ولعل البحوث التي ننشرها تباعا في الصحف وعلى موقع ملتقى السلع، تشكل بعدا جديدا لموضوع الندوات التي منها هذه الندوة، التي حملت العنوان " الكاتب واثره المجتمعي
فمن لبنان كتب الشاعر والاديب د.فواز زعرور بحثه كما يلي
كثيراً ما يلح السؤال:
هل الكتابة تعبير عن الذات في إطار الفضاء الأوسع؟ أم أنها تجميل لواقع قبيح؟ حيث المثقف يعيش غربة دائمة مع المجتمع، رغم أنه يمثل جزءاً منه، يصبح له عالمه الخاص به يرى الأمور بطريقة مختلفة عن الآخرين، أم أن الكتابة حالة خلاص من واقع ما؟ وهنا يتبعها حالة من المسؤولية المجتمعية والأخلاقية تجاه الآخر. ومن هذا منطلق، ما الدور المطلوب من الكاتب أن يؤديه في مجتمعه المعاصر ضمن الظروف الراهنة، وبما يتناسب مع التزامه الأخلاقي، ومع نفسه، ومع كتابته، خاصة مع توفر وسائل الاتصال من مدونات وفيسبوك وتويتر وغيرها من وسائل الاتصال وتأثيرها في واقعنا الذي نعيش؟
إن الحديث عن دور الكاتب ليس من القضايا الجديدة في عالم الثقافة، لكن السؤال حول النشاط الفكري، وعمّا يمكن أن يلعبه الكاتب في ظرفنا الراهن، خاصة وأنه منذ القدم كان الشاعر لسان حال قبيلته وشعبه، إذ كان الجميع يجدون فيه ذلك الشخص الذي يتحلى بوعي أخلاقي يستطيع من خلاله إدراك احتياجاتهم ومعاناتهم التي هي جزء من احتياجاته ومعاناته.
بالتأكيد، لا يمكن للكاتب إلا أن يقرّ بدور ما له، حتى لو كان هذا الدور جزءاً من عملية الكتابة، وليس من جوهرها، إلا أن الأثر الأقوى والأهم هو الأثر الذي تتركه الموضوعات التي يتناولها الكاتب في أعماله، والتي قد تغير بهم شيء ما تظهر نتائجه تدريجياً، ما يؤكد فاعلية الكتابة وجدوى إدراك الكاتب لمهمته وإيمانه بدوره تجاه مجتمعه.
طبعاً، لا يخفى على أحد الآن أن حياة الكاتب في هذه الأيام لا تختلف عن غيرها، ومن الطبيعي أن تكون أقل إثارة من كتاباته، وإن حاول أن يعطيها أبعاداً إبداعية تدور في جوهرها وخباياها حول تأمين وسائل العيش، مع أن أفكاره تسرح في أرجاء العالم، لكن المأثرة الوحيدة هي عدم لجوئه إلى أساليب لا تليق بالقيم التي يحملها كإنسان وككاتب، فمن قبل كان الكاتب يخوض معاركه في الحياة وعلى الورق معاً، واليوم يعيشها من خلال وسائل الإعلام، وهناك الكثيرون يعيشون الحياة يوماً بيوم، وهي حتى بشكلها البسيط، تعرضهم إلى خيارات صعبة.
وإذا كان لا يمكن للكاتب أن يتجاهل ما يجري مهما كان متفائلاً، والواقع ضنين بالإنصاف، فإن الكتابة تبدو تحايلاً على الغبن الحاصل في الحياة، ووسيلة لإصلاحه وإعادة الحق إلى أصحابه، بحيث يبدو وكأن ما يفتقده الواقع توفره الرواية مثلاً؛ غير أن ما ينجح على الورق، لا يؤدي إلى نتائج ملموسة على الأرض، فالكتابة في أحد جوانبها تعبير عن غبن حاصل، والرواية تكشفه دون أن تعوض عنه، والبشر هم المسؤولون عن تحسين شروط حياتهم، ومهمة الرواية مساعدة المظلومين على فهم واقعهم، ومنحهم رؤية أوسع من خلال حيوات الآخرين، تجعلهم يرون حياتهم من الخارج والداخل، وتقدم لهم مبررات الاحتجاج والفعل، فالأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم، عانى من وطأتها الناس العاديون، إذ فقدوا وظائفهم، وباتوا يعيشون على الحد الأدنى، حياتهم تغيرت نحو الأسوأ. أما الذين كانوا سببها، فكسبوا من جرائها المليارات، وبعضهم نجا منها بخسارة بضعة ملايين، ونحن لابد أن نتأثر وبشكل سلبي، وأهم ما يسمح به النظر العميق إلى التاريخ أن الحاضر لن يخدعنا أو يتحكم بنا، لأن التاريخ يطلعنا على الكثير من جوانب هذا "الحاضر” الذي مرَّ، وخلَّفه غيره. والأهم أن بوسع البشر ألا يكرروا مآسيهم، أو يخضعوا للحروب والأوبئة والجائحات. والذهاب إلى التاريخ يعني رؤية حركة البشر في الزمن، انطلاقاً من الماضي إلى الحاضر، بمعنى أننا ملزمون بعدم التقاعس والتفكير بالخطوات التالية.
يجب أن نكون جزءاً من العالم، لكن أي عالم، إن لم نسهم فيه، سوف يأخذنا إلى مواقعه ومصالحه. كيف يسمع صوتنا إن لم نرفعه عالياً؟ كيف يحس بنا إذا لم نحس نحن بوجودنا؟ الأمر ليس الاندماج به فقط، بل الـتأثير فيه أيضاً.
