تستعد منصة السلع لاقامة الندوة (٢٠) نهاية الشهر القادم
وتزاول المنصة حراكا ثقافيا، يتناول الوان الادب نثرا وشعرا، ويكتب الاعضاء حاليا لغزة وما تتعرض له من ظلم
فقد عنون الشاعر العربي بكر المزايدة، قصيدته الجديدة " الطوفانُ " وفيها
من غزَّة المجدِ أَجَّ الجمر والتهبا
وانصبَّ نارًا بوجه البغي وانسكبا
من قلب غزّة َ قد ثارتْ عزائمهم
فرفرف الحقُّ في الأفلاك وانتصبا
إلى الكرامة كالطوفانِ قد زحفوا
وفي السماء امتطوا الأرياحَ والسُحُبا
مثل الكواكبِ في رأد الضحى اتقدوا
فكحّلَ النصرُ فينا العينَ والهدبا
سُودُ البنادقِ أصفى حين يحملها
قلبٌّ رشيدٌ من القرآنِ قد شَرِبا
فزلزَلوا الأرضَ تحتَ القوم فانهزموا
مثل الأرانب ولّوا وامتطوا هربا
دكُّوا الحصونَ ودقّوا عظم هيبتهمْ
ومزّقوا مجدهمْ والرأسَ والذنبا
قد غافلوهمْ ففاضوا من هواجسِهِمْ
فخلّفوا القومَ حيرى أمرهُمْ عجبا
في هالة الخوف قد دارتْ ضمائرُهم
وقلَّبوا السِّفْرَ والتنجيمَ و الكُتُبا
فلا صريخَ لهم يُنجي ولا أمل
وصيُّروهمْ إلى نار الفدى حَطَبا
تبّا لكل عيونٍ ما بكتْ وجعا
تبا لكلِّ ضميرٍ لم يَثُرْ غَضَبا
هذي فلسطين بالأنفاسِ ألفظها
ما زاغ عن حبِّها قلبي وما كَذَبا
تهوى الفداءَ لغير الله ما ركعتْ
ونور عزَّتِها قد جاوز الشُّهبا
والقدسُ من أوّل التاريخِ معتقدٌ
كم حنَّ قلبي لها بالوجدِ واضطربا
وكم دماءً على أعتابها نَزَفتْ
وألفُ ألفُ شهيدٍ دونها احْتُسِبا
وكم مغولٍ على أسوارها قَهَرتْ
وكم نبيّ على جدرانها صُلبا
يا أسْدَ غزّةَ شُدوا العزمَ واصطبروا
فالصبرُ مفتاحُ من رامَ العلا طَلَبا
فمن أرادَ العلى يركبْ مخاطِرهُ
ومن أرادَ نَفيسًا يَصْطلي اللَّهبا
جُدتمْ علينا وقدْ جادَ الزّمانُ بكم
فحرّرِوا القدسَ ثم القدس والنقبا
فالله غالبهم والله ناصركم
والله قاهرهم في الذّكرِ قد كُتِبا
اما الشاعر احمد الخضور، فكتب قصيدة عابرة فيها
أَنا لـم أَقُلْ يومًا بأَنِّي شاعرٌ
لكنَّني
أَرسلتُ عيني في الترابِ لكي أَرى
ما يفعلُ الموتى بوقت فراغهم
فَوجدتُنا أَيضًا هناكَ
جـميعنا
مثل القواعدِ جالسينَ بِذِلَّةٍ
قُربَ الـمذابحِ مُنتشينَ بِصَمْتِنا
ونراقبُ الـقصفَ الشديدَ
كأَنَّنا
سطحُ البنايةِ إِذ يلوم عمودَها
حين انكَسَرْ
وفي قصيدته الجديدة كتب الاديب عصام الشماسات،
حينما يقذفني الموج
ليس أمامي الا حبال الشوق
أعاند فيها قسوة الزمن
سلاحي هذي الاصابع وذاك الوتر
أدغدغه
ورؤانا تشرئب الى تلك الغيوم
المعلقة دون النجوم
هديرها صاخب يلهو في أوردة العباب
ولكن لا تجزعي
فأنتِ هنا
معي تسيرين الى أقداري
يا روض البهجة
وجهكِ يستدير حيث شمسي
تستدير
في رقة وحنان
إني رجوتكِ بالارتقاء
فلا تخذليني
فكم في الخواطر من حكايا لا أملّها
حتى يملّني الفجر
او يمل مني الحنين إلى اشتياقكِ ...
