الطفيلة - من عبدالله الحميدي
"أبو_إحنيك" قصة د. سالم الفقير. في ثنايا الندوة الخامسة
تطوف بالمكان. وترسم بعمق، بيئتنا، وتصور هدير الناس، وضوضاء الطبيعة. وسكينتها
وتاليا نص القصة،
"لا أستبعد أن يكون هذا الرجل قد أصيب بطلق ناري" أو ربما أصابه مرض جعل حَنَكَه في هذا الاتجاه!! دائما ما كنت أسمع اسمه يتردَّد في العربان، وفي (شِقِّ) والدي....لا، بل إنَّ الشعراء توعَّدوه بالقتل والسَّلب والنَّهب هو وعسكره، لكن هيهات هيهات!! إنما هي أحاديث العربان وقصيد (الرِّعيان)...
الوقت ما بعد العصر، والشَّمس تتأهَّب لتُسْدِل على نفسها ثوب الحياء، فقد أعياها التَّعب، وصار لزاما عليها أنْ تتوشَّح برأس الطويلة!! وكالعادة أجلس على صخرة بالقرب من (الصِّنْع المعلَّق) لا أنتظر شيئا سوى مغيب الشَّمس، فالشَّمس عندما تغيب تُغَيِّبُ عنَّا الجوع والفقر والألم؛ لأنها تستبدله بالنَّوم...لكنها تأتي لنا بالبَرْدِ أيضا!!
من بعيد (العَجَّة) تظهر لي من جهة (أم الفناجيل)، لكنها تظهر من جسم غريب لم أره من قبل!! ليست من حوافر الخيل، ولا من مَنَاسِم الإبل!!! خِفْتُ كثيرا؛
واختبأت خلف الصخرة، ورغم أنَّ المسافة بعيدة بيني وبينها، إلَّا أنني كنت أرقُبها بين الفَيْنَة والأخرى من خلف الصخرة....!! فضولي في معرفة ذلك الشيء قتل خوفي، وعندما اقْتَرَبَتْ قليلا وقفتُ على الصخرة، وإذا بها تلك العجيبة التي ملأت العربان حديثا!!! أرى في داخلها ثلاثة رجال، أحدهم يتحكم بها ويرشدها إلى الطريق، وآخران واحد عن يمينه، والآخر خلفهم... وجميعهم يرتدون لباسا عسكريا ومسدسات لم أرَ مثلها من قبل!!
أشار إليَّ أحدهم أن آتي إليه، وهو الذي يجلس في المقدمة عن يمين الذي يتحكم فيها...وحتى لا أظهر أمامهم بصورة الطفل الخائف، تقدَّمت إليه وأنا أُحَدِّق في وجهه مليَّا، وبنبرة الرجال خاطبته:
_قوَّك..! جيرة الله للقهوة، إفلحوا يا رجال! بيتنا قريب...
تبسَّم لي، ومدَّ يده أمامه وأعطاني علبة مستطيلة الشكل، ثمَّ لوَّحوا لي ثلاثتهم وغادروا... وأنا لا زلت مشدوها ب(أبي إِحْنيْك) وبهذا الشيئ الغريب الذي يحملهم...!!
خلوت بالعلبة مستطيلة الشكل_وأنا وجِلٌ منها_فلم نعهد مثلها في العربان!! وضعتها على الصخرة؛ لأرى إن كانت ستتحرك أم لا!! عدت إليها ثم بدأت أفتحها شيئا فشيئا، فكثيرا ما أستمع لقصص (القناصين) الذين يجدون القنابل اليدوية في المقناص، وكثيرا ما تصيب بعضهم بالأذى...
لكن الرجل أخرجها لي من أمامه، ولو كانت كذلك لتفجرت في يده!!
