البحث عن الشاب هيثم المصبحيين
راصد الإخباري -
بقلم : توفيق الحجايا
الحمد لله على نعمة المطر، الذي يُحيي الأرض ويجدد بركاتها، لكنّ هذه النعمة قد تحمل في طياتها أحياناً تحدياتٍ جسيمة عندما تتحول إلى كارثة طبيعية بفعل عوامل مناخية مُفاجئة.
و اذ شهدت المملكة خلال الفترة الماضية انخفاضاً ملحوظاً في معدلات هطول الأمطار مقارنة بالأعوام السابقة، حيث لم تشهد العديد من المناطق، خاصة في فصل الشتاء الذي أوشك على الانتهاء، سوى أيامٍ معدودة من التساقط المحدود.
و في المناطق الجنوبية ذات الطبيعة الصحراوية، التي يبلغ متوسط هطولها المطري السنوي نحو 100 ملم، تتفاوت الكميات بين عامٍ وآخر. لكنّ المفارقة تكمن في أن الطبيعة الصحراوية قد تمنح أحياناً أمطاراً غزيرةً خلال ساعات قليلة، نتيجة تشكل السحب الرعدية التي تُهطل مياهاً عاتيةً تُحوّل الأودية الجافة إلى سيول جارفة. وهذا ما حدث مؤخراً في منطقة وادي الصفيق شرق بلدة الحسا، حيث اجتاحت الأمطار الغزيرة المنطقة بشكلٍ مُفاجئ، تاركةً وراءها دماراً مادياً وبشرياً.
و في خضم هذه الأجواء القاسية، واجه الشاب هيثم المصبحيين لحظة مصيرية حين قرر إنقاذ رزقه الوحيد – خمسة من الإبل – التي تعرضت لخطر الغرق بسبب فيضان الوادي. رغم نداءات المحيطين به بضرورة ترك الإبل والابتعاد عن مسار السيل، إلا أن إصراره على إنقاذها جعله يُخاطر بحياته. لكن سرعة تدفق المياه وقوتها كانت أسرع من أي قرار، فجرفته السيول مع إبله، تاركةً أهله وذويه في صدمةٍ تنتظر أي نبأٍ عنه.
و مع بزوغ فجر اليوم ، انطلقت فرق الإنقاذ التابعة للأمن العام في لواء الحسا، بدعم من المحافظات والجهات الرسمية، للبحث عن هيثم. واجهت الفرق تحدياتٍ كبيرةً، أبرزها تكوّن البرك المائية العميقة المليئة بالطمي، الذي وصل ارتفاعه في بعض المناطق إلى عشرات الأمتار، مما عرقل عمل الغطاسين وخفض فرص العثور عليه. كما عثرت الفرق على جثث الإبل الخمسة ملقاة على حافة إحدى البرك، لكنّ مصير هيثم ما زال مجهولاً.
و رغم تعقيدات المهمة، لم تتوقف عمليات البحث. تعتمد الفرق الآن على تقنيات متطورة مثل أجهزة السونار لمسح البرك المائية، واستخدام طائرات الدرون للمسح الجوي للأودية والمناطق المحيطة، سعياً لتحديد مكان هيثم بدقة. وتظل الإرادة الإنسانية وقوة التعاون بين الجهات الرسمية والمحلية عنواناً بارزاً في هذه الجهود.
و لا يمكن إنكار الدور البطولي لفرق الإنقاذ، من غطاسين محترفين إلى متطوعين، الذين يعملون ليل نهار في ظروفٍ خطرة. كما تُوجه التحية لمحافظ الطفيلة ومدير اقليم الجنوب ومتصرف لواء الحسا و رئيس مركز امن الحسا ضباط وافراد، الذين حوّلوا التحدي إلى عملٍ جماعي يُعبّر عن قيم التضامن في مواجهة المحن.
ختاماً، تبقى قصة هيثم المصبحيين تذكيراً بقسوة الطبيعة، لكنها أيضاً شهادة على الإصرار الإنساني. فلنواصل الدعاء له بالسلامة، ولنذكر دوماً أن نعمة المطر، رغم ما تحمله من امتحانات، تبقى مصدر حياةٍ نقدّرها بكل لحظة.







