آخر الأخبار

منصة السلع تسجل للادباء وقع معارك غزة

راصد الإخباري :  


الاردن - راصد
كتب عبدالله الحميدي

في ظلال الحرب على غزة، كتب الادباء على منصة السلع الثقافية العديد من الاشعار  والمقالات

وكان منها ما سجله الاديب موسى صبيح في مقال تحت عنوان هل رأيتَ الصَّحابة؟

وفيه قال كاتبه، لا أعتقدُ أنَّ أحداً منّا لم يتساءل بينه وبين نفسه، ولو مرَّةً واحدةً على الأقل، وهو يقرأُ عن بطولاتِ الصّحابة: أهؤلاء بشرٌ مثلنا؟!

ثمَّ جاءتْ غزَّة وأزالتْ عنَّا في تسعين يوماً دهشةً عمرها مئات السَّنوات! وأخبرتنا أنَّ السِرَّ كلّه في الإيمان، هذا الشيءُ العجيب الذي إذا استقرَّ في القلبِ، وامتلأتْ به الرُّوح صار النَّاسُ لا يُشبهون بقيَّة النَّاس! كان الصَّحابةُ بشرٌ، وبطولاتهم حقيقيّة، ولكنّ الاستغراب منّا منبعه أنّ قلوبنا لا تُشبه قلوبهم! وإننا اليوم نتساءل بذات الدَّهشة القديمة: أحقًّا أهل غزَّة بشرٌ مثلنا؟!

نحن لم نرَ بلالاً حين كان يُردِّدها في وجه أُميّة: أحدٌ، أحدٌ! ولكننا رأينا وائل الدَّحدوح وقد قتلوه أربع مرَّاتٍ يعضُّ على جرحه، ويقفُ ثابتاً وفي داخله جنائز تُشيّع وهو يقول: معلش!

نحن لم نرَ سُميّة وهي تبصقُ في وجه أبي جهلٍ، تُمرِّغَ كبرياءه أمام النّاس، ولكننا رأينا أمهّات غزَّة يحملنَ جثث أولادهُنَّ دون أن تنزل من أعينهنَّ دمعة يشمتُ بها الصّهاينة، ويُردِّدنَ: فداكَ يا الله!

نحن لم نرَ أنسَ بن النّضرِ يوم أُحدٍ وفيه أكثر من سبعين ضربة، يجود بآخر أنفاسه موصياً: لا عُذر لكم إن خُلِصَ إلى رسول الله ﷺ وفيكم عينٌ تَطرِف! ولكننا رأينا الشّهيد السّاجد، من إمامة المسجد إلى ميدان القتال، إلى الجنّة!

نحن لم نرَ عكرمة يطلبُ البيعة على الموتِ يوم اليرموك، ولا رأينا البراء بن مالكٍ يطلبُ أن يُلقى من فوق السُّور يوم اليمامة، ولكننا رأينا مجاهدي الكتائب وهم يهجمون على دبابة الميركافا ويُلصقون عليها عُبوّة شواظ!

نحن لم نرَ سالم مولى أبي حُذيفة يوم اليمامة وهو يحملُ اللواء ويقول: بئس حامل القرآن أنا إذا أُوتيتم من قِبَلي! ولكننا رأينا بأس كتيبة الحُفّاظ تبثُّ صور أقدامها وتحتها رؤوس جنود الاحتلال!

نحن لم نرَ أبا دُجانة يتبخترُ في مشيته، ولكننا رأينا أبا عُبيدة واقفاً بعزَّة المؤمن وهو يقول: قصف تلِّ أبيب أهون علينا من شربة الماء!

نحن لم نرَ خندق سلمان يوم الأحزاب ولكننا رأينا أنفاق الكتائب يوم الكمائن!

نحن لم نرَّ الخنساء وقد تلقَّتْ بالصّبر نبدأ استشهاد أولادها الأربعة يوم القادسيّة، ولكننا رأينا أُمَّ الشيخ صالح تُعلّق على نبأ استشهاده: هنيئاً لكَ يمّة!

نحن لم نرَ عمر بن الخطّاب يوم هجرته في وضح النّهار عند دار النَّدوة يتوعّدُهم بالقتلِ إن هم تبعوه، ولكننا رأينا الكتائب تُحدِّدُ ساعة الرّشقة التالية بكل ثقة، ثم هي لا تخلفُ مواعيدها!

