آخر الأخبار

د. العيايده :الحوار القرآني يحلق لأعلى افق في مخاطبة النفس البشرية

راصد الإخباري :  



من عبدالله الحميدي


كتب الاديب والتربوي  د. عاطف العيايده بحثا في الآداب الحواريّة في القصص القرآنية. 

 وقال ان الحوارُ في كثيرٍ من القصصِ الّتي تكرّرتْ في أكثرِ من سورةٍ قرآنيّةٍ كان  طريقةً من طرقِ التّصويرِ الحدثيّ بالتواءم مع السّردِ التّقريريّ القائمِ على المباشرةِ في النّقلِ القصصي. 

وقال ان  اللّه بعث  الرّسلَ إلى البشريّة لتحريرهم من عبادةٍ انتهجوها وأصرّوا على ممارستِها، كعبادةِ الأصنامِ والتّماثيلِ المصنوعةِ من الحجارةِ، والأشجارِ والكواكبِ وغيرِها، فقامُوا بدعوتِهم إلى عبادةِ اللّه وحدَه، وإدراكِ حقائقِ خلقِهِ وقدرتِهِ، وأنّهُ المتصرّفُ في كلّ ما هو في هذا الكونِ؛ لذا كانَ الحوارُ هو الأسلوبُ الأنسبُ الّذي اتّبعَهُ الرّسلُ لمخاطبةِ أقوامِهم، وتعريفِهم بمصائرِهم إنْ لمْ يعودوا عن غيّهم وضلالِهم. 

وقد اعتمدَ الأنبياءُ في رسالاتِهم الإلهيّة الّتي بُعِثُوا بها على أسلوبِ الحوارِ بعدَما أنكرَ النّاسُ ما جاءوا بهِ وعارضُوهم؛ فَلَمْ يكنْ من سبيلٍ إلى إقناعِهِم إلَّا بالحوارِ المبنيِّ على الإيمان والصّبرِ والإرادة النّابعة من صدقِ الرّسالةِ السّماويّة الّتي حملوا أمانةَ نشرِها، فما أنْ وُضِعَتْ أُولى لبناتِ الحوارِ الهادفِ إلى نشرِ تعاليمِ الرّسالاتِ السّماويّة معَ الآخر المعارضِ والرّافضِ حتّى اعتادَ حاملو الرّسالةِ من الأنبياء ومن صدّقَهم وآمن معهم على الحوارِ كمنهجٍ لمخاطبةِ العقليّاتِ المتحجّرةِ؛ وبهذا جَاءَ القرآنُ خاتمُ الكتبِ السّماويّة " ليحاورَ الآخرينَ على أساسِ الحجّةِ والبرهانِ والدّليلِ؛ ليعلّمهم كيفَ يصلونَ إلى قناعاتِهِ وآفاقِهِ بالكلمةِ الحلوةِ والأسلوبِ الطّيّبِ "( ).    
     وبالتّعمّقِ في القرآنِ الكريمِ نكتَشِفُ أنّ الحوارَ قد وصلَ إلى أعلى الأفقِ في نقلِ الفكرةِ، ومخاطبةِ النّفسِ الإنسانيّةِ الّتي فُطِرَتْ على الطّمأنينةِ والهدوءِ والارتياحِ واللّينِ واللّطفِ، وقد دعَمَتْ كثيرٌ من الآياتِ هذهِ الفكرةَ، ونقَضَتْ ادّعاءات من اتّهموا الدّينَ الإسلاميّ بأنّه دينُ السّيفِ، ومن هذهِ الآيات قولُهُ تعالى: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ  وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ "( )، وقولُه تعالى: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"( )، وقولُه تعالى مخاطبًا موسى وهارون _عليهما الصّلاة والسّلام_ حينَ بعثّهما إلى فرعون: " فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ".
     وقد أخبرَنا القرآنُ عن كثيرٍ من الأحداثِ القصصيّة؛ بهدفِ عرضِ نماذجَ حيّةً للأممِ والأشخاصِ الّذين صدُّوا عن أمرِ اللّهِ، وظلّوا يتخبّطونَ في ظلماتِ غيّهم وكفرِهم وشركِهم وجبروتِهم، فكانَ الحوارُ في كثيرٍ من القصصِ الّتي تكرّرتْ في أكثرِ من سورةٍ قرآنيّةٍ طريقةً من طرقِ التّصويرِ الحدثيّ بالتواءم مع السّردِ التّقريريّ القائمِ على المباشرةِ في النّقلِ القصصيّ.
