الطفيلة - " كتب عبدالله الحميدي
كتبت الباحثة والمفكرة العربية فيفيان شويري نصا على منصة السلع بعنوان" من زنوبيا الى السيدة خديجة قصة تختصر حضارة"
وصوبت الأكاديمية د. شويري، كثيرا من المفاهيم المغلوطة، في ورقتها المعروضة امام حوارات ملتقى السلع الثقافي، وتاليا النص
قرأتُ للمرّة الثالثة وبعناية مقالة الأستاذ محمد أعطي النعانعة وعنوانها "ثقافة المرأة العربية". ولا شك أننا نهنّئ أنفسنا بباحث كبير يحمل همّ التقدم والتطور لمجتمعنا العربي والمرأة رائدته بالضرورة. "ينبغي تربية الطفل عشرين سنة قبل ولادته" كما وُضع على لسان نابليون، أي تأهيل والدته قبل أن يأتي الى الدنيا.
لن أزيد على ما افاض به الباحث محمد النعانعة، العضو في ملتقى السلع، وقد وفىّ وعناية المسألةَ حقّها. لكن أسمح لنفسي التعقيب المختصر على بعض الجوانب الحسّاسة والتي أعدّها مغالطات تاريخية تتكرّر وتردّد وينبغي وضع حدّ نهائي لها على ضوء المنطق والمنهج التاريخي:
- زنوبيا ملكة تدمر (حكمت سبع سنوات من 267 الى 273م) لم تكن الملكة الوحيدة في المشرق في عصرها ولكنها ملكة يعني أنها سليلة ملوك وملكات؛ والممالك عنوان تقدم عمراني ومدني لا مندوحة عليه؛ و"هذه آثارنا تدلّ علينا"، على رأي شاعر القطرين، خليل مطران، ابن بعلبك- لبنان وما أدراكم ما بعلبك! وليست تدمر الجريحة أقل شأناً.
- ما اشاع استعماله طه حسين من عبارة "جاهلية" في "الأدب الجاهلي"، والتي يشار بها للدلالة على فترة ما قبل الإسلام لا صحّة لها ولا برهان، فلا يمكن وإنه من غير المنطقي أن يخرج رسولٌ من أمّة "جاهلة" بمعنى أنها بدائية أو همجية، "إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق". أي أخلاق تلك؟ أهي التي في الصين حيث يدعو الى طلب العلم مثلاً، أم أخلاق بني جلدته وأمّته العربية قبل أن يصطفى لقيادتها تحت لواء الإسلام؟ ومعنى ذلك أنه كانت هناك أخلاق؛ وليست بعض الممارسات الشاذة التي سُلط الضوء عليها بكافية لتعرّف وتختصر حضارة برمّتها. وبرأينا "الجاهلية" التي يريدون بها العصبية القبيلة هي إدغام كلامي بمعنى (الجاه لي) وهذه سمة قبلية مميّزة للعرب وإن إيجابيّاتها أكثر من سلبيّاتها، فهي عنوان لحمة وتمسّك بالتقاليد ومحافظة؛ وغالبية عادات العرب كانت قيم جليلة ومكارم أخلاق ومآثر وحكم وتدبير وزعامة قلّ مثيلها؛ وتزخر الثقافة والأدب العربي بالأمثال والحكم وما شابه ويكفي المعلقات شاهداً. وما الآية الكريمة: } وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا{ ( الفرقان،5 ) سوى البرهان القاطع على أن ما أتى به الأولون لا يُنكر ولا يمكن تجاهله، مهما أوّل المؤّولون سلباً في حقه!
- في هذا المجتمع العربي الحضاري، عمرانياً وثقافياً وفكرياً وتجارياً، والمتأزّم سياسياً بسبب تشويش السلطة الرومانية الاستعمارية والتي بثّت عيونها في كل أرجاء المشرق لوضع حدّ للحركات الثورية السورية ضدها لعدّة قرون خلت، نشأت السيدة خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية ( 556-619م ) والتي كانت تسيّر قوافلها التجارية بين الحجاز وبلاد الشام وهي نفسها بلاد الملكة زنوبيا العريقة، والفرق الزمني بين المرأتين، حوالي الثلاث قرون ونصف، وهي تقريباً المدة نفسها التي تفصل ما بين زنوبيا وكليوباترا، ملكة مصر، والتي كانت تعدّها زنوبيا، ودائماً بحسب الرواة، أمّها الروحية وتستلهم منها عزمها وقوتها في محاربتها الرومان.
