كتب الدكتور نوفان العجارمة - نهجَ المشرّع الأردني في قانون الدفاع الحالي (رقم 13 لسنة 1992) نهجاً مختلفاً عن قانون الدفاع السابق لسنة 1935 حيث أجاز لدولة رئيس الوزراء إصدار أوامر دفاع بشكل مباشر دون الحاجة إلى إصدار أنظمة خاصة من قبل مجلس الوزراء تعرف (بأنظمة الدفاع) والتي بدورها تخوّل دولة الرئيس إصدار اوامر الدفاع .
وعلى أي حال، فإنَّ أوامر الدفاع التي يصدرها دولة رئيس الوزراء هي قرارات إدارية - آخذاً بالمعيار الشكلي- وإن كان لها أثر القانون في كثير من الجوانب فنحن – في ظل هذا الظرف الاستثنائي- أمام سلطة واحدة، تباشر الوظيفتين الإدارية والتشريعية في آن واحد. وهذه الأوامر قد تكون فردية تعالج حالة خاصة محددة بعينها، وقد تكون تنظيمية تضع قواعد عامة مجردة كما حصل بالفعل في كافة اوامر الدفاع التي صدرت حتى الان.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام : هل يتم التعويض عن أوامر الدفاع اذا احدثت ضررا للغير؟ واذا كان الجواب بنعم، ما هي شروط وأحكام هذا التعويض؟ وما هي القواعد التي تطبق في هذا الشأن؟ هل قواعد القانون المدني؟ أم تخضع لأحكام وقواعد المسؤولية في التعويض المنصوص عليها في القانون الاداري او ما يعرف بمسؤولية الدولة عن اعمالها غير التعاقدية ؟
إجابة على ذلك أود أن أبين بأن قواعد المسؤولية في التعويض المنصوص عليها في القانون الإداري هي الواجبة التطبيق لأننا بصدد التعويض عن قرار إداري (أمر الدفاع)، وحتى يتم التعويض عن هذه الأوامر فإن القضاء الأردني والمقارن يتطلب جملة من الشروط نوجزها وكما يلي :
1. لابد من اثبات عدم مشروعية أمر الدفاع ابتداءً وبحكم قضائي: فهذه مسألة أولية لابد من التوقف عليها من قبل قاضي الموضوع فإذا كان أمر الدفاع مشروع فإن المسؤولية تنتفي في مثل هذه الحالة، واذا كان غير مشروع فأننا نفتح الباب على مصراعيه لبحث موضوع الحكم بالتعويض اذا توافره شروطه كما سنبين لاحقا .
2. ويكون أمر الدفاع مشروعا إذا صدر لغايات الدفاع عن أمن وسلامة المملكة وفقا لمقتضيات المادة (124) من الدستور، وقد تم العمل بقانون الدفاع نظراً لانتشاء الوباء (كورونا) وهذه حالة واقعية تصلح سنداً وسبباً موجباً لإصدار أوامر دفاع للدفاع عن امن وسلامة الدولة ، نظرا لعدم فاعلية وكفاية التشريعات التي وضعت لتحكم الظروف العادية( كقانون الصحة العامة) ، لأن تواجه ما يترتب على انتشار هذا الوباء من أخطار تهدد أمن المجتمع أو النظام العام فيه، فضرورة بقاء الدولة واستمرارها، تبرر في الواقع الخروج على مبدأ المشروعية العادية (القوانين التي تحكم الظروف العادية) فما الفائدة من احترام القوانين وعدم الخروج على ما تقضي به من أحكام، إذا كان من شأن ذلك انهيار الدولة ذاتها أو اختفائها لا سمح الله ؟؟ . ما من مجتمع في العالم إلا ويمر خلال مراحل تطوره، بفترات عصيبة، تسببها له ظروف استثنائية أو غير عادية مثل: الحروب، الفيضانات، الزلازل، البراكين، الأوبئة وغيرها. وبطبيعة الحال فإنه غالباً ما تقف التشريعات القائمة – الموضوعة أصلاً للظروف العادية أو لتسيير الحياة الجارية عاجزة إزاء تلك الظروف، وعاجزة عن إيجاد الحلول لها، أو عن تقديم السبل والوسائل الكفيلة لمجابهتها أو التخلص من آثارها. فماذا تفعل المجتمعات إزاء هذا الوضع؟ هل تقف مكتوفة الأيدي؟ أم تبحث عن بديل لتلك التشريعات؟ حتى ولو أدى ذلك إلى التضحية بالمصالح الخاصة، أو حتى تقييد حقوق وحريات الأفراد، طالما أن الهدف في النهاية يتجسد في إنقاذ المجتمع ذاته، أو في صيانة النظام العام أو أنه يتجسد في ضمان سير المرافق العامة بانتظام واضطراد لصالح الفرد والجماعة؟
3. حدد القضاء الاردني (حكم محكمة العدل العليا في الدعوى رقم 112/1982) أربعة شروط للقول بجودة حالة ضرورة حيث تقول ((يشترط للاحتجاج بأحكام الضرورة ما يلي :1. وجود خطر يهدد النظام العام.2 أن يتعذر دفع هذا الخطر بالطرق القانونية العادية.3 أن يكون رائد الإدارة في تدخلها تحقيق المصلحة العامة وحدها.4. يجب أن لا تضحى مصلحة الإفراد في سبيل المصلحة العامة إلا بمقدار ما تقضي به الضرورة، إي أن لا تتعسف الإدارة بإجراءاتها)) وهذه الشروط في مجموعها متوفرة لغايات العمل بقانون الدفاع واصدار اوامر الدفاع تبعاً لذلك .
