آخر الأخبار

د. الطراونه يتتبع سر الإعجاب الجاهلي بالناقة

راصد الإخباري :  

الطفيلة - كتب عبدالله الحميدي
حلل د. كامل الطراونة على منصة السلع الثقافية. بعض اسرار اهتمام الشعراء بالناقة.  
وقال انها اسرت كثيرا من القوافي عند الجاهلية، تبعا للالفة والإعجاب والمنفعة

وتاليا نص المقال، 

 يا لجمال وصف الشاعر الجاهلي.. ذلك الموروث الرائع ، ويا للمسؤولية العالقة بنا معشر الادباء من ان نمسح بحروفنا الغبار عن ذلك الموروث، كي يسمو ونتواصل معه؛ لنثري تجربتنا في الادب الحديث .
واليوم سنقف امام " لوحة الناقة" في قصيدة الوصف الجاهلية:
اهتم الجاهليون بالناقة اهتماما عظيما ، وملاوا مطولاتهم باوصافها، حتى يكاد يتولد  احساس عند المرء ان هذا الشعر  هو شعر الابل وحده، وحين تقرا في المخصص لابن سيدة تجد المؤلف قد خص الابل بنحو مائة وسبعين صفحة من صفخات معجمه الكبير، تحدث فيها عن اسمائها وصفاتها والناقة سفينة البدوي في صحرائه ، يقطع فيها القفار والفيافي، وهي مصدر مهم من مصادر طعامه وشرابه... وبها يقامرون ويدفعون الديات، ويجودون في اوقات الشدائد.

وقد فتنت هذه الناقة الشاعر الجاهلي، فوقف يتاملها، ويرد بصره فيها، واخذ يوصفها عضوا عضوا، ويصف هيئتها وطباعها، وما يداخل صدرها  من احاسيس ومشاعر، ويتحدث عن علاقتها به، كانما هو يتغزل بها؛ لانه يرى فيها نواحي الجمال، وعبقرية الكون التي لا يحيط بها وصف.

ولعل من اهم ما يميز هذا الموروث الشعري الضخم الذي خلفه لنا الجاهليون في وصف الابل:
_ خشونة اللغة وصعوبتها،فانها تخشوشن وتستغلق على الفهم ، بل " يندر ان تنطق الالسنة بها الا عند الاخصائيين" وما نحسب  ان هذه اللغة شديدة علينا وحدنا، بل نظنها انها كانت شديدة على معاصري الشاعر الجاهلي ايضا ،لانه " يصور صورة قوية شديدة فيتخذ لها الفاظا تحكيها".

_ تقارب الصور بحيث يصعب على القارئ ان يفوز بملامح ناقة انفرد بها ذلك الشاعر ، ولم ترد عند سواه، ويصبح من الصعب ان لم يكن من المستحيل، " ان نفرق بين شعر هذا الشاعر، او ذاك في الناقة، فاسلوبهم فيها متشابه الى حد كبير، والصور التي يلتزمونها، والاساليب التي يجرون عليها ، تكاد ان تكون انماطا ثابتة لا تغيير فيها ولا تبديل الا في حدود ضيقة.

لقد انتهت لوحة الرحلة الى شعراء العصر المبكرين، وهي مستكملة لكثير من عناصرها، ولعل اوضح تلك العناصر هذه الجسور اللفظية التي تؤدي اليها بعد انتهاء لوحة الافتتاح، وتتخذ غالبا صيغة " تسلية الهم" .

والناقة هي وسيلة الشاعر واداته التي يستعين بها على بلوغ الهدف من موقف الصراع، ولهذا فانه قد يفرغ لوصفها الذي يستمد عمقه،  وامتداده،من تحفزه الذاتي، واستعداده الفني لمتابعة تفاصيل مظهرها الفني، الذي طال تامله له، وامتزحت له في نفسه عوامل الالفة والاعجاب والمنفعة.

ولقد ظل الشاعر الجاهلي يتابع تلك التفاصيل التقليدية، ويحاول ان يضيف اليها جديدا وتتجه الاوصاف والتفاصيل الموروثة الى التركيز على ضخامة الناقة، وشدتها، وصلابتها، وسرعتها، فهي تجسر على السير، موثقة الخلق، محكمة ليست مما يلقح، فلا يدر لبنها، ولا تضعف بذلك قوتها البدنية، تشبع العير في صلابتها، قال الاسود النهشلي: 
ولقد تلوت الظاعنين بجسرة
اجد مهاجرة السقاب جماد
عيرانة سد الربيع خصاصها
ما يستبين بها مقيل قراد

وناقة علقمة الفحل التي حملته الى الحارث الغساني ناقة نشيطة قوية، صابرة على الهاجرة، تواصل الليل بالنهار في سيرها السريع الدؤوب، وكان صيادا يلاحقها، على الرغم من طول الرحلة، وبعد المسافة التي تفصله عن الممدوح، وما يلاحقها من اخطار لا تواجه المسافر فقط، بل تعرض للناقة ايضا، فالماء الاجن المتغير الطعم، والجيف المتناثرة التي ظهرت عظامها البيض لنياق ضعيفة لم تستطع ان تكمل المسيرة، وعلى الرغم من عظم المشاق فان ناقته الجريئة القوية هي القادرة على ان تحمله الى المكان الذي يريد.

ولا بد ان تكون حذرة نشيطة حادة الذهن، وهي في خشيتها وترقبها وسرعتها تشبه البقرة المذعورة الخائفة من صياد الم بها يتابعها. وقد سبقت هذه البقرة الشبوب نبال الصيادين وكلابهم، وقد استتروا بشجرة الارطي ليرموها. وهي في شدة سيرها تميل الى افياء الظلال لشدة لفح الهاجرة، تقطع الفلوات المخيفة، وهذه الفلوات لا تقطعها الا ناقة  قوية جلدة...

* لقد طال الحديث عن وصف الناقة .. ومع ذلك بقي من موروثها الكثير الكثير..وفي قادم الايام ساكمل بعضا من الموروث.

املا لاعضاء الملتقى كل نجاح لانارة تراثنا في جوانبه المتعددة.