- وكانت خديجة ابنة عم ورقة بن نوفل الذي اختلف حوله، فقيل كان حنفيّاً أو نصرانياً. وقيل أيضاً يهودياً وهذا مستبعد تماماً، برأينا، لأن موافقته على زواج خديجة من محمد تثبت ذلك، كون اليهود كانوا، على قلة عددهم، أكثر من أضمر العداوة لمحمد. فإذا كان ورقة بن نوفل نصرانياً يعني أن بنت عمه خديجة نصرانية، "وأبوكم إبراهيم سمّاكم مسلمين من قبل"! فالدين الذي ينبغي أن يكون للعربية هو الإسلام وهذا ما يفسّره قول الفاروق العادل، عمر بن خطاب "لا يجتمعنّ في جزيرة العرب دينان".
- كيف تأتمِنُ خديجة شاباً يافعاً مضطهداً وملاحقاً في قومه على تجارتها وترسله الى تخوم الشام وهو أميّ على حدّ ما روته السيّر؟ والمنطق لا يقبل هذه الفرضية مطلقاً، لذا برأينا صفة "أميّ" هي مدغمة وبالأصل هي "أممي" أي من الأمة وهو فعلياً صانعها والمرسل لتوحيدها ومؤسّس دولتها تحت راية الإسلام. وزواج خديجة بالمصطفى ومناصرتها الدعوة يدعم موقفنا من أن دين العربية واحد بشقيّه المسيحي والمحمدي ويدعى الإسلام.
- هنا يبرز دور خديجة الريادي، ليس فقط كامرأة تتولى الأعمال والتجارة ولها من السلطة ما لها في قريش، بل كحفيدة لزنوبيا وسليلة الملكات المشرقيات اللواتي لعبن الدور الأبرز في الدفاع عن أمّتهن العربية ومؤازرة رجالها ودفعهم الى العمل القومي، والذي تحقق وتكلل بالنجاح على يد الرسول الأكرم محمد.
هذا غيض من فيض مما يمكن سرده عن عشرات الأمثلة التي تعكس حضارة عربية رفيعة المستوى نشأت منذ 5000 آلاف سنة قبل الميلاد، من السومريين والبابليين والأشوريين أو السريانيين وتستمر معنا الى الآن؛ ويحضرني هنا رأي "أرنولد تونبي" واضع "تاريخ العرب"، من أن جغرافية الإسلام العربي ويعني المشرق العربي، هي نفسها لم تتغيّر رقعتها منذ نشأتها، فقط تغيّرت الأسماء التي توالت على قيادتها.
أرض ولادة للمدنية الأولى والعمران والكتابة والقوانين والدساتير والصناعات والفنون والفكر والأخلاق وقد علمتها للعالم، كيف توسم بالجاهلة؟ هذا ما لا يجوز ومن هنا ضرورة تهذيب التاريخ وتنقيحه واستبعاد المتعدّين عليه ووضع حدّ نهائي لخزعبلاتهم.
وفي قراءآت بعض اعضاء الملتقى للورقة يوضح الشاعر بكر المزايده ان هناك مغالطات كثيرة في التأريخ والأدب. وورقة ابن نوفل اغلب المصادر تثبت انه نصراني. ولكن لم يثبت عن خديجة رضي الله عنها أنها اعتنقت الديانة النصرانية. وقد تزوجت بالرسول عليه السلام قبل البعثة بخمسة عشر عاما وصدقت به وثم آمنت به بعد نزول الوحي. وكان ورقة بن نوفل قد بلغ به العمر وفقد وبصره وبعد نزول الوحي على الرسول عليه الصلاة والسلام واخبرته خديجة بذلك قال ورقة بن نوفل انك لانت نبي هذه الأمة. والجاهلية كانت جاهلية وظلال ديني وليس أخلاقي باعتقادي. وهل كون خديجة عمها نصراني ان يكون الدين الإسلامي شقين؟ لا أعتقد ذلك.
ويتداخل معها رئيس مجلس إدارة مؤسسة اعمار الطفيلة، د. غازي المرايات، الذي وصفها بالارزة الباسقه، قال
عزيزتنا فيفيان
جئت الليله باءضافات نوعيه تجلي ما علق
بالذاكره من تشوهات
تناقلتها الأجيال دون
تمحيص وأخذ بها كمسلمات غير قابله...