     وقد شكّلَ الحوارُ في القرآن الكريم محورًا رئيسًا في المضامين العقائديّة، والأحداث المستخلصة من سياق القصص القرآنيّ، فنجد الحوار قد " رسم لنا منهجًا وقواعدَ وآدابًا يمكن استنباطُها من الحوارات المختلفة في القرآن الكريم، وأكثر ما يرزُ ذلك في القصص القرآنيّ "( )، ولطريقة الحوارِ في عرضِ القصّةِ القرآنيّة قيمةٌ بلاغيّةٌ يعيشُها القاريءُ ويتذوّقُ فنونَها.
     وقدْ أرشدنا القرآن الكريم في كثيرٍ من المواضعِ والآياتِ القرآنيّة إلى أنّ الاختلافَ في المدركات العقليّة، والتّقديرات الإنسانيّة أمرٌ واقعٌ وحالة طبيعيّة بين النّاس، ومن هنا كان الحوار هو المنهج الّذي يساعد على تركيزِ قاعدة التقاربِ في التفكير، ومدّ جسورِ التّواصلِ، وخلقِ أجواء من الودّ والرّحمة، معَ مراعاة أنّ " الدّعوة بالحكم تعني تغيير الأسلوب حسب المقام، فمن أصلحته الكلمة الطّيّبة فلا يُصَارُ إلى غيرِها، ومنْ أصلحتْه الكلمة الخشنة فهي الحكمة في هذا الموضعِ "( ).
     ومن هنا فقد برزتْ في سياقِ كثيرٍ من السّور القرآنيّة الّتي حملتْ مضامين الآدابِ الحواريّة الّتي يمكن استنباطُها، وجعلُها عنوانًا للأسلوبِ الحواريّ الهادئ الهادف الّذي حثّ علينا الدّين الإسلاميّ الحنيف، وهو حوارٌ قائمٌ على الإقناعِ والإيضاحِ والحكمة والموعظة الحسنة، وذلك يتجلّى في قولهِ تعالى: " تَعَاْلَوْاْ إِلَىْ كَلِمَةٍ سَوَاْءٍ بَيْنَنَاْ وَبَيْنَكُمْ "( ).
     وسأتعرضُ في الصَّفَحاتِ القادمة لعدد من الأدبيات الحواريّة الّتي دعا القرآن إلى التزامها، والتقيد بها وصولًا إلى تحقيق الأهداف المنشودة الّتي مبتغاها الدّعوة الحسنى إلى عبادة اللّه_عزّ وجلّ_، ومن أهمّ هذه الآداب المستخلصة من سياقِ الآيات:
 أوّلا: توخّي الآداب العامة في الحوار مع الآخر:
     وتتحدّد هذه الآداب العامة في صحّة المنقول من القول، ودقّته من قبل المحاور النّاقل للكلام، بحيث لا يزيد فيه ولا ينقص، حيث قال تعالى: " يَاْ أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوْاْ اتَّقُوا اللَّهَ، وقُوْلُوْا قَوْلًاْ سَدِيْدَاْ "( )، ويُبْنَى على ذلكَ أنَّ المحاورَ إذا اختلفَ كلامُه، وتعدّدتْ منقولاتُه، وتشتّتت أقوالُه ضَعُفَتْ بالتّالي حججُه، وأصبحَ مكذّبًا لا يُوْثَقُ بحديثِهِ.
     ومن جانبٍ آخر لابدَّ للمحاورِ من الابتعادِ عن الجدلِ الّذي لا طائلَ منه، وهناك نوعان من الجدل أشارَ القرآنُ لهما، وهما: الجدلُ المذموم الّذي دعانا اللّه إلى عدم الخوضِ فيه، وسمّاه القرآنُ الجدلَ الباطلَ في قولِهِ تعالى: " وما نرسلُ المرسلين إلا مبشِّرين ومنذِرين، ويجادلُ الّذين كفروا بالباطلِ؛ ليدحضوا به الحقَّ، واتَّخَذُوْا آياتِيْ وما أُنْذِرُوْا هزُوًا "( ). 
