آخر الأخبار

مقالات لجرار وعرجون والحوراني ولارا خالد

راصد الإخباري :  


الاردن - من عبدالله الحميدي

فقد كتبت الروائية الجزائرية مريم عرجون، مقالا حول الحياة السياسية، طافت فيه حول كافة ظروفها وتقلباتها وقالت

مَكَاتِيبِي وشاحٌ خاملٌ في السعي إلى ملكوت حرفٍ يرقص على جبيني، كمجنون جامح، أدبر يسعى أن يُخرِجَ صدقا، وشفافية، و أكتب للواصفين وصف، و فيه ظرف للسامعين، والقارئين كشف، وأنا صلب كالحجر من أمام ساحة حرب عاتية، بعثرت أشياءها ببرودة أعصاب، وهي لا تقبل القسمة على اثنين، وأمام لوحاتُ ملصوقةُ في الركن الساخن في وطني، ومن خلف الباب، والمنابر، والأسوار، والحدود، حناجر ترفعُ بُوقَها، و تصهل بلغلغة حمى سياسة مغلولة، و تناقضاتٌ، تناقضاتٌ، تناقضات تعصر عقلك، والوجدان، منثورة بالطرقات، بطرقات وطني المُسْتَعِر كسابِقِ عهدِه، ولازلنا فيه ساكنوه، وهناك تحت ظل هذه الظروف السياسية التي تمر بها بلادي، العازفة على أوتار الانتخابات التي ارتفع هتافها هناك أمام الحشد الكبير، أرى أكتاف تتزاحم نحو القاعة، و أنا جالس أصغي بشحوبٍ قلقٍ لكلمات رنانة، ما يقول النقاد، والأحزاب، والروّادُ، و الصحفيون، فتمتلئ الأجواء بخطابات السياسيين، وبما يستمع إليه الجمهور من تحيز سلبي، الذي عدّ ميول كامنا في اللاوعي، إذ بكلمة تخرج من الركن الساخن، "خواء" لا شأن لي بالسياسة، فقد جاهدت كثيرا كي ألملم تصريحات السياسيين، و القادة، و أكوّن جملة يتيمة صحيحة، لكني فشلت، فشلت في التركيب، و التحليل، و الاستنتاج، و النحت، و الاستعارات، و التشبيهات، نعم فشلت في فهم المنقسمين السياسيين، و ضحاياهم، فشلت في قراءة المعادلة المتشابكة، والمعقدة، فشلت في استيعاب الإزاحات الدراماتيكية المَمْجوجة في برامج الأحزاب، والحركات الجذرية، فشلت في فهم الاِصطِفاف، و الْاِنْحِيَازَات، والولاءات المربكة، فشلت في قراءة خطابات التحريض المخضبة بدعوات التسليم، و الإذعان، فشلت في الصيام أيام اللغو و القيظ، و الفقر، و الجوع، أنا أغبى من أن أعي، أو أتعاطف مع كل هذا إلى درجة الخبل، و تجاه أعاصير الطبيعة العابثة، و هي تفتك بالإنسان هنا و هناك، كيف أستجيب لعقم السياسة، و عتمة السياسيين، و أنا أرى نجمة وهلال أحمرا قد تزينا علما علق على الأكتاف، لا شأن لي بالسياسة، و سأكتفي بالعبث مع الأطفال المشاكسين، الراسبين، الفاشلين، الأشقياء، و حين أتوق للحديث فسأتبادله مع المتسولين، والمتسولات في ساحات المدينة، و شوارعها الكئيبة، سألقي بحمى الانتخابات القديمة أمام شاحنة مسرعة على الطريق السريع، وتهرع خلفها أحلام أخرى بالملايين، أو أعتدل في جلوسي متباهيا بانتصار على مائدة الوطن، وكل شيء بمذاقنا، بملعقة من ذهب، أكيد فما علينا إلا أن نتقن الطاعة، و نتنازل عن حصتنا من الوطن طواعية، لأول مستثمر يصادفنا، شريطة ألا يراجعنا لاحقاً، حين يكتشف أن ثدي الوطن قد جف تماماً، و أن الساسة، و السياسيين لم يبقوا من الوطن، و المواطن، سوى أضرحة مهدمة، تحوي جثثاً متحللة !!!

