الطفيلة - من عبدالله الحميدي
قدمت د. لبنى الحجاج، مديرة التربية والتعليم في الطفيلة، قصة "ذكريات مدرسية" في اطار الندوة الخامسة لملتقى السلع.
وكتبت نصا رائعا، حاز على اعجاب الاعضاء في الملتقى هذا نصه
"يذهب أيلول على عجل، ولم تأت معلمة اللغة الإنجليزية بعد.. إنهاء سنة" المترك" ، والوقت يعبث بأعصابنا
يراجع أولياء الأمور ليروا تحرك التربية لحل الأزمة، ليس ثمة معلمات للانجليزية في المحافظة، تمر أيام ليقولوا ستحضر معلمة قريبا،.. حصة الإنجليزية اليوم ثالثة الحصص، تمر المناوبة من أمامنا قائلة بصوت يخالطه الضحك : ثواني وتحضر المعلمة الجديدة.. يُفتح الباب ليكشف لنا عن صورة لم نألفها لمعلمة، بدا لنا شعرها المتناثر بخصلهِ التي طالها من التجعيد المقصود كما لبدة الأسد، ومجموعة من القلائد تذكر بتمائم عبس وتميم،
اما أساور الفضة على معاصمها تمتد بسفور عجيب وألوان من الخرز الجميل تكفي لملء طفولة كاملة، لا تكاد تجد بداية السوار أو نهايته... تتشابك كما تشابك خصلات شعرها، تدخل وتلقي التحية ونرد التحية وعيوننا تشابك سوارها ، وخلخالا ً بدا لنا خجولاً على طرف قدمها، قالت لنا إنها خريجة الأدب الانجليزي من العراق العظيم، لم ترق لنا كلماتها لأن رنين الأساور حجب عنا كل صوت،
خطت كلمات بالإنجليزية بخط متعجرف متشابك كما شعرها، سألت، لم نُجب، رمت الطبشورة وقالت :"ما بتفهموا" ... وقتها علمت أن العلم والتعالي لا يلتقيان، ولابد للعلم من حب فريد ،
جلستْ على طرف الطاولة بعد أن مسحتها بأطراف أصابعها، عدلت جلستها لنسمع صوتا ناشزا لذات الأساور، تضع ساقا على أخرى فيبدو خلخاها جريئًا على طفولتنا ، أظهرت رغبتها أنها لن تستمر معنا، فبادرتها احدانا : "وين بدك تروحي يا مس "قالت : مضيفة طيران، أنتظر اتصالهم، كنت مترددة والآن سأذهب إذا اتصلوا بي" ،
ظهرت بعض الضحكات المغمورة من ساكنات الصفوف الخلفية، ما الذي سيُسكت خلود؟ ويوقف هدير تعليقاتها، زاد التهامس في الصفوف الأمامية لم يقطعها سوى صوت الجرس، خرجت وأخذت أفكارنا معها، هل ستستمر.؟ . وقتها علّقتْ إحدى الساكنات للدروج الخلفية درب تودي.......،
حضور مقتضب واختفاء سريع تبشرنا به ذات المناوبة ذات يوم قائلة :" معلمتكم طارت...راحت ع المطار" .. وبذات الضحكة، وأغلقت الباب وأغلقت معها هدير أفكارنا، تمر أيام ويأتي خبر قدوم معلمة جديدة من خارج المحافظة مع منتصف تشرين، ننتظر اليوم الموعود، يُفتح الباب يظهر وجه ملائكي طفولي جميل، تطل أيضا بمظهر جديد ترتدي "ترواكا" كما كان يسمى ويظهر من تحته تنورة رمادية اللون وبمنديل بذات اللون ربطته حول عنقها بارتياح ليظهر منسابا كما جدول الماء،
تدخل وتبتسم تبادرها خلود :" ممكن نتعرف يا مس" ، تبسمت وقالت :"منى...
بسرعة البرق اتجهت للسبورة كتبت ثلاث جمل لا غير بخط جميل واضح ، اذكر أن إحداها تبدأ ب If l......, l will.......طلبت منا مطلوباً لكل جملة لنكتبها على أوراقنا، لا شك انها كانت تقيس معرفتنا بمفهوميMain clause
Reported speech..
