خص الاديب د. سالم الفقير، في ورقته العاشرة، عن إيقاعات المكان، " الجنوب في الأدب الأردني "
وقال ان من المعلوم لدى القُرَّاء والكُتَّاب والنُّقَّاد أن للمكان دلالات كبيرةً في الإبداعات الأدبية، سواء النثرية منها أم الشعرية،
واشار في الورقة التي اشرف على التعليقات فيها كثيرا ما كانت ترتبط عناوين تلك الإبداعات بأسماء الأمكنة لقدسيتها وأهميتها لدى المبدعين، بل إن العديد من الكُتَّاب ممن ذهبوا إلى أنسنة المكان، وأضفوا عليه طبائع وصفات البشر؛ حتى أصبحنا نرى أن المكان يتحرك ويتنقل مع الشخوص _ ولا سيما في الرواية _ يفرح ويحزن، هو موطن الحياة، وموطن الموت في آن معا.
وفي الرواية العربية والرواية الأردنية _ على وجه الخصوص _ التي شكَّل تيسير السبول فيها من خلال روايته: "أنت منذ اليوم"، منعطفا في الرواية العربية، قال اننا نجد أنَّ الروائيين الأردنيين جعلوا من المكان منطلقا لإبداعاتهم، بل إن أحداث العمل الروائي جاءت خدمة للمكان الذي شكَّله الكاتب وفق رؤية وجدها الأقرب إلى أهدافه وأيديولوجياته، وعلى رأس هؤلاء كان الروائي الأردني سُليمان القوابعة من أوائل الذين كان المكان يشكل لهم هاجسا أينما حلَّوا وارتحلوا، وهذا ما يجده المتلقي في روايته: " حوض الموت " التي كسر فيها أفق التوقع، حيث كانت حوضا للحياة لا للموت!!
وقال ان المتتبع لحوض الموت يتنقل مع الشخصيات بين الأمكنة التي كانت تمنح الحياة إلى جانب الموت من مثل؛ نقب النُّخبار، والضَّحل، وحوض الموت نفسه.
إلى جانب حوض الموت أوجد القوابعة روايته التي حملت عنوان: " سفر برلك ودروب القفر " وهي من الأعمال الروائية التي أخذت على عاتقها تسليط الضوء على ما عُرف بالتجنيد القسري أو الإجباري إبَّان الفترة ١٩١٠ - ١٩١٦، وتركز على تغير الأحداث في منطقة بادية جنوب شرق الأردن والمتمثلة في معان وجرف الدراويش، وهنا يعطي القوابعة للمكان حقَّه، ولا سيما الأمكنة التي أغفلها التاريخ بالرغم من دورها الكبير؛ فتتردد الصحراء _ واهبة الحياة والموت _ كثيرا في الرواية، ويأخذ " إطويل إشهاق " نصيبه من الأهمية لدوره في دفع الظلم والاستبداد الذي واجهه العرب آنذاك، ودخولهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
أمَّا الشعر، كما يرى مدير الثقافة في المحافظة. . فقد تشكَّل لدى المتلقي قالبا يكاد يكون مشتركا بين شعراء الجنوب من حيث ميلهم إلى الجنوب وتغنيهم به، والحديث عن المعاناة التي يواجهها أبناؤه من تعب ومشقة؛ نظرا لطبيعة المكان الذي يجمع بين الصحراء وما تكتنفه من حرٍّ وقرٍّ، وبين الجبال وما تخفيه بين أوديتها وشعابها من حياة وموت، حتى أنَّ الطفيلة لتعرف منذ تاريخ تليد بأنَّها " بلد جبال ".
ولأن المكان هو ربُّ الشعر والقوافي؛ كان لزاما على شعراء الوطن _ والجنوب على وجه الخصوص _ أن تكون انطلاقاتهم من هناك، موضحا تفاوت تلك الانطلاقات واختلفت حسب ميول الشعراء، فمنهم من أوحى له المكان وجمالياته بقصائد تغنَّت بجمالياته، وعلى رأسهم الشاعر المهاجر محمد الرفوع، الذي قال في الطفيلة:
أمَّا الطفيلة من نور الهوى نُسجت
والشاهدون أنا واللهِ والحَورُ
زيتونةَ الخير ظلي من مرابعنا
زيتونةَ الخير في أفيائك السَّمرُ
وقال ان منهم من جعل الجنوب يحمل كلَّ تجاعيد الألم والعذابات، لا لشيء!! فقط لأنه كذلك، ولا يزال أبناء الأردن كُلَّما مرَّ الجنوب صدحت حناجرهم بعينية الشاعر محمد الشروش:
من الجنوب وهل تدرين ما الوجع
وهل تبقَّى إلى الأحزان متَّسع
هو الرَّحيل إلى عينيك فاحترقي
فالقوم ناموا وفي عينيك مضطجع
كذلك عمد الشاعر هشام القواسمة إلذى جعل المكان موطنا للعديد من قصائده كما فعل في عفرا، إضافة إلى أن الجنوب، بشكل عام، شكَّل إيقاعا مكانيا _ إن جاز لنا التعبير _ لدى القواسمة حيث قال:
ولي موسمُ الدفءِ
موجٌ يجيء على مهلٍ
وانحسارُ الصّباح ببعضٍ من الشعرِ
لي صمتُها
تمادت على شرفتي
حين جاء الصباحْ
ولي في حقولِ الجنوبِ خيامُ الحصادِ
أنا لست يوسفَ ..