 و خطانا تخجل أن تدوس على براعم زرعٍ نمت من دم ثوريٍ عشق وطنه لحد الثمالة، هذا الوطن الذي يصرخ فينا من غرغرات دماء شهداء، و من زفرة شعب يعجز عنه الهزم، كيف أمشي و خطاي مزقتها دندنات "تحيا الجزائر" من مدائن شعبي، وأسرار شعبي، و من قلاع شعبي المخمورة، وبيوت شعبي المهجورة، وطرق شعبي المحظورة، هاته الكلمة التي لا تعرف حداً للكلمة، ولا للسيف، وأمامها كل الأصوات المعادية لوطني كلها كلمات مكسورة، هذا الوطن المفطوم من الكسر، الذي دندن يوما في أذن الذبح، ما يهمني كيف نخطو بطريق السياسة النظيفة، و الارتقاء فوق الانتخابات المثيرة للانقسام، التي اعتاد مجتمعنا مفاهيم نمطها طوال سنوات مضت، لكن الاجتهاد هو وحده من يدَفَعَ الأعطاب، فالاجتهاد بتغيير زكام الانتخابات ليس مجرّد شعار يقال، أو ترفعه مؤسسات إنما هو منهج عمل، ولا يتحقق هذا إلا بمعرفة مكامن الأعطاب، و بدلاً من أن نعيب الظلام دعونا نوقد فتيل شمعة، لأن حالنا باقي مثل حال أي دولة في العالم، ومهما تختلف التيارات، والأحزاب، والعقائد والأفكار، إلا أنها مُدمَجةً، وأننا لا نختلف أيضا في مزاولة اللعبة الانتخابية هاته التي تمثل دائما المسار الديمقراطي.

 وما ظل في الذهن مع كل هذا هل بدأت ثورة التغيير؟

وكتبت البروفسورة لارا خالد من الجامعة اللبنانية - لبنان، بحثا عن "جدليّة الأبعاد بين التّفصيل والتّعميم
في "قواعد العشق الأربعون"" على النحو التالي:


مقدّمة
    الرّواية هي فنّ. والفنّ هو تفجّر كلمات وصور من الروحانيّة، من السماء، من داخل الإنسان، من أحاسيسه وخياله وخبرته وذكائه. وقد كتب بول أبي درغام في كتابه "البُعد الرّابع"، (منشورات أصدقاء المعرفة البيضاء، بيروت، [لا. ت.]، صفحة 139)، أنّ مصدر الفنّ هو:
 
      "[...] بُعد سامٍ، وما الفنّان سوى النّاقل لها. يؤكّد ذلك أندريه جيد بقوله "الفنون عمل مشترك بين الإله والفنّان [...]."

    وكتب هيغل في أحد فصول كتابه "Esthétique" تحت عنوان "Le Point de départ de l’esthétique"، في كتاب ترجمه جانكيفيليش، (1994، من صفحة 17-18)، عن أهميّة الفنّ:

      "[و]قبل وقت، كانت نقاشات الفنّ تتعيّن في هذه المشاعر اللّذيذة، وفي نشأتها وتطوّرها، وهو الوقت الّذي شهد نشأة عديد من نظريّات الفنّ [...]."

    وحسب هيغل العبقريّة الفنّيّة ترتكز على

      "المخيّلة الخلّاقة الّتي ينجلي فيها الرّوح،
      [و]حين لا تعمل الرّوح مع يد الفنّان، لا يكون هناك من عمل فنّيّ."

    وكلّما ازداد رقيّ الرّواية وعمقها وأبعادها الإنسانيّة والثقافيّة والإبداعيّة، تفجّر نورها وأثّر أكثر فأكثر في القارئ، لأنّ الفنّ وحسب بول أبي درغام:

      "[...] لغة كونيّة تكشف بأشكال تمظهرها المختلفة أبعادًا من المعرفة الكلّيّة ومن أسرار الوجود  [...]."