الكتابة هي رسالة إنسانية ومسؤولية تضع الكاتب وجهاً لوجه مع ضميره أولاً، ومن ثم مع المجتمع المتلقي لأفكاره وآرائه، فإن كانت أفكاراً إنسانية، أسهمت في رفع مستوى الوعي الاجتماعي، وإن كانت أفكاراً شريرة، عمدت لنخر منظومة الوعي الاجتماعي، لأن الأفكار تعني في محصلتها النهائية تربية المجتمع وفقاً لنهج محدد، فالأفكار الفاشية أسهمت في تخريب منظومة الوعي الإنساني وعطلت منظومة الأعراف والقيم الاجتماعية الداعية للعدالة والسلام والمحبة بين البشر، مقابل إحياء قيم الكراهية والحقد والتعالي على الشعوب.
إذاً مهمة الكاتب ليست إطلاق بالونات فكرية وآراء غير مسؤولة بحجة حرية الرأي، فالرأي يجب أن يكون مسؤولاً، والتحريض على العنف والكراهية والحقد ضد الآخرين، لا يمت بصلة لحرية الرأي، وإنما هو مساهمة واعية في شحن النفوس بالحقد والكراهية وطمس لمفاهيم المحبة والسلام ومن ثم تهيئة الأجواء لإثارة الفتن وإغراق المجتمع في بحر من الفوضى.
يعتقد ((توفيق الحكيم)) "أن مهمة الكاتب هي تربية الرأي، وكل كاتب لا يثير في الناس رأياً أو فكراً أو مغزى يدفعهم إلى التطور أو النهوض أو السمو على أنفسهم ولا يحرك فيهم غير المشاعر السطحية العابثة ولا يقر فيهم غير الاطمئنان الرخيص ولا يوحي إليهم إلا بالحساس المبتذل ولا يمنحهم غير الراحة الفارغة ولا يغمرهم إلا في التسلية والملذات السخيفة التي لا تكون فيهم شخصية ولا تثقف فيهم ذهناً ولا تربي فيهم رأياً، لهو كاتب يسهم في القضاء على نمو الشعب وتطوره".
ومن مهام الكاتب الجيد تقديم معلومة جديدة وإثارة الأسئلة التي تحفز القارئ على التفكير في المشكلة أو الأزمة للوصول إلى الحلول الواقعية، لا لتقديم حلول قطعية جاهزة تعطل تفكير القارئ. إن التصورات المفترضة للخروج من الأزمة التي يثيرها الكاتب، يتوجب أن تستند لأساس فكري يمكن البناء عليه في البحث عن سُبل الحل المتعدد الوجوه. ولا يجوز لها أن تكون أحادية الوجه والحل والفكرة، فتفرض على القارئ رأياً قسرياً جاهزاً يشل قدرته على التفكير ويجعله يتبنى رأياً موجهاً ويفرض عليه سلوكاً في الحياة يتعارض مع المفاهيم الإنسانية.
وهذا الأمر لا يتعارض ونهج الكاتب في طرح أراءاه الخاصة حول مشكلة فكرية أو اجتماعية ما، وإنما يغنيه عن الوقوع في براثن الآراء القطعية الخالية من الشك حيث لا وجود للحقائق المطلقة ولا سبيل لإدراك جميع أوجهها ووفقاً لآراء معظم الفلاسفة، فالحقائق الآنية قد تكون كاذبة غداً وحقائق الغد قد تكون صادقة في ظروف ما في المستقبل.... وعليه فإن الآراء القطعية تتعارض كلياً مع العلم، ولا يمكن اعتمادها كمنهج في التربية الاجتماعية.
يرى ((توفيق الحكيم)) "أن الكاتب الحقيقي هو ذلك الذي يخلق عالماً زاخراً بالأشخاص التي تحيا، وتسعى وتشعر وتفكر دون أن تحتاج لإنشاء هذا العالم إلى غير قلمه وحده".
يساهم الكتاب الجادون إلى جانب علماء التربية في إرساء قاعدة معلوماتية تختزن كافة القيم والأعراف والأفكار والآراء الساعية لخدمة الإنسان، لغرزها في ذهنية الجيل الجديد بهدف مساعدته على تخطي عقبات المستقبل. وانطلاقاً من هذا المسعى والتوجه يعد الكاتب صاحب رسالة إنسانية، حضارية، فكرية، تربوية.... تعمل على صناعة إنسان عصري يؤمن بالقيم الإنسانية ويسعى لخدمة نفسه والمجتمع معاً وينعكس ذلك على سلوكه وتصرفه في التعامل مع أقرانه من البشر.
إن الكاتب الذي لا يعي مهامه ورسالته ليس كاتباً ومنتجاً للأفكار، وإنما منضّداً لها ودجال يعرض قلمه برسم الإيجار للسلطات والأحزاب.... ليروج لأفكارها وتوجهاتها لقاء المال والجاه. إن المهام والرسالة الإنسانية للكاتب ليست لائحة مدون فيها البنود والتوجهات الإنسانية يمكن أن يحفظها ويخط نهجه عليها. إنها سعي متواصل منه للوصول إلى مستوى ثقافي عالي، يرتقي من خلالها بوعيه لمراتب أعلى تمكنه من قراءة بنود مهامه وتفاصيل رسالته الإنسانية.
الكاتب هو إنسان وهبه الله القدرة على التعبير عن أفكاره، وعواطفه، وآرائه، بطريقة واضحة وجميلة في آن واحد، ولكل كاتب أهدافه، وطريقته، وأسلوبه، وتتضح أهمية الكاتب في المجتمع من خلال ما يطرحه من أفكار تساعد على تغيير نظرة الإنسان لدينه، ولنفسه، ولوطنه، ولمبادئه، وتنير له الطريق وترشده إلى سواء السبيل، وحتى يحصل الكاتب على دور مميز لا بد أن يقدم شيئًا مميزًا.