لكنني موغلٌ في الجنوبْ
وغير بعيد أيضا وقف الشاعر إسماعيل السعودي عند الطفيلة وقوف المُحب، وأوحت إليه بالجنون، فكانت كوادي عبقر وأزيَد من ذلك، حتى عندما حاول أن يستعيد تيسير السبول كتب للطفيلة وللسبول " محاولة فاشلة لاستعادة تيسير السبول " اعترافا منه أن الإنسان والمكان أكبر من أن يحيطه الشعر:
قف بالطفيلة وامسح دمعها السَّرِبا
وناج قبر الذي للآن ما ذهبا
قف بالطفيلة حتى اليوم من كِبَر
تعطي الأنام جنون الشعر والرُّتبا
هذي الطفيلة أحلام مؤجلة
وشعر وجد إلى الأحباب قد عَتِبا
وقال ان المكان في الجنوب لا يزال يشكِّل إيقاعاته لدى الشعراء، لكنه في كل مرَّة ينغمس بين الأروقة والطرقات، ويمتد بعيدا في صحراء لا ترحم تهِب كلَّ شيء، حتى أصبح ترنيمة الحادي وهو يغني لإبله في فيافي صحراء الحسا وجرف الدراويش، والديسة ورم، هناك حيث الجنوب، وهذا ما عمد إليه الشاعر عطاالله الحجايا في قصيدة الحادي، عندما جعل العزف بالروح أولا:
عزفٌ بروحك ليس يهدأُ بالكثير من الكلامْ
عزفٌ كأسراب الحمامْ
عزفٌ يشفُّ ولا يشفُّ
ولا يهادنُ في الغرامْ
حادٍ وما سمع الحداءْ
حادٍ توزع في القصيد العذبِ فانتشرَ الضياءْ
حادٍ يثرثرهُ الهواءْ
يا ريــــــــــــــــحُ كوني بعضَه
أو فـرّقيه كما يشاءْ...
لينتقل بعد ذلك إلى الجنوب علانية، ويجعله السَّمير، والمغير، والشَّفير، بل إنَّ الصور تجاوزت أبعد من ذلك، لتكون تلك الصبابة التي تتشكل لدى الشاعر على هيئة شهيق زفيرها الجنوب:
كم ليلةٍ جئتَ الجنوبَ وظلّ بعضُك في الجنوب
كم ليلةٍ سكَبَ الغَويُّ دموعَه فـوقَ الرّمـــــال
يا أنت إذ تنسى المسافةَ بينَ روحِك والجنوبْ
الدَّربُ حين عبرتَها
كان الجنوبُ هو السمير
والخيلُ حين عقرتَها..
كان الجنوبُ هو المُغير
والسيفُ حين سللْتَه..
كان الجنوبُ هو الشَّفير
حتّى الجنوبْ
مازالَ يسكنُ في الجنوب
فإذا شهقتَ صبابةً كـــــان الجنوب هو الزَّفير
إنَّ الحديث عن " إيقاعات المكان في ثنايا الأدب "
يستوجب على النقاد والمعنيين بالدراسات الأدبية الوقوف على كافة تفصيلاتها، ولا سيما أن المكان أصبح يشكل هاجسا لدى المبدعين ولا سيما الكُتَّاب، وهنا أعني الطفيلة التي أوحت إلى الشعراء بالعديد من القصائد كما فعل معالي د. صلاح جرار في قصيدته: حي المنازل في ضانا، والتي مطلعها:
حــيّ الـطـفـيـلـةَ سُـكّـــانـــاً وكُـثـبـانــــاً
وارحل إلـيـهـا ودعْ عـنْـكَ الـذي كانــــا
وختم الورقة بالقول،بان المتتبع للحركة الأدبية العربية يدرك ما ذهبنا إليه، ولا سيما أن التجارب ضمن هذه البوتقة كبيرة وتنوء على الباحث في التقصي، غير أنَّ ذكر بعض الأمثلة يضع المتلقي على طريق البحث والدرس، ومن تلك التجارب ما أورده أبو البقاء الرَّندي في سقوط غرناطة، وما أورده السيَّاب، ونزار قباني، والجواهري، وعبدالرزاق عبدالواحد، وحبيب الزيودي، وأحمد عبدالمعطي حجازي، ومحمود درويش، وغيرهم الكثير من الشعراء، في حديثهم عن المكان ضمن دواوينهم وقصائدهم الشعرية.