نحن لم نرَ أبا بكرٍ يوم جاء بكلِّ ماله، ولا رأينا عثمان يوم جهّز ثلث جيش العسرة، ولكننا رأينا أنه رغم الحصار الخانق الممتد لسنوات صارت صواريخ الكتائب أشدّ ضراوة، وقذائف الياسين أشد فتكاً، ثمّة من جهّز الجيش ولا تُصدِّقوا أنها الدُّول أو المحاور، من لا يصنع سلاحه لا يملك قرار استخدامه!

نحن لم نرَ هجرة الصحابة إلى الحبشة ولكننا رأينا خيم النازحين في رفحٍ قد ملأتها المياه! 

ولم نرَ مصعباً وحمزة ليس لهما أكفان تسترهم يوم أحد، ولكننا رأينا الذين جادوا بالأرواح وهم يقتحمون المستوطنات ولم يُدفنوا حتى اللحظة!

نحن لم نرَ جيش اليرموك والروم يفوقونه عدداً، ولا جيش القادسية والفرسُ يفوقونه فيلةً وعتاداً، ولكننا رأينا قوّات النُّخبة يوم السّابع المجيد من أكتوبر وهي تُبيد فرقة غزّة عن بكرة أبيها!

نحن رأينا روح الرُّوح وإيمانه، وأمّ يوسف الأبيضاني الحلو اللي شعره كيرلي وصبرها!
نحن رأينا شيئاً قليلاً من البأس والشجاعة والصّبر والتسليم والوجع، وكثير من هذا لم نره، هناك حكايا ستُروى لاحقاً، ستخبرنا غزَّة أن فيها أشباه الصّحابة، وستخبرنا بما هو أهمّ، ستخبرنا أن الصّحابة كانوا كما قرأنا عنهم حقّاً وأنهم قابلون للتكرار، وويلٌ للعالم الظالم منّا إذا نهضنا!

وللشاعر نجيب الكيالي  بعنوان "المصفوع"
قصة قصيرة جاء فيها
 
كان يمشي فوقَ الرصيف منهَكاً، لم يعثر على عمل، نزلتْ على رقبته صفعة!
يدٌ معلَّقةٌ في الهواء ناولَتْهُ إياها!
عند الظهيرة وهو يقف في طابور المعونة دون جدوى، تلقَّى صفعةً ثانية أشرسَ من الأولى!
إنه عاملٌ بسيط يحشر جسدَهُ داخلَ كنزةٍ ضيقة، وقدماه أكلهما السعيُ من أجل عياله!
مساءً وهو يحمل خبزاً وبندورة لبيته، حصل على هذا الطعام بالدين، ولا يدري من أين يُسدِّدُهُ، جاءته صفعةٌ أقسى من سابقتيها!
لماذا تصفعه الأيدي؟! وقف عند نافذة بيته يسأل الأرضَ والسماء، لم يأته جواب! وإنما جاءته صفعةٌ وحشية كأنها تقول: سنصفعك، وليس من حقك أن تسأل.
                  