    وهذا النّور المنبثق من إلهام السماء ومن أعماق المبدع ومن خبرته في الحياة، يولّد الأفكار الجديدة والابتكارات المبدعة، فتتطوّر بذلك الرّواية، وهي بدورها وبدور أفكارها الخلّاقة وعمقها في أمور الحياة تساعد في تطوير زاوية من البشريّة. وهذا هو دور الفنّ، لا بل دور الإنسان في هذه الحياة.
والعمل الفنّيّ العظيم يبدع رؤية فريدة، فكرة جديدة، إحساسًا جميلًا. ولقد أدخل علماء الفكر الفنون في معايير الأبعاد حسب مفهومهم لها وحسب أهمّيّة المبدع وخلود فنّه.
    وإننا نتساءل: ما هو دور التّفاصيل في التعبير عن لوحة رسالة النّص المتكاملة؟ وما أثر هذه العلاقة في الدخول في عالم الأبعاد؟ وما هي جدليّة البعد الرابع في رواية "قواعد العشق الأربعون" لإليف شافاك، من خلال تفاصيل إبداعيّة؟ سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة الّتي سحرت بها المبدعة سلبًا وإيجابًا العالم الدّاخليّ والخارجيّ في القارئ.

1-بين التّفصيل والتّعميم
    كلّما غاص الرّوائي في أمور الحياة وتفاصيلها، وكلّما كان عميقًا ومبدعًا وحساسًا، وكلّما اهتمّ في التّفاصيل للتعبير عنها بصدق، أثّر بالقارئ، وتداولته ألسنة المفكّرين، وانتشرت أصداؤه، وتداخلت الحواس بعضها ببعضها الآخر لتنتج أبعادًا أبعد من الكلمات المكتوبة ومعانيها.
فيخلّد بذلك المبدع عمله، ويزيد عمليّة التّأثّر والتّأثير الّتي تتمّ عبر الحواس والتي تقرّب، في الإبداع الفني، الإنسان من الروحانيّة. والحواس الخمس بمفهومها التقليدي تُتَرجم بالفنون وبتفاصيلها. وإذا أخذنا فنًّا من الفنون، وهو ما يهمّنا في هذه الدراسة وهي الكلمة، نلاحظ أنّها:

      "[...] رداء الفكر وناقلته، تُجسَّد في الكتابة رسمًا، وتُرنَّمُ في النّطق لفظًا [...]. يتناهى التّعبير عبر الأدب [...] إلى المدارك بواسطة [الحواس]، لأنّه[ا] السّبيل الوحيد إلى الفكر البشري [...] إذ إنّ الفهم الباطنيّ المباشر، عبر الجسم العقليّ، لا يزال في غيبوبة تامّة لدى الكثيرين." (بول أبي درغام، البُعد الرّابع، ص. 137).

    وتشبّك الرّواية خيوطها في أعماق القارئ وحواسّه وفكره، في إدراكه المعرفيّ والتّواصل الباطنيّ من خلال تفاصيلها وأبعادها وجمالها، ورسالة لوحتها المتكاملة. من هذه التّفاصيل، ومن دلالاتها على اللّوحة الكاملة، يصبح العمل الفنّي راقيًا ويدخل بذلك في عالم الأبعاد.

2-الأبعاد وقواعد العشق الأربعون

    قرأت كتاب "قواعد العشق الأربعون"، وإذ من صفحاته تنبثق لوحات تتضمّن شخصيّات من زمنين مختلفين، الزّمن الأوّل في شخصيّة إيلّا والعائلة في سنة 2008 (حسب التّسلسل الزمنيّ في الرّواية)، والثّاني في القرن الثّالث عشر ميلادي بشخصيتين هما الشّمس التّبريزي وجلال الدين الرومي.
وكلّما غصت في الكتاب تصاعدت أبعاد هندسيّة، ومن أخرى مكانيّة... مع البعد الزمنيّ بين القرنين الثالث عشر و2008، مع تشابه بينهما حسب رأي المؤلّفة، إذ كانا عصر التعصّب الدينيّ والصّراعات الدينيّة والثقافيّة والخوف من الآخر في مقابل الحاجة الملحّة للحب، للعشق، وهو برأيها جوهر الحياة، وهو حسب جلال الدين الرومي يتمسك بكلّ البشر حتى الذين لا يتقبلونه. فاجتمعت الأبعاد لتعطينا بعدًا رابعًا نادر وجوده.