إذن كيف يقدم الكاتب وجبة مميزة للقارئ؟
ثمة نظريتان:
الأولى: تدعي أن تميز الكاتب يبدأ من عزلته للمجتمع، إذ يظن البعض أن الحكمة تولد في الصمت، وأن الأفكار تتدفق والمخيلة تنشط في العزلة، ولهذا فإنهم يعدونها سمة مهمة أخرى للكاتب الحقيقي، فهو لكي يبدع يجب أن يعيش في عزلة وخلوة؛ فهي تعينه على الإبداع، متذرعًا بأن في العزلة صفاء للذهن، وبعدًا عن الواقع المرير.
الثانية: هي أن على الكاتب أن يختلط بالمجتمع ويعاشر أهله، ويأكل مما يأكلون، ويشرب مما يشربون، ويركب وسائل النقل ذاتها، ويعيش كما يعيش الشعب بوصفه عضوًا فيه.
شخصيًا، لا أتفق مع نظرية العزلة؛ لأن العزلة هي تعبير قوي عن عدم قدرة الإنسان عن الانسجام في مجتمعه والتأثير فيه؛ فيلجأ إلى الهروب من الواقع إلى عالم الخيال والمثالية.
في هذا الصدد ينقل «حنا مينا» في كتابه «كيف حملت القلم؟ عن «كوبربن» أن الكاتب إن أراد الحصول على مادة للكتابة عليه أن يسمع الناس ويسامرهم ويعاشرهم في كل ظروفهم.
وأكد «حنا مينه» على ضرورة «أن نهجر الأبراج العاجية وننزل إلى الأسواق»، وكما قال «عمر الفاخوري»: لنكن أدباء من لحمٍ ودم، لا من حبر وورق، لنفهم مشاكل الناس، الإنسان وقضاياه، وهذا هو الأهم لنرصد العصر، ونفهم روحه وخطه، ونكون ضمير هذا العصر كما ينبغي لنا أن نكون».
فالكاتب الحقيقي هو من يجيد التعبير الواضح والجميل في آن واحد عن أفكاره وعواطفه، وعن زمانه، وعن مكانه، وعن ورؤيته للحياة والعالم، ويمتلك حساسية مرهفة قادرة على تحويل الكلمات المألوفة إلى كلمات تبعث على التفكير، أو يلهب العاطفة والشعور، وهذا يتطلب من الكاتب أن يعيش في اعماق المجتمع، وكما قال نزار قباني: إن الكاتب يجب أن يظلّ في أعماقه بدويًّا يتعامل مع الشمس، والملح، والعطش، يجب أن يبقى حافيَ القدمين حتى يتحسّس حرارة الأرض، ونتوءاتها ووجع حجارتها.
إن الكاتب في رأي «فلوبير» هو المعبر الحاذق بصورة متنوعة عن مشاهد مادة قليلة المطاوعة وبحبٍ وبتعبٍ مضنٍ وضع اليد على مكامن الأشياء بغية أن يغير الكاتب في كل لحظة الحركة، اللون، جرس الأسلوب، حسب الأشياء التي يريد قولها.
يذكر «كوبرين» عن «تشيخوف» قوله: أنا أؤمن إيمانًا راسخًا بأنه كان يتحدث إلى العالم، والجمال، إلى الفقير، والأديب، والبستاني، وساعي البريد، وكان يقول للكتاب الناشئين: «يحب أن تكثروا من السفر بالدرجة الثالثة، إني آسف لأن المرض يمنعني من ذلك، إنكم ستسمعون أحيانًا أشياء مهمة جدًا هناك."
وفي الختام، يقول «هيمنجواي»: أنا لا أعرف إلا ما رأيته، وإن الحقيقي مصنوع من المعرفة، والتجربة، والخمر، والخبز، والزيت، والملح، والله، والسرير، والصباح الباكر، والليالي والأيام، والبحر، والنساء والرجال، والكلاب، والمنعكفات، والعربات، والدراجات، والنجاد والوديان، وظهور القاطرات واختفائها في المنعطفات، ومن ذكر القطا وهو يصفق بجناحيه، ورائحة العشب والجلد، وصقلية.
وللاديبة الفنانة سهام بشنق، مشاركة بارعة، حول اثر الكاتب في مجتمعه فكان نص البحث :
تعتبر الكتابة والأدب من أهم وسائلة التعبير الثقافية التي تؤثر في المجتمع بشكل عميق. وتلعب الكلمة المنشورة دورًا حيويًا في تشكيل وجهة نظر الناس وثقافتهم ويمكنها أن تؤثر بشكل كبير في الوعي الاجتماعي والتغيير الثقافي للمجتمع. فالكاتب هو مرآة المجتمع التي تعبر عن واقعه، وبنفس الوقت يمثل الشريحة المثقفة والرائدة للمجتمع التي يمكنها ان تمتلك القوة الفكرية القادرة على التاثير من خلال الملاحظة والبحث والتحليل والاقناع بأساليب مختلفة....
في هذا المقال، سنتحدث عن مدى تأثير الكاتب على المجتمع سلبا وايجابا، وأهمية دوره في تشكيل الوعي والتطور الاجتماعي عموما، وسنتعرض لدور هذا الأثر في مجتمعاتنا العربية خصوصا، مع ذكر نماذج من كتبة العصر الحديث واثرهم على البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية..
يظهر تاثير الكاتب على المجتمع من خلال ما ينشر من افكار وآراء تتضمن اهتماماته وتوجهاته التي قد تمثل وجهة نظره او التيار الفكري الذي ينتهجه.. وسنعرض اهم مظاهر هذا التاثير..