للنقد أو التحري العميق
عن الحقيقه، لذلك منشرح الصدر و مرجحا
لمصداقية ما ذهبت اليه
في هذه المقالة الرائعه، التي يزدهي بها ملتقانا
الرائع.
دمت دائمآ بخير وصحه
وسعاده بين أهلك وأحبابك.
وفي تعليقه قال الشاعر خليل الخوالده، الحقيقة ان كل الأنبياء دعوا لدين الإسلام (وهو التوحيد والاستسلام والانقياد لأمر الله)....
و الاديان التي جاء بها الأنبياء ولم تُحرف هي أديان لا ضلال فيها ابدا ومن اتبعها فقد نجا عند الله...
لكن الموضوع ان التحريف وهوى رجال الاديان او الحكام يدخل في الاديان فيدخلها الضلال والتيه..
وأما ان خديجة كانت نصرانية ام لم تكن فذلك لا يغير شيئا في حقيقة انها كانت إنسانة بكل معنى الكلمة في تعاملها مع الرسول قبل وبعد النبوة....
نحن بحاجة يا اخوان للبحث عن عوامل قال انها تجمعنا وتوحدنا وترسخ انسانيتنا لا ان نبحث عما يفرق وان نتشبث بقشور لا تغني عنا شيئا او ندعي وصلا بالدين عند النقاش او الحديث وجميع اتباع كل الديانات غير مطبقين لما فيها ولو كنا او كانوا كذلك لما وجدت من اشكالية تصدر عن جذر.... هو الدين...
جميل أن نكون تحت مظلة الإنسانية ونحيا أخوة.. وبخاصة اننا ادعياء وصل بليلى.. او بالاديان..
وثمن الاكاديمي د. كامل الطراونه لها تلك الاضاءات التاريخية وتحليلها الجلي للكثير من المغالطات التاريخية والمغالطات في المفهوم وهذا ان دل على شيء فانه يدل على القراءات العريضة التي توظفها الدكتورة في ازالة الكثير من الشوائب التي رانت على الكثير من الحقائق التاريخية عبر قرون ضاربة في اعماق تاريخنا الانساني شاكرا لها هذه الغربلة التحقيقية.
لكنني ارغب ان اشير الى ان مفهوم الجاهلية هو ليس مفهوم حضاري بدليل العرض الواسع لحضارة العرب وقيمهم في العصور الجاهلية التي انارتها الدكتورة. ولكنه مفهوم يتعلق بالدين اذ ان الرسالة الاسلامية جاءت متاخرة قليلا وكان عرب الجاهلية يعيشون في فراغ ديني . ومفهوم الامية عالق بالفراغ الديني في الجاهلية وليس بالحضارة والعلوم والدليل انه بعد فتح مكة كانت الكتابة موجده والشعر والادب والاخلاق والكرم ..
الشاعر خليل الخوالده قال ان المبادئ من الله ونحن من يحيد ويشوه وجهها وهذا ينطبق على كل الاديان... يهود نصارى ومسلمين.. ولذلك انت لا تحاكم المبدأ من حيث تطبيق الأشخاص له وإنما من حيث هو كمبدا.....
فمثلا الدولة العثمانية رعت الدول التابعة لها سنوات بمبادئ راقية وعادلة إلى أن جاء اتاتورك فهاجم اللغة وفرق بين الناس من حيث القومية والعرق.... وهكذا فعلت كل الدول المستعمرة فرنسا... في لبنان ومصر وتونس والجزائر (ملايين الشهداء).. و الانجليز في الأردن وتسليمهم لفلسطين... والايطاليون في ليبيا...
وهكذا قال ان كل الدول تستغل قوتها لتغيير لغة وقيم الدول التي تحتلها (والتي هي اصلا ضعيفة)...
والدكتورة فيفيان حنا الشويري من مواليد زحلة-لبنان ١٩٦٨ وهي استاذة الاثار والميثولوجيا واللغات القديمة قي الجامعة اللبنانية، وباحثة وناقدة ومترجمة، ولها عدة مؤلفات دراسات وترجمات، باللغات العربية، الفرنسية والإنكليزية، اخرها كتاب «علم اسماء الاماكن».