وفي نص جميل كتبت الروائية العربية مريم عرجون
كل شيء اختلف، الطرقات المدينة كلها صارت في رف نسيان، صارت من أساطير الأولين، أطالعُ الوجوهَ التي ولدتْ خرساءَ، وثبتتْ في جدارِ الليل، وكأن وجوههم تقول إننا عُصار الأشياء نواتج الحزن، الألم، الحرب، الكره، الموت حتى السعادة، إننا كل الدقائق المعلّقة على جدار الكون، وإن كان هذا الجدار مائل، فإننا هذا الميلان.
كان يتملكني ما أعمق، و أشد من رغبة أم شهيد، جاؤوا بملابس ابنها الأوحد بعد رحيله، فمرغت وجهها الباكي بها، هذا ما انتابني حينما لامست أناملي المرتعشة حيطان بلدتي المفقودة، تحجرت في عيني دمعة حسرة على ذاك الزمن الجميل، و رف القلب بفوضى، ثم انقبض حزنا على ما نحن فيه الآن، الأمر كان أشبه بحلم عبره شريط العمر كله، في لحظة مكثفة خاطفة، الطفولة، والحرمان، وأزقة المخيم، و دواوين الشعر المهربة عبر نوافذ بيوته، وصدى إذاعة صوت العرب، والسجن، والهزائم، و قصائد الحب الساذجة، و مذاق الكحول الرديئة، ووجوه كل النساء الجميلات التي حلمت بها.
ليس سهلا على الإنسان أن يمس ما تبقى من الراحلين، فنفتش في طيات الذاكرة عن أي ومضة تنير أمامنا دربا للأمل !
أريد استرجاع ذكرياتي، ولكن دون جدوى، وكأن هناك فذلكة من الذاكرة مفقود، سوى عصير الطين مرسوخ بها، لازلت أتذكر، وكأنه لازال قائما اليوم، حين كنت اتجرع *عصير الطين* في ساحة الجندي المجهول يوميا، تمر بي سيقان كثيرة بلا أجساد، ساق لازالت تحمل ركبة أعلاها، وأخرى تركت الركبة للجسد و حضرت منفردة، أراها تمر برواد المتنزه، تمد أحذية طبية و تتسول، أراها تصرخ في وجوه بائعي القهوة بنزق، فيضعون أمامهم أكواب *عصير الطين* ويغادرون...
أرى السيقان، والأقدام تتبادل أطراف الحديث تحت سياط التنهيدات المؤلمة، ثم أرى إحدى الأقدام لا تطق صبرا، فتنبري لتشعل النار في أصابعها!
في متنزه الجندي المجهول سيقان، و أقدام مجهولة، ترسم المشهد اليومي، و تمضي نحو أجسادها، ومع كل صباح تنبت لها سيقان، و أقدام جديدة لتعود للتسول، و للتنهد، ولاحتساء *عصير الطين* من جديد !!!
وكتبت الاديبة عفاف عبداللطيف،
قل لأبنائك سبب اهتمامنا بفلسطين ولماذا نتابع أخبار بيت المقدس؟
فإذا سألوك لماذا ؟
يمكنك أن تستعين بهذه المعلومات المهمة التي لا بد أن يعرفها أبناؤنا عن فلسطين وبيت المقدس، حتى يعرفوا لماذا نحن نهتم بفلسطين وما يحدث فيها، ويعرفوا أننا مهما انشغلنا بالدنيا؛ فإن المسجد الأقصى هو قضيتنا الأولى بعد المساهمة في توعية المسلمين وتعليمهم أصول دينهم.
وقل لولدك: يا ولدي إن فلسطين هي سكن الأنبياء، فنبينا إبراهيم عليه السلام هاجر لفلسطين.
ولوط عليه السلام نجاه الله من العذاب الذي نزل على قومه إلى الأرض المباركة وهي أرض فلسطين.