قوة الكلمة وتأثيرها:
يمتلك الكاتب القدرة على استخدام الكلمات بشكل فني لنقل الأفكار والمشاعر؛ ويمكن للكلمات أن تحفز الناس على التفكير والتأمل وتلهمهم للتغيير.
التحريض على التغيير الاجتماعي:
قد يستخدم الكاتب قوة الكلمة لتحريك المجتمع نحو التغيير. ويمكنه تناول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتشجيع الناس على العمل وفقًا لتلك القضايا.
تأثير الكتاب على المشاعر والثقافة:
يستطيع الكاتب توليد المشاعر المختلفة لدى القرّاء، بالتأثير العاطفي أو الفكري من خلال مقالاته الملهمة أو القصص والروايات التي تسلط الضوء على قضايا انسانية معينة وتفتح آفاق الوعي وتعزز التعاطف والتفاهم بين الأفراد والثقافات المختلفة..
رفع الوعي الاجتماعي:
يلعب الكاتب دورا هاما في توعية المجتمع من خلال طرحه لمشاكل وقضايا انسانية واجتماعية او سياسية وتسليط الضوء على انعكاساتها ومعاناة المجتمع لآثارها السلبية. وقد تسهم طروحاته للحلول المحتملة لتلك القضايا في توعية المجتمع وادراكه لاهميتها وتحريضه بالتالي على التداعي للتخلص من تلك المشاكل، وتقود هذا المجتمع الى نهضة فكرية واجتماعية قد تسمو به نحو الافضل من خلال التخلص من الشوائب الفكرية والعوائق الموروثة واكتسابه لمفاهيم وفضائل انسانية واخلاقية. فالكلمة هي مفتاح الفكر والخميرة الذهنية التي تساهم في رفع الوعي لدى الناس وتشجعهم على التفكير النقدي والتحليل الذاتي..
حرية التعبير والتحرر الفكري:
تؤدي حرية التعبير والجراة في طرح المواضيع التي تهم المجتمع ، الى تقديم رؤى جديدة وأفكار مبتكرة تحمل رسائل توعوية وتحفّز على التجديد ونبذ القيود والتعصب الاعمى للموروثات.
نقد المجتمع والسلطة:
كثيرا ما يقدم الكتاب والأدباء نقدًا شديدًا للمجتمع والسلطة في أعمالهم الأدبية. ويجسدون صورًا واقعية للمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تكشف عن الظلم والفساد والاستبداد. هذا النقد يساهم في تحفيز التغيير والدفع نحو العدالة والديمقراطية.
نمو النسل الفكري والثقافي:
يتأثر الشباب والجيل الجديد بكتابات الأدباء ، وهذا يؤدي إلى نمو النسل الفكري والثقافي. وقد يترك هذا النمو أثرًا إيجابيًا على المجتمع، حيث يصبح الشباب أكثر وعيًا وإبداعًا وتفكيرًا مستقلًا.
لكن الكاتب او الاديب قد لا يتمتع دوما بالمستوى الاخلاقي او الفكري المسؤول، فينجرف بدافع غريزي اناني الى استغلال قدرته التاثيرية بالمجتمع، والنحو به الى مدارك الفوضى والتهديم. ومن ذلك الاقلام المأجورة الموالية لقوى خارجية مغرضة تتربص بالمجتمعات بهدف اجتياحها فكريا او عقائديا او سياسيا او اقتصاديا واستغلال الموارد المادية والبشرية لهذه المجتمعات.. وقد ينجرف بعض الكتاب بحسن نية عندما تزيَّن لهم بعض القضايا الانسانية المحقة، وتكون الحق الذي يراد به باطلا، فيندفع الكاتب خلف تلك القضايا غير مدرك للعبة السياسية التي تتلطى خلف المفاهيم الرنانة، وغير مدرك لاهمية التوقيت او التأطير او التخطيط لاحداث هذه الموجة التغييرية او الصدمة التوعوية، ويكون بكلا الحالين قد ساهم بتاثير سلبي أدى الى تدمير بعض المفاهيم الاخلاقية او الاجتماعية التي تصون كيان المجتمع وتكوّن مناعته وقوته الوجودية..
ومن الامثلة على الآثار السلبية:
تعزيز الصراعات والانقسامات: في بعض الأحيان، يستخدم الكتّاب والأدباء مواهبهم لتعزيز الصراعات والانقسامات الاجتماعية والسياسية. يمكن لتحريض الأديب على الكراهية أو تشويه الحقائق أن يؤدي إلى تصعيد التوترات وتعميق الانقسامات بين أفراد المجتمع.
وقد تتطور هذه الصراعات في المجتمعات لتصبح ارضا خصبة لحروب أهلية او اقليمية..
ترويج الأفكار المتطرفة: يمكن للكتّاب أو الأدباء أن ينشروا الأفكار المتطرفة من خلال أعمالهم الأدبية. قد يستغلون قوة الكلمة لترويج الكراهية والتمييز الاجتماعي، وهذا يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمع وتفاقم التوترات بين الأفراد او الطبقات الاجتماعية.
تشجيع الثقافة السطحية والترفيهية: قد يلعب الكتاب والأدباء دورًا في تشجيع الثقافة السطحية والترفيهية التي تُعتبر بعيدة عن القضايا الجوهرية والتحديات التي يواجهها المجتمع. فقد يفضل بعض الكتاب تقديم الأعمال التي تهدف إلى المتعة فقط، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تجاهل القضايا الهامة والمشاكل الجوهرية التي يحتاج المجتمع إلى التعامل معها. وغالبا قد تستعمل هذه الاساليب لاهداف ترويجية مادية او لتدمير المفاهيم الاخلاقية التي تصون المجتمع وتكون بالتالي اسفينا يدك بالبنية الفكرية الاجتماعية..