    واكتُشف البعد الرابع في القرن التّاسع عشر. وفي كتاب "النّظرية النّسبيّة الخاصّة" لألبرت أينشتاين تبلورت النّظريّة في ربطه بين الزّمان والمكان، فيقول إنّ العالم يتكوّن من أربعة أبعاد، وعنصر الزّمان يشكّل بعده الرّابع.
    والبعد الرّابع هو نوع من "الحقيقة" (La Vérité)، أوظلّها المنعكس في رقيّ النّص، و"الحقيقة":

      "تخلّد العمل وتعطيه سحرًا، يتنافس النّقّاد على وصفه بكلمات جماليّة وعلى شرحه بتقنيّات فنّيّة، فتفوتهم أبعاد هذا العمل اللّامنظورة، تفوتهم "روح" هذا العمل التي استمدّها الفنّان من علياء كينونتها وطبعها بهويّته، ثمّ بثّها رقمًا ونغمًا ولونًا عبر المادّة الكثيفة في لحظات من الوعي والاستلهام من مصدر إبداع الفنّان، من ذاته الإنسانيّة، ومن انعكاس روحه [...]." (المرجع السّابق).

    ففكرة الأبعاد الأربعة أثّرت في عالم الفكر، وفي عالم الفنّ ابتداءً من أواخر القرن التّاسع عشر. وهذا الأثر خلق عالمًا في الفنّ نابعًا من مصادر غير محدّدة: من العالم الدّاخليّ والخارجيّ للإنسان، من مصادر حسيّة وذهنيّة وابتكاريّة جديدة. فبدا الفنّ الأصيل البعد الرّابع للمعرفة. والتّواصل مع البعد الرّابع غير واضح، لأنّ الإنسان تحدّه الحواسّ والمادّة. لذلك يجهل المرء غير المثقّف وجود هذا البعد اللّاماديّ ويجهل ماهيّته.
      
    بدأ البعد الأوّل في الرّواية وهو البعد المكانيّ منذ صفحة التّمهيد الأولى لكتاب (إليف شافاك، "قواعد العشق الأربعون"، ترجمة محمد درويش، دار الآداب، بيروت، 2017):

      "تحمل بين أصابعك قطعة حجر ترمي بها في الماء.  [...]، سوف يتموّج الماء في النّقطة التي تكسّر فيها قطعة الحجر سطحه ويتناثر تناثرًا مكتومًا بسبب تدفّق النّهر المحيط به.
ارم بقطعة حجر في بحيرة ولكن تأثيرها لن يكون مرئيًّا فحسب، بل سيستمرّ مدّة أطول لأنّها تثير اضطراب المياه الساكنة، مكوّنة حلقة دائريّة في المكان الذي تضرب فيه تلك القطعة الماء. وفي لمح البصر تتضاعف تلك الحلقة حلقتين وثلاث حلقات، ولكن يمضي وقت طويل حتى تتّسع الموجات التي يحدثها سقوط ذلك الحجر وتغدو ملاحظتها ممكنة على امتداد سطح الماء الذي يعكس الصّورة كالمرآة. ولا تتوقف الحلقات الدّائريّة وتتلاشى إلّا عند وصولها الشّاطئ.
ولكن إذا ما ضربت قطعة حجر نهرًا، فإنّ النهر سوف يعدّها على أنّها ليست سوى فوضى أخرى تصادفه في مجراه المضطرب أساسًا.
أمّا إذا ضربت قطعة الحجر بحيرة من البحيرات فإنّ تلك البحيرة لن تعود إلى وضعها السابق أبدًا."

    هذا النّص يدخل في مبدأ الموجات الميكانيكيّة.
    وربطت الكاتبة حياة إيلّا روبنشتاين "بالبحيرة الرّاكدة" يعني بمبدأ الموجات الميكانيكيّة، فحياتها هي بقيت مياهًا راكدة على مدى أربعين سنة ثمّ قرأت كتاب "الكفر الحلوه" للمؤلّف زاهارا، وهي رواية تدور حول شمس التبريزي وجلال الدين الرومي، فتغيّر مسار الحجر ورُمي بدلًا من البحيرة في البحر. فتفجّرت عواطفها ثمّ تركت العائلة لتلتقي بزاهارا.
    وهذا البعد المكانيّ الفيزيائيّ يُرسم بخطٍّ مستقيم: X، l’Abscisse، هو أوّل بعد يظهر في الرّواية:

    هذا  المثل من البعد المكانيّ الفيزيائيّ والذي هو واحد من العديد في الرّواية يدخله بعد ثانٍ وهو مكانيّ واسع، يتنقّل البعد من ولاية ماساشوسيتس لبوسطن ورود أيلاند ونورثهامبتون، إلى الأناضول وبعدها إلى الغرب، وبعده إلى الشّرق مع شعب المغول ثمّ إلى حروب القبائل في تركيا وإلى محاولة البيزنطيّين استرداد أراضيهم، إلخ.. وهذا التغيير في الأمكنة يدلّ على الفوضى المنتشرة في كلّ مكان:

      "وفي خضمّ هذه الفوضى الضّاربة أطنابها في كلّ مكان [...]."

