمثالكم في هذه الندوة من أهل اللغة الغيورين على دينهم ولغتهم والذين يشهد لهم بالبنان.
وقد توالت جهود العاماء الأجلاء القدامى والمعاصرين وتعددت أبحاثهم فيما يخصّ البلاغة اللغوية وعلم البيان في القرآن الكريم، وسأرد لكم بعض الإضاءات البلاغية القرآنية، ولكن قبل هذا ما هو الإعجاز؟
في معجم لسان العرب في مادة (عجز) يعرّف الإعجاز لغة بأنه :" مصدر وفعله الرباعي أعجز .
وكلام أهل اللغة في معناها يدور حول الضعف وعدم القدرة على النهوض بالأمر... ،وقال ابن منظور العجز نقيض الحزم والعجز الضعف... وقيل: أريد بالعجز كل شيء بقدر حتى العجز. والكيس... ،وعليه فالإعجاز جعل من يقع عليه أمر التحدي بالشيء عاجزًا عن الإتيان به... وإعجاز القرآن الكريم إثبات القرآن عجز الخلق بما تحدّاهم الله به، وهو أن يأتوا بمثله أو شيء من مثله، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، والمحذوف للدلالة على من تحداهم القرآن وهم الإنس والجن. "
وعند دراسة الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم سنتعرض لجميع مستويات اللغة، وهي على أوجه كثيرة في القرآن الكريم: كالمستوى الصوتي، والصرفي، وما يتعلّق بالاشتقاق. ، وشكل الكلمة،وهيئتها، والمستوى النحوي، ومعاني الألفاظ ومرادها، وغيرها من أوجه الإعجاز التي لا حصر لها في هذا المقام؛ لذا سأخصّ بالحديث عن جانب من اللغة وهو التقديم والتأخير.
ويقول سيبويه في هذا :يقدمون الذي هو أهم لهم، وهم أعنى به.
جاءت مثل هذه القواعد النحوية بعد دراسات طويلة للنص الأمثل والأقدس القرآن الكريم؛ فسياق الآيات يقرر التقديم والتأخير، فقد يتقدّم المفضول، وقد يتقدّم الفاضل.
تأملوا معي أعزكم الله من تقديم وتأخير في آيي الذكر الحكيم:
أولًا: ما ورد مثالا في كتاب أسرار البيان في التعبير القرآني للدكتور فاضل صالح السامرائي حول تقديم وتأخير كلمة اللهو على اللعب في سورة العنكبوت، كل الآيات في القرآن الكريم جاء اللعب مقدّما على اللهو إلا في هذه الآية من سورة العنكبوت"وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)"
ولو تأملنا الآية السابقة لهذه الآية في نفس السورة قوله تعالى : "اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)"
فالرزق ليس من مدعاة اللعب وإنما اللهو كما في قوله تعالى في سورة المنافقون: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)"
ثانيًا: ما ورد في كتاب دلالا التأخير والتقديم في القرآن، وذلك في اختصاص اسم الله عزّ وجل في الابتداء بتقديمه وتأخير الفعل كما في قوله تعالي في سورة الفاتحة" إياك نعبد"
فالملك خاص بالله عز وجل وكذلك العبادة لا تكون إلا له.
ثالثًا : ورد في كتاب درة التنزيل صفحة ٧٤، حول ما جاء من تقديم وتأخير قوله تعالى في سورة الأنعام: "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ(151)" جاء قوله تعالى (نحن نرزقكم وإياهم)؛ لأن قبله (لا تقتلوا أولادكم من إملاق) أي من أجل إملاق وانقطاع مال وزاد، وفي هذا نهي عن قتلهم.
وبمقارنة هذه الآية بآية مشابهة في سورة الإسراء في قوله تعالى:" وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)" نلاحظ أن الإملاق في الآية الثانية غير واقع؛ أي لا تقتلوهم لما تخشون عليهم من الفقر فالله يرزقكم وإياهم، فقدّم كل موضع من الموضعين ما اقتضى تقديمه وأخّر ما اقتضى تأخيره.