لأعلم بعد سنوات أنه اختبار تشخيصي سريع، تقف بوقفة الحكيم وتتحدث إلينا : "بنات ما في وقت... السنة خلصت وانتو مستواكم مش ولا بد، بدنا جهد كبير لازم تصيروا احسن، لازم نتعب مع بعض حتى يصير مستواكم أحسن"،
كلماتها كانت تحمّلنا مسؤولية تعلّمنا وكانت بمثابة الصفعة التي سنصحو على وقعها، تمر الأيام وهي تغزل لنا الإنجليزية لحنا ً ولا أجمل، تأخذ من الحصص السابعة وتسابق صوت الجرس ، ومتعة الاستراحة حتى ننهي المقرر، حادثتنا ذات مرة وشعرت أننا على غير وفاق مع التحدث بطلاقة، وكان أن دربتنا على مسرحية بالإنجليزية تتحدث عن جندي سيذهب للحرب ويحادث فتاة يريد الزواج بها أذكر انها تبدأ بحديث الفتاة
Mary :
Soldier.. Soldier will you marry me?
ويرد الجندي :
Mary. Mary.. I can't marry you.. For l have no jacket For you...
كانت الغاية من المسرحية توظيف جميع الكلمات الخاصة بالملابس بأسلوب مسرحي، وتشجيعنا على استخدام اللغة وكانت تقول "معلش يا مس لازم نحكي ونكتب انجليزي منيح... ،
كان تقديم المسرحية في يوم نشاط عام.. صُفت المقاعد على أطراف الساحة وكنا نستعد ونجهز أنفسنا في غرفة صغيرة، ننظر من خلف نافذتها فنشعر كأننا أبطال عرض يوناني على مسارح الإغريق، تدخل علينا الغرفة.. ترفع نفسها على أطراف أصابعها لتبدو أطول ونراها جميعا. تُحفزنا.. "يا عيني ما أحلاهم بناتي الحلوات" عندها شعرنا بأننا أباطرة والجمهور ينتظر ليحيينا، كان لابتسامتها سحر يحركنا كما المخرج المتمرس، تصلح من هندامنا، تربت على أكتافنا وتخرج وكأنما غرست طيفا من روحها معنا،
دهش الحضور من روعة الأداء، وصفقوا لنا ولكن أرواحنا كانت تصفق وتغني لمُخرجتنا، ما أجملها من لحظات....انتهى الفصل وتقدمنا للامتحان وكانت علاماتنا مدهشة... سعدنا وتمنينا لو كانت بيننا عند ظهور نتائجنا قالوا إنها غادرت، نُقلت فجأة .. كل ما حلمنا به أن نرى السرور على وجهها ونشكرها لعظيم صنعها... ولكنها غادرت بحثنا عنها وقالوا لن تعود، كانت فرصة لها لتُنقل حيث أهلها، غضبنا لم تودعنا، لم نسلم عليها...
وحضرت معلمة أولى الحصص لتخبرنا أن "مس منى" تسلم عليكن جميعا وهي لا تحب لحظات الوداع لذا سافرت بسرعة.. لا أذكر ساعتها سوى صوت البكاء المرير... وبعد لحظات من هول صدمتنا قالت إحداهن"يمكن لسه بعدها بسكن المعلمات" انتهى اليوم الدراسي وكانت أقدامي تسابق العبرات والأفكار.. اقتربت من سكن المعلمات القديم في منطقة البقيع حيث يقبع على طريق بيتنا، فكم كان المكان رفيق أرواحنا ومحرك مشاعرنا وذكرياتنا، حادثتني نفسي بالدخول والسؤال عنها.. منعني الخجل والتردد والأسى.. نزلت بضع درجات ولم أُكمل.. حاولت أن أختلس رنينا لصوتها ولم أسمع..
وقالت الشاعرة والاعلامية آيه الحراحشه
في تعليقها على ما في القصة، "يا له من نص مفعم بالذكريات المعطرة برائحة الماضي الجميل.. أسلوب سردي مميز وعبارات متفوقة على مضامينها.