    وهذه الفوضى ترجمت لغويًّا بالغليان في بثّ المعلومات وتغيير كل هذه الأمكنة في مقطع صغير نسبيًّا:

      "كان القرن الثّالث عشر [وصولًا إلى] أحداث المستقبل."

    ومن ثمّ في فصل "القاتل" انتقلت إلى الإسكندريّة في تركيا وبعد ثماني صفحات وفي فصل "شمس"  انتقلت إلى سمرقند في أوزبكستان ثمّ عادت إلى 2008 في نورثهامبتون وذلك في فصل"إيلّا"...
    هذا الحب في التنقّل من مكان إلى آخر ربّما يعود إلى نشأة الكاتبة وحياتها، فهي ولدت في ستراسبورغ وتنقّلت بين مدريد وعمان وكولونيا قبل أن تعود إلى تركيا، ثمّ هاجرت إلى الولايات المتحدة.
    وإذا أردنا رسم البعد الثاني على الورقة فهو Y، l’Ordonnée، ويرسم عموديًّا على الخطّ الأفقيّ ذاته:

    وهذه الأبعاد تتوضّح أكثر فأكثر عبر تفاصيل تارة مهمّة مثل التي وردت في البحث، وتارة أخرى رتيبة. فبعض التّفاصيل التي دلّت على الحياة اليوميّة، فيها نوع من الرّتابة، فلاحظنا مرّات عديدة أنّ مستواها في هذه الرّواية أقلّ من عمق القصّة وتعابيرها، وفي الوقت ذاته تدخل القارئ في أبعاد القصّة الواقعيّة. ففي حديثها عن الفراغ الذي بدأت تشعر به منذ أن كبر الأولاد، وتفكيرها بالبحث عن وظيفة، وبخاصّة الحوار العائليّ الذي أدخلنا من جهة في اللّوحة الواقعيّة، ومن جهة أخرى أنزل من مستوى الرّواية العميقة التي تدعو إلى الغفران والمحبّة والعشق الإلاهي:

      "أسرعت إيلّا موضحة الآن:
-آه، إنّها ليست وظيفة عظيمة الشأن. كلّ ما هناك هو أنّني قارئة غير متفرّغة لإحدى دور النّشر الأدبيّة [...]
-هذا ما أسمّيه مناكدة. كلّنا نفتخر بها.
قالت أستير بصوت عاطفيّ بدا كأنّ إيلّا قد غادرت المائدة ومضت في سبيلها:
-إنّها نعمة، في كلّ الأوقات. [...]
-قرّرنا أنا وسكوت أن نتزوّج. آه، إنّني أعرف ماذا ستقولون أيّها البشر! إنّنا لم نكمل دراستنا الجامعيّة [...]
-قلت إنّك مقبلة على الزواج [...]
[...]"

     فهذا الحوار كان يمكنه أن يكون واقعيًّا ويدخلنا في عالم القصّة ولكن بطريقة أكثر عمقًا وجمالًا. وهذه التّفاصيل اليوميّة عادت في صفحة 26 ولكن طريقة التّعبير حمّست القارئ لمعرفة إذا كانت إيلّا ستقرأ الكتاب أم لا. وظهرت التّفاصيل بطريقة جميلة ودقيقة في وصف المكان  والطبيعة في فصل "شمس":

      "تذبذب ضوء الشّموع الخشبيّة المصنوعة من شمع العسل [...]
كانت ليلة هادئة من ليالي أواخر فصل الرّبيع يزيّنها بدر في كبد السماء [...]
هبّت ريح صرصر، وتوارى القمر وراء سحابة كأنّه لا يريد أن يكون شاهدًا على ما سيحدث. توقّف البوم عن النعيق وأمسك الخفّاش عن الخفقان بأجنحة في حين توقّفت نا المدفأة داخل البيت عن إصدار أيّ صوت [...]"

    هذا الوصف مطابق للعصر الذي تصف الكاتبة به المكان وهو 1242، فندخل من خلال الدقّة في الوصف وتفاصيله في المكان بالديّكور المناسب.