أزحت الغطاء البلاستيكي عنها، وإذا بداخلها مجموعة من الألواح بنية الشكل صغيرة الحجم، لكنها كثيرة، ورائحتها ذكية... وضعت واحدة في فمي لأجد طعمها فيه من الحلاوة ما فيه...!!! التهمتها كاملة، وعيناي ترقبهم عَلِّي أظفر منهم بعلبة أخرى...! تلك كانت أول مرة لي آكل فيها ما يعرف ب(البسكويت)!!!
في صبيحة اليوم الثاني مجموعة من الفرسان يقصدون (شِقَّ) والدي، ويأبى والدي إلا إكرامهم... وعلى عَجَلٍ يذبح أخي الأكبر خروفا_قاده بعد أن تبع عمِّي في المرعى_ لم يمض عليه الحُول، لِتَلَوْحَ والدتي (عَجْنَةً) كاملة، وتضع الخروف كاملا في (قِدْرٍ) ليطبخ ممزوجا في اللبن!! وبعد أن أتَمَّ العسكر الغداء وَمَنْ صَحِبَهُم من العربان صوتٌ يلجلج صداه في كلِّ بيت، وكلِّ منزلة من منازل العربان!! العسكري الذي كنت أصبُّ له القهوة
توقف قليلا وأصغى جيدا، ثم تكرر الصوت مرة أخرى بنبرة أدركها كلُّ من في (الشِّق):
عَسْكَر أبو إحْنيك مَرْطُوبَة
ونابِشِيرَك إبْذَبحِتهُم
شِهْبَ الحناتير مَكْسُوبَة حتى البنادق إوْزِهْبِتْهُم
_مين هذا اللي بَدُّه يذبح عسكر (كلوب باشا) ويسرق الأسلحة والسيارات؟!! عسكر، هاتوا لي إياه...
قالها العسكري الذي كنت أصبُّ له فنجان القهوة بعد أن رشف الفنجان رشفة واحدة، وبدت عليه علامات الغضب...!!
_لا يا شاويش، هذا رجل ما بعرف إنكم هانا، وبعدين هذا سمعها من ناس وما بعرف مين هو (كلوب باشا) وبحسابها هجيني...! وغير هيك هذا أخو إمعزبكم، وما هي زينة في حقنا وحقكم...!
تلك كانت مفردات (أبو هارون) للشاويش بعد أن أدرك مراده!!
ألحَّ الحضور على العسكر في تجاوز الموضوع، على أن لا يعود إلى ترديدها مرَّة أخرى... لكن عمَّي تجاوز المغيب وهو يسلب العسكر ويسلب (أبو إحنيك) ويسلب كل شيء.
ويراه اول المعلقين. محمد النعانعه لافتا لما كان يدور في (الشق) من اكرام الضيف وادارة لشؤون العرب من نقاشات واجتماعات وامور تهم القبيلة ودور شيخ لقبيلة في وقت كانت غالبية الناس جوعى
لكن مقابل ذالك فهو يرى ما لدى الناس من الكرامة والشهامة والمودة والعفة ومحبة الجار وكل الصفات الحميدة
ودمت علما ثقافيا وانسانا بارا نعول عليه كل خير وعطاء للثقافة والمثقفين في محافظتنا الابيه
لا عجب، كما يراها د. صقر الصقور ان تتسلم ادارة الثقافة .. و يسعدني لقاؤك و قراءتك ..
نص جميل يصب المعاني .. و يمسك بتلابيب الكلمات ..
وفي التعليق قال أ. احمد الحليسي، باها قصة رائعة ابرزت فيها الشخوص وتفاعلاتهم وابو حنيك شخصية تمثل الاستعمار بشروره، يسمع عنها جيلنا ويعرفها الجيل الأكبر منا، اللغة متميزة والأفكار والأحداث متسلسلة،
اما الشاعر محمد الشروش، فاءن
الشخوصُ والأماكن حاضرةٌ في ذاكرته
ملحمة أعرابية ألهبتها حرارة الصحراء..، في توصيف الشاعر ايمن الرواشده، الذي قال انها جاوزت بصداها عنان السماء قبل أن تولد الهواتف والتلفزيونات.. وأجمل الحكايا تلك التي تنسج ارتجالاً في شِق الشيخ ..وتكون بمثابة درس رائع للصبيان والأطفال الذين يلقون أسماعهم لتلك الحكايا التي تثير فيهم النخوة والدهشة والحمية..