     وكما نعرفُ فإنَّ المحاورة تقوم في الغالب على الأسلوب الاستفهاميّ من خلال استخدام السّؤال في تبادل الحوار بين المتحاورين، فكثيرا ما تتردّد الأسئلةُ في سياقِ الحوار؛ إذْ لا يمكن أن يخلو حوار من الأسئلة، ومن هنا يجب على المحاور أن يختارَ أسئلتَه بقدرٍ وبعقلانيّة وبوقتٍ مناسبٍ، بالإضافة إلى تحرّي الدّقّة والوضوح في صياغة السّؤال، والابتعاد عن التّعقيد والالتواء في طرح السؤال بهدفِ اختبار المحاور ومحاولة إيقاعه في الخطأ عن قصدٍ؛ لإبداء القوّة في الحوار لدى من يستخدم مثل هذا الأسلوب.
     وقد جاءت الإشارة لمثلِ هذا المنحى في عددٍ من الآيات القرآنيّة في سورٍ اعتمدت على القصصِ القرآنيّ، كقولهِ تعالى في سورة الكهفِ على لسان الخضرِ حينما خاطبَ سيّدنا موسى عندما سأله عن مقاصدِ أفعالِه الّتي بدت للوهلةِ الأولى انتهاكًا للإنسانيّة، واعتداءً على الحقوق؛ فما كانَ من الخضرِ إلّا أنْ ردَّ عليهِ قائلًا في قولِه تعالى: " فلاْ تسْأَلْنِيْ عنْ شئٍ حتَّىْ أُحْدِثَ لكَ منهُ ذِكْرًا "( )، وحينها ردّ عليه موسى معتذرًا بعد أنْ أدركَ أنّه قد تسرّعَ في طرحِ السؤال قائلًا في قولِه تعالى: " قالَ لا تؤاخِذْنِيْ بِما نسيتُ، ولا تُرْهِقْنِيْ مِنْ أَمريْ عُسْرًاْ "( )، لكنّ سيّدنا موسى كرّر السؤالَ ذاته؛ ممّا جعلَ الخضرَ يعلنُ عنْ فراقِهِ في قولِهِ تعالى: " قالَ هذَاْ فِراقٌ بَيْنِيْ وبيْنكَ "( ).
ثانيًا: استخدام أفضل الأساليب أثناء الحوار:
     إذْ لابدّ من اختيار أسلوب قائم على التوازن، وتقدير مواطن ضبط النّفس، واستخدام لغة سلسة سهلة خالية من العنتِ والغريب من الألفاظ، والابتعاد عن الانفراد والتعصّب للرأي، وقد أرشدنا اللّه في محكم كتابه إلى الدّعوة إلى سبيله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلة الآخرين بالحسنى في قوله تعالى: " ادْعُ إلَىْ سَبِيْلِ ربِّكَ بالحكمةِ والموعظَةِ الحسنةِ "( ).
     فالآية السّابقة تتضمّن صورًا إيجابيّةً موجّهةً للمحاورِ من أجلِ المقاربةِ مع الطّرفِ الآخر، وتقبّله وعدم النّفورِ منه، لأنّ الحوار الّذي لا يتّسمُ باحترام الطّرف الآخر، ولا يراعي المنطقَ السّليم حوارٌ غير متوازنٍ؛ لأنّه قائمٌ على " الاختلاف في الرأي والتباين في الفكرة، وأدب الحوار يقتضي احترام آدمية الإنسان وإنسانيته "( ).
     وبالانتقالِ إلى نموذجٍ من القصص القرآنيّ الّذي اسْتِخْدِمَ فيه الحوار نجد أنّ الحوارَ الّذي استخدمه نبيّ اللّه صالح في دعوةِ قومه ثمود إلى اللّه كانَ قائمًا على الرّفقِ واللجوء إلى الحكمةِ من خلالِ الاستهلالِ بما أكرمهم اللّه، إذْ جعلهم خلفاء في الأرضِ من بعد عاد، وسخّرَ لهم كلَّ ما فيها، ثمّ بعد ذلك طلبَ منهم أن يذكروا اللّه لقاء ذلك، ويشهدوا له بالوحدانيّة، ولا يشركوا في عبادته، ويبتعدوا عن الإفساد في الأرض، وذلك في قولهِ تعالى: "  وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ "( ).