    بالإضافة إلى البعد المكانيّ نلاحظ وجود البعد الوجدانيّ:

      فعلى الرّغم ممّا يقوله النّاس، فالحبّ ليس شعورًا عذبًا فحسب بل من شأنه أن يأتي ويرحل سريعًا.
[...] في مثل هذه الأوقات تكون الحاجة إلى الحبّ أكبر من أيّ وقت مضى.
لأنّ الحبّ جوهر الحياة وهدفها. وكما يذكّرنا الرومي، فإنّه يهاجم الجميع بمن فيهم أولئك الذين يتحاشونه [...]."

    وفي فصل "المعلّم" لاحظنا وجود الحب أيضًا:

      "توجّه للحبّ يا حبيبي، فلولا حياة الحبّ الجميلة
لكانت الحياة عبئًا – كما رأيت"

    وأكملت الكاتبة بالبعد الوجدانيّ:

      "-آه يا حبيبي يا إلهي! أحبّك أكثر ممّا تتصوّر، ولسوف أفعل كل شيء [...]
إلخ.."

    فمن خلال الكتاب نستنتج أنّ الطريق إلى الحقيقة المطلقة يمرّ من القلب والحبّ والعشق لا من العقل والرأس.
فهذا البعد الوجدانيّ، والفضاء الّذي نعيش فيه هو في البعد الثّالث، نستطيع أن نكمل المحورين X  و Y برسم محور ثالث وهو Z، يمرّ بالوسط في نقطةO ، Origine، مع التّصوّر أنّ هذا المحور الأخير يخرج من اللّوح. وكلّ نقطة في الفضاء نستطيع أن نجدها من خلال هذه الأرقام الّتي تكتب (تقليديًّا) ب: X  و Y  و Z، ولهذا السّبب فالمحور Z يدخل في البعد الثّالث.

    أمّا البعد الزمنيّ وهو البعد الرّابع للمعرفة فوجدناه مرسّخًا في النّص، لدرجة أن أهمّيته تأتي في الصّدارة. فنلاحظه مثلًا في الصفحة الأولى من التّمهيد حين ربطت المؤلّفة بين "البحيرة الراكدة" وحياة إيلّا:

      "على مدى أربعين سنة مياه راكدة [...]"  
 
وفي صفحة 29:

      "من أوجه متعدّدة، لا يختلف القرن الحادي والعشرون عن القرن الثالث عشر، وسيذكر التاريخ هذين القرنين بوصفهما زمنين من أزمنة التّصادم الديني الذي لا سابقة له، وسوء الفهم الثّقافي والإحساس العامّ بانعدام الأمن والخوف من الآخر. وفي مثل هذه الأوقات تكون الحاجة إلى الحبّ أكبر من أيّ وقت مضى."

    في هذا المقطع دخلت الكاتبة في البعد الزمنيّ مع المقارنة بين الزّمنين المتباعدين القرن الحادي والعشرين والقرن الثّالث عشر ومن ثمّ الانتقال بينهما وذلك من خلال سطرين فقط:

      "الحقّ لم تكن ثمّة أيّ نهاية، فبعد ثمانمئة سنة تقريبًا، ما تزال روحا كلّ من شمس والرومي حاضرتين إلى يومنا هذا، تحومان في مكان ما بيننا..."

    ويظهر البعد الزمني مرّات عديدة في الرّواية، فالكاتبة تنطلق من زمن إلى آخر بمقطع صغير، فنلاحظ مثلا في فصل "القاتل" أن قاتل الدّرويش في تشرين الثاني 1252 بقي أربع سنوات وهو يتذكّر الجريمة، يعني أنّه قتل سنة 1252 ولكن الحديث عن الجريمة في الكتاب جرى بعد 1256:

      "مرّت أربع سنوات منذ أن طعنته في ذلك الفناء ورميت بجثّته [...]"

    وللدّخول في البعد الرّابع، يجب علينا الاتّكال على مخيّلتنا، وذلك برسم خطّ يمرّ بالوسط في نقطة O، Origine، عابرًا الرّسمة، مشكّلًا مع محور Z تقاطعًا يشبه شكل X.
                 
