كانت بداية الورقة النقاشية السادسة " للمكان ذاكرة لا تشيخ ولا تندثر"
د. حنان الخريسات. في ورقتها التي اشرفت على حواراتها مديرة ثقافة الكرك. عروبه الشمايله، قالت ان أي إنتاج أدبي يقوم على تلازم جدلية الذات والمكان
وقالت ان للمكان سر في مشاعر تؤرخ للذات والمكان ، والعلاقة بينهما روحية تطلق الجانب الروحي ، وقد تكون العلاقة بين الإنسان مكانية متغيرة ، وقد تتغير من شيء ما نخاف منه ، ثم يكون لدينا محببا كالعلاقة بين الإنسان والمقابر نخافها ولها في النفس وقع ، وتتحول العلاقة إلى روحية ايجابية بعد إن ينتقل اليها عزيز علينا فتتغير المشاعر .
ولفتت د. الخريسات ان الناظر في بواطن النصوص في الأدب الجاهلي يجد تناثر مجموعة من الدلالات المكانية جعلت من النصوص ثرية غنية ، وهي نتيجة لسيطرتها على مشاعر الشعراء ، وما زالت تتعدد القراءات لتخرج بدلالات عميقة تعبر عن البنى الداخلية للنص لتكشف لنا حركة إبداعية استوطنت في مخيلة الشاعر
الى ذلك اشارت الى ان للمكان تشكيل فسيفسائي يقيم علاقات متداخلة ويراهن الكاتب على إبرازها بتعابير مختلفة يسقطها في نصه .
إن جدلية المكان تستوقفنا كثيرا وهو لبنة أساسية في كل نص سردي أو شعري ، ولا يستطيع الإنسان أن ينفصل عنه باعتباره الامتداد له وربما هو مكان الطفولة ، والمغامرة ، والشقاوة ، وله وميض يعكس نفسية الكاتب واحتضان المكان دليل على بصمات نفسية يتركها الإنسان والأمثلة كثيرة لشعراء مثل زهير بن ابي سلمى وعنترة وامرؤ القيس وغيرهم من شعراء المعلقات او غيرهم
ليس غريبا وفق ما اشارت الى أن نجد التكرار في البيت والأطلال والمنزل في ثنايا الشعر قديما أو حديثا لتعبر جميعها عن مكبوتات وانفعالات وعلاقات اجتماعية وحضارية جمعتهم في الأمكنة ، لذلك نعلم أن للإيقاعات مكانها في القصيدة لتشير إلى مدى التعلق الإنساني ، وان المكان ظاهرة إنسانية واجتماعية لا تنفصل عن الذات الإنسانية التي تحتاج إلى التشبث لتجد هويتها رغم الصراعات بين الإنسان وعالمه الخارجي .
ورغم مفهومنا عن المكان والمساحات والطبوغرافية، بخسب د. الخريسات، فلم يعد يشكل لدينا أبعادا هندسية نقيسها حين نلجأ إلى التعبير عن ذواتنا ، بل هو وسطا حيويا لتتجسم من خلاله حركة الشخصيات التي تأخذ مسارها متشابكة متناقضة متداخلة رهينة البعد النفسي للمكان داخل النصوص .
كما يلتصق المكان بمشاعر الخوف والأمن والطمأنينة والحب .... لينسجم مع طبائعه ، وحين نغادر الأوطان يتولد لدينا الحنين والإحساس العميق الذي تؤطره الألفة والمحبة فنطوي الضلوع ، ونراه بعين الخيال أينما التفتنا ، ونرسمه عند هطول المطر، أو عند المغيب ، أو نراه في أخريات الليل ، ويزداد هذا التعلق عند العودة أو عند موقف مؤثر ومحزن إذا هي علاقة تاريخية يربطها الدفء والاستقرار وقد يظهر عكس ذلك من صورة الإنسان القلق الطالب للترحال لفقد الألفة لذا يفقد صلته بالمكان .
وختمت الورقة اننا في الوطن نتنقل عبر المسافات ، وننثر شيئا من رائحة الطفيلة ، بلدنا ونتربى على جفاف أحلامها ، وصخب أحلامنا المجدولة في أرشيف النفس والذاكرة ، وننطلق بإبداعاتنا ، ورغم صمتنا وتحدياتنا في المكان ، نعود اليها في كل حين بطعم غريب وشعور غريب ففيها تربينا وفيها نموت ..
وفي خاطرته عن الورقة قال الشاعر والاكاديمي د. صقر الصقور، ان الكاتبة الخريسات ذكرت في بضع فقرات جزلة ان ارتباط الشعر بالمكان هو ارتباط وثيق كارتباط الشعر بالقافية .. اذ لا بد من ذكر الاطلال .. و التعريج على الديار .. و الحنين الى الاثار ..
ثم ذكرتنا بدور المكان في تشكيل الانسان .. الاديب .. والشاعر .. و الكاتب .. ليكون ذلك مفتاحا للحوارات والمدخلات المعهودة ..