     ونجد هذا الملمح في الأسلوبِ الحواريّ بين أنبياء اللّه وأقوامهم متكرّرا في أكثر من موضعٍ قرآنيّ، وخاتمهم نبيّ اللّه محمّد الّذي ضربَ أروعَ الأمثلة في الاستقامة الحواريّة حتى معَ أشدّ النّاسِ قساوةً وارتدادًا عن دين اللّه، وإعلانًا عن كفرهم وإشراكهم باللّه، ووقوفهم في وجهِ الدّعوة الإسلاميّة بكلّ ضراوةٍ وعداوة، لكنّ سيّدنا محمّدا ظلَّ محافظًا على أناتِه وحلمِه في التّعاملِ معهم، دونَ شدٍّ وجفاء، متّبِعًا الحكمة وحاثًّا عليها، ومذكّرا بما أكرمهم اللّه وهو الخلافة في الأرض، مصداقًا لقولِه _جلّ وعلا_: " ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ "( ).
ثالثًا: الابتعاد عن نزعة التّعصّب للرّأي والانحياز إلى الذّات:
     فقد أشارت لنا العديد من الآيات في سياق القصص القرآنيّ إلى استجابة الأنبياء إلى محاوريهم إذا ما وجدوا أنّهم يرونهم في موضع المخالفة في الرأي؛ ليفضّوا النّزاع الّذي من المحتمل وقوعه؛ كي لا يتفاقم إذا ما استمرّ التّعصّب للرّأي، ففي قصّة سيّدنا نوحٍ مع قومه إشارة إلى جماليّة الحوار المخالفِ معَ قومِه الّين اتّهموه بالضّلالة، فجاء ردّه عليهم لائقًا، بنفي التّهمة عنه، معَ محاولة استخدام لفظٍ يقرّبهم إليه (يا قوم)، ومعلنًا لهم أنّه رسول ربِّ العالمين.
     قال تعالى: " قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ "( ).
     كما ورد هذا المنحى الدّالّ على أخذِ الأنبياء للمنحرفين من أقوامِهم باللين واللطف أثناء محاورته في الحوار الذي دار بين هود وقومه في قولهِ تعالى: " قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ "( ).
     وقد نهى القرآن الكريم عن التّعصّبِ للرّأي، والإصرار عليه، داعيًا إلى الانحيازِ للحقّ، والمرونة في تقبّلِ رأي الآخر، ونجد ذلك واضحًا في كثيرٍ من الآياتِ الواردة في سياقِ القصص القرآنيّ، كقصّةِ سيّدنا موسى مع السّحرة الّذين اتّبعوا سيّدنا موسى، وخرجوا على فرعون بعد أن أظهر اللّه دليلَ نبوّةِ موسى_عليه السّلام_، وذلك في قولهِ تعالى: " وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ "( ).
     حيث أظهرت الآيات في سياق ردّ السّحرة بعدما اعترفوا بغلبتهم، وعودتهم صاغرين أمام قدرة اللّه الّتي بثّها في عصا موسى الّتي لقفت ما يأفكون.
رابعًا: الصّدق والأمانةُ في الرّدّ على الأسئلةِ المتداولة أثناء الحوار بين المتحاورين:
     فقد أرشدتنا كثير من الآيات الواردة في السّور القرآنية التي تناولت القصص القرآنيّ إلى ضرورة الصّدق في تقديم الجواب الصّادق الموائم لطبيعة السّؤال دون التّهويل والتّوسع في الإجابة، فعند تأمّل الحوار الّذي دار بين موسى _عليه السلام_ وفرعون أثناء سؤال فرعون عن ربّه نجد أنّ ردّ موسى _عليه السّلام_كانَ ردًّا جازمًا ومقنِعًا لفرعون، وهو أنّ ربّه هو اللّه وحده الّذي خلق كلّ شيءٍ، وهو وحده المستحقّ للعبادة، وذلك في قولِه تعالى: " قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى "( ).