وفي عنوانها خِداع
كتبت الشاعرة ريما البرغوثي قصيدتها التالية حيث

أنا إن تناولتُ
 الطعام وجدتُني
متسائلا ....
ما بال قوم جاعوا ؟

وإذا شربت 
الماء عذبا صافيا
قسما لفي شربي له إيجاع

 وإذا غفوت 
على سرير دافئ
في دفئه زور وفيه خداع

والسقف فوقي 
ثابت لا ينحني
وهناك سقف ساجد ركّاع

هذي البطون
 الخائرات لجوعها
قد علمتنا كيفه الإشباع

ومن الحلوق 
الظامئات ترنمت
قيثارة عبثت بها الأوجاع

عزفت لحون
 الموت ثم تسامقت
فعلى البسيطة
 ضاقت الأسماع

حملت جراحات
 وأخفت جلها
سرا بأطباق السماء يذاع

هتفت بهم 
أرواحهم أن أقبلوا
فهنا شراب سائغ ومَشاع

ومن الطعام
 لذيذه ومنامكم
فرش وثير ما عليه نزاع

نظروا إلينا
 من سموق عروشهم
وشقاء دنيانا أذى وصراع

يتعجبون 
من الذين تمسكوا
ببضاعة كسدت 
وليس تباع

ودروبنا هرج 
ومرج ما ارعوى
زرع وليس يحوزه الزراع

كل بدا من شرفة ملعونة
خدع الجميع 
وخانه الأتباع

كل يخون الكل
 لا أسف على
دنيا بها 
كم ساءت الأوضاع

ورأيت أمجادا 
تضيع لأمتي
مثل المكايل 
ضاع منه صواع

فعجزت أسرد
 للمواجع قصة
وحروف شعر 
يزدريه يراع
هذي الحياة 
وإن تطل بمسيرها
يوما يُلوّح للوجود وداع

 فبريقها زيف يَلوح ويختفي
ونعيمها متملق خدّاع

اما د. اسماعيل صيام فكتب عن  غزة... 

وامتد مد البصر 
وانشد للصورة
قضبان حديد قطرنا
فى بينها عصفورة
طوت جناحها على جراحها
معرفش ايه جبها تحت العجل
والدنيا شبورة
واشوف جلال البراءة والجمال بيموت
وسمعت صوت العجل
فوق ضعفها بيفوت 
والناس مشغولة بالفراق واللقا
والقطر بيقول توت

وكتبت الشاعرة عائشة المحرابي تحت عنوان "رجل الأنا" من ديوان وللجنون دلال

سيدتي تحمّلي جنوني
وتقلباتِ أجوائي
مراراً قلتُ أني رجلٌ مزاجي الهوى
رغم صمتي 
أشتاقُ إليكِ كثيراً
فأنتِ وديعةٌ في قلبي
وعائشةٌ في حنايا روحي
أحملك بين الضلوعِ 
دعوةً 
وزهرةً
وميلادَ نبض
فلا تحاورُكِ الظنون
ولا سكوتي تجاهل
اقتفي آثارَ أشعارِك
أبحثُ عن اسمي بين السطور
عن جنوني 
عن حماقاتي
ووعودٍ كم أخلفتُها دون اعتذار
أبحثُ عن رسالةٍ
عليها وشمُ الملك
إنه أنا أنا أنا 
فيا للغرور
هكذا أنا يا سيدتي
أعشقُ بجنونٍ
أعشقُ الأنا
أنا رجلٌ من عجينِ الكبرِ تكونتُ
أنا طوفانٌ من الخطايا
والاستقامة
وأنت قمرُ الليالي الحزين 
فهل ذبتِ لسماع صوتي ؟!
ألم تشتاقي إلى رقصي وسط الضباب
إلى غضبي
إلى جرح وشمته على جبين  ميلادك
أيا قمري الجميل 
ويا كلَّ المساءاتِ المنيرة
أيا أحلى الأقمار في عمري
أي الأقمار أنت ؟؟

اما الاديبة والروائية  مريم عرجون فكتبت
تحت عنوان  على قدر العروبة تأتي الخيبات: 