الخاتمة
    أبدعت إليف شافاك في بلورة رواية "قواعد العشق الأربعون" من خلال تفاصيلها وأبعادها، كما لاحظنا من خلال بعض الأمثلة من الرّواية. فهي أشبعت القارئ بالثّقافة وملأت الأنفاس بالحب وفجّرت الحنين بالخيال ودغدغت الأذن بالرّواية، من خلال الأبعاد الموجودة في الكتاب ومن خلال النّور الذي انبثق منه وانتشاره في العالم فدخل بذلك الكتاب في أعماق الأبعاد وبالتالي في البعد الرّابع للمعرفة.

وكتب الدكتور صلاح جرّار، الوزير الاردني، مقالا بعنوان "الاحتلال وسلاح الإذلال" جاء فيه
   إنّ إحساس الإسرائيليين بالإهانة البالغة في أعقاب هجوم السابع من تشرين الأوّل الماضي دفعهم إلى محاولة التخلّص من هذا الشعور المرير بوسائل وطرق مختلفة، أوّلها ما يقوم به الجيش الصهيوني من هجمات على قطاع غزّة بكلّ ما يمتلك من قوّة مستخدماً كل ما لديه من أسلحة القتل والتدمير والإبادة والهدم والتجريف وتسوية المباني بالأرض وغير ذلك ممّا تقف خلفه روحٌ انتقامية حاقدة ومحاولات محمومة لمحو العار الذي لحق بهم والتصق بأرواحهم ورسخ في ذاكرتهم. 
   وممّا لجأوا إليه في سبيل محو هذا العار قيامهم بممارسة أنواع وصورٍ من الإذلال للفلسطينيين في غزّة وفي الضفّة الغربيّة وتصوير ذلك بالفيديوهات ونشره في وسائل الإعلام المختلفة وتوجيهه إلى العرب وكأنما يقولون لهم إنّنا قادرون على إذلالكم وإذاقتكم صوراً متنوعّة من المهانة والذلّ. وجميع صور الإذلال التي يمارسها الإسرائيليون في غزّة والضفّة الغربيّة تندرج في إطار المساس بثوابت الأمّة وعقيدتها وشرفها وقيمها ومقدساتها، وفي ذلك إمعانٌ في الإذلال، لكنّه يعبّر في الوقت نفسه عن عمق المرارة والشعور بالمهانة والذلّة التي تجرعها الصهاينة في الهجوم الذي تعرّضوا له في السابع من تشرين الأوّل.
   ومن صور الإذلال التي عمد الجيش الصهيوني إلى ممارستها وتوزيع فيديوهات لها في وسائل الإعلام المختلفة اختطاف مئات الرجال من قطاع غزّة وإرغامهم على خلع ملابسهم وتكبيلهم وتغطية عيونهم واقتيادهم في طوابير والتقاط صور لهم وهم على هذه الحال وبنادق الجنود مصوّبة نحو ظهورهم أو رؤوسهم. 
   ومن المشاهد الأشدّ إيلاماً وإذلالاً مشهد مئات بل آلاف الغزّيين وهم يتدافعون لالتقاط وجبة طعام أو كيس طحين ينزل عليهم من طائرة تلقي المساعدات عليهم من السماء، أو ينتظرون عند شارعٍ أو تقاطع في انتظار شاحنة تأتيهم بقليل من المعونات الغذائية، ومشهد الأطفال يحملون أواني معدنية وبلاستيكية ويتزاحمون عند أماكن توزيع الطعام. 
   ومن صور الإذلال التي يمارسها الصهاينة ضدّ أهل غزّة والضفّة الغربية اعتقال النساء الفلسطينيات والإساءة إليهنّ، وهو إذلال لا يتوقف الشعور به عند المرأة التي تتعرض للاعتقال فقط بل يمتدّ الشعور به إلى ضمير كلّ إنسان عربيّ شريف، وهو أمرٌ يدركه الصهاينة ويتعمدون الإقدام عليه إمعاناً في إذلال الفلسطينيين والعرب والمسلمين. ومن صور الإذلال أيضاً إرغام سكان الأحياء المختلفة على الانتقال جماعياً من حيّ إلى حيّ ومن شارع إلى شارع تحت رحمة الجنود والطائرات المسيّرة. 
   ومن أنواع الإذلال التي تجرأ الجيش الصهيوني على ممارستها المساس بالمساجد واقتحامها بأحذيتهم وأسلحتهم حتى إنّهم أقاموا صلوات يهودية داخل بعض المساجد ونشروا ذلك إمعاناً في النكاية بالمسلمين، وذلك فضلاً عن هدمهم أكثر من خمسمائة مسجد في غزة وحرق القرآن الكريم. 
   ولعلّ من صور الإذلال التي تستهدف كلّ فلسطينيّ وكلّ عربيّ انتشار مخيمات اللجوء في غزّة، وهو مشهد مثير للشفقة والعطف والحزن والأسى ويشعر الأمّة كلّها بالمهانة والمذلة والعجز والتقصير أمام جرأة صهيونية غاشمة على الأمّة برمّتها وليس فقط على أهل غزة والضفّة الغربيّة. ومن صور الإذلال الشنيعة دهس الفلسطينيين أحياء وأمواتاً تحت عجلات الآليات العسكرية وحمل جثثهم بالجرافات ودفنها.  
   ومع انتشار مشاهد الإذلال وتأثيرها النفسي العميق لدى العرب إلاّ أنّها لا تمثّل تحقيقاً لأهداف الاحتلال في غسل عاره، بل ما زال أهل غزّة رغم كلّ المعاناة من موتٍ وتشريد ومجاعة يمسكون بعزّتهم وكرامتهم واعتدادهم بشجاعتهم وبطولاتهم التي أذهلت العالم كلّه، وذلك لأنّ أبطال المقاومة يستهدفون بعملياتهم وبطولاتهم عصب القوة الإسرائيلية، وهو الجيش الإسرائيلي، بينما يلجأ الصهانية في تحقيق أهدافهم إلى وسائل رخيصة وخسيسة عندما يستهدفون المدنيين والأطفال والنساء والمدارس والمستشفيات والأهداف الرخوة، وهذا أمرٌ يؤكد جبن هؤلاء المحتلّين وذلّتهم. وكلّما ظن الصهاينة أنّهم مارسوا الإذلال ضدّ أهالي غزّة فاجأهم أبطال المقاومة بعمليات نوعيّة بطوليّة كفيلة بشحن الروح العربيّة بمزيد من الشعور بالفخر والعزّة والكرامة. 
   وعليه فإنّ الصهاينة لن يفلحوا بالنيل من كرامة الشعب الفلسطيني ما دام هؤلاء الصهاينة يلجأون في تحقيق أهدافهم إلى وسائل رخيصة ويستهدفون المدنيين والضعفاء ويستخدمون الحصار والتجويع والتعطيش والحرمان من الدواء والعلاج، بينما يمضي رجال المقاومة في إذلال الصهاينة وتمريغ أنوفهم في التراب عن طريق المقاومة الشريفة والشجاعة وتنفيذ عملياتهم ضدّ الجيش الصهيوني وآلياته وجنوده وقواعده.

