القيادات والخبراء والمختصين في القطاع العام ....ليسوا عبء بل ركيزة القرار السليم
راصد الإخباري -
م. فداء علي الروابدة
في سياق السعي المشترك لترسيخ أسس الإدارة العامة الرشيدة وتعزيز فعالية العمل العام هناك مسألة تمس صميم الأداء المؤسسي، وتتعلق بالعلاقة بين أصحاب القرار والقيادات المميزة والخبراء المختصين داخل مؤسسات الدولة المختلفة في ظل التحديات المتسارعة التي تواجه القطاع العام حيث أصبحت الحاجة ماسة إلى القرارات المستندة إلى الوضع السياسي والإداري والرأي والفني السليم أكثر. وعلى الرغم من ذلك، هنالك ملاحظة قوية تشهدها غالبية مؤسسات القطاع العام من مظاهر التهميش أو الإساءة الضمنية بطريقة غير مباشرة تُمارس على الملأ ، سواء من خلال التقليل من الآراء أو التشكيك في النوايا أو تجاهل الإسهامات،أو التصريح بأقوال عارية عن الصحة لحفظ ماء الوجه رغم وجود هؤلاء في صفّ صانع القرار في مراحل مختلفة داعمين ومخططين ومنجزين.ومن المسلم به في كافة مؤسسات الدولة وجود الأخلاق العالية واحترام القوانين والمهارات القيادية المختلفة ضمن رؤية ورسالة هذة المؤسسات ليتميز بها صاحب القرار ويكون قدوة لكافة العاملين فيها. والأصل في مؤسسات القطاع العام حيث تتقاطع المسؤوليات الوطنية مع الأداء المهني، تصبح العلاقة بين متخذي القرار والقيادات بمستوياتها المختلفة وأصحاب الإختصاص علاقة تكامل لا تنافر، وشراكة لا وصاية ومحاولة التخلص منهم بطريقة قانونية حسب الصلاحيات الممنوحة لصاحب القرار، وكأن الكفاءة باتت تُعامل على أنها تهديد، لا قيمة مضافة لأي مؤسسة والعمود الفقري لإتخاذ القرارات السليمة،وضمان جودة العمل المؤسسي.
والسؤال الذي يتبادر الى ذهن أي عاقل متمكن وواثق من قدراته لماذا تحدث هذه الإساءات أحياناً؟ في الغالب تحدث مثل هذة الإساءات عند الشعور بالتهديد والغيرة من الكفاءات ، و/ أو رغبة في تلميع صاحب القرار بإنجازاته دون الإعتراف بالمساهمات الفعلية للآخرين ،أو/وقلة وعي إداري وقدرات أو ضعف ثقافة مؤسسية خاصة في المؤسسات الخدماتية المتخصصة، وأهمها الكارثة الكبرى عند دخول الحسابات الشخصية أو المناطقية أو السياسية.
وبالتالي إن المبدأ الذي يجب الإيمان به هو القرار الرشيد الذي لا يُبنى على الولاء الشخصي، بل على الرأي المهني الموضوعي،كما أن
الكفاءات لا تُدار بالاحتواء الظاهري، بل بالتمكين والإحترام الحقيقي لأدوارها. وبتجاهل هذا المبدأ يتم خلق بيئة عمل طاردة للكفاءات، ويؤسس لممارسات إدارية تعتمد على المجاملة والمصالح المتبادلة بدلاً من الكفاءة، وعلى التبعية بدلاً من الشراكة. أما عندما يُساء للخبير أو يُقصى، فإن الخسارة لا تقع على الفرد، بل على المؤسسة والدولة ككل.
الأصل أن الجميع شركاء في القرار، لا موظفون للتنفيذ الأعمى والتبصيم ومخالفة اللوائح والأنظمة المعمول بها في الدول ذات السيادة القانونية وعملية الدعم للمسؤول لا يعني التنازل عن الحق في النقد المهني والموضوعي ولا ينتقص من القيمة العلمية والفنية والخبرة العالية أما التقدير فلا يُعد ترفاً إدارياً بل ضرورة لضمان جودة القرار العام أولاً وأخيراً والقرار السليم لا يُبنى على المجاملة،والإساءة لأي موظف متميز في القطاع العام لا تُضعفه... بل تُضعف المؤسسة فعند تهميش الكفاءات تصل رسالة للجميع هي"الكفاءة ليست أولوية، والمواقف والولاءات الشخصية فوق العمل المؤسسي" وهذا، في أي قطاع، بداية تآكل في الثقة، وتسريب للعقول الجادة، وتكريس لثقافة الرداءة وسياسة الفوقية والانتقائية.
للعلم أن معظم القيادات من الجنسين وعند التقدم في مجال المعرفة والخبرة والتميز الوظيفي لا يتقدموا الصفوف بحثاً عن مجد شخصي، بل بدافع واجبهم الوطني وبعضهم ساهم في دعم مسؤولين، شارك في إعداد سياسات، نفذ العديد من الخطط الوطنية، صاغ استراتيجيات وطنية تحمل في طياتها توجهات وطنية حتى النخاع ولكن حين تتحول هذه الشراكة إلى منّة، ويُقابل العطاء بالإقصاء، فإن الصمت يُصبح ضعفاً ، والسكوت تفريطاً بالقيمة المهنية ،والمعروف أن الذكاء المؤسسي لأي مسؤول أو صاحب قرار بكيفية إدارة الكفاءات، لا باستغلالها والمسؤول الحقيقي لا يخشى من حوله، بل يستقوي بهم والمطلوب هو بناء بيئة صحية ادارية فنية وسياسية سليمة.
مما ذكر من منطلق الحرص الوطني على استدامة الأداء العام ، والحد من تسرب الكفاءات أو تحييدها وتمثيل الدولة من شخصيات غير قادرة على أبسط انجازات بسبب حسابات شخصية لا تليق بمستوى العمل المؤسسي الذي يتطلع اليه الجميع .
في الخلاصة
لتقليص الفجوة الكبيرة الظاهرة حالياً بين القدرات السياسية والإدارية والفنية ورفع نسبة الإنتماء الوظيفي والمؤسسي وتعظيم الإنجاز وتحقيق الإستدامة في أي دائرة حكومية يجب منح كل ذي حق حقه والحد من ظاهرة الإفتاء في كل شيء .
وإذا كان بعض المسؤولين يرى أن الدعم لأي موظف مواطن في القطاع العام سواء جزئي أو كلي يُجيز له التجاوز أو الإنتقاص أو الافتراءات ، فمن الأولى التذكير وعبر التاريخ المهني بأن كثير من الكفاءات قاموا بدعم المسؤولين للمحافظة على مواقعهم فالمؤسسات لا تنهض بالشعارات، بل بمنهج احترام العقول والعمل بإخلاص.
#دعم المزارع الأردني واجب وطني يفوق كل الواجبات لأنه الذراع الرئيسي للأمن الغذائي#







