فاجئنا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بإعلانه انه قدّم طلبات الى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب، وإبادة ضد الإنسانية، في ما يتعلق بالحرب في غزة وهجوم السابع من اكتوبر/تشرين الأول الماضي وقال خان إن رئيس الوزراء الصهيوني النتن ياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت يتحملان المسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية في غزة، وأضاف أن الأدلة خلصت إلى أن مسؤولين صهاينة حرموا بشكل ممنهج فلسطينيين من أساسيات الحياة، وأن نتنياهو وغالانت متواطئان في التسبب بمعاناة وتجويع المدنيين في غزة وحسب قوله "استنادا إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد أن النتن ياهو وغالانت، يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين اعتبارا من الثامن أكتوبر 2023 على الأقل وتشمل الجرائم، وفق المدعي العام، "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب، وتعمد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة، والقتل العمد، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين باعتباره جريمة، والإبادة أو القتل العمد، والاضطهاد باعتباره جريمة ضد الإنسانية، وأفعالا لا إنسانية أخرى .
وفي المقابل، قال خان إن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد أن كلا من زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة يحيى السنوار ومحمد دياب إبراهيم المصري المعروف بمحمد الضيف القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة ورئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنيه مسؤولون عن ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في إسرائيل، حسب تعبيره وشدد خان في كلمته على أن القانون يجب أن يسري على الجميع، ولا يمكن السماح بهروب أحد من العقاب، حتى لو كان رئيسا .
بالنظر الى هذه التصريحات وما سبقها من احداث نستخلص ان ما هذا القرار الا لحفظ ماء الوجه بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية وتحقيق مكسب امريكي صهيوني لطالما سعت اليه كون ان الإدارات الامريكية بشكل عام دائمة السعي الى اصدار ادانات دولية سواء في مجلس الامن او الجمعية العامة للأمم المتحدة او غيرها من المحافل والمنظمات والهيئات الدولية ففي عام 2018م نشرت إحصائية تصدر فيها الاحتلال "الصهيوني” أكبر عدد من الإدانات على مستوى العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بسبب ممارساتها اللاأخلاقية ضد الفلسطينيين حيث حظي الكيان الصهيوني بأكثر من 21 إدانة منذ احتلاله فلسطين عام 1948، في المقابل، لم تتلق حركة المقاومة الإسلامية حماس أي إدانة في الأمم المتحدة، ما أثار امتعاض الصهاينة وامريكا في ذلك الوقت حيث فشلت الولايات المتحدة ايضا بتمرير مشروع قرار يدين حركة المقاومة الإسلامية "حماس” في الجمعية العامة بالأمم المتحدة وقالت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، انذاك نيكي هايلي: إن هناك أكثر من 700 قرار لإدانة ل( الكيان الصهيوني )، بالمقابل لا يوجد أي قرار يدين حركة حماس وقد جاءت تصريحات هايلي خلال كلمة لها أمام جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ للتصويت على مشروع قرار أمريكي بإدانة حركة حماس، بدعوى أن منهج حماس يعمل لتدمير الكيان الصهيوني لكنها فشلت في ذلك .
استمرت المحاولات الامريكية لهذه الغاية حيث عبرت واشنطن عن أسفها لغياب الإجماع على إدانة الهجوم المباغت الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) على الكيان الصهيوني يوم 7/اكتوبر خلال الاجتماع الطارئ والمغلق مساء يوم 8/10/2024م والذي جاء بطلب من مالطا دعت الولايات المتحدة خلاله جميع أعضاء مجلس الأمن إلى إدانة "حازمة" لهجوم حماس على الكيان الصهيوني وقال السفير الروسي انذاك فاسيلي نيبينزيا "رسالتي كانت لصالح وقف فوري للقتال ووقف النار وإجراء مفاوضات هادفة"، متحدثا عن وضع يعود سببه جزئيا إلى "قضايا لم يتم حلها" .
ما قامت به المقاومة الفلسطينية خلال معركة طوفان الأقصى وتحديداً يوم السابع من أكتوبر لا يشكل أي خرق لاي من المواثيق الدولية حيث انه ورد في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 أغسطس/آب 1789، فإن "مقاومة القمع هي حق أساسي، وللفلسطينيين حق المطالبة به وفي عام 1970، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 2649 بـ "إدانة إنكار حق تقرير المصير خصوصاً لشعوب جنوب افريقيا وفلسطين"، والذي ينص بالحرف على أن الجمعية العامة "تؤكد شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية، والمعترف بحقها في تقرير المصير، لكي تستعيد ذلك الحق بأية وسيلة في متناولها" كما أكدت الجمعية العامة على ( شرعية المقاومة المسلحة الفلسطينية ) ، وربطتها وقتها بما كانت تعيشه ناميبيا وجنوب إفريقيا من أنظمة فصل عنصري، أيضاً في قرارها تاريخ 4 ديسمبر/ كانون الأول 1986، والذي ينص "على شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح" أي ان طلب خان مذكرة توقيف بحق قادة حماس مخالف لكافة القوانين والأعراف الدولية وحقوق الانسان .