4. أن مناط الرقابة القضائية : على أوامر الدفاع ليس التحقق من مشروعية الإجراء أو القرار من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون، وإنما على أساس توافر الظروف الاستثنائية أو حالة الضرورة وشروط تطبيقه او عدم توافرها. فبعض الأعمال أو التصرفات الإدارية والمعتبرة غير مشروعة في الظروف العادية، تعتبر مشروعة في الظروف الاستثنائية، إذا ما ثبت لزومها لمواجهة هذه الظروف والمحافظة بالتالي على النظام العام أو دوام سير المرافق العامة.
5. ليس كل قرار اداي (او امر دفاع) يتم الغاؤه من قبل القضاء الاداري يستتبع ذلك ضرورة التعويض عنه : إن مسؤولية الإدارة بالتعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة تستلزم توافر ثلاثة أركان وهي إن يكون هناك خطا من جانب الإدارة ، وان يصيب الفرد ضرر نتيجة وقوع هذا الخطأ ، وان تقوم علاقة سببية بين الخطأ والضرر، وحيث يدخل في معنى الخطأ العمل غير المشروع أو المخالف للقانون في صوره الأربع وهي( عيب الشكل والاختصاص ومخالفة القانون والانحراف بالسلطة ) فان كل وجه من وجوه عدم مشروعية القرار يكون كافيا بذاته لإلغائه إلا انه ليس من المحتم إن يكون مصدرا للمسؤولية وسببا للحكم بالتعويض إذا ما ترتب على صدور هذا القرار المشوب بهذا العيب ضرر للفرد ، فإذا الغي القرار بسبب مخالفته للقانون أو الانحراف بالسلطة ( أي العيوب الموضوعية ) فهذه العيوب تشكل سببا للتعويض في كل الحالات ، في حين إن العيوب الشكلية كعيب الشكل أو الاختصاص فإنها لا تؤدي دائما إلى الحكم بالتعويض، إذ إن مسؤولية الدولة لا تتقرر بمجرد الغاء امر الدفاع من قبل المحكمة، فإلغاء القرار لعيوب الشكلية فإنها لا تنهض سببا للحكم بالتعويض ما دام إن القرار من حيث الموضوع يستند إلى وقائع تبرر صدوره وانه في وسع الإدارة إن تعيد تصحيحه وفقا للأوضاع الشكلية المطلوبة وذلك بتدارك ما فاتها من استيفاء الشكل أو تصحيحه وفقا للأوضاع الشكلية المطلوبة .( حكم محكمة التمييز الاردنية رقم 352/ 1987 ).