رابعًا: في قوله تعالى في سورة يونس:" وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)" هذا الترتيب على عكس الترتيب المذكور في سورة آل عمران في قوله تعالى :" الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)" ففي هذه الآية سبق القول باعتبار حال قدرة المصلي من القيام فإن لم يستطع فالقعود، فإن لم يستطع فعلى جنب، أما في في الآية الثانية فقد بدأت بهذا الترتيب لأنها تذكر حال الإنسان في دعائه إلى الله وكشف الضر، ومن المعلوم أنَّه كلّما كان البلاء أشد كان تضرّع الإنسان أكبر؛ ولهذا بدأت الآية بهذا الترتيب تبعً لشدّة البلاء، فأشدّهم حالا صاحب الفراش وهو المقصود بقوله: (دعانا لجنبه)، ومنهم من هو أخف،ة وهو المقصود بقوله :(وقعودًا)،
ومنهم المستطيع على القيام وهو المقصود بقوله:( قيامًا). فالترتيب هنا لمراعاة الحال.
(للاستزادة انظر كتاب دلالات التقديم والتأخير للدكتور عبد العظيم المطعني والدكتور علي جمعة)
ومن هنا المتأمل بهذه الأمثلة وغيرها مما تزخر به الكتب والمجلدات يلحظ أهميّة ترتيب الألفاظ على بلاغة الكلم وكيف يضاع الترتيب الذهني إذا لم يراعَ الترتيب اللفظي.
فجاءت المعجزة الخالدة القرآن الكريم آية شاهدة على قدرة الله عزّ وجل، ومعجزة لغوية للبشر يستخرجون جواهره النفيسة وإعجازاته اللغوية التي يتأصل عنها إعجازا نفسيا متمكنا من ذهن السامع والقارئ إلى قيام الساعة.
وأخيراً وليس آخرا أودُّ شكر كل القائمين على هذه الندوة إعدادا ورعاية، من معالي الدكتور معن القطامين الأكرم والأستاذ القدير غازي، والأخوة والأخوات المشاركين والحضور فإن كانت كلمات الشكر تسعف القائلين إلا أنها تبقى عاجزة أمام قامات كأنتم تهتمّ بالقرآن الكريم وبيانه، فلهذه الندوة ما لها من مكانة أثرت حب اللغة والامتلاء اعتزازًا بعظم ما جاء فيه القرآن الكريم من بيان وبلاغة فالشكر لكم ساعين على إنجاح مثل هذه الندوات القيِّمة.
وعدها الشاعر ايمن الرواشده إحاطة نفيسة بالوجه اللغوي من إعجاز القرآن الكريم وإيراد الأدلة التي تتبنى التقديم والتأخير وتشير إلى الغاية الربانية من التقديم والتأخير بما يناسب حال القارئ تارة وحال الواقع تارةً أخرى ..
تحية ملؤها العرفان والامتنان أستاذة ساميا ..سائلين الله تعالى أن يجعل هذا المجهود في ميزان حسناتك..
والشكر موصول لرئيس الملتقى وأعضائه الكرام.
وبين الشاعر خليل الخوالده ان التقديم والتأخير في القرآن الكريم.... تقديم للأهمية وتقديم لافادة المعنى المقصود في السياق.. وتأخير لدللات المعنى...
وقد قدمت الباحثة ساميا جهدا كبيرا في هذا المجال... كما انها دعمت كل نقطة بمثال وآية من كتاب الله تعالى... واسأل الله ان يكون هذا الجهد ماجورا ومنتفعا به..
كل الشكر والتقدير للاخت ساميا.. ولسادن الملتقى ومشرفه ولراعي الندوة..
وكل الحب والتقدير والاحترام للأعضاء الكبار مع حفظ الالقاب..