وعبر رئيس الملتقى الصحفي غازي العمريين، عن سعادته بما يدور وقال ان كلمات د. الخريسات قد انسابت. بين تلك الايقاعات، وبين ثنايا الادب، وكتب ابياتا من الشعر جاء فيها
من لي بمجد،
اذا الامجاد حاضرة
في عشق ضانا،
او السلع التي كتبوا،
من لي بزيتونة،
تروى ولا تنسى
خمائل العبر،
والجنين، اذ شربوا
"
يا ويح ذاكرتي
التي تعبت،
مذ كنت اهتف
في عفرا، وينتحبوا
هون لروعك يا صاح
الهوى. وجع
ما، في، او ما فيك
يضطرب
هذي دياري،
من فينان ارقبها
عين عليها واخرى
حد ما اقتربوا
ولهي على الدنيا
تضيق بنا ذرعا
وتنبت في الحسا العنب
قال انها ابيات اودعها ما رآه من تنوع بيئي في ورقة د. حنان. وهي تكتب عن الدلالات المكانية. وتروح صوب الطفيلة. بعد ان غدت نحو الشعر الجاهلي
ورقة قال انها طيبة سعت بجدية الى تناول ايقاعات الامكنة، في ما يقال ويكتب، شعرا او نثرا،
وقال الشاعر بكر المزايدة ان الشاعرية حين تلتقي مع التأريخ والإحساس المرهف والفنية في شخصكم الكريم سيخرج نصا زاهي الألوان محكم البناء ناعم الحبك يتضوَّعُ مسكا وعنبر.
وثمن د. سالم الفقير،. مدير الثقافة التقدمة التي حظيت بها ورقة د. حنان الخريسات حول المكان، وقال لا شك أن د. حنان ممن يحملون بين نصوصهم المكان بتفاصيله المرهقة والجميلة في آن معاً.
نعم، للمكان ذاكرة، تتحول وتتلون بالأحداث التي تمر به.
ويرى الاديب احمد الحليسي انها أحسنت، حين ابرزت علاقة المكان بنفسية الشاعر او الأديب وتدرجت بتاثير ذلك من العصر الجاهلي وهذه طبيعة الانسان العربي حب الديار والحنين لها، وعندما اختلط العرب بغيرهم سمعنا كلاما آخر، ابو نواس يقول:عاج الشقي على رسم يسائله. وعجت اسأل عن خمارة البلد. ويقول:قل لمن يبكي على رسم درس واقفا ماضر لو كان جلس،
وفي التعليق قال الشاغر ايمن الرواشده، ان من أجمل إسقاطات الروح على المكان...حنين وفقد وحب ووله وتعلّق يغدو مع الأيام ذاكرة خاصة تنطبع فيها كل آمال الشاعر أو الأديب وآلامه وأحلامه..
وزاد ان ذلك في الورقة توظيف جميل للبعد الوجداني.. وصراع وجدلية جميلة بين الذات والمكان.. وهذا يؤثر إيجاباً من الدرجة الأولى على أدب الكاتب وجودته ..
واعتبر ما فيها يمثل تحليل جميل وعمق ورؤيا تختزل المكان كله في قصيدة واحدة أو نصٍ مكثف
وفي التفصيل فقد دكر الباحث محمد النعانعه. ان الورقة النقاشية احتوت على العديد من صور الامكنة المتغيرة التي حلقت حولها بين احاسيس الحَوف من المكان وجدلية العلاقة بين الايب والمكان وتشكيلها لوحات وصور فنية يسقطها الاديب في نصه من خلال حركة الشخصيات داخل الوعاء الادبي النشط
واشار الى ان الؤطن جزء من الا نسان له حضوره المتنامي في الحنين والشوق كما عبرت عنه تلك البدوية التي فضلت شمس الصحراء على قصور بني اميه حيث قالت بعفوية:
لبيت تخفق الارياح فيه
احب الي من قصر منيف
ولعل عروبه الشمايلة، مديرة الثقافة في الكرك، التي ان الطفيلة هي التاريخ والحضارة والمكان ومنبع الثقافات والتراث و أقدم المحافظات المأهولة بالسكان،
تعاقبت عليها حضارات وأمم ، ابتداءً من الإدومييين، والأنباط، ثمّ الرومانيين، وقد منحها توالي الحضارات فوق أرضها مكانة تاريخية عريقة في قلب أهلها وأديبها وشاعرها..
واكدت على اهمية أن نعرف أنّه وُجد المكان قبل الإنسان, والإنسان بوجوده في المكان يعيد تشكيله حسب احتياجاته , ووفق ثقافته وما يتغنى به , فيظهر الكاتب مستقرا بإستقرار المكان الذي يتحدث عنه وتدور به الأحداث , وهذا شهدناه بتاريخ وعراقة الطفيلة وفي أدب وشعر
أبنائها.
ومن وجهة نظره، يرى التربوي صالح الحجاج، انه من خلال النص نجد وصفا رائعا للعلاقة الروحية بين المكان والأدب وانهما متلازمان مع بعضهما وحسب المواقف تتغير المشاعر للمكان نفسه.
ونجد ان المكان مؤثر اساسي وله انعكاس على الحالة النفسية للشعراء والكتاب.
شاعرة الفصاءآت الجميلة آبه الحراحشه، فهي تعبر عما يخالجها من شعور جياش، حيال ما يجري في الملتقى، وتقول ما أجملها وما أجمل هذا البوح المتكامل الذي يلامس اوتار القلب من احساس في المكان والزمان و ابعاد الشعور في بناء الوصف والتشبيه ابدعتي دكتورة حفظك الله وحفظ هذا الوطن و الطفيلة الغالية وكل من فيها ليس غريب عليكم هذا التألق وانسياب الأفكار التي انبتت في قلبي زهراً عندما قرأتها.