وابتدا التعليق الشاعر د. عاطف العيايده. بالقول انها ورقة مميزة للصديق الدكتور سالم، أضفى من خلالها على المكان جمالية تناثرت في السياقات الشعرية والنثرية، محتفلا بنصوص لشعراء من الطفيلة رسخوا لأمكنتهم في أشعارهم بصورة فنية راقية.
اما الشاعر بكر المزايده. فقال. نعم أيها الجنوبي عزف بروحك يشفّ ولا يهادن وأنت تثير الشجون بهذه الكلمات المنظومة بالعسجد والزمرد والتأكيد على شعراء الحداثة وخاصة شعراء وادباء الطفيلة العظام في ايقاعاتهم المكانية في الشعر والأدب. فكل القلوب موغلة في الجنوب.
وقال الشاعر ايمن الرواشده. ان المكان الذي يُطلِع نخلاً كتيسير وسليمان ومحمد الشروش وهشام وعطالله واسماعيل يرتقي إلى مصافّ الأمكنة التي قدحت في رأس أبي الطيب :
وكل مكانٍ يُنبِتُ العِزَّ طيّبُ ..
رحلة اعتبرها في رياض الأمكنة تتبعناها بصحبة الفارس الجنوبي الدكتور سالم الفقير الذي أمدّنا بكل سبل الراحة والاستجمام ...
وقدر الاديب احمد الحليسي للدكتور يالم هذا الاعداد المتين للورقة. وقال انه جمع فيها كثيرا من الانتاج الأدبي المتميز لادباء وشعراء اثروا الحياة الأدبية شعرا ونثرا، ورقة شاملة تنم على ثقافة واسعة، واطلاع على كل جديد يمجد اردننا وجنوبنا وطفيليتنا، وعده التربوي محمد التميمي. قد ابحر فينا إلى أهمية المكان في نبض الأديب والشاعر صاحب الرسالة باختلاف فنون الشعر ...
وقال انه تحدث عن الرواية العربية والرواية الأردنية بلغة العارف والمتقن لحروف اللغة التي طوعها ضمن أفكاره
وأورد خصوصية المكان عند الأديب سليمان القوابعة... في رواياته التي اتخذت من المكان طابعا ثم تناول الشعر والشعراء وخصوصية المكان في نبض الشعراء......
وقال الاديب هاني البداينه، ان الدكتور سالم اجمل في ورقته الأثيرة ، تفاصيل التداخل بين المكان والعمل الأدبي على إطلاقه، وبينما عرّج على دلالات المكان في ثنايا الأدب، فقد أوغل في إضاءاته حيال أعمال أدبية مميزة مثل رواية تيسير سبول انت منذ اليوم، وحوض الموت لسليمان القوابعة، وشعر المدهش هشام القواسمة، وألمح لنا عن أن المكان كان حاضرا في هذه الأعمال بل وشكّل أركان تميز النص ونجاحاته....
ويصف د. غازي المرايات، مدير الثقافة، بالنبادر، دائمآ والسباق لفعل الخيرات، وقال "تنطلق بداية من المحليات لتضفي حياة
وجمال على المكان"...
الجنوب ياعزيزي يستحق
هذه اللفته الحانيه من جنابك... الجنوب الذي
توحده الشمس الحارقه
وتزيد من حرارة الشعر
والشعراء حد الاحتراق
ولعل شاعرنا الاثيل، محمد الشروش، يعتذر عن غيابه، عن المشاركة بسب تلف هاتفه لعدة أيام
ويقول ان إطلالة الشاعر بكر المزايده كانت إطلالة أدبية رائعة بلغة الشعر الأنيقة وكان للمكان حضوره الأجمل
وقال سلمتَ صديقي العزيز بهذا التحليق المستمر في عالم الشعر والأدبِ وأنت تشرق في كل مكان من عالم ِ الإبداع المتجدد.
واضاف ان ماجادت به قريحة د. الفقير الأدبية العلمية هي دراسة شاملة للمكان الجنوبي والروح الجنوبي في كل الجهات هذا هو الإبداع الجميل الواقعي الذي ينتمي للمكان أدباً وتألّقاً وبحثاً عن الإبداع والمواعين، سلمتم أصدقائي وأكرر إعتذار ي للجميع.
يُعد المكان كما تعتقد مديرة الثقافة في الكرك، عروبه الشمايله، في الرواية الأردنية، أهم عنصر تجري فيه الأحداث، ويعتبر فضاء تتحرك فيه الشخصيات بإبداع متقن..
وترى انه بالإضافة إلى ما أبدعه في تجليّات المكان كل من تيسير السبول وسليمان القوابعة ذُكر أيضا أنَّ أول من تنبّه لأهمية المكان في الرواية الروائي غالب هلسا وأيضا مؤنس الرزاز الذي صوّر المكان العمّاني بأبهى التجليات والصور.
وقالت "لا بدَّ لنا أن نعرف ونميّز أنَّ المكان ينعكس على سلوك الشخصيات ونمط عيشها في الرواية" .