وتمتع بالقراءة الاديب محمد التميمي، وقال انها كلمات وصور بلاغية عاش فيها كأنه في داخل الفصل الدراسي .... وذكريات المدارس وشده التعبير "العلم والتعالي لا يلتقيان" ومقارنة جميلة مع المعلمة "الإنسانة " التي أخذت بيد الطالبات
وأخال الدكتورة لبنى ترمي لهدف "انسانية التعلم"
وتضيف الشاعرة آيه الحراحشه ان لاشيء يصف هذا الجمال وتلك الحروف النابضه،
فيما رآها الاديب احمد الحليسي، قصة رائعة وواقعية قال انه قرأها من اول كلمة إلى آخر كلمة، العاطفة فيها واضحة، اللغة سليمة وسهلة، فيها روعة الانسان المنتمي لعمله ومهنته، وصف دقيق للأحداث،
وكما اشار في تعليقه الشاعر محمد الشروش بالقول سلمتِ الأخت الدكتورة لبنى على هذا الإبداع وهذا التألق وهذه الواقعية التي تستند إلى التجربة والخبرة العميقة واللغة الأخّاذة، فقد اثنى الشاعر بكر المزايده على هذه اللغة التي ينساب بها الدفئ وهذه الكلمات التي تلهثُ خلفها المعاني ويزين ظفائرها تمائم من اجواف الذاكرة المعتّقة.
ويراها د. غازي المرايات قصه جميله تحرك المشاعر النبيله... وتعبر عن قيم إنسانيه أصيله
وفي توصيفه للقصة قال رئيس الجامعة د. محمد الحوراني ان د. لبنى ، وصفت فأجادت و نقلت صورة نابضة بالحياة للعلاقة السامية بين المعلم و المتعلم و التأثير الكبير للمعلم على المتعلم و هذه الصورة الجميلة تضرب جذورها اعماق ثقافتنا العربية الاسلامية
واشاد الشاعر محمد العجارمة بالقصة وقال انها لغة شيقة، وسرد عبق، تفاصيل تتقاطع مع يومياتنا الكثيرة، الواقع الأصيل عندما تخطه قامة من قامات التربويين، دام هذا البوح المهم والملهم دكتورة لبنى
ويصفها الاديب د. عبد المهدي القطامين. بالواقعية الجميلة ...ذات تفاصيل دقيقة لواقع المدرسة والتعليم ...هادفة بناءة ...لغة متينة ....
وفي تعليقه قال معالي د. راتب السعود، انها
قصة جميلة، ومعان راقية، يوم كان المعلم مربياً وأباً ومرشداً، وكذلك المعلمة. قصة جعلتني اعود للوراء لأكثر من نصف قرن، أجول على ما تركه فينا لطفي الحوامدة وعارف المحاسنة وعبدالرحيم السبايلة وخالد عواد، ولاحقا في مدرسة الطفيلة الثانوية برفقة عميدنا ابا ايمن، نتذكر سلامة العودات وسليمان القوابعة وسليمان الفريجات وعلى الهلول، وبالطبع غيرهم. رحم الله من فارقنا وبارك في عمر من يعيش معنا.. حقا انها ذكريات ممتعة وجميلة، ولَك خالص الشكر على ما افضت،،،،
وقال د صقر الصقور ان القاصة ذكرته .. ان المعلم .. هو .. هو .. بغيرته .. و حرصه .. و المه .. و معاناته ..
والمعلم .. هو .. هو .. بجذور السنديان التي تشكل منها ..
و هو الذي يعجن بانتمائه طفولة الامة .. و يشكل شبابها .. و يهذب شيبها ..
و رغم الطحن الذي يدور .. ففي الوطن بقايا من الخير .. و في الامة بقايا من امل ..
وفي نص جميل قال الشاعر ايمن الرواشده، انها شذرات من فيض الخاطر..
وتراتيل كتلك التي نخبئها للصلاة في ليلة عيد..
ومن لا يملك مثل هذه المشاعر من أولئك الذين احترفوا
التعليم واصطفاهم القدر ليكونا أنبياءَ ..
ولضاف وأنتِ أنموذجٌ للعطاء وصورةٌ مشرقةٌ للأدب.. كأنما كنتِ تفتقين قشور اللوز عن النوى.. ويتفتح الورد عن أكمامه بين يديْ حرفكِ البهيج.