وفي تدقيق معتاد للاديب والناقد، مشرف الملتقى د. ابراهيم الياسين، قال بوركت أختي الفاضلة، وقد بينت بايحاز مبين أهمية التقديم والتأخير في البلاغة القرآنية وأثر ذلك في المعنى وضمن السياق الذي ترد فيه، والتقديم والتأخير باب فسيح لا حد له وقد ألفت فيه كتب كثيرة، وكتبت حوله دراسات وأبحاث قيمة، وقد أتيت بأمثلة مفيدة في هذا الباب. وأذكرك بأن التقديم والتأخير بلاغة عظيمة لها دلالات عميقة تفهم في سياقاتها، ويدرس موضوعه اليوم تحت عنوان الانزياح التركيبي لما فيه من خروج على نسق الجملة العربية وقاعدتها الأصيلة الامر الذي يلفت انتباه المتلقي للبحث عن دلالات هذا الانزياح وغاياته البلاغية؛ فمثلا الترتيب النسقي للجملة العربية أن تبدأ بالفعل ويليه الفاعل فالمفعول به، فعندما نغير هذا النسق الترتيبي في جملة ما فنقدم المفعول به مثلا على الفعل والتفاعل فإن في ذلك كسرا لأفق التلقي يحتاج تفسيرا بلاغيا دقيقا.. فقوله تعالى (اياك نعبد) ولم يقل نعبدك ونستعين بك فيه تقديم للمفعول به على الفعل والفاعل ليس فقط لأهمية المعبود وهو الله، بل لأن ذلك ينقلنا لدلالات أفسح وأرحب؛ إذ تصبح العبادة في ضوء السياق مقتصرة على الله وحده لا غير؛ فلا عبادة لغير الله، أما قولنا نعبدك فتحتمل العبادة لله ولغيره... ما أعظم كتاب الله وما أعجز بيانه!
حياك الله استاذة ساميا، تلك التي عقب فيها د. احمد الحليسي، وقال انها ورقة شاملة حول الإعجاز البياني للقرآن الكريم من حيث التقديم والتأخير وترتيب الألفاظ واولويتها كاعجاز بلاغي وبياني، جهودك مشكورة ومباركة، وجزاك الله خيرا،
ولفتت الاديبة امينة الجمجومي الى ان الورقة حفلت باضاءات واضحة للاعجاز القرآني، وكل كلام الله معجز
فقد طافت الرائعة ساميا، وهي اللغوية الحصيفة على كثير من الأمثلة الدالة على البلاغة والإعجاز القرآني، وفقت في ذلك ايما توفيق
وفي تلك الفقرات التي تحدثت فيها عن التقديم والتاخير، كانت اضاءآتها بليغة. وصلت في كثير منها لمرامي الآيات، والبيان الذي حملته، هدى وبيان وبينات للناس.
تقديري لغاليتنا ساميا، وحمدا لله على السلامة. فقد تالمنا لتوعكك، لكننا تعافينا سوية، ان من الله عليك بالشفاء.
وقال الاديب التربوي أ. محمد التميمي ان الورقة التاسعة للمفكرة والاديبة ساميا بني ياسين
بعنوان التربوية ، اللغوية
حيث ذكرت ان الاصل بالاعجاز البياني انه لغوي وقد تحدى الله فطاحل اللغة في زمانهم ان يأتوا بعشر ... ثم بسورة واحدة كاملة الأركان بلاغة وبيانا ومعنى
ابدعت الزميلة في ايراد الكثير من الامثلة الدالة على الاعجاز والبلاغة في القرآن الكريم واحاطت بكل جوانب العنوان .
وبارك الشاعر د. كامل الطراونه هذا الجهد الذي يضاف الى جهود الاخوة العظيمة الذين تناولوا موضوع ورقة الاعجاز في القران الكريم وهو موضوع متسع اذ بكل حرف من حروف القران معجزة لا تستطيع ان تغير كلمة بمرادفها من القران لان الكلمة الواردة في النص القراني واردة في سياق يخصها وحدها.. دمت اختي وبارك الله فيك
وعدها الشاعر بكر المزايده، ورقة مترعة بالمعلومات النفيسة والاستنباطات الواعية والدلالات القيمة .ابدعت الاخت المكرمة في إيصال هذه المعلومات إلى فكر القاريء. جزيل الشكر للاخت الفاضلة والى الأستاذ غازي العمرين على الجهود الكبيرة التي يبذلها للارتقاء بهذا الملتقى إلى مدارج الرفعة والسمو.
وتسدل مديرة الثقافة في الكرك، عروبه الشمايله، الستارة على ورقة الاديبة بني ياسين، وتقول انه كلام عظيم ومهم وتأنس النفس في قراءته، فجميعنا نعلم أن القرآن في أعلى درجات التميز والتفوق في الفصاحة والبيان والأحكام بحيث يعجز البشر عن الإتيان بمثله، وقد تحدى العرب به، لأنهم كانوا يعتزون بفصاحتهم وبيانهم،