تعزيز القيم الرجعية والتحفظية: قد يساهم الكتّاب والأدباء في تعزيز القيم الرجعية والتحفظية في المجتمع من خلال أعمالهم الأدبية. قد يتم الترويج للعادات والتقاليد القديمة دون التحديق فيها بنظرة نقدية أو دون التفكير في تطورات المجتمع واحتياجاته الحديثة، وقد تكون ضمن حملات مفتعلة للتحريض على مجتمع معين او شحن خطاب الكراهية والنبذ لهذا المجتمع من خلال تصوير بعض هذه التقاليد بصورة مضخمة للواقع مخالفة للحقيقة، ويكون ذلك في اطار النقد الهدام، واستغلال الثغرات لغايات خبيثة ...
الاطاحة بالقيم تحت شعارات التغيير: فكما ان الجمود العقائدي يشكل عائقا لحاجات المجتمع التغييرية ويحد من الانسجام مع التطور والوعي الفكري مما يعرض قيم المجتمع للتآكل وينحو به للوقوع فريسة لأي اجتياح فكري خارجيّ المنشأ، كذلك الانفتاح السريع الغير منضبط يطيح، في ظل معمعمة التغيير والانفجار الثقافي المنبثق عن هذا الانفتاح، بالكثير من القيم الهامة التي تشكل أساسا للمجتمع ويندثر الصالح والطالح منها دون تصفية..
وهذه القضية، موضوع البحث، هي محور الساعة في عالمنا العربي الذي خضع في الآونة الاخيرة الى الكثير من الخضات الفكرية والاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية.. ولا زالت بعض البلدان العربية ترزح تحت وطأة هذه الاضطرابات..وقد ساهمت الكلمة التي صاغها كتاب وأدباء وصحافيون رواد، في إعداد الارضية الخصبة لهذه الاحداث.. فالكاتب العربي هو مرآة المجتمع العربي الذي يتسم بالمحافظة وتحكمه أنظمة صارمة او عسكرية في معظمها، وبالتالي، فقد نمى على مر الحقبات الزمنية بعدٌ كبيرٌ، خاصة مع موجة الانفتاح والعولمة، بين طموح الفرد وواقعه في المجتمع العربي عموما وفئة الشباب منه بشكل خاص.. والفرق بدا فاقعا بين تفتح هذا المجتمع وإدراكه الواقع العالمي، وبين ثقافته الموروثة..كذلك الشرخ ما بين القيم الاجتماعية والفضائل المترسخة وبين الاغراءات الهدامة التي تقدم له مجانا بل ويجتهد مروّجوها بغرسها في الوعي واللاوعي للمتلقي بهدف السيطرة على المجتمعات لأغراض وأطماع شتى..
وما بين كتاب ونقاد مثلوا طموح الشباب في التغيير نحو الأفضل، وكتاب ركبوا الموجة محرضين على الهدم لاهداف مختلفة، وبين واقع تجتمع فيه عقليات متقوقعة في موروثات مترهلة، وسياسات مستغلة أنانية ترفض التغيير، أدت الكلمة الى إحداث فوضى في المجتمعات ولم تصب التغيير المتوخى على كافة المستويات..
فالملحوظ على سبيل المثال أن الانفتاح الاجتماعي ادى الى ظاهرة التفكك الأسري المتنامي _والاسرة في العالم العربي هي حصانة المجتمع وخطه الدفاعي الاول. ذلك ان الهجمة الاعلامية الخارجية والداخلية على حد سواء ركزت بشكل خاص على دور المراة في الأسرة تحت شعار تحرير المراة، وعلى الموروثات الدينية والتقاليد الاجتماعية ومفهوم العروبة، مستفيدة من الثغرات التي كانت تحتاج الى ردم وإصلاح من قادة حكماء وإصلاحيين حقيقيين مخلصين يفقهون قيادة المجتمع الى بر الأمان من خلال خلق التوازن بين طموح الشباب في الابداع والإزدهار والرفاه إسوة بالأمم المتقدمة، وبين الحفاظ على الدين والأخلاق والعادات الحميدة التي تميز المجتمع وتحافظ على كينونته وسلامه واستقراره..
ناهيك عن النتائج السياسية والعسكرية للتحركات التي نشات تحت شعار تحقيق العدالة او تحقيق النهضة الاقتصادية، والتي أدت في معظم البلدان الى عاقبة وخيمة بعد ثورات افتُعلت أو استُغلت وفشلت أو تم افشالها، واستبدلت بعض الانظمة السابقة بأنظمة هجينة غير مهيأة ولا قادرة على إستحداث نهضة اقتصادية او سياسة إصلاحية مأمولة... مع الاشارة الى ان هناك عوامل أخرى هامة تعدت تاثير الكاتب او الصحافي او الاعلامي، ادت الى النتائج المذكورة، وليس المجال لذكرها هنا...