     فإجابةُ سيّدنا موسى_عليه السّلام_ إجابة محدّدة لا تحتمل غير الصّدق، وقد اضطرّت هذه الإجابة القويّة فرعون إلى التّحوّل إلى سؤالٍ آخر عن الأمم السّابقة الّتي أنكرت وجود اللّه، ولم تؤمن برسالات الأنبياء؛ فيستمرّ النّهج ذاته في الإجابة من قبل موسى _عليه السّلام_، لكنّه بعد ذلك يذكّرُ فرعونَ كدعوةٍ منه لفرعون إلى الإيمان باللّه بالنّعم الّتي منحها لخلقه على الأرض؛ إذْ هو من أنزل الماء، وأخرج النّبات والزّرعَ؛ ليأكلَ النّاس الثّمار، وترعى الأغنام، وهذا الأسلوب في الحوار يتناسب إلى حدٍّ قريبٍ معَ مستوى الإنكار لدى فرعون؛ لذا لجأ موسى_عليه السّلام_ إلى تقديم الدّلائل والبراهين على وجود اللّه، وفي ذلك يقول تعالى: "   قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ "( ).
 خامسًا: عدم التّعالي أثناء الحوار على طرفٍ من الأطراف:
     فقد حثّنا القرآن من خلال آيات القصص القرآنيّ إلى التّواضعِ، والحرصِ على احترام الطّرف الآخر أثناء الحوار؛ ممّا يجعلُ الحوار متّسمًا بالاحترام والتّقدير والتّقبّل بين طرفيّ الحوار، فمن المعلوم أنّ للحوارِ تأثيرًا في التّواصل مع الآخرين، فهو الوسيلة الأمثل لمجابهة المخالفين، والتّصدّي بالحجّة المثلى والبرهان القاطع لمن انحازوا لآرائهم، وأغلقوا على أنفسهم كلّ نوافذ الرّأي الآخر، وهذ ما اعتمده عليه الرّسل في رسالاتهم لأقوامهم؛ فسار على نهجهم دعاة الدّين، فقد أدركوا أنّ الحوار " هو السّلاح الوحيد الذي لا يستغني عنه الداعية، ولا يجد شيئاً قطّ يحلّ محلّه، أو يغني عنه أيّ غناء "( ).
     ومنَ الأمثلة على هذا المنحى الأدبيّ في الحوار في آيات القصص القرآنيّ خطاب النبيّ شعيب مع قومه حينما أراد أن يدعوهم إلى الله، ويقدّم لهم البيّنة على صدقِ رسالته الّتي تقوم على مبدأ إصلاح شؤون حياتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وفي ذلك يقول تعالى: " قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ "( ). 
     فمن خلال ما نستشف من المعنى المتضمّن في سياق الآية السابقة نجد الآية تحثّنا على أن يكون الحوار رقيقا ذا رفقٍ ولِيْنٍ مراعيًا طبيعة النّفسِ الإنسانيّة الّتي تنفر من الخشونة والتّعالي والغرور، وهذا من شأنِه أنْ يساعد على نشر الرّسالة الإنسانيّة الّتي أرسلَ الأنبياء بها، وكلّفوا بإبلاغِها للنّاس، وفي ضوء ذلك كله " ينشأ الحوار، في محاولة لتحقيق الانتصار، أو مواجهة الهزيمة، في هذه المعركة الفكرية والعقائدية "( ).
     فالحوارُ الّذي يقوم على التّعالي والكبرياء من قبل أحد أطرافِ الحوار حوار غير متقبّلٍ، لأنّ " الإنسان بطبعه يكره من يتعالى عليه، وينـزله منـزلة الجاهل الذي ينبغي أنْ يتعلَّم من محدِّثه، ويكره من يكون نصف حديثه ذِكْراً لأمجاده وتعالياً على الآخرين "، فمثل هذا الحوار لا يؤدّي إلى فائدة، ولا يُرجى منه نفع، بل قد يتفاقم؛ ليفضي إلى عواقبَ سيّئة إنْ لم يكبحْ جماحه الحكماء والعقلاء، ومن الحكمة إذا وجد المحاور الحوار خرج عن حدود المعقول أن يتوقّفَ عن الحوارِ، ويبدي المحاور رغبته الملحّة في الانتهاء من الحوار، وقطعه خشية تأزّمه، وخروجهِ عن المسارِ الصّحيح، ومن الأمثلة على هذا المنحى حوار إبراهيم مع النمرود، حيث يقول تعالى: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "( ).