عدت هنا من البلاد الباردة، عدت إلي أحمل خيبة، وبقايا أمل، عدت إلى لغتي، قلقي، حزني، خوفي، وغبار طريقي، أمتص ما تبقى من بقايا مبادىء رثة، عدت لعقلي، وعقلي قصر مهجور تعوي فيه الريح، يجلس به متعبد صنع دينه، وأقام طرائقه للعبادة، فتتساقط منه الكلمات جثثا مشوهة، تعلق على حبل الغسيل، وحزمة من الآهات، والشهيق، والزفير، تتَوَقَّلَ الدماغ، فيروي تاريخ الجروح، والخلفية الدرامية، للتيار الذي لحق بأطراف هذه الأرض المبللة بأثار الدم الذي يسأل من أنا؟ 
وبها موقد نار يتدفق كنهر عطشان، ينهش أشلاء الصغير، يبحث عن واجهة ومجد، ووطننا عاد كدخان محرقة يشتهي لحم الصغير، و دائما يسأل هل من مزيد؟ ، ذئاب ترقص في سخب مدائنه، وأرضه لا تعرف حدودا للصيد، تمتص بعنف ما تبقى من عروبتنا التي تركض من درب الى درب، مشتتة، وموزعة بين المجهول، والعدم، تجلس على أطراف أرضها على وشك حجز تذاكر الرحيل، والليل على متنه بضائع ثقيلة، وأكتاف جنود هلكت بالحمى، وهم يتوسدون أسلحتهم الصدئة، ونحن حزمة أخلاق تقهقه، تصرخ فرحا، ثم ترتدي هياكل موتى لتحرص الأحياء منا الذين دفنوا أحياء، وتجمعهم ضبابية العيش، فلم نعد نعي كيف ندفن موتانا، قعودا، أو وقوفا، ولا نعي بما نأكل، بالميمنة، أو الميسرة، ولكن لا بأس عندنا من شرب الأنخاب على شرف أطفال فلسطين، المثخنة بالجراح، و ثرثرتنا عنهم خلف المنابر مزعجة، تغالب ضحكة منفلتة بين الحين والآخر، لأطفالهم التي تئن على بقايا الطعام، وكل هذه الهشاشة لجمال كلي، ولطفولة منفلتة من شباك الموت، يتناثر الدم و الأطفال في فلسطين، فتتزين القدس بجثث أبناؤها، ولها في كل جنب خنجر، تصرخ من أرق، تشكوا للذي خلق انسان من علق، و تلوح لنا دماؤهم في السماء نهرا من مسك ومن فلق، هكذا يسيل الدم عندنا رخيصا، حين يتكىء الناس على قناعات الفكر الأحمق عند ارتكاب الجريمة، هكذا ننام، ونصحوا على أنباء الموت المفجعة، فلا يمنع ذلك آذانَ يصدح ولا شيخ يزبد، ولا حزب يهلل موهوبا بتاريخه، ولا حركة تبني مجد أمارة من وهم، وظلام، وفي أعماق منظومة السلام، وحماية الطفولة، يحتكر شيطان صهيون صكوك البدايات، والنهايات، ويمسي متحكما بقرارات الحياة، والموت في أطفال فلسطين. 
فيا قدس، أنت الطريق إلى الله، والكل من أجلك يدعي النبوة، ونحن هم الجثث التي تكومت في زوايا أوطاننا، كالضالين للدرب، رمت بهم أمواج العجز، والجبن على تخوم العروبة، فنحتسي بقايا كؤوس الدم البارد، وسيلوكون القهوة المتخثرة في بيوتنا، فكيف نعتذر إليكم يا أطهر الأقدام، أما أنتم فستكبرون عند الله، ونحن إلى التلاشي والنسيان لا تسامحون أبدا. 
فاقتربي واسقيني يا قدس الصارخة، دماؤك تغريني، ناديني بإسمي وسوف أصرخ مثلك في وجه أرضي، وعروبتي، "اهجريني، وانسيني"، اصرخي كعاصفة، كإعصار يهمس للأرض، ويسرق الدروب ويقبل جبيني، اخلع صمتنا اللاهث في الفراغ، ومن جذوره، وقسما، وقسما، وقسما، لأجلك نهز الأرض عشقا فخذي دمي، واسكبي في شرياني عشقا أكبر، يا وجع المدائن، ثم توسدي جسدي واحضنيني، فأنا تيقنت أن الموت مجرد فكرة سخيفة لا تخيف إلا المؤمنين بالخرافة، ولك الآن كل شيء خاضع لإعادة النظر، الموت، والحياة، والأديان، والشهداء، والتاريخ، والتراث، والايديولوجيا، وأجساد المقبورين في رمال الأرض، ورماد المتفحمين من شموع العتمة، وهؤلاء الموتى المرابطين، وعلى ثغورهم ما يسمى جزافا بالوطن، فالآن كلهم أمام أطفالك خاضعون لإعادة النظر. 
فلك يا محراب النبي نار بقلوبنا باكية، ونحن نقف عند المسجد الأقصى ننتظر أن نسترد العافية، فأرواحنا ذميمة مهجورة في أجساد هاوية، وأطفالك، ونساءك، وشيوخك، ورجالك كلها باقية فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ حتى  ليوم غاشية.. 
فيا قدس بقلبي لك ألف شيء لا يقال وعلى أرضك سكت الكلام والقافية.