وللوقوف على حقيقة السبب وراء هذا الطلب الامر النظر الى الفترة البسيطة وخلال شهر فقط فبتاريخ يوم 6/5/2024 م حذر نواب جمهوريون بمجلس الشيوخ الأميركي، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان من إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الصهيوني النتن ياهو ومسؤولين صهاينة آخرين، وتوعدوه بمواجهة عقوبات ثقيلة إذا ما أقدم على ذلك في تهديد علني ونشر موقع "زيتيو" للصحفي البريطاني المستقل مهدي حسن، فحوى رسالة تهديد أرسلها 12 عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ، من بينهم توم كوتون وماركو روبيو وتيد كروز، إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية خان وجاء في الرسالة التي نشر الموقع صورة منها وحملت توقيع النواب الـ12، أنه ( في حال إقدام المحكمة الجنائية الدولية على إصدار مذكرة اعتقال بحق النتن ياهو ومسؤولين صهاينة آخرين، فإن الخطوة ستعتبر تهديدا ليس فقط لسيادة الكيان الصهيوني ، ولكن لسيادة الولايات المتحدة أيضا، مما ستترتب عليه عقوبات ثقيلة ) وفق الرسالة وجاء أيضا في رسالتهم لخان بالقول "إذا استهدفت الكيان الصهيوني، فسنستهدفك كما هددوا بفرض عقوبات على موظفي خان وشركائه، وبحظر دخول المدعي العام وعائلته إلى الولايات المتحدة" وختم أعضاء مجلس الشيوخ رسالتهم الموجهة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بعبارة "قد تم تحذيرك" وبتاريخ 8/5/2024 م نقل موقع أكسيوس عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي مايكل ماكول، أن الأعضاء الجمهوريين بالمجلس يعدون تشريعا احترازيا لفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية إذا أصدروا أوامر لاعتقال مسؤولين الكيان الصهيوني وقال ماكول لأكسيوس إنه وعددا من مشرعي الحزب الجمهوري تواصلوا مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان لتأكيد أن المضي في إصدار أوامر اعتقال لمسؤولين صهاينة سيدمر العلاقات وأضاف: لسنا واثقين إن كان إصدار أوامر الاعتقال وشيكا لكنه إجراء احترازي ليعلموا (المحكمة الجنائية الدولية) أنهم إذا فعلوا ذلك فإن لدينا هذا التشريع جاهز وتابع أنهم لن يطرحوا التشريع الاحترازي للتصويت إلا إذا اضطروا لذلك حسب قولهم وفي وقت سابق حذر أعضاء مؤيدون للكيان الصهيوني من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالكونغرس الأميركي ولعدة مرات من أن المحكمة الجنائية الدولية تجازف بمواجهة عواقب من الولايات المتحدة إذا مضت قدما في إصدار أوامر الاعتقال وتأتي تهديدات أعضاء مجلس النواب الأميركي هذه بعد تقارير وردت في وسائل إعلام صهيونية تفيد باحتمال إصدار المحكمة الجنائية مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس الوزراء الصهيوني النتن ياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي على خلفية الجرائم الصهيونية خلال الحرب على قطاع غزة .
وكان خان قد تعرض أيضا للتشكيك بعمله يوم الثلاثاء 14/5/2024م من قبل السفيرين الروسي والليبي خلال اجتماع مجلس الامن الدولي بشأن تحقيقه في جرائم الحرب في ليبيا، منددين بعدم تحركه في مواجهة الهجوم الصهيوني على غزة حيث قال السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا "قد يتساءل المرء عما إذا كانت فعالية المحكمة الجنائية الدولية في هذا الشأن لا تتأثر بمشروع قانون يهدف إلى معاقبة مسؤولي المحكمة المشاركين في التحقيقات ضد الولايات المتحدة أو حلفائها"، في إشارة إلى معلومات نقلتها الصحافة حيث أشار خان الى أنه لن يرضخ لنفوذ من وصفهم بـ"أقوياء هذا العالم"، في إشارة إلى تهديدات تستهدفه في قضايا مرتبطة بالحرب على غزة وأوكرانيا .
وهذا يشير الى ان هذا القرار قد تم بصفقة مع الإدارة الامريكية بعد فضائحها وبهدف ادانة ولو بسيطة لحماس والتي سعت دوماً لإدانتها لعدة سنوات دون جدوي خاصة بعد ان تم فضح الكيان الصهيوني في شتى انحاء العالم وكشف حقيقته الاجرامية وزيف ادعاءاته اذ انها قررت التضحية بإدانة من ضمن مئات الادانات ضد الكيان الصهيوني فهي لن تغير الكثير ولكن بالنسبة لحماس فهي سابقة ستحاول أمريكا والكيان الصهيوني ومن معهم من دول استغلالها لإعادة ابتزاز المجتمع الدولي والتخفيف من قبح صورة الكيان الصهيوني خاصة بعد ما ان تم فضحها وهذا ما يؤكد العلنية ما كنت قد نشرته سابقا في مقالة كتبتها بتاريخ 29/1/2024 م حول قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن التدابير المؤقتة آنذاك والتي طالبت بها جنوب افريقيا لمنع ارتكاب الاحتلال الصهيوني المزيد من جرائمه بعنوان ( التدابير في القتل والتدمير ) وذكرت فيه الجزئية التالية ( ان قرار محكمة العدل العليا لا تعدى تصريحات المسؤولين في الولايات المتحدة الامريكية والتي هي الشريك المباشر في هذه الجرائم بل ان هذا القرار قد خط بأيادي الإدارة الامريكية ) وذلك لمنح الاحتلال الصهيوني المزيد من الوقت للتخلص من أبناء الشعب الفلسطيني وبمباركة دولية هذه المرة بعد ان شاهد العالم جزءً من جرائم إبادة جماعية واعمال تطهير عرقي بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية ايضاً حيث تجاوز عدد الضحايا من أبناء الشعب الفلسطيني الخمسة وثلاثون الفاً اغلبهم من النساء والأطفال عدا عن المصابين والمفقودين فهم من.. لا امان.. ولا عهد لهم..!