     فالحوار في السّابقة بين سيّدنا إبراهيم والّذي حاجّه في ربّه بعد أن ذكر له إبراهيم صفة من صفات اللّه المطلقة، وهي أنّه يحيي ويميت في قوله:" رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ "، فإذا بالخصم المحاور يصل به حدّ المجاهرة في الشّرك أن يدّعيَ أنّه أيضًا يحيي ويميت في قولِهِ: " قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ "، فما كانَ من سيّدنا إبراهيم إلَّا أنْ أعجزه بطلبٍ آخر وهو أن يأتي بالشّمسِ من المغرب؛ فبُهِتَ الّذي كفر.
     وقد وجّهنا اللّه إلى عدم الخوض في آيات اللّه بالإعراضِ عن الّذين يخوضون فيها، وذلك في قولِهِ تعالى: " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" ( ).
     وفي موضعٍ آخر يؤكّد اللّه تعالى على هذه الخصوصيّة في التّغاضي عن الخائضين في أحاديث تقترب إلى حدّ الفجور والتّعدّي على الحرمات والإشراك باللّه تعالى، وذلك في قولِه تعالى: " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا "( ).
     وحتّى يؤدّيَ الحوار نتائجَ منضبطةً، ويرسم قواعد ممنهجة تقوم على إقناعِ المحاورين بأفكارِهم لابدّ من التّقيّدِ بعددٍ من الضّوابطِ الأخلاقيّة الّتي جاءت واضحةً في كثيرٍ من الآياتِ القرآنيّة، ومن هذه الضوابط:
أ‌-الالتزام بأهداف الحوار، وتنظيمه بما يتلاءم مع مقاصده:
     فقد أخبرنا القرآن في الحوار الّذي تضمّنته القصص القرآنيّة عن هذه القيمة الهامّة الّتي ينشدها الحوار؛ وذلك للمحافظة على الهدف المتعلّقِ بالحوار، واختصار الوقت والجهد، وكسبِ الطّرفِ الآخر، فقد جاءت الإشارة إلى هذا المتضمّنِ القيميّ في الحوار في قولِهِ تعالى في سورة يوسف: " لقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "( ).
     وكثيرا ما اتّصلت الآيات الّتي تتضمّن حوارًا في القصص القرآنيّ على أهداف محدّدةٍ للحوار؛ لتظلّ حاثّةً على النّاحيةِ الأدبيّة والتّربويّة؛ ولتكونَ قدوةً للنّاسِ في تمثّلها، ومن الأمثلة على ذلك حوار اللّه مع سيّدنا عيسى حولَ مشهدٍ من مشاهد يوم القيامة ردًّا على ادّعاء النّصارى ألوهيّة عيسى؛ فجاء الهدف من ذلك الحوار تذكير الجمع بأهمّيّة الصّدقِ، وبيان قدرة اللّه تعالى.
     يقول تعالى: " قالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" ( ).
ب_ الاستناد إلى الدّلائل والحجج الّتي تثبت صحّة الرّأي: 
     فقد أرشدتنا العديد من الآيات إلى أهمّيّة الاستناد إلى الأدلّة من المحاور؛ ليثبت صحّة الرّأي الّذي يتبنّاه، فقد وردت في القرآن الكريم عبارة (قلْ هاتُوْا برهانَكُمْ) ( ) أكثر من مرّة في سياقِ آياتٍ؛ لتدلّلَ على أهمّيّةِ تقديم البرهان أمامَ الرّأي المخالفِ، كما ينبغي أن يكون الحوار قائمًا على ضوابط علميّة، فقد أنكر اللّه تعالى من يجادل بغير علم قائلًا في محكم كتابه العزيز: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ "( ).
     فقد وردت الكثير من الآيات في سياق القصص القرآنيّ مجاراة للخصم في محاولة إقناعِه، ثمّ دعوته للتّفكّر في معتقداته، ومن ذلك قوله تعالى: " قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ "( ).