لكن ليست كل التجارب التغييرية التي مرت على عالمنا العربي كانت ماساوية؛ وليس كل كاتب كان أداة استغلت لاحداث الفوضى. فقد عرف العديد من الكتاب العرب الرواد الخلاقين ممن ساهموا في تاثيرات ملحوظة.. وقد تفاعل المجتمع العربي بعدة كتابات مؤثرة على مر العصور، حيث قدمت هذه الكتابات نهضة اجتماعية وثقافية ساهمت في تشكيل الوعي والهوية الثقافية والتاريخية، وتعزيز الانتماء الوطني والقومي للشعوب العربية، من خلال رواياتهم وشعرهم ومقالاتهم، التي فاخرت بالهوية العربية والتراث الثقافي. كما تناولت كتاباتهم قضايا اجتماعية حساسة مثل حقوق المرأة، التعليم، العدالة الاجتماعية، الطبقية،الديمقراطية، التمييز العنصري، وحقوق الإنسان بشكل عام. ساهمت هذه الكتابات في توسيع المدارك للقضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية ، وفي إحداث تغييرات إيجابية في التركيبة الاجتماعية والقيم في المجتمعات العربية،كما احدثت ثورات سياسية وحركات وطنية ألهبت الحس القومي والوطني للافراد والمجتمع المتعطش للحرية والاستقلال والعدالة في مرحلة الاستعمار وما بعدها..
وقد امتلك الكتاب والكتابة مكانة مرموقة تعود إلى قرون عديدة.... وهذه بعض الامثلة على الكتاب المؤثرين في المجتمع العربي :
الجاحظ:
تأثير الكاتب العباسي الشهير الجاحظ، الذي عاش في القرن الثالث الميلادي، على المجتمع العربي يعود إلى كتاباته التي تناولت الأخلاق والسلوك الإنساني، وقد اعتبرت أعماله مرجعًا للأدب والنقد الأدبي. ومن أعماله المؤثرة "البخلاء" و"المحاسن والأضداد"، وغيرها التي تحدثت عن قيم العدل والمرونة في المجتمع.
ونذكر من فلاسفة العرب الذين تركوا اثرا فكريا وثقافيا هاما، الفارابي، ابن خلدون، ابن رشد، ابو العلاء المعري وغيرهم ، ومؤلفاتهم طالت النقد الاجتماعي والفكري على كافة المستويات وشكلت مدارسا فكرية كانت أساسا في الهيكل الثقافي العربي ومرجعا هاما للمؤلفين والكتاب بعدهم..
وفي العصر الحديث برز العديد من الكتاب المؤثرين، منهم جبران خليل جبران وغيره..
ويُعتبر جبران واحدًا من أهم الشعراء والكتاب العرب في القرن العشرين. كتابه الأشهر "النبي"، يعبر عن الحكمة والروحانية والحب والفلسفة، وقد نقل القيم وفلسفة الحياة التي عبر عنها إلى القراء بطريقة بسيطة وجذابة... كما كتب جبران العديد من القصص القصيرة والمقالات التي ناقشت الحب والتضحية والحرية، وأثرت في طبقات المجتمع العربي على مستوى الفكر والفن والأدب، وألهمت العديد من الأفكار الاجتماعية والروحية.
طه حسين:
وكان من كتاب النهضة العربية في مصر في أوائل القرن العشرين. كتاباته أسهمت في توجيه التغييرات الاجتماعية والثقافية في المجتمع المصري. قدم حسين رؤية تحليلية للتاريخ العربي والإسلامي، وأثر في قضايا عدة مثل التحرر النسائي والتعليم والتغيير الثقافي.
جواد الحق:
هو كاتب وفيلسوف لبناني، وقد أثر في المجتمع العربي بكتاباته الفلسفية والسياسية. قدم الحق رؤى نقدية حول القضايا الاجتماعية والسياسية في العالم العربي وناقش مسألة الهوية العربية والعولمة والتحولات الاجتماعية.
عباس محمود العقاد:
كان كاتبًا وفيلسوفًا وناقدًا مصريًا، وله تأثير كبير على الحركة الثقافية والسياسية في مصر والعالم العربي. كتاباته تعمل على توعية الجماهير وتوجيه الشباب نحو التحرر والتغيير الاجتماعي، وتناقش قضايا العدالة الاجتماعية والحرية.
نجيب محفوظ:
هو روائي مصري حاز على جائزة نوبل في الأدب عام 1988. كتاباته تتناول قضايا المجتمع المصري المعاصر وتوثق تحولاته الاجتماعية والثقافية. كما رسم محفوظ صورًا دقيقة للحياة في القاهرة وظهر تأثيره العميق على الأدب العربي الحديث.
ومن الذين تركوا بصماتهم على المجتمع العربي يمكننا ذكر الشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي اعتبر صوتًا للشعب الفلسطيني وناقدًا للظلم السياسي والاجتماعي.
هذه مجرد بعض أمثلة على الكتاب المؤثرين في المجتمع العربي. والكتابات التي قدموها والمنشورات الصحافية كان لها تأثيرا عميقا على الوعي الاجتماعي والفكري، وساهمت في تحقيق التغيير والنهضة الاجتماعية في المجتمعات العربية.
تتنوع التغييرات والآثار التي تحدثها الكلمة في المجتمع. وهذا يعتمد على الفكرة المطروحة والفترة التاريخية والثقافية التي كتب فيها الأدباء والكتاب.
قد تختلف هذه النتائج من بلد لآخر ومن فترة زمنية إلى أخرى، وتعتمد على قدرة الكتاب وقوة تأثير أعمالهم على الجمهور..
واليوم في ظل العولمة والمنابر المفتوحة من كل حدب وصوب للكلمة المكتوبة والمسموعة، بات ملحا على القيمين على المجتمع من قادة ومفكرين ورجال دين العمل الجاد والتعاون المخلص في البحث عن وسائل صيانة للمجتمع، من طرق مستحدثة في التربية تاخذ بعين الاعتبار هذا الانفتاح ، وبرامج توجيهية فعالة في الهيئات التربوية على كافة المستويات، وبرامج اعلامية هادفة تعالج مساوئ الانفتاح وتوجه الجمهور وتخلق تاثيرا معاكسا لهذا الانفتاح الاعمى، وتعيد تشذيب الافكار الموروثة، ضمن خطة متبناة من اعلى المستويات، تتضمن عملية إصلاحية تنهض بالقيم الصالحة، وتعزز المناعة الذاتية لضمير الفرد وتحصنه بالوعي والمسؤولية الاجتماعية..