وداود عليه السلام عاش بفلسطين وبنى محرابه فيها،
وسليمان عليه السلام حكم العالم كله من فلسطين،
وقصته الشهيرة مع النملة التي خاطبت النمل وقالت لهم (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) كان بمكان يسمى وادي النمل بفلسطين وهو بجوار (عسقلان)،
وفيها كذلك محراب زكريا عليه السلام،
كما أن موسى عليه السلام طلب من قومه أن يدخلوا الأرض المقدسة،
وسماها المقدسة أي المطهرة التي طهرت من الشرك وجعلت مسكنا للأنبياء،
وحصل فيها معجزات كثيرة منها ولادة عيسى عليه السلام من أمه مريم وهي فتاة صغيرة من غير زوج،
وقد رفعه الله إليه عندما قرر بنو إسرائيل قتله،
وفيها هزت مريم عليها السلام جذع النخلة بعد ولادتها وهي في أكثر حالات ضعف المرأة،
ومن علامات آخر الزمان فيها أن عيسى عليه السلام سينزل عند المنارة البيضاء، وأنه سيقتل المسيح الدجال عند باب اللد بفلسطين،
وأنها هي أرض المحشر والمنشر.
وأن يأجوج ومأجوج سيُقتلون على أرضها في آخر الزمان، وقصص كثيرة حصلت في فلسطين منها قصة طالوت وجالوت
عرفوا أولادكم من غير أغاني حماسية ولا شعارات ولافتا:
أن المسجد الأقصى له قدسية للمسلمين في مشارق الأرض و مغاربها ليس فقط الفلسطينيين!
عرفوهم أن الأقصى قبلة المسلمين الأولى والله أمر النبي بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام ...
ترجلت وأبي من سيارة الحاج تحسين التي كانت تُقِلّ سكان قريتنا من وإلى مدينة الكرك، فقد اصطحبني معه ليعمل لي تقدير سن حتى أدخل المدرسة، وكان عليه أن يصوِّرني عند المصوّر الوحيد في سوق الكرك حيث التقط لي صورة وطلب إلى أبي أن يغيب عنه ساعة ريثما يُعدّ لي ست صور لا أدري ما علاقتها بتغيير سني حياتي من عمر خمس سنوات إلى عمر ست سنوات.
مجموعة من النسوة تجلس في ظل بيت جارنا، "تعالي يا عمّه خلينا نشوف صورك"، بزهو أمدّ إليهن مغلف الصور، يتبعه علبة بسكويت اشتراها لي أبي، سارعت أصابعهن إلى تقاسم محتواها، يجمعن الصور ويضعنها في مكانها، وتبادرني إحداهن: "ويش اشترى لك أبوك كمان"، فأمدّ قدمي أمامهن لأريهن حذائي الأسود الجديد الذي ألبسني إياه أبي عند التاجر الذي باعه لنا.
منذ ساعات الصباح الأولى غسلت أمي شعري ومشطته لي، وربطت بطرف المطاط الشريط الأبيض(الشّبرَة) وقد تفننت في ربطها بأن جعلتها على شكل وردة، وألبستني مريولي الجديد وعلقت عليه تلك الربطة الزرقاء، وقصّت أظافري، وألقت نظرة على أذني من الداخل، تريدني أمي أن أبدوا بأجمل مظهر.
أمسكت عمتي بيدي مصطحبة لي معها إلى المدرسة، المدرسة قريبة من بيتنا فهي بيت عم أمي، وما إن رأتني إحدى المعلمات حتى احتضنتني وقبلتني وسألتني عن أمي، فهي إحدى قريبات جدتي وقد اعتادت أن تزورنا دائما فوجهها مألوف لدي هي وبعض المعلمات اللواتي حضرن إلى بيتنا عندما أنجبت أمي قبل شهور، وبعد قرع الجرس أخذتني إلى الطابور الصباحي وأوقفتني في مقدمته، لتشير إلي مديرة المدرسة: "الجميع يشتري مثل مريولها، فهذا هو الزي الجديد الذي أقرّته وزارة التربية هذا العام". أمّا الزي القديم للابتدائي فكان اللون الأزرق والأبيض المخطط، بينما الإعدادي كان اللون الأخضر والأبيض المخطط، والربطة عبارة عن ياقة بيضاء تحيط بالعنق.