ولو أنَّ النساءُ كمثل " لبنى "
لفُضِّلتِ النساءُ على الرجالِ
وهي من وجهة نظر د. سالم الفقير مذكرات وذكريات تحمل بين جنباتها بعدا تعليميا لحقبة زمنية كانت تمثل انطلاقة لكثير من الطموحات المرجوة آنذاك.
وعدها الاديب هاني البداينه، قطعة أدب جميل، تميل المفردة فيها نحو توصيف رائق لجزء من سيرة ذاتية بدا أنها مترعة بالذكريات...
لكن أهم ما طرحه النص، هو تلك الموازنة المدهشة بين اسلوبين من أساليب التعليم، وقلّما تجد هذه المقارنة في غلافها البلاغي الجميل، ولغتها الرشيقة كما جاءت في النص.....
وقال انها مقدمة فائقة الجمال، ابتدأت برحيل أيلول، وانتهت بوفاء ما بعده وفاء....
ويوضح المهندس علي المصري، عضو الملتقى، رايه حيال القصة "ذكريات مدرسية" للدكتورة الحجاج
انها قصة جميلة واسلوب لغوي قوي ورائع جعلنا نعيش معك داخل الغرفة الصفية وتذرف دموعنا على أسوار احبائنا مع الطفلة البريئة الأصيلة فالانسان حقاً كتلة من المشاعر والأحاسيس لتصبح لاحقاً قائدا تربوياً وعلماً من أعلام الوطن أنت أيتها الفاضلة تمثلي امتداد الجيل الذهبي الذي هو كنز الوطن الثمين الذي لا قيمة لنا بدونه.
ويشير الشاعر هشام القواسمه الى ان قلة هم من يحملون التميز أينما حلوا وارتحلوا.. والقاصة واحدة من هؤلاء الذين لا يجيدون لغة الأنصاف والأثلاث والأرباع يجيدون ان يكونوا أولا وأولا.. خبرتك معلمة متميزة ومديرة قدوة وقائدة تربوية من طراز متفرد..
وخاطب القاصة بالقول أما نصك القصصي فهو يحمل من المشاعر ما يطرق القلب ويلامس الخفايا.. وينذر (أن المعلم ليس ذكرى عابرة بل ذاكرة نحملها طوال سنوات العمر)
وهيجت القصة مشاعر الباحث محمد النعانعه وفتحت نوافذ المه ثم قال انها صورة واقعية حقيقية فرضت نفسها دفعناها ضريبة لبعدنا عن مصدر القرار ولعدم وجود من يحمل الهم او يمثلنا ولغاية هذة اللحظة
احساس قال انها ادركته كمربية ماهرة ومعلمة قديرة عانت ما عانا منه اخوة لنا لم يستطيعوا اكمال حلقة التعليم
وهي في تعليق الشاعر مشهور المزايده، نص مترابط ولغة سلسة وترابط في تتابع الأحداث التي أرجعتنا إلى عبق الماضي بما فيه من حب واحترام للمعلم صاحب العطاء الذي تميز في أداء رسالته رغم بساطة الأدوات وقلة وسائل المعرفة..
كما قال عنها العضو صالح الحجاج بانها قصة معبرة وصرخة من تربوية متميزة في كل مراحل وظيفتها التربوية تدعو إلى أن يكون التعليم مهنة إنسانية ويجب توفير البيئة المناسبة ليكون كذلك.
وفيها مقارنة صادقة بين معلمة متعجرفة لم تحترم مشاعر طلبتها وكانت اولويتها مصلحتها الخاصة (المطار) وبين معلمة واقعها إنساني منتمية وتحترم المشاعر الإنسانية باساليب راقية.
يظهر من خلال القصة وجود تفهم وصبر من قبل الاهالي على تأخر المعلمة في تلك الفترة مقارنة مع الواقع الحالي ، وأن الاختبارات التشخيصية موجودة منذ زمن بعيد.
اتسمت تلك المرحلة بوجود استراتيجيات للتدريس والتقويم ودون ذكر المسميات، قال ان المعلمة (منى) تعالج الضعف باسلوب راقي ورائع وإظهار التشاركية في التعليم بين المعلم والطالب، وكان لديها الانتماء الحقيقي للمهنة، استخدمت عدة استراتيجيات في تدريسها (المسرح) وهي واثقة من نفسها وكانت تحفز وتشكر، نالت احترام الجميع.