     فمن خلال الآية التي جاء الحوار فيها مبنيًّا على إثبات الباطل نجد أنّ الرسل قد راعوا في دعوتهم ونقل رسالتهم المعتقدات الأولى لأقوامهم، محاولين تقديم الأدلّة على صدقِ نبوّتهم الّتي جاءوا بها، وهذا يدلّ دلالة واضحة على أنّ الرسّل والأنبياء كانوا حريصين على تبسيطَ لغةِ الحوارِ مع الخصم " لتصحيحِ المفهومِ الخاطيءِ الّذي حالَ بينَهم، وبينَ الانفتاحِ على قضايا الرّسالةِ ومفاهيمِها في الحياةِ "( ).
ج_  استقلاليّة المحاور فكرًا ورأيًا: 
     والمقصود بذلك أن يكون المحاور على ثقةٍ واقتدار؛ بما يجعله محافظًا على عقلانيّة الحوار، وموضوعيّته وقابليّته بالنّسبة للطّرفِ الآخر، فإذا ما كان الحوار منطلقًا من منهجٍ فكريٍّ سليمٍ مجانبٍ للذّاتيّة والأنانيّة كانَ حوارًا مفيدًا ذا نتائجَ إيجابيّة، وقد نبّه القرآن في كثيرٍ من الآياتِ إلى التّفكّرِ قبل اعتناق الأفكار المتوارثة الّتي تجانبُ الصّوابَ، كما في قولِهِ تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ "( )، وقوله تعالى: " وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ "( ).
د_ الهدوء وعدم الانفعال، وتقبّل ردود المحاور:
     إذْ لا يمكن أنْ تتحقّق النّتائج الإيجابيّة المرجوّة من الحوار إذا لم يكن أطرافُه على درجةٍ عاليةٍ من الالتزام بالهدوء، فإنّ من أهمّ " عوامل نجاح الحوار أن يتمّ في الأجواء الهادئة؛ ليبتعد التّفكير فيها عن الأجواء الانفعاليّة الّتي تبتعد بالإنسانِ عن الوقوفِ معَ نفسِهِ وقفةَ تأمّلٍ وتفكير "( ).
     فقد حثّنا القرآن على عدم مجاراة الّذين يحاولون استثارة الحوار باللغو والفوضى، مصداقًا لقولِه تعالى: " وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ "( )، فمن أهمّ الصّفات الّتي يجبُ على الدّاعي إلى اللّه أن يتمتّع بها هي الأناة والصّبرُ، ومعرفة مبادئ الخطابِ مع المنحرفين عن جادّة الصّواب؛ لأنّ ممّا " يتميّز به الدّاعية النّاجح دقة في اختيار الكلمات، فلا ينطق بكلمة حتّى يصحّ مرادها، ووقعها في السّمع "( )، وفي مواضع أخرى يحثّنا القرآن عن الإعراض عمّن يسيءُ في الحوار، ولا يحسن تجاذبَه مع الطّرف الآخر، كقولِه تعالى: 
_ " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ".
_ " وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً "
.
_ " فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا "
.
_ " فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ "( ).
_ " اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ "   
      فمن خلال الآيات السّابقة نجد أنّ الحوار وجِّهَ  لمعالجةِ انحرافٍ قيميٍّ عن الفطرةِ؛ وقد جاءَ الخطاب من قبلِ الأنبياء " لهدايةِ أقوامِهم؛ فيكونَ في حديثِهم ما يشبِهُ التّمهيدَ النّفسيّ "( )؛ وليبدوَ الخطابُ قصصيّا أداتُه الحوارُ الّذي يسعى إلى تقويمِ السّلوكِ المعوجِّ، بعيدًا عن مجاراةِ المستهزئين الّذين يغيّرون مسارَ الحوارِ من الجدّيّةِ إلى الهزليّة، وقدْ دعا اللّه المؤمنين إلى التّرفّعِ عن مثلِ هؤلاءِ الفئة من النّاسِ، بقولِه تعالى: " وَإِذَاْ خَاْطَبَهُمْ الْجَاْهِلُوْنَ قَاْلُوْاْ سَلَاْمًاْ "( ).