دخلنا الغرفة الصفية، كانت من الحجر والطين، يتوسط سطحها دامر حديدي يمتد من الشمال إلى الجنوب وُضِع عليه القصب الذي نُظِمَت أعواده بدقة متناهية، وفوقه أعواد الخشب، ثم وُضع عليه بعض الحطب الدقيق، وبلّة من الطين، وكانت الأرضيّة صبّة من الإسمنت، وإلى جانب هذه الغرفة غرفة أخرى مماثلة لها، أما الثالثة فهي من الباطون بناها عم أمي لأسرته عندما قام بتأجير بيته إلى التربية، وهذا البناء قائم إلى يومنا هذا كلما مررت بالقرب منه شاهدت تلك النافذة الكبيرة التي كنت أجلس بجانبها أتأمل أحيانا تلك القضبان الحديدية الضخمة التي وُضِعت كحمايات لها.
الغرفة الصفية تشغل صفين الأول والثاني، لا أعرف الأطفال الذين دخلوا معي، لم أدقق في ملامحهم، كان همي هو تفحص المكان والبقاء بالقرب من عمتي، مكثنا الحصة الأولى التي سلمتنا فيها المعلمة الكتب المدرسية وكانت كتاب القراءة، وكتاب الرياضيات، كتاب القراءة لونه أخضر ولكن حجمه كبير بالنسبة إلى حجمي، رُسِمت حروفه بحجم كبير، أخذت أقلب صفحاته لأشاهد الصور وقلبي مقبوض كيف أقرأ هذه الرموز، وكيف أحفظها وقد كنت أسمع أن المعلمة تضرب بالعصا من لا يحفظ فأصابعي الصغيرة لا تحتمل ذلك، .
بدأت الحصة الثانية، دخلت المعلمة وطلبت إلينا فتح الكتاب على الصفجة الأولى، تلك الرموز أصبحت معروفة لدي عندما قرأتها المعلمة وجعلتنا نردد خلفها، استطعت حفظها وتمييزها، وطلبت إلينا كتابتها في دفاترنا، انتهى وقت الحصة والمعلمة تمسك بأيدي بعضنا لتساعده في رسم الحروف، وفي طريقها تُثني على من رسمها وحده، وتضع له نجمة بين عينيه بالقلم الأزرق، فأنا أنتظر بشغف عودتي إلى البيت ليشاهد الجميع تلك النجمة التي تعلو جبيني.
الحصة الثالثة أخرجتنا المعلمة إلى الملعب، وأي ملعب ذاك فهو قطعة الأرض التي تقع بجانب المدرسة تغطيها نباتات الحرمل وعلى أطرافها نبتت بعض شجيرات القيصوم، وهناك بعض بقايا شجر العضو الذي كانت تستخدمه النساء بعد حرقة(القلو) لتنظيف أباريق الشاي، جعلتنا المعلمة على شكل حلقة، ولعبنا طاق طاق طاقية، وهذه هي المرة الأولى التي ألعبها فيها، وقبل أن يُقْرَع الجرس أدخلتنا المعلمة الغرفة الصفية لنلبس المريول استعدادا للفرصة والتي كنا نعود فيها إلى البيت لنتناول حبة بندورة وقطعة من خبز الطابون، أو قطعة من الخبز مدهونة بالسمن البلدي والسكر.
عُدْت مسرعة إلى المدرسة قبل انتهاء الفرصة، وانتظمت في الحصة الرابعة والخامسة بحيوية ونشاط لأن أمي رأت النجمة على جبيني، وأخبرتها أنني استلمت كتبي وأن مديرة المدرسة أخرجتني أمام الطالبات ليشاهدن الزي الجديد، وقد كنت محط اهتمام الجميع وأبلغتها سلام قريبتها.
انتهى يومي الأول في المدرسة، وفي طريق العودة إلى البيت كدت أجر كتاب القراءة على الأرض، وكم تمنيت أن يكون حجمه بحجم كتاب الرياضيات حتى أستطيع حملهما معا.