6. لابد من توافر ركن الخطأ للحكم بالتعويض: فلا يحكم القضاء بالتعويض إلا إذا ارتكبت الإدارة خطأ استثنائياً جسيماً يرقى إلى درجة التعسف المتعمد المصطحب بسوء القصد : حيث يرى القضاء الاداري الاردني وكذلك مجلس الدولة المصري ضرورة إقامة مسؤولية الادارة في التعويض على أساس الخطأ الذي يسبب ضرراً للغير وقيام علاقة سببية بين الخطأ والضرر، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن القضاء الاداري يفرق في هذا الخصوص بين الخطأ المعتبر في الظروف العادية، والخطأ المعتبر في الظروف الاستثنائية، إذ تقول المحكمة الإدارية العليا المصرية بياناً لذلك أنه ((يتعين التفرقة في مسؤولية الدولة بين ما يصدر من السلطة العامة من تدابير وتصرفات، وهي تعمل في ظروف عادية، تتاح لها فيها الفرصة كاملة للفحص والتبصر والروية، وبين ما تضطر إلى اتخاذه من قرارات وإجراءات عاجلة تمليها عليها ظروف طارئة ملحة غير عادية، لا تمهل للتدبر، ولا تتحمل التردد، كالحرب والفتنة والوباء والكوارث، ففي الحالة الأولى تقوم مسؤوليتها متى وقع ثمة خطأ من جانبها ترتب عليه ضرر للغير، وقامت بين الخطأ والضرر رابطة السببية، وتتراوح هذه المسؤولية تبعاً لجسامة الخطأ والضرر، أما في الحالة الثانية، فالأمر جد مختلف إذ يوزن الخطأ بميزان مغاير وتقدر المسؤولية على هذا الأساس، فما يعد خطأ في الأوقات العادية، قد يكون إجراء مباحاً في أحوال الضرورة الاستثنائية، وتتدرج المسؤولية على هذا الأساس، فلا تقوم كاملة إلا إذا ارتكبت الإدارة خطأ استثنائياً جسيماً يرقى إلى درجة التعسف المتعمد المصطحب بسوء القصد ))حكمها الصادر بالقضية رقم 1517 بتاريخ 13/4/1957 .
7. لغايات الحكم بالتعويض يجب إن يكون الضرر خاصاً : وهذا يعني إن الضرر يجب إن يصيب فردا معينا ، أو إفرادا محددين على وجه الخصوص، يكون لهم مركز قانوني خاص لا يشاركهم فيه غيرهم ، وعلى العكس من ذلك فان الضرر العام( الناجم عن اوامر الدفاع باعتبارها قرارات تنظيمية) الذي يصيب عدد غير محدود من إفراد المجتمع لا يكون محلا للتعويض حيث يعد من الأعباء العامة التي يتعين على الفرد تحملها باعتباره عضوا في الجماعة تحقيقا للصالح العام ، وعلى هذا الأساس ذهبت المحكمة الإدارية العليا المصرية إلى (عدم جواز التعويض عن ضرر سببه قرار تنظيمي حيث لا يتصور إلحاقه ضررا خاصا حيث تقول في الدعوى رقم 7063 تاريخ 26/1/2002.: (...ومن حيث إن الضرر الذي يمكن التعويض عنه هو الضرر الذي يتوافر فيه الخصوصية بمعنى إن يكون الضرر قد انصب على فرد معين أو على إفراد معينين بذواتهم ، حيث يكون لهم مركز خاص قبله ومن حيث أن القرار التنظيمي يتضمن قواعد عامة مجردة فانه لا يمكن إن تسبب هذه القواعد لفرد معين أو لإفراد معينين ضررا مباشرا ). لكن إذا كان اذا صدر قرار فردي- كالقرارات التي تصدر عن الوزراء تنفيذا لأوامر الدفاع - تنفيذا لقرار تنظيمي وسبب ضررا ما لفرد ما معين هنا تثور مسؤولية الإدارة نظرا لوجود حق شخصي تم اعتدي عليه ، رتب ضررا خاصا يمكن إن يعوض عنه الطاعن طالب التعويض في مثل هذه الحالة .
نخلص الى القول، بان اوامر الدفاع التي تلحق ضررا عاما لمجموع إفراد المجتمع (مثل الاغلاقات العام للمحال التجارية) لا يتم التعويض عنها نظرا لفقدانها شرط خصوصية الضرر، ويمكن التعويض عن القرارات و الأوامر الفردية التي تلحق ضررا خاص بشخص معين، كالحالات الواردة في المادة (9) من قانون الدفاع ، كالمصادرة والاستيلاء على الاموال او ضع اليد او اتلاف الاموال وغيرها.
وفي كل الاحوال، فانه ليس كل امر دفاع او قرار اداري يتم الغاؤه من قبل القضاء الاداري يترتب على ذلك الالغاء تعويضا، الا اذا تم الغاء القرار لفقدانه عنصر السبب او الغاية، اما الإلغاء لأسباب شكلية فلا تعويض عنه .