ولورقة الاديبة صفاء صبحي الحطاب، وقع في ندوتنا، اذ قالت
للكاتب دور ومسؤولية الانطلاق من المجتمع وتلمس واقعه وهمومه وتحدياته والقضايا التي تهمه، وعليه تحمل مسؤولية وطنية نحو توجيه المزاج العام لما يمتلكه من أدوات قد تمكنه من التواصل مع وجدان المتلقي دون حواجز.
الكاتب الجيد المنطلق من فكر واع ومعايير أخلاقية عليا هو بمثابة حلقة الوصل بين المجتمع وصانع القرار وبين المجتمع وكل فكرة مستجدة يمكنه هو بوعيه استيعابها، وبقلمه ولغته القريبة من الناس تهيئة المناخ العام لاستقبال تلك الأفكار، وبالنتيجة قبولها كأفكار قابلة للنقاش، أي أنه وأقصد الكاتب هو الموكل من المجتمع توكيلا عاما.
يستطيع الكاتب الأديب أن يكون مهندسا لما يجب أن يكون عليه المجتمع يوما ما، شريطة أن يقوم بقراءة المجتمع بشكل مناسب يضمن تحقيق طموحاته، وشريطة أن يكون قادرا على أن يروج ويسوق لذلك التغيير المطلوب بتقنيات احترافيه تتطلب إلزامه بمعرفة منوعة وثقافة راسخة بمجالات إنسانية كثيرة، يستطيع من خلالها اختيار تقنياته.
دور الكاتب العربي تاريخيا:
لو استعرضنا دور الكاتب عبر العصور، لوجدنا أن في كل المجتمعات كان للشاعر والخطيب دور ريادي في قيادة المجتمع، والتعبير عن آرائه وتطلعاته، ودور رئيسي في توثيق ما تمر به أمته ومجتمعه.
فمنذ عصور قبل الإسلام إلى عصر النهضة الحديثة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومهمة الكتاب العرب تتجسد في النهوض بالواقع، ومسح غبار التخلف وآثار النكوص الحضاري المترتبة عن الهجمات المتلاحقة على منطقتنا والصراع غير المجدي.
وفي ظل ذلك الظلام بقي دور الكاتب المثقف كالقنديل الساطع، الذي ينشر عبر المسارات الفنية والثقافية المختلفة كالصحافة والمسرح والمؤلفات وغيرها النور القادر على الأخذ بيد المجتمع للنهوض الحضاري المرجو.
دور الكاتب في المذاهب الأدبية:
تباينت المدارس الثقافية والأدبية في توجهاتها وفي توصيف دور الكاتب، فظهر مفهوم (الفن البرناسي) أو (الفن النخبوي) الذي يوجه إلى أن المجتمع لا يعي ما يريده المثقف، فعليه بالنتيجة أن يكتب سواء تفاعل معه المجتمع أم لا.
وعاكس ذلك رأي آخر يوجه بأن الفن والأدب والثقافة من المجتمع وللمجتمع، وظهر مفهوم الثقافة الملتزمة ومفهوم الأدب الفاعل، وقد طرحته كمفهوم مجلة الآداب البيروتية، والتزم به الكثير من الأدباء العرب.
ويقودنا ذلك إلى التقرير بأن المفاهيم الأدبية تضيء لنا نقطة مهمة، وهي أن الكاتب ليس كأي إنسان عادي، بل يحمل هما عاما هو هم المجتمع، ويحاول بكل ما أوتي من أفكار وأدوات أن يوصل ذلك إلى الناس، لكي ينعم مجتمعه بالوعي اللازم، وليستطيع مواكبة الركب الحضاري في العالم.
مفهوم الكاتب الملتزم مجتمعيا:
على الكاتب الملتزم أن يكون صاحب رسالة تفرض عليه الاهتمام بقضايا مجتمعه وأمته وبلده، وتلزمه بأن يصعد من أدواته الفنية والكتابية، لإيصال ما لديه بأسلوب وشكل سليم ومؤثر.
وعلينا أن نؤكد على أن التزام الكاتب بقضايا مجتمعه لا يعني أن تتحول كتابته إلى مجرد كتابة كلام تقريري، خال من المشاعر والبعد الفني المؤثر.
صحيح بأن الالتزام له محددات، لكنها لا تقف حائلا أمام عملية الإبداع الحقيقية. ومن المدارس الفنية التي وقعت تحت هذا التأثير بعض أتباع مدرسة الواقعية الاشتراكية التي جاء بها مكسيم غوركي، فبعض أتباع هذا المذهب تحولوا بمرور الوقت إلى إنتاج كتابات تقريرية خالية من روح وأحاسيس الإنسان الحقيقية.
فعلى الكاتب المثقف أن يوازن بين تطلعاته وأحاسيسه، وبين البعد الجمالي للكتابة وامتلاك الأدوات الحقيقية، وبين الأهداف والتطلعات التي يسعى إلى تحقيقها من خلال الكتابة.
مفهوم التعاضد بين الكاتب كمنتج وبين الجهة الرسمية:
نلاحظ بأن الكاتب كان محط اهتمام الجهات الرسمية المسؤولة منذ عهد القبيلة وصولا إلى عهد الدولة الحديثة، وهذا الاهتمام كان سببا في نجاح دور الكاتب في المجتمع.
وهذا لا يعني بالضرورة تحييد دور الكاتب أو التضييق عليه، إنما هو دور تضامني مهم جدا، سينتج عنه معطيات إيجابية كثيرة مؤثرة، توصلنا إلى الأهداف المرجوة.
