تخيل فقط، لو أن كل قبيلة أو طائفة أو جماعة قررت تصنيع السلاح بنفسها، بحجة الحماية أو المقاومة، فماذا ستكون النتيجة؟ الجواب واضح: فوضى عارمة، انهيار لمنظومة الدولة، وتمزق في نسيج المجتمع. فما من دولة في العالم يمكنها أن تستقر إذا تعددت فيها مصادر القوة، وتفرّق فيها السلاح خارج إطار الشرعية.
لقد شهدنا في عدد من الدول العربية كيف أدى السلاح المنفلت إلى نزاعات دموية وحروب أهلية، آخرها ما نراه في السودان، حيث يتقاتل الإخوة، ويتحول المواطن إلى هدف، والمنازل إلى جبهات. وكل طرف يرفع شعار "الله أكبر"، وكل طرف يزعم أنه على حق.
السلاح لا يجب أن يُحمل إلا بيد واحدة، هي يد الدولة وجيشها الوطني. فالمؤسسة العسكرية هي التي تحمي السيادة وتفرض القانون، وأي محاولة لمزاحمتها في هذا الدور، حتى تحت مسميات وطنية أو دينية، ليست إلا مشروع فوضى.
صحيح أن التطور التكنولوجي أتاح القدرة على التصنيع، سواء صواريخ أو طائرات مسيرة، لكن هذا التقدم لا يُعطي المبرر لأي طرف بأن يتصرف خارج القانون. فحين يتحول كل فرد أو جماعة إلى جيش، تضيع الدولة، ويغيب الأمن.
الالتزام بالقانون ليس ضعفًا، بل قوة. وحتى في حال وجود خلافات سياسية أو تحفظات على بعض القرارات، فإن العقل والحكمة يقتضيان تغليب منطق الدولة على منطق الجماعة.
أما القضية الفلسطينية، فهي ليست قضية الأردن وحده، بل قضية الأمة بأكملها. الأردن يبذل جهده بكل السبل، ولكن ما الذي يمكن لدولة واحدة أن تفعله في وجه تحالف دولي ضخم يقف إلى جانب الاحتلال؟ المطلوب موقف عربي وإسلامي موحد، لا مجرد خطابات ولا مبادرات فردية.
في النهاية، لا شيء أخطر على الأوطان من فوضى السلاح. فلنحذر جميعًا من الوقوع في الفخ، ولنجعل من الجيش والمؤسسات الرسمية المرجع الوحيد لحماية وطننا وحقوقنا، وعلى رأسها قضية فلسطين.