وقال "مبدع دكتور سالم" في التوصيف الدقيق والتسلسل الرقيق الذي يؤلف أوصال الحكاية ..ويشدنا إليها بكل حماسة..
أبدعت قاصاً يعرف من أين تُؤكل الكتف..
ويصف د. عاطف العيايده النص بالعريق الذي يعيدنا لثقافة التراث التي تكاد تختفي في ظل المعترك الحداثي، أسلمتنا في نصك إلى جماليات السرد المبني على ثقافة عالية.. .
الله ...الله...الله...يا ابا ايسر . نص مانع ممتع ...قالها د. عبدالمهدي القطامين، الذي واصل بالقول. انه استنطاق المكان والزمان زاداه القا على الق ...حوارية الانسان والمكان جميلة وروح التمرد الساكنة الاجداد روحا وثابة .. منعتقة ...جموح وما بين ام الفناجيل وطويلة حمده ثمة الكثير من الحكايا لا يعرفها الا من رود تلك الهضاب والجبال وسامرها في مساءات تموز والشاي يتكىء على حضن النار ...وصياد ينتظر فريسته.... خائف مما تخبئه تلك الدروب الوعرة
وفي مداخلته قال الشاعر محمد الشروش. لافتا لتعليق د. عبدالمهدي القطامين. "مداخلاتم وتعليقاتكم تزيد النصوص ألقاً على ألق وتدخل القلوب وتزيدها بهجةً وهي لوحاتٌ جميلةٌ مبدعة"
وفي اقتضاب اثنى د. غازي المرايات. على القاص والقصة،
وقال كذلك، سلمت يمناك أيها الأديب
الفذ.. وراعي الثقافه والمثقفين في الطفيله.
ويعدها الاديب هاني البداينه، جزء من جهد روائي توثيقي مهم، لا أدري كيف اخذتني الحبكة وكيف نقلني تسلسل الأحداث الساحر نحو عبد الرحمن منيف في "مدن الملح" وهو يشرع في توصيف المشهد المحلي واقترانه بالحدث....
وقال، ننتظر "تراب الجنوب" كاملا، حيث تنتظم فيه ذكرياتنا في الجنوب وحيث تعيد المشاهد إنتاج الحياة الجميلة وتعيدنا فتية حصادين في التلاع وجنودا في البيادر والخنادق....
ويخاطب الشاعر بكر المزايده، القاص بالقول، أخذتنا بعيدا.. بعيدا، حتى اوغلنا في دهاليز الذكريات، نلملمُ ما تناثر من الحكايات. ونقف على الطويلة وام الفناجين وخلدّت المكان والزمان يا ابن الجنوب فلا عجب وأنت القاص الكبير والناقد البصير. أبدعت جدا صديقي العزيز ولا نبا قلمك.
وعلق الشاعر محمد العجارمه بالقول انه سرد مدهش ولغة بها ما بها من شيقات الحكايات الخالدة، الرمز الجنوب هو ذاك المعنى الطاعن في المعاناة والصمود وكل رايات الطموح دام هذا البوح الأكثر من مدهش
وتكتب د. حنان الخريسات توضيحا فيه ان ابو حنيك سمي كذلك لاصابته بشظية من قنبلة حطمت فكه السفلي وشوهته في الحرب العالمية الاولى 1917 وتقلد وسام الصليب الاحمر بعد اصابته واطلق البدو عليه هذا الاسم بعد الاصابة ,,,,, نص جميل ..