وخير مثال على ذلك الاحتضان الرسمي لفعاليتنا الثقافية المجتمعية هذا اليوم.
وأختم بقول توفيق الحكيم:
إذا أبصرت شعاعا، فاعلم أن وراءه كوكبا، وإذا أبصرت أدبا، فاعلم بأن وراءه حضارة.
وكانت ورقة د.احمد الحليسي، ذات مكانة في ندوتنا اذ كتب يقول
بداية أتوجه بالشكر لمعالي الدكتور صلاح جرار راعي هذه الندوة ,ولمعالي الدكتور فيصل الرفوع المشرف العام على الملتقى ,وللأستاذ غازي العمريين مدير الملتقى والمؤسس له , كما أشكر جميع الزملاء على تفاعلهم واهتمامهم في إنجاح هذا الملتقى .
في المجتمعات القديمة , وخاصة عندنا نحن العرب كانو يحتفلون عندما يولد فيهم شاعر أو خطيب , أي يظهر في مجتمعهم شاعر يمجد القبيلة ويدافع عنها بلسانه ويهدد أعداءها ويبرز محاسنها , وتكون أشعاره حديث المجالس للتسلية والمرح وحث الهمم على الخير أو على الشر , ووصلنا أسماء شعراء كثر لا تزال تردد أشعارهم إلى الآن , وأيضا الخطباء في مجتمعاتهم وقبائلهم ونستذكر الخطيب أكثم بن صيفي وخطب سيدنا الإمام علي رضي الله عنه في نهج البلاغة وغيرهم كثر .
وفي عصرنا الحاضر تعددت الأسماء لمن يطلق عليه كاتب , فالروائي كاتب والصحفي كاتب والإعلامي كاتب والشاعر كاتب حتى من يوظف وسائل التواصل الاجتماعي بكتابات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية فهو كاتب ويؤثر في مجتمعه سلبا أو إيجابا .
والكتاب أنواع , منهم من يعيش في برجه العاجي وينعزل عن الناس ثم يكتب من دون مخالطة الناس والتعرف على أحوالهم , يعتمد هذا الكاتب على النظر من بعيد أو على السماع أو على من يحيط به في هذا البرج , فتكون الأحداث غير واقعية والشخوص مفترضين , فيخرج لنا أدبا يتواءم مع هذه المجموعة من الناس التي تعيش نفس حياة هذا الكاتب , إذا عاش الكاتب في برجه العاجي فكيف يؤثر ويتأثر ؟ من أين سيعرف أحوال الناس إن لم يزر الحواري والحارات ويمشي مع الناس ,من أين سيأتي بالأفكار ؟ وعن أي شيء سيكتب ؟ وكيف سيعرف ردة فعل الجماهير عما يكتب ؟ ألم يقل رسولنا الكريم أن المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم . أليس من الاختلاط ترفرف الفكرة في جناحيها أمام ناظريك؟ ألا يثيرك مشهد في المسجد ؟ أو المرضى في المشفى , والطلبة في الجامعات , والتلاميذ في المدرسة , والموظفين في العمل, والعساكر في ثكناتهم ؟ صحيح أن العزلة توفر الوقت فقط والجهد البدني ولكنها لا تخلق الإبداع لأن الإبداع يحتاج إلى رحم يخرج منها , ورحم الإبداع هو المجتمع , العزلة المؤقتة مطلوبة , وهي مطلوبة ليست للكاتب فقط بل للجميع لأنها عبارة عن فرصة للفرد لتقييم نفسه والتفكير فيما هو قادم .
كما قلنا في عصرنا الحاضر كثر الكتاب بجميع صفاتهم , فمنهم من أصدر أدبا متميزا استفاد منه الناس وأثر إيجابيا في المجتمع , ومنهم من استغل الكتابة ووظف وسائل التواصل الاجتماعي توظيفا سلبيا كانت النتيجة تزوير الحقائق والكذب والدس واغتيال الشخصية ,وفي هذا المقال , نقول : أن من الكتاب من كان له دورا إيجابيا في مجتمعه أثر في الناس والمجتمع وكان سببا في تقدم وازدهار أمته بل له تأثير على الإنسانية جميعا , وهناك من باع نفسه للشيطان فاستغل موهبته في التدليس والكذب ومحاربة الفضيلة و رفع الأسماء التي لا تستحق أن تذكر وهمش كثيرا من المخلصين , وأبرز أسماء عليها وزر من عمل باتجاهاتها إلى يوم الدين , فتحدثوا عن تحرير المرأة ويمجدون فلانة لأنها ألقت حجابها في النيل , وللأسف كأن غطاء الرأس هو سبب تجهيل المرأة وعندما أزالته أصبحت حرة , أية سخافة , وأية جهالة ؟
ويأتي إلينا سؤال : ما هي وظيفة الأدب وما هو دوره في حركة المجتمعات ؟ فأرى أن الأدب انعكاس لرؤية الأدباء وتصوراتهم المستقبلية ,فإليكم ما قاله القاص المبدع يوسف إدريس عن علاقته بالمجتمع : أما نحن فإننا ندعو من أجل تدعيم هذا الأدب وتركيزِه وتوضيح اتجاهاته إلى سلوك سبيل الالتزام. سمّوه ما شئتم، ذلك هو الأدب الحيّ الذي ينبع من المجتمع ويصب فيه , فيكون صورة حية له، وذلك هو الأديب الذي يصهر عواطفه جميعَها في بوتقة الناس وحاجاتهم، فينفذ إلى أغوار مشكلاتهم فيصدق في الإحساس وفي التعبير عنها والمشاركة في إيجاد حلول لها ".