ومن أقوال الحكماء، التي اوردها الاديب والكاتب العربي د.محمد الحوراني

1 - لا تتعجب من عصفور يهرب وأنت تقترب منه وفي يدك طعام فالطيور عكس بعض البشر تؤمن بأن الحرية أغلى من الخبز.

2 - قال الماء للزيت : كيف تعلو علي وأنا من أنبت شجرتك ؟ أين الأدب ؟ فقال الزيت : أنت نشأت في الأنهار راضياً وأنا على العصر والقهر صبرت فبالصبر نعلو.

3 - الدموع ليست قطرات بل هي كلمات  لكن من الصعب جدَا أن تجد شخصَا يقرأ ويفهم هذه الكلمات.

4 -بعض البشر قلوبهم كورقة خريف جافة مهما
رويتها لن تخضر بين يديك أبدا فلا ترهق نفسك وأتركها للرياح.

5 - كن عزيزَا وإياك أن تنحني مهما كان الأمر فربما لن تأتيك الفرصة كي ترفع رأسك ثانية.

6 - الكلمات كالبذور ولكنها تغرس في القلوب
وليس في الأرض ، لذا احترس مما تزرع وراعي
ما تقول فقد تضطر يومَا لأكل ما زرعته.

7 - الإحترام عشرة أجزاء ، تسعة منها في الصمت والعاشر إعتزالك لصغار العقول.

8 - لا تكن كالمجهر الذي يضخم التفاصيل
الصغيرة ، ويكشف مواطن القبح ، كن كمرآت تعكس ما أمامها بحيادية.